الأحد، 25 مارس 2012

دولة الرءوس الأربعة - عبد الله السناوي

الشروق في 19/3/2012

هناك سؤالان يضغطان على أعصاب التحولات الجارية فى بنية الدولة لهما أسبقية على أية أسئلة أخرى: من هو رئيس الجمهورية القادم وما حدود صلاحياته الدستورية.. ومن هو وزير الدفاع التالى وما حدود الدور الذى يمكن أن تلعبه المؤسسة العسكرية على مسارح السياسة المضطربة؟


السؤال الأول، يتعلق مباشرة باستحقاقى الرئاسة والدستور. والسؤال الثانى، يدخل فى ملف شائك حول مستقبل المؤسسة العسكرية والترتيبات التى سوف تلحق ببنيتها فور أن يغادرها رجل أمسك بمقاديرها لنحو عقدين.

المشير «حسين طنطاوى» يؤدى الآن الدورين معا: رئاسة الدولة وقيادة الجيش، وهو من موقعه فى كوبرى القبة يهيمن بصورة كاملة على مؤسسات القوة.

عندما سُئل: «لماذا لا تدير شئون الدولة من قصر الرئاسة؟».. رد على الفور: «لست رئيسا حتى أذهب إلى القصر الجمهورى». إجابته توحى بالإحجام عن السلطة العليا ومظاهرها، ولكنها تفصح فى الوقت ذاته عن إدراك للقوة وحقائقها. فى هذه اللحظة بالذات مركز السلطة عند موضع السلاح.. فى كوبرى القبة لا فى قصر العروبة.

وهنا بالضبط حيث القوة وحقائقها تتبدى تعقيدات قضية ما بعد المشير.

فى السؤال الأول إجابته واضحة: «لن أترشح للرئاسة»، رفض الضغوطات عليه داخل العسكرى، بعض مقربيه مقتنعون بأنه لن يتراجع عن خياره تحت أى ظرف «حتى لو قبلنا قدميه».

فى السؤال الثانى إجابته معلقة فى فضاء العسكرى. الأغلب أنه سوف يغادر منصبه فى وزارة الدفاع دون أن يصحب ذلك بالضرورة مغادرة موقعه كقائد عام للقوات المسلحة. وهذه مسألة بطبيعتها لابد أن تخضع لتعديلات جوهرية فى طبيعة إدارة المؤسسة العسكرية، فالرئيس الجديد هو قائدها الأعلى، ولكن دوره يقتصر على رئاسة اجتماعات مجلس الدفاع الوطنى عند نظر ميزانية القوات المسلحة أو البت فى إعلان الحرب، دون أن يكون من حقه التدخل فى ترقيات وتعيينات قادتها وضباطها أو الإحالات إلى التقاعد. يُصدق فقط على الكشوف التى تعدها قيادة الجيش.

بقى المشير على رأس القوات المسلحة أو غادر فإن تحولات جوهرية فى بنية المؤسسة العسكرية وطبيعة قيادتها على وشك أن تصاغ فى تعديلات تحكم عملها، إن لم تكن قد صيغت بالفعل. والمثير هنا أن تكهنات راجت عن استقالة جماعية للعسكرى عند انتهاء المرحلة الانتقالية، وهى تكهنات صائبة إلى حد كبير فى حالة المستشارين العسكريين الذين ألحقهم المشير بالمجلس بعد ثورة يناير، ولكنها خاطئة تماما فى حالة قادة الأفرع الرئيسية وقادة الأسلحة والجيوش، فـ«لا أحد يستقيل من مهمته».

ترتبك التكهنات فى حالة مغادرة المشير لموقعه على رأس القوات المسلحة. من يخلفه؟

الاحتمال الأرجح ألا يخلفه الفريق «سامى عنان»، فالرجلان عملا معا فى إدارة الدولة أحدهما رئيس فعلى والثانى نائب له. وهو احتمال تزكيه فكرة إبعاد الجيش عن السياسة بقدر ما هو ممكن. وفى الاحتمالات جميعها فإن القرار للمشير وحده. ولكنه يبدو حذرا فى الإفصاح عن توجهه خشية إثارة نزاعات لا ضرورة لها فى وقت مبكر.

المؤكد أن أدوار المؤسسة العسكرية فى ميادين السياسة سوف تمتد لسنوات أخرى قادمة، ربما لنحو عشرين عاما على ما يقدر قادة عسكريون، والسؤال هنا ليس فى تأكيد أو نفى أن يكون لها دور سياسى، بل فى طبيعة الدور وحدوده.

فى أوضاع التحولات الجارية واضطراباتها فإن من مصلحة القوات المسلحة أن تعود لمهماتها الطبيعية بأقصر وقت تستطيعه، وأن تصحح بتسليم السلطة لمدنيين من الصورة المحطمة التى باتت عليها، لكن العودة إلى الثكنات، أو المهمات على ما يفضل أن يقول العسكريون، لا تعنى على أى نحو طلاقا بائنا مع السياسة ومسارحها الملتهبة، فلإبعاد الجيش عن السياسة اشتراطات موضوعية من بينها بناء نظام ديمقراطى حر يحترم الحريات العامة لمواطنيه يؤسس لشرعية دستورية تكرس مبادئ الثورة، وأن تنجح فى الوقت ذاته التجربة الديمقراطية فى توليد طبقة سياسية جديدة تدرك حقائق  الدولة، وأن تنهض بالاقتصاد، وتجتذب الرأى العام إلى صفوفها.

هذه شروط لازمة لتنحية الجيش عن السياسة. ومن السذاجة الاعتقاد بأن الجيش سوف يعود إلى ثكناته بأمر من رئيس صلاحياته مقيدة، أو فى ظل برلمان تحت الوصاية تغلب على الأكثرية فيه شهوات السلطة وروح الصفقات.

بشكل أو آخر فإن القائد العام للقوات المسلحة، أيا كان اسمه، سوف يكون أحد الرءوس الأربعة التى تمسك بمقاليد الدولة المصرية فى صياغتها الجديدة. مصدر قوته اعتبارات سلاح الدولة، التى قد تضطرها ظروفها لدعوة الجيش إلى أدوار فى حماية أمنها الداخلى، فالأمن غير جاهز على أى مدى منظور لاستعادة عافيته ضمن شروط جديدة تضمن تطهير صفوفه وإعادة هيكلته، ولفترة طويلة سوف يلتحق طبيعيا بقيادة الجيش، والمشكلة أمام الرئاسة المقبلة أن أجهزة المعلومات والتقصى شبه مشلولة بدرجات مختلفة، وهو عبء إضافى قد يسند جانب رئيسى فيه إلى الجيش وأجهزته.

إنه الجيش فى السياسة من أبواب الأمن، ولكن أدواره تتجاوز الأمن واعتباراته إلى ما يعتقده بضرورات التوازن فى بنية الدولة. وهذا دور مستجد على الجيش، فبعد هزيمة (١٩٦٧) تولدت عقيدة لديه تمانع فى التسيس وتحول دون تدخله فى السياسة، ولكن عودته للسياسة والحكم بعد ثورة يناير يؤدى موضوعيا إلى طرح قضية الدور والإلحاح عليه.

من هذه الزاوية فإن العسكرى يعنيه تماما سؤال: من هو رئيس الجمهورية القادم؟

إنه رأس البلاد ورمزها، يفاضل ويحبذ، لكن تدهور مكانته السياسية تضعه فى تعقيدات يصعب تداركها. يعتقد أن الدولة وإداراتها فى المحافظات والمحليات اختلفت بعد الثورة، وذلك يضع حاجزا يصعب تجاوزه عند إجراء الانتخابات الرئاسية، وأزمات الجماعة تحول دون التوافق على مرشح معه. والمعضلة هنا أنه لا يستطيع أن يزور على نحو فاضح الانتخابات الرئاسية فالأثمان السياسية فادحة، ولا يستطيع فى الوقت ذاته أن يسلم بنتائج الانتخابات أيا كانت.

