الخميس، 25 أكتوبر 2012

رسالة مفتوحة لسيادة رئيس الجمهورية - منى مينا

الشروق - 12/اكتوبر 2012

سيادة رئيس الجمهورية.. تحية طيبة وبعد..



أرسل هذه الرسالة لسيادتكم كطبيبة مصرية، وكمواطنة مصرية..



أرسل هذه الرسالة لسيادتكم كأول رئيس مدنى منتخب، وكرئيس جاء بعد ثورة، أملنا جميعا أن تصلح أحوالا طال إعوجاجها.



رسالتى حول آمال قطاع الصحة والأطباء والعاملين بالصحة فى حل لمشاكل مزمنة، طالما تحدثنا عنها قبل الثورة وبعد الثورة دون مجيب.. حيث وصلت الأوضاع فى المستشفيات لوضع كارثى، تغرق مستشفياتنا فى الفوضى والعجز والقذارة، يكرهها المريض الذى يلجأ لها مرغما إذا كان لا يملك القدرة المادية على العلاج الخاص، ونقف فيها نحن الأطباء ومقدمو الخدمة الصحية، ليس لنقدم خدمة سامية كنا نتمنى أن نستطيع تقديمها فعلا، ولكن لنكون حائط صد لغضب المواطنين المحتاجين لخدمات تعجزنا الإمكانيات المتدنية بالمستشفيات عن تقديمها.



●●●



سيادة الرئيس.. بحت أصواتنا ونحن نتحدث عن هذه المشاكل لسنوات، وعندما لم يجد الكلام آذانا صاغية، قمنا بعمل مؤتمرات ووقفات ومسيرات واعتصامات، وصل الأمر ببعض الزملاء لعمل إضراب عن الطعام.. ولكننا لم نجد أى استجابة لمطالبنا التى نشعر أنها عادلة وبسيطة.. وممكنة التحقيق.. لذلك بدأنا من الاثنين 1 أكتوبر إضرابنا الجزئى المفتوح.. للمطالبة بتأمين المستشفيات.. ورفع نصيب الصحة من الموازنة العامة.. وتطبيق كادر مالى وإدارى للأطباء والعاملين بالصحة يمكنهم من الحياة بكرامة.. ومن القيام بعملهم بصورة يرضون عنها.



سيادة الرئيس.. يصور البعض إضرابنا من أجل مطالبنا المشروعة والضرورية، يصور البعض هذا الإضراب وكأنه محاولة لإحراج حكومتكم أو تحديها.. والحقيقة أن هذا الإضراب هو فرصة لحكومتكم لتحل ــ أو تبدأ فى حل ــ مشاكل طال تراكمها، وتصلح فسادا طال تجاهل مواجهته.



●●●



سيادة الرئيس.. البعض يتعجل برد تقليدى «مطالبكم مشروعة.. ولكن يجب أن تراعوا ظروف البلد.. للأسف ليس لدينا الإمكانيات للاستجابة لها الآن»، والحقيقة أن هذا الرد المتعجل يتجاهل منافذ لحلول عملية وتفصيلية، يهمنا أن نعرضها على سيادتكم..



أولا: بخصوص مطلبنا الخاص بتأمين المستشفيات، من الممكن أن يصدر من سيادتكم مرسوم بقانون لتغليظ عقوبة التعدى على المستشفيات والمنشآت الصحية كمنشآت تقدم خدمة هامة وحيوية لا يمكن الاستغناء عنها، هذا القرار سيساعد فى عودة الهيبة والأمان للمستشفيات، ولن يحمل الدولة أية أعباء إضافية.



ثانيا: بخصوص رفع نصيب الصحة من موازنة الدولة، حتى تصبح المستشفيات أماكن قادرة على تقديم خدمة صحية حقيقية، يمكن لسيادتكم إصدار تعهدات مكتوبة وموثقة بجدول زمنى لزيادة تدريجية لنصيب الصحة خلال السنوات القادمة (مثلا العام المالى القادم ترفع ميزانية الصحة إلى 7% والتالى إلى 9% والتالى إلى 12% والتالى إلى 15%)، مع ترشيد فورى للإنفاق فى وزارة الصحة، وإيقاف لنزيف الأموال فيما يسمى القوافل الطبية، وتوجيه تمويلها فورا لخدمات الطوارئ التى تعانى عجزا رهيبا، يمكن أيضا للدولة أن تقطع من احتياطى الموازنة 5 مليارات، وتوجهها لقطاع الطوارئ فى وزارة الصحة، حتى يتمكن المواطن من الحصول على خدمات الطوارئ، التى لا تحتمل التأجيل دون أن نطلب منه دفع مقابل دخول العناية المركزة، أو مقابل الجبس أو شائعات الطوارئ، فى المستشفيات الحكومية، وأعتقد سيادة الرئيس أن جميع المواطنين سيسعدون بهذا القرار الذى لا يخص العاملين بالصحة فقط.. ولكنه سيخفف عذاب البحث عن العلاج لجميع المواطنين.



ثالثا: بالنسبة للكادر المالى والإدارى للأطباء والمهن الطبية، والذى يقف حجر عثرة فى طريقه مشكلة (من أين نأتى بالتمويل؟)، أطمئن سيادتكم أن بند الأجور والمكافآت فى وزارة الصحة (13.4مليار تبعا للبيانات وزارة المالية للعام المالى 2012/2013)، يكفى لتمويل الكادر إذا تم إقراره، حيث إن إجمالى العاملين بالصحة، تبعا لآخر إحصاء معلن للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، سنة 2010 هو 227 ألفا من العاملين، من الطبيب وحتى العامل، وبذلك يكون متوسط أجر أى من العاملين بالصحة حوالى 5000 شهريا، وبذلك نستطيع أن نقر هيكل أجور يبدأ بـ1200 كحد أدنى للأجر للعامل، وينتهى بـ50 ألفا للوزير (أكثر من 40 ضعفا للحد الأدنى)، ونستطيع أن نمول كادر الأطباء والمهن الطبية بسهولة.



●●●

هناك حجة أخرى توجه ضد مطالبنا العادلة، أن الاستجابة لمطالب الأطباء تفتح الباب للكثير من الفئات للدخول فى إضرابات واحتجاجات للحصول على مكاسب مماثلة.. ولكن سيادة الرئيس، إذا كانت هناك فئات أخرى تقدم اقتراحات عملية لوقف نزيف الفساد فى قطاعاتها، ولتحسين خدمات حيوية تقدم للمواطنين، ولضمان حياة كريمة للعاملين بهذه القطاعات، عن طريق مجرد توزيع عادل للأجور داخل نفس القطاع.. إذا كانت هناك مطالب لفئات أخرى، بهذه العدالة والضرورة وسهولة التنفيذ.. فهل هناك أى غضاضة فى بحثها والاستجابة لها؟ أليست هذه هى العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية التى وقفنا أمام الرصاص الحى طلبا لها.



●●●



مع تحياتى وأملى فى استجابة سريعة ترد الحق والاعتبار لقطاع الصحة الذى طال إهماله..


الثلاثاء، 23 أكتوبر 2012

عن هيبة الدولة ورموز الوطن - علاء الأسواني

المصري اليوم 22/10/2012

حدث ذلك منذ سنوات طويلة..

كنت حديث التخرج أعمل نائباً (طبيب مقيم) فى قسم جراحة الفم بجامعة القاهرة وكنت أتدرب على إجراء الجراحات. ذات يوم كنت أجرى جراحة فى فم أحد المرضى عندما مر مدرس بالقسم معروف بشراسته. انتظر المدرس حتى انتهيت من الجراحة ثم قال لى:

ــــ الطريقة التى أجريت بها الجراحة غلط.

دخلت مع المدرس فى مناقشة علمية طويلة دافعت فيه عن وجهة نظرى لكنه أصر على أن ما فعلته خطأ. أثناء الحديث لمحت أحد أساتذة القسم فطلبت منه أن يتدخل ليحكم بيننا. عرضت للأستاذ وجهتى النظر (بدون أن أحدد من منا يتبنى أى رأى). فوجئت بالأستاذ يتطلع نحو المدرس ويسأله:

ــ إنت رأيك إيه..؟

قال المدرس رأيه فقال له الأستاذ:

ــ إنت رأيك صح.

