الخميس، 31 مايو 2012

مأتم الثورة




الإحباط الذي أعاني منه - ويعاني منه الكثيرون - ليس لأسباب شخصية والحمد لله، ولكن مرجعه حالة التراجع السياسي الرهيب الذي يعاني منه شعبنا. فبعد اقل من عام ونصف على الثورة، يخرج الملايين مؤيدين لنظام مبارك صامّين آذانهم عن فساده المستشري وظلمه البيّن، ومساندين لاستمرار حكم عسكري انتهى من اغلب دول العالم واختفى من الدولة المتقدمة والناهضة، رغم انه تسبب في تراجع مصر باحتقاره للمدنيين بشكل عام وتشككه في المعارضين واعتبارهم "أعداء" للوطن يستحقون التنكيل، ونظرته المستعلية للعلم والعلماء.



صحيح أن من قام بخلع مبارك - ولا أقول نظام مبارك - يقدر عددهم من 12-18 مليون نزلوا للميادين أيام الثورة المغدورة، وهم تقريبا الذين صوتوا لمرشحي الثورة في انتخابات الرئاسة، وهم أكثر عددا ممن صوتوا للنظام القديم، لكن تشرذمهم وتفرقهم في السبل (وهو ما ينطبق على كافة القوى السياسية طيلة الأشهر التالية للثورة) أعادنا للمربع الأول، بل أعادنا ليوم 24 يناير 2011، يوم كنا موقنين أن التغيير ضرب من الخيال، في الوقت الذي حشد العسكري لجنته المشرفة على انتخابات الرئاسة (التي خالفت صحيح القانون) و إعلامه الرسمي والخاص (الذي استغل أخطاءً حقيقية ارتكبها التيار الإسلامي وسلط عليها كل مجاهره وضخم صداها بكل مكبراته) وقوى حزبه الوطني الظلامية الطفيلية الفاسدة (التي بدأت تتحرك بسفور مستغلةً أخطاء البرلمان) لإرهاب عموم الشعب ودفعهم والعديد من القوى الثورية – للأسف- للتصويت لرجل النظام السابق أو على الأقل الامتناع عن المشاركة والعودة لأيام التزوير ولكن بصورة أقل تبجحا ووضوحا من نظام مبارك، تزوير يعتمد على تزييف "الإرادة" لا تزييف "الأصوات"، ولصالح من؟ لصالح رجل – بالإضافة لكونه ابنا مدللا للنظام القديم- لا يخفي اقتداءه بمبارك ولا انتصاره برجاله ولا نواياه لوأد الثورة والنكوص عن طريقها والعودة لزمن "أمن الدولة" المقيت وكبت الحريات وقمع الآراء المخالفة، واحتقار العلم وأهله.



وفي ذات الوقت نسمع من القريبين من دوائر صنع القرار (في العسكري أو البرلمان) عن تأخير متعمد في طريق وضع الدستور من قوى سياسية تسمي نفسها للأسف "ليبرالية" – مستغلين في ذلك الخطأ الذي وقع فيه الإخوان المسلمون و السلفيون بطمعهم في الاستئثار بكعكة الدستور – حتى يصل رجل مبارك لقصر الرئاسة ويُحَلّ البرلمان وتخلو الساحة لأبناء النظام القديم لوضع الدستور الذي يحفظ مصالحهم ورقابهم.



وأنا في كل ذلك لا ألوم عموم الشعب المصري الذي يتأثر – كباقي الشعوب – بالآلة الإعلامية التي يحركها الحاكم والموالون له من أصحاب المصالح ورجال الأعمال، ولكن فجيعتي فيمن يسمون أنفسهم "النخبة" ويستعلون على غيرهم ويصفون الإسلاميين بقلة الخبرة و "الغشم" السياسي، وقد كنت شخصيا أتحمس لآرائهم وانبهر – ذات يوم –  بمعارضتهم لنظام مبارك، لكن – وعلى ما يبدو – أن من اعتاد الأكل على كل الموائد والرضا بالفتات لا يستطيع أن يكون هو صاحب المطبخ الذي يقرر من يأكل وماذا يأكل. يفاجئني أشخاص كإبراهيم عيسى وأبي الغار – و قد كنت أعدهم من الأحرار – بتأييدهم لرجل النظام السابق، أما الأقل منهم "ارتدادا" مثل صباحي و حازم عبد العظيم والبرادعي فإنهم يعلنون حيادهم السلبي بعدم تأييدهم لأي طرف رغم خبرتهم السابقة مع نظام مبارك في أن المقاطعة لن تفي بنزع الشرعية عن الانتخابات ولن تسقط نتيجتها حتى لو قلت المشاركة عن العُشر!



بقي أن أؤكد أني لا أبرئ ممثلي التيار الإسلامي من الذنب، بل هم في الحقيقة يتحملون العبء الأكبر باستسلامهم لهوى السلطة وانخداعهم ببريق الحكم، وجريهم الحثيث وراء تحقيق حلم السيطرة على كامل مصر، ناسين أنها اكبر من أن يستولي عليها تيار أو يسيطر عليها اتجاه.



يقول ربنا "وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعون"، فإنا لله وإنا إليه راجعون.