الخميس، 13 ديسمبر 2012

موجز قبل الاستفتاء على مشروع دستور 2012

بعد تفكير عميق، واستماع مطول للرأي والرأي الآخر، وبعد قراءة متأنية أرى أن مشروع الدستور الحالي (2012) به عيوب كثيرة، إلا أني أميل للموافقة عليه، وذلك للأسباب التالية:

1.    مصر تمر بحالة فراغ مؤسسي مهول، وتنازع سلطات غير مسبوق، وتمزق وتخبط وجمود في كل المؤسسات، لذا فنحن بحاجة لخارطة طريق يرسمها دستور قد لا يلبي كل الطموحات لكنه يحقق الحد الأدنى الكافي للتحرك.

2.    مسودة الدستور الحالي، رغم مثالبها، أفضل من دستور 71، بالذات في أبواب الحريات والحكم. كما أن مثالبها – في رأيي – ليست كارثية كما يصورها البعض! وهي تضبط الاتزان بين الرئيس والبرلمان والأجهزة الرقابية، وهو مايكفي – في رأيي – كأساس يبنى عليه.

3.    صحيح أن مسودة الدستور لا ترقى إلى الطموح الثوري، لكن خذ بعين الاعتبار أنها تمثل الحل الوسطي بين اغلب الأطراف، خصوصا وأن المصريين إذا اجتمعوا للاتفاق على أمر يختلفون! والحلول الوسطى كما نعرف لن تعطي طرفا فيها كل مايتمناه!

4.    المسألة ليست في كمال الدستور وتمامه، جوهر المسألة الإرادة السياسية لتطبيق الدستور وتحقيق مقاصده من عدل ومساواة وحرية، فدستور 71 مثلا كان به الكثير من المزايا التي لم تصل فوائدها يوما إلى الشعب لأن ذلك لم يخطر ببال الحاكم!

5.    المعترضون على مسودة الدستور الحالي ليسوا مقنعين لي – أنا على الأقل- لأرفض الدستور نزولا على اعتراضهم، حيث أنهم:
a.      هم من اقترح تشكيل الجمعية المحررة لهذه المسودة (محمد أبو الغار في فندق سوفيتيل المعادي).
b.     عملوا فيها لما يقرب من 6 أشهر وكانوا يمدحون ويتغزلون، وعندما اقتربت السفينة من مرساها إذا بهم يقفزون منها دون تقديم مبررات واضحة أو اعتراضات محددة! وهو مايثير الشكوك والارتياب في سلامة موقفهم وصدق نواياهم!
c.      كانوا يطالبون بتنحية المواد الخلافية من الدستور (راجع آراء وكتابات عمرو حمزاوي على سبيل المثال)، فلما فعلت الجمعية ذلك أخذوا على المسودة "تجاهلها" لبعض المواد الهامة!
d.     يطالبون الآن بتدخل الجيش تارة والغرب تارة أخرى لتصحيح مايرونه خطأً! هل تبرر الغاية الوسيلة؟
e.     اتهموا اللجنة بـ"سلق" الدستور، أي الإسراع بإنجازه على حساب الجودة، ثم أنجزوا دستورا "موازيا" في عشرة أيام فقط، لا في ستة أشهر كما فعلت الجمعية!

6.    إذا جاء الاستفتاء برفض الدستور فإن الجمعية الجديدة ستشكل بالانتخاب المباشر، فماذا إذا جاء اغلب اختيار الشعب من الإسلاميين؟ لاحظ أنك هنا لن تستطيع الاعتراض على تشكيل الجمعية أو الطعن عليها أمام القضاء لأنها مختارة شعبيا بإرادة تعلو فوق القضاء، كما أنك لن تستطيع الاعتراض على منتج الجمعية - مهما كان سيئا- إلا في الاستفتاء التالي.

7.    لا يجب أن ننسى أو نتجاهل أن التيار المتشدد قد تنازل عن الكثير من طموحاته في مشروع الدستور الحالي، وأن بعض الغلاة يرفضونه كونه – من وجهة نظرهم - "متساهلا" في تطبيق الشريعة، و السؤال هنا: إذا رجعنا إلى نقطة الصفر مرة أخرى ماذا سيكون موقف هؤلاء؟!

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه.