أحسست بالقهر والغضب، وفى اليوم التالى أحضرت معى كتابا شهيراً فى الجراحة وذهبت إلى مكتب الأستاذ وما إن رآنى ومعى المرجع حتى قال ساخراً:

ــ إنت جايب لى الكتاب عشان تثبت رأيك.. ؟! أنا عارف إن رأيك صح.

ــ لكن حضرتك قلت إن رأيى غلط؟

تطلع إلىَّ الأستاذ وقال بلهجة من يلقى بحكمة عميقة:

- أنت مازلت نائباً، وهو مدرس أكبر منك بعشر سنوات على الأقل.لا يمكن أقول له إنه غلطان قدامك. لازم أحتفظ له بالهيبة.

لم أجد فائدة فى الحديث مع الأستاذ فشكرته وانصرفت. بعد شهور سنحت لى الفرصة فسافرت للدراسة فى جامعة إلينوى بالولايات المتحدة وأسعدنى الحظ بالعمل مع واحد من أهم علماء الهيستولوجى (علم الأنسجة) فى العالم هو الدكتور دنيس ويبر. كنا مجموعة بحثية من طلبة الماجستير والدكتوراه يشرف علينا الدكتور ويبر الذى جمعنا بعد شهر وقال:

ــ اسمعوا. أريد أن أستمع إلى أفكاركم. إذا كان هناك ما يضايقكم فى العمل أو كنتم تعتقدون أننى قد ارتكبت أخطاء أرجوكم قولوا لى.

كان الموقف فوق قدرتى على الاستيعاب فلذت بالصمت، أما زملائى فقد اشتدوا فى نقد الدكتور ويبر، وراح كل واحد منهم يدلل على نقده بأمثلة عملية فى عملنا البحثى. ظل العالم الكبير هادئاً يسجل كل الملاحظات وفى النهاية قام بالرد عليها واحدة واحدة وشرح لنا خطة العمل بالتفصيل واعترف ببعض التقصير وتعهد بإصلاحه ثم شكرنا وأنهى الاجتماع. ظللت أياماً أراقب علاقة الدكتور ويبر بالطلبة الذين انتقدوه بقسوة فوجدت معاملته الطيبة لهم لم تتغير.

هاتان الواقعتان أتذكرهما معاً. فى جامعة القاهرة الأستاذ دائما على حق حتى لو أخطأ حفاظا على هيبته أمام الأطباء الشبان، وفى جامعة إلينوى يطلب منك أستاذ كبير أن تقول ملاحظاتك السلبية على عمله ثم يستمع ويشرح ويعترف بتقصيره ويعد بإصلاحه.

هذا هو الفرق بين الاستبداد والديمقراطية. لو أنك بحثت فى كل وسائل الإعلام الغربية عن كلمة «هيبة الدولة» فلن تجدها أبداً لأن الهيبة الوحيدة للقانون. أما فى مصر فإن مصطلح الهيبة شائع ومتكرر وهو يخفى دائماً ظلماً وتعسفاً.. هيبة الدولة معناها الاستبداد بحياة المواطنين وهيبة الشرطة معناها قمع المواطنين وضربهم وتعذيبهم وتلفيق التهم لهم إذا اعترضوا.

هيبة القضاة معناها ألا تجرؤ على أن تنقد قاضياً حتى لو اشترك فى تزوير الانتخابات أو ثبت أن له علاقة بأمن الدولة. هيبة الرئيس معناها أن يحاكم ويسجن أى شخص بتهمة إهانة الرئيس، بل إن مفهوم الهيبة ينتقل كالعدوى. بعد أن صار رئيس مصر من الإخوان انتقل الإحساس بالهيبة إلى قياديى الإخوان فصاروا يتعاملون مع خلق الله باستعلاء وغطرسة. منذ أيام أجرى القيادى الإخوانى عصام العريان مداخلة تليفزيونية مع مذيعة من أفضل الإعلاميين المصريين هى جيهان منصور ولما احتدم النقاش اتهم «العريان» المذيعة بالرشوة وأكد أنها تقبض من جهات ما لتهاجم الإخوان.