العسكرى فى أزمة، ولكن وسائله ضاقت على حساباته، والوقت مازال متاحا أمام الصفقات اللازمة لتمرير مرشحه الرئاسى دون اللجوء إلى إجراءات فاضحة. والجماعة هى الطرف الرئيسى فى أية صفقة رئاسية محتملة. وهى صفقة تدخل فيها أطرافا دولية وإقليمية لها مصالحها ولديها نفوذها على العسكرى والجماعة معا. غير أن الجماعة بدورها فى أزمة، تمنعها هيبتها من ترك انتخابات الرئاسة تمضى على النحو الذى هى عليه دون أن يكون لها كلمة مسموعة أو أثر ملموس، ولكن وسائلها تعجز عن إدارة أزمتها، ليس لديها مرشح تستطيع أن تقنع به قواعدها. وهنا تتعقد فكرة المرشح التوافقى، ولكن يصعب استبعادها انتظارا لاكتشاف مسرح الانتخابات وحظوظ المرشحين الرئيسيين عليه.

فى نظام مختلط رئاسى برلمانى فمن طبائع الأمور وفق نصوص الدستور المنتظر أن يخول رئيس الحكومة صلاحيات تنفيذية واسعة مستندا إلى دعم البرلمان وقوى الأكثرية فيه. اختبارات القوة بدأت، فالبرلمان تطلب أكثريته إقالة الحكومة، تناور فى حروب كلامية، وتصرح فى كواليس العسكرى بكلام آخر، والعسكرى بدوره يلوح بورقتين قانونيتين أولاهما: حكم متوقع من المحكمة الدستورية بحل البرلمان، وهو أمر مؤجل لحين انتخاب رئيس الجمهورية حتى لا يحدث فراغ فى بنية الدولة، وثانيتهما، الطعن على شرعية حزبى «الحرية والعدالة» و«النور» كحزبين دينيين، ولكن تلويحه لا يقصد به الصدام، وإنما تليين المواقف فى مسألتى الحكومة والدستور.

إنها مقدمات دولة الرءوس الأربعة: رئيس الجمهورية وقائد الجيش، ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان. الثانى وراء الاول والرابع وراء الثالث. والفكرة ذاتها تستند إلى تفاهمات سابقة: الرئاسة للجيش والبرلمان للجماعة.

الجمعة، 9 مارس 2012

أمومة بلا ثدي! - أيمن زعقوق


حزّ في نفسي –بعد ما يزيد عن عام على ثورة يناير- أن أسمع من أحد أقرب أصدقائي –يعمل ويعيش في أوروبا – رأيا مفاده أن المصريين شعب جبان ومستكين. ولن ادخل في جدال حول هذه النقطة ولكني أتمنى أن اعرف كيف يؤمن بهذه الفكرة في ضوء ما يلي:

يقدر عدد المصريين الذين شاركوا في فعاليات الثورة خلال الثمانية عشر يوما بحوالي 12-17 مليون مواطن تقريبا، كلهم طبعا من المقيمين بمصر، ويزيد هذا العدد أضعافا إذا أضفنا عدد من لم يشاركوا في التظاهر ولكن ساهموا في اللجان الشعبية التي شُكلت لحماية البيوت و الممتلكات بعد انسحاب الشرطة. قارن هذه النسبة (عدد المصريين الكلي حوالي 85 مليون) بحركة الحقوق المدنية في أمريكا التي قلبت المجتمع الأمريكي رأسا على عقب بعد أن شارك بها 250 ألف من أصل ما يربو عن 200 مليون أمريكي، ثم اجبني أما زلت ترى أن اغلبنا كمصريين ينطبق عليه الجبن والاستكانة؟

