الجمعة، 23 ديسمبر 2011

إلا القلوب الجبانة - أحمد الصاوي

جريدة الشروق - 23/12/2011

ستكون فى ميدان التحرير اليوم، تشارك فى احتجاج حضارى ضد كل القادمين من أنفاق الحضارة وظلماتها، لكنك قبل أن تنزل من فضلك احسم مع نفسك الهدف، هل تملك رؤية سياسية تريد التعبير عنها وهذا حقك، أم أنك غاضب وثائر على ما جرى من انتهاك للحرمات وحق الحياة؟ هل تنزل من أجل موقف سياسى تعلنه، أم من أجل خيار أخلاقى تتبناه ولا ترضى للسياسة وتفسيراتها وانحيازاتها الرخيصة أن تطغى على مشهد أخلاقى فى الأساس فتدفعك أن ترفض الظلم لأنك مختلف سياسيا مع المظلومين، وألا تشعر بالقهر لأنه بعيد عنك وعن من تعرف، وأن تنظر للنساء وقد جردن من ثيابهن ومشايخ الأزهر وقد غدر بهم وكأن أمرا عاديا حدث، لا ترى الشباب النقى الذين ذهبت أرواحهم إلى بارئها تشكو امتهان شرعه، وتحويله إلى أداة سياسية «ترقص» بين الحق والباطل دون تمييز.. تغضب من أجل «أختهم كاميليا» وترفع آيات النصرة والإغاثة، فيم يخفت صوت ذات الآيات حين تنتهك الأعراض جهارا نهارا.



أنت الآن فى الميدان منحاز لأخلاقك، التى وجدتها فى القرآن والإنجيل والتوراة، وكل قيمة قادمة من السماء، دون أن تتاجر بها، أو تحاول أن تشترى بها مقعدا فى البرلمان، أنت لا تعرف النساء اللائى سحلن، والشهداء الذين راحوا، هل هم ليبراليون مثلك، أم إسلاميون، هل هم أقباط أم مسلمون، هل هم رجال أم نساء، هل هذا يهم، هل كان المعتصم بالله يعرف من هى المرأة التى خرج الجيوش لنصرتها، أو سأل نفسه هل هى من المؤيدين لحكمى أم المعارضين؟



لا تسقط مرة أخرى فى اختبار الأخلاق، سأقولها لك صريحة، لقد سقطت فى امتحان «ماسبيرو» تركت لهم عقلك فملؤه بالطائفية المقيتة، قالوا لك إن «مينا دانيال» مجرد قبطى، والحقيقة أن صمتك على قتل مينا كان سببا فى قتل الشيخ عماد، بالأمس طلبوا منك أن تفسر الموت طائفيا حتى لا تتعاطف مع مسيحيين ماتوا مدهوسين على الإسفلت، واليوم يريدونك أن تفسر الموت سياسيا لتبرير الاستباحة والعار، لكن الحقيقة أنه لم يعد مطلوبا أن تكون مسلما أو مسيحيا، سياسيا من اليمين أم اليسار، ناشط بمرجعية إسلامية أم مدنية، المطلوب منك الآن أن تكون إنسان وكفى.



لا تعتقد أن الأخلاق بعد أن يعاد تفسيرها طائفيا أو سياسيا تصلح بعد ذلك أن تسمى أخلاق، الطائفية مرض والسياسة وجهات نظر نسبية، لكن الأخلاق مطلق لا يقبل التجزئة، وأنت فى الميدان اليوم لأنك إنسان، أخلاقك هى الثابت ومواقفك السياسية هى المتحرك، ووجودك اليوم دفاع عن الثابت فى تكوينك كإنسان ليس إلا.



لا تنظر حولك لتحسب الأعداد، لا تستوحش طريق الحق لقلة سالكيه، لا تهتم بمن لم يحضر، أو من يحرض عليك، أو من لم يمنعه دينه عن نفاق السلطة، ومن لم يحرضه «إيمانه» على قول كلمة حق فى وجه السلطان الجائر، اعلم أن قضيتك عادلة لها مرجعية دينية وقانونية وأخلاقية، لا تكترث بالقلوب الجبانة والتى فى صدورها مرض أو غرض، أنت الفاروق الجديد الذى ميزت بين الحق والباطل، واخترت «فطرتك» التى خلقها الله لتنصر العدل.



< «أدى الشهيد.. مصرى بنى آدم.. فى الأرض كل الناس بتحبه.. إلا القلوب الجبانة» أو كما قال أحمد حداد.. فلا تكترث بكل قلب جبان لم يحضر، ولا بكل قلب جبان يخون دماء الشهداء..!

http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=22122011&id=4f0d97a8-316e-48d4-aa69-0ab87a4c2749

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق