الاثنين، 21 نوفمبر 2011

رأيى فيما يحدث - حالد الخميسي

كان مشروع التوريث مرفوضا من قبل كل من: الولايات المتحدة الأمريكية، والجيش المصرى، والمخابرات المصرية ومن قوى مصرية عديدة. وعندما بدأ مبارك فى طلب الرضا السامى من واشنطن، رفعت أمريكا بطاقة الفيتو على مشروع جمال مبارك.هذا الفيتو أدى إلى قيام مبارك ــ لأول وآخر مرة ــ بتحدى الامبراطورية الأمريكية (التى بدأ استعمارها رسميا لمصر منذ ثورة التصحيح فى مايو 1971). رفضت أمريكا مشروع التوريث لأنها رأت أن فى مصلحتها أن يكون الجيش المصرى هو حاكم البلاد. وعندما قامت الثورة المصرية ــ التى كانت ثورة مصرية شعبية لم تمولها أو تدعمها أمريكا كما قيل من البعض ــ قام الجيش بالاتفاق مع المخابرات المصرية بعمل الشىء المنطقى الوحيد حينذاك، وهو إزاحة مبارك باعتباره ورقة محروقة، والبدء فى مشروع تأسيس نظام جديد يتمتع (بشكل) ديمقراطى ويظل مواليا للولايات المتحدة الأمريكية وللسياسات الاقتصادية التى تم فرضها علينا من النظام الدولى ويحمى مصالح الأصدقاء الإقليميين والدوليين، كما يحمى المصالح الاقتصادية المتشابكة للقوات المسلحة. ولو أن الجيش سلك دربا مخالفا لذلك لتعرضت مصالح القوى السياسية الدولية والقوى المالية المهيمنة على الكون إلى الخطر فى هذه المنطقة. ولو تم ترك الحراك الثورى مستمرا لكان هذا الأمر يعنى بالنسبة إلى تلك القوى المحلية والدولية وقوع مصر فى مهب الريح، بل وإمكانية ــ والعياذ بالله ــ وقوع البلاد تحت سيطرة حكم «قوى وطنية ثورية».



●●●



فما الذى يستطيع الجيش فعله وهو يفتقر إلى الخبرة السياسية كما أنه لا يمتلك آليات العلاقة مع الجماهير؟

كان على الجيش العثور فورا على «جسر» أو «وسيط» بينه وبين الشعب وبين القوى السياسية الأخرى إن لزم الأمر، كى يسهل له تمرير ما يريد من رسائل سياسية لتأسيس النظام المطلوب فى هذه الظروف.

كان الحل الوحيد المطروح هو إدارة حوار مع القوى السياسية القائمة ثم عقد اتفاق بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة وبين قوة بعينها لتقوم بدور الجسر.



وكان الإخوان المسلمون هم الأقرب. فهم من جهة تنظيم اشتهر بعقد الصفقات السياسية مع مختلف النظم السياسية عبر تاريخه منذ حكم الملك فاروق حتى يومنا هذا، من جهة ثانية يحتفظ بوجه نضالى مقبول من فئات عدة، ومن جهة ثالثة كان جزءا فاعلا فى النظام السياسى العام لحقبة مبارك، ومن جهة رابعة فان عددا كبيرا من أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة يشاركون الإخوان توجههم المحافظ (من «حفظ» أى الحفاظ على النظام القديم. وهو عكس التيار المطالب بالتغيير). حيث أن الاثنين ينظران إلى قضية الحريات والعدالة الاجتماعية بقدر من الحذر باعتبارها من الموضوعات التى ينبغى استبدالها بقضايا أخرى، مثل العودة إلى القيم القديمة والدفاع عن أمن مصر، وغيرها من القضايا الفضفاضة التى يمزجونها بمطالب الثورة.