يقترب عدد المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر (وليس كل الفقراء) من حوالي نصف التعداد الكلي، اغلب هؤلاء يعملون باليومية، أي أن اليوم الذي لا عمل فيه لا أكل فيه..ليس له فقط بل لزوجته  و أطفاله. السؤال: ماذا كنتُ افعل أنا (و أنا طبيب و مدرس بالجامعة) أيام الثورة؟ انزل اللجان الشعبية (مثل الغالبية الساحقة للرجال) و أشارك في المليونيات؟ اعمل بضع ساعات بمستشفً ميداني؟ استنشق بعض الغاز؟ ألتقط بعض الصور لأضعها على الفيسبوك إثباتا لمشاركتي؟!..متى؟ أيام أجازاتي..! هل تركتُ عيادة أو نوبتجية للنزول للتحرير؟ ..أبدا!! رغم أن مرتبي سارٍ ولن تكون خسارتي المادية شيئا يُذكر إن تخليت عن العمل بضع مرات!

طيب، وماذا فعل المصريون بالخارج ومنهم أخي الطبيب بأمريكا؟ كانوا قلقين..لا أحد ينكر، دعوا لمصر..لا أحد ينكر..ولكن هل يعطيهم هذا ميزة على المصريين المقيمين في مصر؟ هل مات احدهم في مظاهرة أو أصيب باعتداء غاشم؟ هل فكر احدهم (واغلبهم مرتاحين ماديا بل ولديهم وظائف محترمة في مصر) أن يترك عمله ويعود لمشاركة مواطنيه في قول "لا" للسلطان الجائر؟ بلاش..هل فكر احدهم في أن يقضي عطلته السنوية بالكامل في مصر للمشاركة في الأحداث، بدلا من التنقل بين دول الخارج وضخ الأموال في اقتصاد هذه الدول المرتاحة أصلا؟
كانوا بالخارج يؤمنون مستقبل أولادهم المادي وملايين الفقراء من المصريين بالداخل يؤمنون لهم مستقبل أولادهم الإنساني و السياسي!! ثم ماذا؟ نصمهم بالجبن والاستكانة! 

سؤال آخر لصديقي هذا ومن يحذو حذوه: وماذا قدمت أنت ليصبح هذا الوطن أفضل؟ أجهدت أحبالك الصوتية في كفاحك الحنجوري؟ أرهقت أصابعك الرقيقة في النضال الكمبيوتري؟ آلمك ظهرك و رقبتك قليلا وأنت جالس أمام شاشة التلفزيون أو الكمبيوتر تتابع الأحداث وتشاهد تحليلات الاستديوهات المكيفة؟؟ هل نمت في فراش غير دافئ؟ هل بِتّ بمعدة خاوية (غير الرجيم طبعا)؟ هل طلب منك طفلك شيئا وقلت له لا استطيع؟ هل فرغ حسابك البنكي يوما؟ ثم كيف كان نضالك قبل الثورة وما هي خسائرك الفادحة طيلة "تاريخك النضالي" المشرف؟؟

كم طبيبا و محاميا و مهندسا مات أو أصيب في أحداث الثورة و ما تلاها؟ عشرة بالمائة مثلا؟ عشرون بالمائة؟ ثلاثون؟ والباقي: من تصفهم بالجبن والاستكانة : شباب فقراء غير أو نصف متعلمين لا يملكون كمبيوترا ولا حسابا على الفيسبوك أو تويتر، سمعت احدهم بأذني هاتين أيام أحداث محمد محمود يقول لي انتم المتعلمون لا تتقدموا..دعونا نحن نخاطر وابقوا انتم لأنكم ستبنون مصر! ثم يخرج مجاهد حنجوري فيسبوكي عظيم ليعلمهم كيف تكون الشجاعة؟!! ياللعجب!

هذا حقا ما يسمى في المثل الشعبي "أمومة بلا ثدي"!!