ما رأيت معك خيرا قط

مما يثير حنقي وضيقي هذه الأيام استشراء ظاهرة "ما رأيت معك خيرا قط"، والتي تمارسها القوى السياسية المختلفة ودون استثناء!

فبمجرد اختلاف الرأي أو التوجه أو تضارب المصالح يجرد كل فريق أسلحته وبطلق صواريخ التشكيك والتخوين على المعسكر الآخر، ناسيا أو متناسيا ماقدمه الفريق المقابل لمصر ولثورتها بل وله هو في يوم من الأيام!

فتُنسى كتابات علاء الأسواني وعبد الحليم قنديل وبلال فضل وإبراهيم عيسى المناهضة لمبارك في الوقت الذي كان فيه الكثير من أبطال المشهد الآن يسبحون بحمده وينافقونه ليل نهار! ويُنسى كيف ألقي عبد الحليم قنديل عاريا دون نظارته في الصحراء ذات ليلة شتوية باردة لأنه هاجم جمال مبارك وأباه! ويُنسى كيف كان الإخوان المسلمون يعتقلون بالمئات وأحيانا بالآلاف لا لشيء إلا لأنهم أكثر قوة قادرة على زلزلة أركان النظام البائد ومواجهته مواجهة حقيقية في الانتخابات! وينسى دور الإخوان المشهود في حماية الميدان والثورة في يناير وفبراير 2011..بل ويشككون في هذا الدور! ويُنسى وقفة رموز التيار الليبرالي مع محمد مرسي ضد شفيق، وعلى رأسهم حمدي قنديل وعلاء الأسواني و محمود سعد (الذي اعتدي على زوجته وابنته في أحداث الاتحادية)!

يبدو أن المصالح أهم من الوطن..ويبدو أننا نطالب بالعدل ونحن نفتقده داخل نفوسنا!

الأحد، 9 ديسمبر 2012

عن الدستور والخابور...نتحدث - إيهاب زعقوق

ملحوظة: هذه ليست قراءة فقيه دستوري ولم أراعي في قراءتي جميع المصطلحات اللغوية الدستورية، هي قراءة عامة لما نصت عليه المواد وتكفله في المجمل

بعد قراءة دستور مصر 1882 ومصر 1923 ومصر 1930 ومصر 1971 ومشروع دستور 2012 ودستور الولايات المتحدة الأمريكية ودستور فرنسا ودستور ألمانيا واكتشاف أن بريطانيا ملهاش دستور وان إسرائيل كمان ملهاش دستور، أحب أقول حاجة واحدة الدولة المحترمة المتقدمة مش محتاجة دستور محترم وأحياناً ممكن ماتحتاجش لدستور أصلاً وأحياناً ممكن تحتاج دستور تفصيلي جداً، ومفيش حاجة اسمها الدستور لازم يبقى مختصر أو الدستور لازم يبقى مفصل، الدستور هو أبو القوانين وهو المكان اللي بيتكتب فيه ما لا يُراد المساس به

هاتكلم عن كل دستور في أبرز حاجة فيه:
-دستور 1882: كان دستور الغرض منه تنظيم السلطة التشريعية في مصر بشكل أساسي وده كان بعد هوجة عرابي والسلطة التشريعية في الدستور ده كانت مشتركة ما بين مجلس النواب ومجلس النظار(الوزراء) واتلغى سنة 1883 وكان مكون من 53 مادة ولم يكن يحتوي على أي مواد للحريات وحقوق المواطنين وواجباتهم

-دستور 1923: اتكتب بأمر من الملك فؤاد بتكليف الحكومة بتشكيل لجنة وضع دستور، وكان أول دستور مصري بيتكلم عن الحقوق والحريات وأعطى المواطنين حق الاعتقاد والتقاضي والتعليم وحرية التعليم ونظم القبض على المواطنين وتقييد حريتهم وتنظيم طبعاً السلطة التشريعية وعلاقتها بالسلطتين التنفيذية والقضائية وكان في حاجة لطيفة جداً ان الدستور كان محدد نائب عن كل 30000 مواطن في مجلس النواب وشيخ عن كل 60000 في مجلس الشيوخ

-دستور 1930: صدر بعد إلغاء دستور 1923 وفي عهد الملك فؤاد بردو، مختلفش كتير عن اللي قبله الملك بس زود صلاحياته زي ولو ماوفقش على قانون ومجلسي النواب والشيوخ وافقا عليه يعتبر لاغي وسواء في دستور 1923 أو 1930 كان للملك حق حل مجلس النواب

-دستور 1971:اتكتب في عهد السادات، وكان في بدايه بينص على إن مصر دولة اشتراكية ديمقراطية وبعدين اتعدل الكلام ده واتشالت اشتراكية طبعاً واتعدل ثلاث مرات  وآخر تعديل طبعاً بتاع المادة 76 الشهيرة واتفصل عشان التوريث ولو كان الدستور ده كمل لغاية 2011 وماقامتش الثورة كان زمان رئيسنا دلوقتي جمال مبارك، المهم الدستور من ناحية الحقوق والحريات والمقومات الاقتصادية والاجتماعية كان دستور جيد جداً بس طبعاً من ناحية تنظيم السلطات كانت السلطة التنفيذية طاغية على السلطتين التانيين وكان مخلي رئيس الجمهورية إله يُسبح بحمده

-دستور الولايات المتحدة: اتكتب سنة 1787 واتعدل فيه 23 مرة أول 10 تعديلات فيهم كانت سنة 1789 بعد سنتين من كتابته وهو في المجمل دستور مختصر جداً وبيبدأ بتنظيم السلطة التشريعية متمثلة في الكونغرس مجلس نواب ومجلس شيوخ ومفصل كيفية انتخابهم ومحدد نائب لكل 30000 مواطن وشيخين لكل ولاية ومحدد كيفية إصدار القوانين واختصاصات الكونغرس بالتفصيل ماكانش بينص على أي حقوق للمواطنين غير أنهم كلهم سواء أمام القانون وكان بينظم كيفية محاكمتهم ما بين الولايات المختلفة وطبعاً كان بينظم السلطة القضائية وعلى فكرة الكونغرس في أمريكا سيد قراره، بعد سنتين من إقرار الدستور قدم الكونغرس اقتراح بعشر تعديلات في الدستور اتسمت بلائحة الحقوق وكانت بتتكلم عن حرية الدين وانه محظور إقامة دين من قبل الدولة أو إجبار الناس على دين معين ونظمت التقاضي والقبض على المواطنين ومحاكمتهم وبعد كده فضل يتعدل مرة لإلغاء الرق ومرة لإلغاء التمييز ضد السود ومرة لإلغاء التمييز ضد المرأة في حق الانتخاب ومرة لحقوق الانتخابات ومرة عشان عدد سنين حكم الرئيس ومرة لإلغاء الخمور وتحريمها ومرة للسماح بالخمور وهكذا بقى، الجميل في الأمر أن الدستور الأمريكي لا ينص على حقوق المرأة ولكن أمريكا فيها قوانين لحماية المرأة ضد العنف الجسدي والجنسي والتحرش والاغتصاب وكذلك الأطفال لم يمنع الدستور عمل أطفال ولا العنف ضدهم لكن في أمريكا الطفل ممكن يسجن أهله إذا اتعرضوله ولم ينص الدستور الأمريكي كمان على نظام رعاية صحية للمواطن لكن أمريكا فيها نظام تأمين صحي قوي جداً

-دستور فرنسا 1958: دستور مفصل جداً لدرجة الملل والزهق بيتكلم في الأول عن نظام الحكم والدولة ولون العلم  والنشيد وشعار الدولة وبعدين بيتكلم بالتفصيل عن تنظيم السلطات لدرجة انه يعتبر ذاكر لقانون الانتخابات سواء النيابي أو الرئاسي بالتفصيل الممل فمثلاً اتكلم عن حالة وفاة المرشح وإيه اللي يحصل ومين اللي بيدير الانتخابات وكيفية إدارتها وكلام كتير

-دستور ألمانيا 1949: اتكتب طبعاً بعد الحرب العالمية الثانية وهو كمان دستور تفصيلي جداً جداً جداً في كل أجزائه سواء نظام الدولة والحريات والحقوق والسلطات والعلاقات الخارجية والاتحاد الأوروبي وطبعاً الدفاع والحرب وكل ده طبعاً ليه سبب لأن الألمان كان عليهم رقابة وهما بيكتبوا دستورهم بعد الحرب لمنع ظهور هتلر جديد او حزب نازي جديد فكان دستور تفصيلي جداً عشان ميحصلش أي تلاعب لدرجة إن الدستور بنظم هيئة السكك الحديدية وهيئة البريد والمراسلات الألمانية