وافق الأمريكان على الصفقة مع الإخوان. وبدأنا فى هذه الأيام نستمع ــ بصورة شبه يومية ــ إلى مباركة أوباما للفوز الإخوانى المحتمل فى الانتخابات التشريعية. وقد بدأت منذ فبراير حملة فى الإعلام المصرى تقوم بالدعاية للإخوان المسلمين، وتسلط الأضواء على نضالهم السياسى، والثمن الباهظ الذى دفعوه ممثلا فى التنكيل بأعضائهم والزج بهم فى سجون العادلى. وبالطبع فإن هذا الأمر يجرى دون ذكر أخبار رجال الإخوان فى المجالس النيابية السابقة وعلاقاتهم المشبوهة مع نظام مبارك، ولا علاقات رجال أعمالهم مع النظام المالى الإقليمى والمحلى، وشبكة علاقاتهم المعقدة مع السعودية الحليف الرئيسى لأمريكا فى المنطقة.



وماذا بعد؟ ما الذى يمكن فعله لاحتواء الثورة وتحويل مطالبها إلى «أسياخ من الحديد المطاوع» الذى يسهل تغيير شكله؟



●●●



هناك قضية الدستور، وقضية الانتخابات، والشكل الديمقراطى، وقضية الثائرين فى الشارع المطالبين بالتغيير الحقيقى. إذن، لابد أن يسير الحل عبر أكثر من درب وهذه هى الدروب الذى سرنا فيها مع المجلس العسكرى:



ــ البدء باختيار المستشار طارق البشرى ــ القريب من التيار الإسلامى ــ رئيسا للجنة تعديل الدستور (ومن المحتمل أن ذلك الأمر قد مثل جزءا من الصفقة مع الاخوان)



ــ صياغة مشروع الاستفتاء كما عرفناه (وكان الأداء السياسى كارثيا، واعتبر العسكر نتيجته تأييدا لهم).

ــ تأصيل مفهموم «فوقية القرارات»: فعلى الجميع الاستجداء عند أعتاب المجلس الأعلى للقوات المسلحة طلبا للرضا السامى، وهذا تم بمباركة القوى السياسية المصرية التقليدية كلها.



ــ زرع متفجرات دائمة ليصبح الفعل الثورى رد فعل لهذه المتفجرات، والترويج لقضايا خلافية بعيدة كل البعد عن أولويات العمل السياسى.



ــ البدء فى فض الاعتصامات بالعنف.



ــ تقييد الإعلام من خلال قدر من الحنكة فى إدارة علاقات مع القوى المالية والسياسية المهيمنة على الإعلام.



ــ الاستمرار فى مشروع «الفتنة الطائفية» بنفس الأداء الذى بدأه أنور السادات فى الزاوية الحمراء فى يونيو 1981، حيث توالت المشاهد المرعبة واحدا بعد الآخر منذ فبراير، وفى كل مرة كان يجرى إعلاء الخطاب الدينى عبر إرسال مجموعة من الدعاة للحوار، كبديل عن الخطاب السياسى الواجب وكبديل عن اتخاذ القرارات الحاسمة.



ــ بعد الاطمئنان من نتائج الحوار مع القوى السياسية التقليدية، بدأ الجيش حملته ضد القوى السياسية الشابة والجديدة وبدأ القبض على الناشطين السياسيين.



ــ زرع بالونات اختبار متعددة الألوان، استهدفت من ضمن ما استهدفت شغل الإعلام يوميا بمختلف القضايا التافهة.



ــ تمرير رسائل خوف متصلة وهى الرسائل المرتبطة بالكارثة الاقتصادية القادمة، والاخطار الدولية المحتملة، وتزامن مع الترويج لسياسات الخوف الانسحاب الأمنى الداخلى لإيقاف المد الثورى والحركات الاجتماعية المطالبة بالتغيير.



واستمر الإخوان المسلمون خلال ذلك الوقت باللعب ببراعة بلعبة الوجوه المتعددة، حيث أثبتوا جدارة شديدة فى لعبة الإعلام، وذلك من خلال خطاب ديماجوجى يليق بما وصلنا إليه من إنحطاط بعد عقود من التخلف السياسى.



ــ والرسالة الأهم التى كان على المجلس الأعلى للقوات المسلحة وحلفائه التحضير لها ــ وقد نجحوا فيها إلى حد كبير ــ هى التأكيد على فكرة أن الثورة المصرية قامت من أجل انتخابات أكثر نزاهة (من انتخابات أحمد عز). ما الذى تريدونه أيها الثوار؟ هل تريدون الديمقراطية؟ وما معنى الديمقراطية؟ إن معناها انتخاب الرئيس مرتين ثم تغييره، معناها القيام بانتخابات برلمانية نزيهة (نسبيا)، وبالطبع الفصل بين السلطات الثلاث فى إطار دستور ابن حلال. حسنا، سوف نلبى تلك الطلبات.



هى رسالة ذكية تم التأكيد عليها عبر الاعلام وفى نفس الوقت بعيدة كل البعد عن مطالب الثورة، حيث إن المطلب الرئيسى للثورة كان إسقاط ذلك النظام الذى انتهج سياسة اقتصادية فجة لصالح الأغنياء ضد الفقراء، نظام مارس القمع والإرهاب بشتى صوره (ومازال مستمرا فيه حتى يومنا هذا)، نظام خنق الحريات وقضى على التعليم وأعلى من سطوة الأمن، وخنق الحلم داخل روح كل مصرى، نظام يفرق بين المصرى والمصرى على ألف أساس وأساس، نظام انهارت فيه القيم وانتشر الجهل والتعصب والقبح. وفى سبيل القضاء على مثل ذلك النظام، فنحن نحتاج إلى أكثر بكثير من انتخابات برلمانية ورئيس يتغير كل أربع أو ثمان سنوات. لقد استمروا فى تأصيل الفكرة الأساسية التى عمل عليها نظام مبارك: «الشكل دون الجوهر».



وتم الاستمرار فى تمرير الرسالة المهمة والخطيرة، والمتمثلة فى أن الانتخابات هى أهم الأشياء فى تاريخ الثورة المصرية، وهى منتهى آماله وغاية طموحاته. ويستكمل العسكر خارطتهم فى إعادة تشكيل الحديد المطاوع. أولا: التمسك بنسبة الـ50% عمال وفلاحين. (فهؤلاء النواب سوف يسهل التعامل معهم)، ثانيا: التمسك بنسبة الفردى خارج القوائم الحزبية. ثالثا: إقامة الانتخابات التشريعية القادمة على مراحل. وهى تبدو فكرة رائعة للسيطرة على النتائج، حيث تتيح التعرف على محصلة كل مرحلة، والتصرف فى المرحلة التالية لها طبقا لتلك النتائج.



●●●



هل هناك إمكانية لعقد اتفاق استراتيجى بين المجلس للأعلى للقوات المسلحة والإخوان؟ إنه أمر مستحيل يعلمه الطرفان جيدا، وتظل الخلافات قائمة بينهما، والصفقة مرتبطة بزمن بعينه وظروف بعينها، كما أن الجيش يعتمد على ولاء رئيس الجمهورية القادم له. وهذا هو الأمر الأساسى فى المرحلة الحالية. ولكى يضمن الجيش ولاء الرئيس القادم له، فلا بد أن يستمر فى منع الاعتصامات والسيطرة على الإعلام، واستخدام سلاح البلطجية التاريخى، والاستمرار فى القبض على الناشطين السياسيين، ومحاولة إيقاف أى عمل ثورى، والاستمرار فى الانفلات الأمنى، وفى طلب العون من حلفائه المحليين والدوليين.