لا يوجد فى العالم الديمقراطى ما يسمى «هيبة الدولة أو رموز الوطن».. هذه مصطلحات الاستبداد. فى الديمقراطية لا توجد هيبة إلا هيبة القانون ولا يوجد رمز للوطن إلا المواطن نفسه. الإنسان الذى أنشئت الدولة أساساً لحماية حقوقه وكرامته.. الحاكم فى مجتمع الاستبداد هو رمز الوطن لأنه بمثابة شيخ القبيلة، فهو يعرف مصلحتنا أكثر منا ويقرر بالنيابة عنا وهو يأمرنا فنطيع وغالبا ما يكون ظالماً وفاسداً لكننا لا نجرؤ على محاسبته لأن ذلك يعد مساساً بهيبة الدولة وتطاولاً على رموز الوطن.. فى البلاد الديمقراطية الحاكم خادم الشعب بمعنى الكلمة، من حق أبسط مواطن ولو كان كناساً فى الشارع أن يحاسب الرئيس وأن يشتد فى نقده فلا يعاقبه أحد، بل إن القانون فى البلاد الديمقراطية يحمى المواطن العادى من السب والقذف ولا يحمى رئيس الدولة.

لو أنك قلت لجارك أمام الشهود: «أنت كذاب وأفاك» يستطيع أن يقاضيك ويحصل على تعويض أما لو ظهرت فى التليفزيون وقلت إن رئيس الوزراء أفاك وكذاب فلن يعاقبك القانون لأنه يسمح بنقد المسؤول الحكومى مهما كان النقد قاسياً ومقذعاً تحقيقاً للصالح العام. فى مصر يبدو الرئيس مرسى مستمتعاً بمحاكمة المصريين وحبسهم بتهمة إهانة الرئيس. هناك مواطن اسمه بيشوى البحيرى يقضى عامين فى السجن لأنه أهان الرئيس مرسى على موقع فيس بوك وكأن رئيس الدولة ذات مقدسة لا تمس. الرئيس مرسى نفسه تربى فى جماعة الإخوان المسلمين التى ينشأ أعضاؤها على الطاعة المطلقة وتقبيل يد المرشد، ولقد رأينا فى تسجيل فيديو كيف يتزاحم أعضاء الإخوان حتى يفوز المحظوظ منهم بوضع الحذاء فى قدم المرشد الكريمة الطاهرة. من تربى فى هذا الجو سوف يحمل ثقافة الاستبداد قطعاً. بعد أن نجح الرئيس مرسى فى تنحية المجلس العسكرى عن السلطة دعا إلى القصر الجمهورى بعض الشخصيات العامة كنت بينهم. ذلك اليوم وجهت إلى الرئيس سؤالاً محدداً:

ــ لماذا قمت بتكريم المشير طنطاوى والفريق عنان بينما تطالب القوى الثورية بمحاكمتهما على المذابح التى حدثت فى عهدهما..؟! وهل يعتبر تكريمك لهما نوعاً من الاتفاق معهما على الخروج الآمن بحيث تضمن لهما عدم ملاحقتهما قانونياً..؟!

عندئذ أجاب الرئيس مرسى بحماس:

ــ أريد أن أؤكد لكم جميعاً أنه بعد الثورة لا يوجد أى شخص فوق المحاكمة حتى لو كان المشير طنطاوى أو الفريق عنان.

هذا ما قاله الرئيس أمام شهود كثيرين وكالعادة فعل عكس ما يقول. فى الأسبوع الماضى تدفقت البلاغات ضد المشير طنطاوى والفريق عنان تتهمهما بالكسب غير المشروع وتضخم الثروة بينما هما موظفان عموميان لهما رواتب ثابتة وتتهمهما أيضا بالمسؤولية عن قتل المصريين فى المذابح التى حدثت فى عهدهما.. كل هذه اتهامات جدية تستدعى المحاكمة لكن الجيش أصدر بيانا يدين فيه إحالة طنطاوى وعنان إلى المحاكمة ويعتبر ذلك تعدياً على هيبة القوات المسلحة وإهانة لرموز الوطن..

أما الرئيس مرسى فقد تملّكه الخوف وأعلن فى اليوم التالى أنه لن يسمح أبداً بإهانة رموز الجيش ولا قياداته الحالية أو السابقة.. كما أكد الرئيس أنه يريد أن يطمئن الجيش على مخصصاته وميزانيته ومشروعاته التى لن يمسها أحد.. إن المنطق الذى يقدمه بيان الجيش وهو يرفض محاكمة طنطاوى وعنان يعنى ببساطة أن المصريين ليسوا سواء أمام القانون. مادمت ضابطاً كبيراً فى الجيش فمن حقك أن تفعل ما تشاء وليس لأحد أن يحاسبك لأنك أصبحت رمزاً للوطن. من حق أى قائد للجيش، إذن، أن يأمر جنوده فيقتلوا المتظاهرين ويلقوا بجثثهم فى القمامة ويسحقوهم بالمدرعات ويهتكوا أعراض البنات ويسحلوهن فى الشوارع. وليس من حقنا أن نحاسب أحداً على هذه الجرائم حفاظاً على هيبة الجيش.

من حق قائد الجيش أن يقتنى القصور والأراضى الشاسعة ويراكم ثروة ضخمة ولا يجرؤ أحد على سؤاله «من أين لك هذا؟!»، لأنه صار رمزاً للوطن لا تجوز مساءلته.. فى مصر التى يعيش نصف سكانها تحت خط الفقر تنشئ القوات المسلحة مشروعات بالمليارات لا نعرف عنها شيئاً. أموال طائلة نرى آثارها على بعض قادة الجيش ولا نعرف أبداً حجمها ولا مصدرها ولا طريقة توزيعها وكأن الجيش قد صار دولة داخل الدولة. إن احترامنا واعتزازنا بالقوات المسلحة ثابت وعميق لكن حماية المخطئين لأنهم عسكريون سلوك ظالم لا يمكن قبوله فى دولة محترمة. إذا كان الرئيس مرسى يرى فى محاكمة المشير طنطاوى والفريق عنان مساساً بهيبة الجيش فلماذا يوافق على محاكمة أحمد

شفيق الذى كان قائدا للطيران وبالتالى يعتبر رمزا للوطن مثل طنطاوى..؟! وإذا كان ذلك منطق مرسى فلماذا يوافق على محاكمة مبارك.. ألا يعتبر أيضاً رمزاً للوطن؟!

وهل يجوز محاكمة جمال وعلاء مبارك.. ألا يعتبران أيضاً رمزين (ولو صغيرين) للوطن مثل أبيهما.. فلنتعلم من الآن فصاعدا أن الوطن ليس له رموز.رمز الوطن الوحيد هو المواطن. الدولة ليس لها هيبة لكنها تستمد هيبتها من قوة القانون وليس من حماية القتلة والفاسدين.. إن صورة الرئيس مرسى الآن أوضح من أى وقت مضى. الرئيس مرسى رجل يعد ولا يفى أبداً وهو يقول كلاماً جميلاً ويأتى بأفعال قبيحة. الرئيس مرسى مصر على إبقاء الإخوان المسلمين كتنظيم خارج القانون وفوق المحاسبة. إننا لا نعرف ميزانية الإخوان ولا نعرف إذا كانوا يتلقون تمويلاً من داخل مصر أو خارجها، بل إننا لا نعرف إن كان الرئيس مرسى يتخذ قراراته بنفسه أم أنه يتلقى تعليماته من مرشد الإخوان الذى قد يكون الحاكم الفعلى لمصر، بل يتضح الآن لنا ما هو أخطر: لقد عقد الرئيس مرسى اتفاقاً للخروج الآمن مع المجلس العسكرى ضمن فيه عدم ملاحقة أعضائه قضائياً وهكذا تنكر الرئيس لدماء الشهداء وأعطى عفواً لا يملكه إلى من لا يستحق.. مرة أخرى تخلى الإخوان عن الثورة وباعوا مبادئها من أجل السلطة.

لقد قامت الثورة المصرية من أجل الحق والعدل.. لن تسمح الثورة بأن يكون أحد فوق المحاسبة مهما يكن منصبه فى الدولة.. الثورة مستمرة حتى تتحقق أهدافها كاملة.

الديمقراطية هى الحل.

السبت، 20 أكتوبر 2012

قميص عثمان - نجاد البرعي

المصري اليوم 19/10/2012

يحيى الرفاعى وأحمد مكى قاضيان ذاع صيتهما عندما نظما مؤتمر العدالة الأول فى ثمانينيات القرن الماضى، صدعا بكلمات الحق الطيبات فى وجه الرئيس مبارك، العدل أساس الملك، لا يقوم عليه إلا قضاء مستقل. سلسلة متصلة من القضاة العظام لا تبدأ بـ«ممتاز نصار»، ولم تقف عند «وجدى عبدالصمد». مع «يحيى الرفاعى» و«أحمد مكى» خرجت مجموعة من أفضل القضاة وأنبلهم: زكريا عبدالعزيز، حسام الغريانى، ناجى دربالة، محمود مكى، هشام البسطويسى، يحيى جلال، محمود الخضيرى، زغلول البلشى، هشام جنينة، وغيرهم مئات صدقوا ما عاهدوا الله عليه، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا. مدرسة الرفاعى - مكى ربطت النضال من أجل استقلال القضاء بالنضال من أجل الحرية والديمقراطية، قضيتهم قضية وطن يعانى من الفساد والاستبداد، استقلال القضاء يظل منقوصاً ما ظل المستبدون فى الحكم.

لم يسقط الاستبداد فى يناير ٢٠١١، بدأسقوطه يوم أصدرت دائرة المستشار حسام الغريانى ومعه المستشارون عبدالرحمن هيكل وناجى دربالة وهشام البسطويسى ومحمود مكى فى مايو ٢٠٠٣ حكماً ببطلان انتخابات مجلس الشعب بدائرة الزيتون، الفائز هو السيد زكريا عزمى، رفضوا تدخل رئيس محكمة النقض فى قرارهم دفاعاً عن استقلال القضاء. تضعضعت أركان النظام المستبد فى مايو ٢٠٠٥ عندما وقف أحمد مكى وزكريا عبدالعزيز وحسام الغريانى والمئات من شيوخ القضاة وشبابهم على درج دار القضاء العالى مرتدين أوسمتهم، يلفهم علم ضخم لمصر، بلغ طوله ثلاثين مترا، لم يكونوا يطالبون باستقلال القضاء فحسب ولكن بالحرية والديمقراطية للمصريين كلهم. لم يكن طريقهم مفروشاً بالورود، دفعوا ثمناً لمواقفهم يوم كان غيرهم يلتقط الفتات من يد الجلاد. فى إبريل ٢٠٠٦، أحيل محمود مكى وهشام البسطويسى إلى لجنة الصلاحية تمهيدا لفصلهما، وبعدهما أحيل حسام الغريانى ويحيى جلال وعاصم عبدالجبار وناجى دربالة إلى التحقيق عقاباً لهم على مطالبتهم باستقلال القضاء.

لا يمكن لمن أفنوا زهرة شبابهم دفاعا عن استقلال القضاء أن يكونوا أعوانا للسلطة فى النيل من هذا الاستقلال. الرجال الذين رفضوا عطايا الرئيس مبارك وقت أن كان يعطى بسخاء للتفريط فى استقلال القضاء، لن يقبلوا وهم شيوخ عطايا غيره. ليست مشكلة أحمد مكى أنه خان استقلال القضاء، مشكلته أنه قرر أن يحارب الفساد، اختار يحيى جلال للكسب غير المشروع، وجاء بهشام جنينة للجهاز المركزى للمحاسبات. يوم الحساب اقترب، وأى حصانة ما عادت كافية لحماية الفاسدين. إخوة «يوسف» جاءوا على قميصه بدم كذب علّهم يفلتون بجرائمهم.. ستكون غلطة لن تغتفر لو اعتبر بعضنا الهجوم على «مكى» ورفاقه هجوماً على الإخوان المسلمين ونيلاً من حكمهم، ليسوا سواء. لا تقدموا للفساد فرصة كى يفلت بجرائمه، لو كان لدينا قضاء مستقل ونزيه، حقيقة ما ظهر الفساد فى البر والبحر. الفساد هو المعركة، واستقلال القضاء هو فقط قميص عثمان.

http://today.almasryalyoum.com/article2.aspx?ArticleID=357386&IssueID=2659

الثلاثاء، 16 أكتوبر 2012

الرئيس الذى يخدم سيدين!! - علاء الأسواني

المصري اليوم - 16/10/2012

هل كانت الثورة المصرية قانونية..؟ هل كان تظاهر ملايين المصريين من أجل خلع مبارك تصرفا دستوريا..؟ ألم يكن حسنى مبارك عندما قامت الثورة، من الناحية القانونية، رئيسا شرعيا منتخبا..؟ كل ما حدث فى الثورة المصرية كان مخالفا للقانون. لقد قامت الثورة أساسا ضد انتخابات مبارك المزورة وقوانينه الظالمة ودستوره الفاسد. لو كان دستور مبارك معبرا عن الإرادة الشعبية ولو كانت قوانين مبارك عادلة لما احتاج المصريون إلى الثورة. الثورة دائما تقوم لإسقاط النظام الظالم بقوانينه ودستوره ثم تنتقل السلطة إلى الشعب الثائر ليمارس بالشرعية الدستورية تطهير الدولة من الفاسدين ثم يتم انتخاب جمعية تأسيسية لكتابة دستور جديد يعبر عن أهداف الثورة ويتم تشريع منظومة قوانين جديدة تحقق العدالة التى قامت الثورة من أجلها.. هذا ما فعلته الثورات جميعا خلال التاريخ الإنسانى.. أما الثورة المصرية فقد نجحت فى خلع مبارك ولم تنجح حتى الآن فى إسقاط نظام مبارك. اتفق المجلس العسكرى مع الإخوان المسلمين على الإبقاء على النظام القديم وبدلا من إلغاء الدستور القديم تم تقديم التعديلات الدستورية ذاتها التى اقترحها مبارك وعين العسكر لجنة تعديلات تضم رجال قانون تابعين لنظام مبارك وآخرين ينتمون إلى الإخوان المسلمين.. أذكر أننى اتصلت بأحد أعضاء اللجنة وهو أستاذ قانون معروف بانتمائه للإخوان.. سألته مباشرة:

- لماذا تريدون تعديل الدستور القديم الذى أسقطته الثورة.. أليس الواجب أن تكتب الثورة دستورا جديدا معبرا عنها..؟

وافقنى على رأيى ثم قال كلاما كثيرا لتبرير التعديلات الدستورية وبعد حوار طويل قال لى بوضوح:

- الشرعية انتقلت من الثورة إلى المجلس العسكرى وله الآن أن يفعل ما يشاء.