-إسرائيل: إسرائيل معندهاش دستور لأنها بتعتبر نفسها دولة غير مكتملة نظراً لأن اليهود مازالوا يهاجرون إليها حتى الآن وتمت قبل كده محاولات لكتابة دستور لكن كانت بتقابل برفض من الحاخامات لأن الدستور يخالف تعاليم الدين اليهودي وهيحول الدولة إلى دولة علمانية وهيقسم البلد نصفين علمانيين ومتدينين

-مشروع دستور مصر 2012: نفس أبواب ومواد دستور 1971 لكن مع بعض الإضافات والزيادات لبعض المواد وطبعاً التعديلات الرهيبة والموازنة بين السلطات الثلاثة، في المجمل عند قراءته هو دستور جيد هو ليس الأحسن وليس سيء على الإطلاق، الخلاف حوله هو خلاف سياسي بحت وليس خلافاً قانونياً دستورياً، هو ليس دستوراً لجماعة معينة ولكنه كُتِبَ بواسطة جماعة معينة، لم أر له حتى الآن نقداً قاطعاً يجعلني أرفضه جملة

نهاية القول، ليس المهم كتابة الدستور ولكن الأهم الرغبة في تطبيق ذلك الدستور وهذه الرغبة لن تأتي إلا بتوافق ولكني أنصح مخالفي هذا الدستور بقراءته أولاً ، فمن الممكن بقراءتكم له أن توفروا المزيد من الوقت والجهد لأننا لا نحتمل مزيداً من إهدار الوقت والدماء في سبيل ظهور هذا الدستور.

الثلاثاء، 4 ديسمبر 2012

قبل أن تتدحرج كرة الثلج! - أيمن زعقوق

يعرف جل أصدقائي موقفي من إعلان نوفمبر الدستوري وأني لم أكن معارضا له، لكن المشهد الحزين الذي نراه اليوم والخطر العظيم المحدق بوطننا لا يمكن - في رأيي - أن يلام فيه إلا شخص واحد: الرئيس مرسي.

فالرئيس لم يستشر أحدا من خارج طيفه السياسي حين أصدر إعلانه الدستوري "المقسم" رغم كثرة مستشاريه، وعندما فوجئ برد الفعل الغاضب لم يحاول أن يصارح أبناء الشعب بالأسباب الحقيقية ومبررات هذا الإعلان، أو لنقل أن التبرير لم يكن كافيا ولا مقنعا، وتركنا نتسقط الأخبار من مصادر غير موثوقة مما جعلنا جميعا نهبا للشائعات التي أذكت نار الاختلاف.

وعندما حاول الرئيس تدارك الموقف - دون الرجوع عنه صراحة (حفظا لهيبة الرئاسة على ماأظن!) – ارتكب خطأ آخر بدفع أعضاء الجمعية التأسيسية للتصويت المتعجل بالصورة المربكة التي شهدناها جميعا (رغم أن الإعلان الدستوري محل الجدل مدّ عملها شهرين آخرين وحصنها ضد الحلّ)، فسكب الزيت على النار وأضاف لمعسكر الساخطين والخائفين والحائرين!

ثم جاء السبت الكبير، سبت "الشرعية والشريعة" ومعه استعراض العدد والأنصار، تلاه التظاهر أمام المحكمة الدستورية، وهو المشهد الذي بات يتكرر أمام المحاكم من الإسلاميين منذ قضية أبي اسحق الحويني مرورا بجنسية والدة حازم صلاح أبو اسماعيل وانتهاء بالمحكمة الدستورية، وهو فعلا إرهاب معنوي للقضاة حتى لو كانوا مسيسين وفاسدين وبهم مابهم، وهو مايجعل المواطن العادي يحتقر الدولة ونظامها، ويعيدنا إلى شريعة الغاب و الحق "اللي مايتاخدش إلا بلدي" كما يقول رجل الشارع!

لست أعرف حلا لهذا المأزق، وأخشى أن تكون كرة الثلج قد بدأت في التدحرج دون سبيل لإيقافها!

لا أزمة بالدستور.. عندك أزمة يا كابتن.. عندك أزمة يا آنسة؟