هل يفكر الجيش فى عملية خروج آمن مثل تلك التى عرضت على مبارك منذ عامين ورفضها؟ لا أظن، فهم بالتأكيد قلقون على أوضاعهم الأمنية والاقتصادية، لكنهم مستمرون فى مشروعهم لخلق نظام سياسى مصرى أليف وموالى للامبراطورية الأمريكية وللنظام المالى المرتبط بها. وهم مطمئنون إلى الأداء الممتاز للإعلام المصرى فى غسيل عقول نسبة كبيرة من المصريين لخلق تيار جماهيرى يدافع عن إنجازاتهم. لكنهم لا يرون أن الشمس قد بدأت بالغروب عن أمريكا، وأن أزمة النظام الرأسمالى فى أوجها. ويبدو أن أخبار اليونان وأسبانيا والبرتغال وفرنسا وإيطاليا وانجلترا وغيرها لم تصل مصر بعد، ولا حتى تلك المظاهرات التى تموج فى أمريكا، أظن أنهم يشعرون الآن بانتصارهم القادم. فى الوقت الذى يعتقدون فيه (بصدق) أنهم يقومون على خدمة مصر بشرف، وعلى حمايتها من شر التغيير، لأن الاستقرار (فى رأيهم) هو بر الأمان فى زمن صعب.



●●●



هل من المقدر النجاح للنظام المصرى الأليف المقبل؟ «فى المشمش». ربما ينجح فى الانتخابات القادمة، لكن مصر والعالم سوف يسلكون دربا مختلفا تماما، حيث إننا على أعتاب عصر جديد. فالعصر الحالى الذى بدأ باختراع الطباعة يلفظ أنفاسه الأخيرة، ليبدأ عصر جديد مواكبا للطريق الذى شقه الانترنت. فنحن على أعتاب مرحلة «موت السياسة» كما عرفناها، وسيطرة تشكيلات اجتماعية جديدة على مقدرات الكون عبر الخمسين عاما القادمة، وفى هذه المرحلة القادمة لن يصبح هناك بالتأكيد موقع لحكم الجيوش ولا لفكر الإخوان المحافظ والرجعى. فالعصر الجديد سوف يحكم فيه الثوار القابعون الآن فى السجون، ومعهم جميع من ظل فى الشوارع حتى الآن يطالب بالتغيير.

الاختبار الميدانى لمقولات علاء الأسوانى – تانى

احترامى لهذا الرجل كبير منذ أن كنت أقرأ له من سنوات فى جريدة العربى الناصرى، وكان يكتب كلاما لا يقول به إلا وطنى شجاع جرىء مغامر. وحين تعرفت عليه أكثر بعد كتاباته فى جريدة «الشروق» وجدت أن الشخص الكامن خلف الكلمات ينطبق تماما مع الظاهر من صفاته. انطباق ينم عن أصالة وجرأة فى الحق تغفر أى صغيرة هنا أو هناك إن حدثت.



كتب الرجل كثيرا عن تدين المصريين الشكلى، ولأننى آتٍ من خلفية معرفية مختلفة، فقد وجدتها فرصة فى الماضى أن أتعلم منه بأن أختبر مقولاته فوجدت أكثر استنتاجاته صحيحة بشأن تأثير التدين الشكلى على توجهات المصريين مستندا فى ذلك إلى استطلاع رأى تجريه جامعة ميشجان الأمريكية. وكتبت آنذاك مقالا بنفس عنوان هذا المقال. ولهذا جعلت عنوان مقال اليوم مختوما بعبارة «تانى» كى أتعلم منه مرة أخرى.



والحقيقة أن ما يقوله الدكتور علاء الأسوانى، وهو الخبير بهذه الأمور، قد يختطفه آخرون ويكررونه منسوبا لأنفسهم، وهو ما لم يقلقنى، ولكن بدا لى فى الأسابيع القليلة الماضى أن هناك نزعة لدى البعض أن يكرروا عبارات تحتاج لاختبار ميدانى. ولو كانوا قالوها منفردين لما ألقيت لهما بالا. لكن بما أن المتحدث هو الدكتور الأسوانى، فهى ليست طلقات طائشة أو رصاصات صوت. ولابد أن تؤخذ بالجدية التى تليق بجدية صاحبها.



إلى الموضوع، إذن.



كتب الدكتور علاء بجريدة «المصرى اليوم» الشقيقة، بتاريخ 15 نوفمبر العبارة التالية:



«فى كل الدنيا عندما يريد الشعب أن يكتب الدستور فهو يفعل تماما مثل الطلبة الذين يسكنون معا. كل طائفة أو جماعة فى المجتمع تنتخب ممثلين لها يشكلون الجمعية التأسيسية التى تقترح مواد للدستور تتم مناقشتها على الملأ ثم طرحها على الشعب للاستفتاء العام». وقدم حجته التى قد أختلف أو أتفق معها بقوله: «لأننا عندما نعهد إلى البرلمان بكتابة الدستور نقع فى تضارب للمصالح، لأن الدستور هو الذى يحدد صلاحيات مجلس الشعب فلا يمكن أن نطلب من أعضاء مجلس الشعب أن يحددوا صلاحياتهم بأنفسهم. فإذا كان نصف مجلس الشعب من العمال والفلاحين فلا يمكن أن نتخيل أنهم سيوافقون فى الدستور الجديد على إلغاء شرط أن يكون نصف أعضاء البرلمان من العمال والفلاحين. إن الأغلبية السياسية عندما تفوز بالانتخابات من حقها أن تفرض برنامجها السياسى على الأقلية».



من حسن حظنا أن دارسى العلوم السياسية فى العالم قد بحثوا هذه القضية ميدانية ليتبينوا مدى أفضلية عدم الاعتماد على المجلس التشريعى المنتخب فى وضع الدساتير. فقد قام فريق بحثى بقيادة أستاذة أمريكية متميزة بجامعة برينستون بدراسة الـ200 دستور، التى ظهرت فى دول العالم المختلفة فى الفترة من 1975 وحتى 2003. وقد وجدت أن هناك تسع طرق لكتابة الدساتير عرفتها دول العالم المختلفة. وقد كان الأكثر استخداما فيها هو أن تعهد هذه الدول إلى البرلمان المنتخب كى يقوم بذاته بصياغة الدستور (42 بالمائة من الحالات)، أو عبر هيئة تأسيسية معينة من قبل البرلمان (9 بالمائة من الحالات). أى أن أغلب دول العالم أخذت بما أخذنا به. والدراسة موجودة على موقع الجامعة المشار إليه بالأسفل.



ويشير صديقى العزيز المهندس أحمد أبوبكر إلى مفارقة فى كلام أخى العزيز د. علاء الأسوانى وما يقترحه فريق من فقهاء القانون والمثقفين المصريين من أن «العالم كله ينتخب جمعية تأسيسية بعيدة عن البرلمان». وبالاختبار الميدانى لصحة هذه المقولة بما فيها من تعميم صارخ، تبين، وفقا للمصدر السابق، أن هذا لم يحدث إلا فى 17 بالمائة من حالات كتابة الدساتير فى العالم منذ عام 1975 حتى الآن، وأن ما يرفضه البعض على أنه من غير المقبول عرفته 51 بالمائة من مجتمعات العالم.



ومع ذلك، فالحس الوطنى للدكتور الأسوانى، ولمن يسيرون على نفس المنهج، أصاب الكثير من الحقيقة حين أشار إلى مخاطر حقيقة لو ظنت الأغلبية أنها مطلقة اليد فى تحديد مصير الحياة السياسية عبر دستور إما شديد الجمود وغير قابل للتعديل إلا بثورة أخرى، أو أن يتحول إلى دستور أقرب إلى قانون مؤقت يتم تغييره مع كل برلمان جديد بأغلبية مختلفة. لذلك علينا أن نعود إلى عدد التجارب الأخرى حتى نتحسب لبعض المخاطر المحتملة. إن دولة مثل بولندا فعلت تقريبا ما نفعل بالضبط، ولكن حدث تعثر بسبب بعض الأخطاء فى التطبيق بسبب التشرذم الشديد فى توزيع مقاعد الهيئة التأسيسية للدستور. فقد تم انتخاب مجلس تشريعى يتكون من مجلسين بمجموع 560 عضوا فى عام 1990. قام هؤلاء بتكوين لجنة من 56 شخصا لصياغة، وللتباين الشديد فى التوجهات الأيديولوجية فشلت اللجنة مع الهيئة التأسيسية فى الوصول إلى نتيجة، فتراضوا على ما أسموه «The Little Constitution» أو الدستور البسيط بعد عامين من المناقشات.



وبعد انتخابات أخرى فى عام 1993 تم تشكيل لجنة جديدة منبثقة مرة أخرى من المجلس المنتخب، استمعت إلى جميع وجهات النظر بما فيها الأحزاب التى لم تفز فى الانتخابات، لكنها كانت تعبر عن التيار الرئيسى فى المجتمع بالأساس. انتهت إلى مشروع دستور، تم التصويت عليه فى البرلمان، حصل على أغلبية 90 بالمائة فى البرلمان، ثم تم عرضه فى استفتاء عام على الشعب صاحب السيادة عندهم، وحصل على دعم 57 بالمائة من الأصوات. وأرجو ملاحظة أن التوافق لم يكن موجودا فى الاستفتاء الشعبى حتى لا نعتقد أن نتيجة الاستفتاء لو جاءت بأقل من 80 بالمائة فهذا سيعنى حربا أهلية من وجهة نظر البعض.



ما الدروس المستفادة من كل ما سبق؟



ما فعلناه ليس بدعا من الطرق، وأرجو أن نكتفى بما سبق من حديث عن الماضى ولنتحدث عن المستقبل.



لو كان النمط السائد أن النخبة المثقفة كلما وجدت نفسها فى موقع الأقلية فستشيع الذعر فى المجتمع (والكلام ليس عن الدكتور الأسوانى قطعا، فتوازن طرحه موضع احترامى)، إذن لا مجال للحديث عن الديمقراطية، ولنسلم بما سبق وأن قاله مبارك ورجاله بأن المصريين ليسوا جاهزين للديمقراطية، وربما تحتاج الجملة لتعديل بسيط وهو «أن نخبة مصر المثقفة ليست مستعدة لتحمل أعباء الديمقراطية».



نحن معزولون عن الشارع. «نحن» هذه هى كاتب هذه السطور ابتداء والكثير ممن يظنون أن المجتمع يستيقظ كل يوم ليقول: «يا ترى كيف سأفكر اليوم؟ يا ترى ما هى منظومة القيمة التى ستحكم معتقداتى السياسية خلال هذا الشهر؟» المصريون لهم حساباتهم المختلفة تماما عما يتصوره أحاد الناس.



كما هو الحال فى الكثير من المفاصل التاريخية البعض يرفع شعار «نظريتى فى مقابل تاريخك» بمعنى أن التاريخ حدث ولا يمكن تغيير أى متغيرات فيه، أما نظريتى فأنا أستطيع أن أحرك كل افتراضاتها كما أشاء. ولهذا من اختاروا بديل «نعم» للتعديلات الدستورية سيظلون فى وضع انتقاد شبه دائم ممن لم ترتض نفوسهم أو تقبل عقولهم بنتيجة الاستفتاء. وأسوأ ما فى حالتنا أن أهل «نعم» لن يُنتَقدوا على ما اختاروه بالفعل وإنما على نتيجة مشوهة جمعت بين نصائح وفزّاعات بعض أهل «لا» مع قرارات إدارة انتقالية حائرة ومتخبطة.



«ولتكن شدتنا فى الحق شدتين» كان عنوان مقالى بعد نتيجة الاستفتاء مستحضرا كيف أن اختلف الصحابيان العظيمان أبوبكر وعمر بشأن حروب الردة، وكيف أنهم فى النهاية احتكما لما فيه مصلحة الأمة. وحدة الأمة على قيمها العظمى فرض، أما الوسيلة فهى نفل. ولو كنا نخبة بجد، فلا نضيع الفرض من أجل النفل.



شكرا للدكتور علاء الأسوانى، ولكل من يجتهد حبا لهذا الوطن وحرصا على صالحه. ولتعلو مصر.

الموقع المشار إليه: HYPERLINK



www.princeton.edu/~pcwcr/about/index.html

www.princeton.edu/~pcwcr/about/index.html