شيئا فشيئا اتضحت الصفقة بين الإخوان والعسكر، المجلس العسكرى المعاد للثورة الذى يريد القضاء عليها بأى طريقة وجد فى الإخوان حليفا منظما قادرا على حشد البسطاء عن طريق خطباء المساجد ورشاوى الزيت والسكر ليصوتوا بما يريده المجلس العسكرى، والإخوان المتعطشون للسلطة بأى طريقة تحالفوا مع العسكر لكى يضمنوا الوصول إلى الحكم. الإخوان انقلبوا على الثورة وتخلوا عن أهدافها ونادوا بالانتخابات أولا حتى يتمكنوا من كتابة الدستور الذى يريدون.. من أجل كسر إرادة الثوريين، تسبب المجلس العسكرى فى مذابح عديدة راح ضحيتها مئات الشهداء وآلاف الجرحى وسط مباركة إخوانية كاملة لدرجة أن رموز الإخوان لعنوا الثوار واتهموهم بالبلطجة.. فى النهاية حدث الخلاف بين العسكر والإخوان وتم حل مجلس الشعب ووجد المصريون أنفسهم فى انتخابات الرئاسة مضطرين اضطرارا إلى انتخاب الرئيس مرسى ليس حبا فى الإخوان ولا اقتناعا بأفكارهم وإنما من أجل حماية الثورة وإسقاط شفيق تلميذ مبارك المخلص.. بعد ثلاثة أشهر من حكم الرئيس مرسى نراه للأسف يبتعد عن تحقيق أهداف الثورة ويعقد تحالفا مع فلول نظام مبارك لصالح الإخوان. فى وسط هذا المشهد المضطرب جاءت أزمة النائب العام عبدالمجيد محمود. تحدث معه مستشارو الرئيس وعرضوا عليه بشكل ودى تقديم استقالته على أن يتولى منصب سفير مصر فى الفاتيكان. وافق النائب العام وطلب أن يكون سفيرا فى بلاد عربية لأنه لايجيد اللغات. وفى اليوم التالى غير النائب العام رأيه وأعلن أنه متمسك بمنصبه واعتبر مكالمة مستشارى الرئيس تهديدا له وتعديا على استقلال القضاء. وتضامن مع النائب العام كثيرون. بعضهم ثوريون يخشون من سيطرة الإخوان على القضاء ومعظمهم فلول النظام القديم الذين يشكل بقاء النائب العام أكبر ضمانة لحمايتهم من المحاسبة عما اقترفوه فى عهد مبارك. عبدالمجيد محمود اختاره حسنى مبارك وأحضره من نيابة أمن الدولة التى عمل فيها سنوات طويلة ليعينه نائبا عاما.. سأستشهد هنا بما أعلنه مركز النديم لمناهضة التعذيب الذى أصدر بيانا قال فيه:

«إن مركز النديم استقبل الآلاف من حالات التعذيب والتى دأب مكتب النائب العام عبدالمجيد محمود على إغلاق ملفاتها واحداً تلو الآخر بقرار لا يقبل الطعن عليه، وذلك بأن يُحفظ «لعدم كفاية الأدلة»، وبذلك حرم آلاف الضحايا من الوصول إلى ساحة المحاكم بحثا عن العدالة.

هذا بخلاف عشرات القضايا التى أخضعها النائب العام لمواءمات سياسية مثل قضية عبارة الموت وقتل المتظاهرين وقضايا فساد أحمد شفيق وغيرها. فلنتوقف إذن عن ربط النائب العام باستقلال القضاء. إن بقاء النائب العام فى منصبه ليس انتصارا لاستقلال القضاء وإنما انتصار لنظام مبارك الذى استطاع أن يفرض أحد أهم رموزه فى منصبه لأربعة أعوام قادمة بكل ما يعنى ذلك من المواءمات السياسية التى ستمنع أى تغيير ثورى أو أية محاسبة جادة للفاسدين. هؤلاء الغاضبون لاستقلال القضاء أين كانوا عندما انتهكت الولايات المتحدة سيادة مصر وانصاع لها المجلس العسكرى وقام المستشار عبدالمعز بعقد محكمة خاصة من أجل الإفراج عن المتهمين الأمريكيين..؟!. العجيب أن الذين هللوا لبقاء النائب العام هم أنفسهم الذين منعوا إقالة المستشار عبدالمعز أو محاسبته على تهريب المتهمين الأمريكيين.. أنصار استقلال القضاء لماذا لم نسمع آراءهم فى انتداب بعض القضاة فى الوزارات مقابل مكافآت سخية بينما هم يفصلون فى قضايا قد يكون منها ما يخص الوزارات التى يعملون فيها..؟ ما رأيهم فى بعض القضاة الذين شاركوا فى تزوير الانتخابات وما رأيهم فى تعيين أولاد بعض المستشارين فى النيابة بتقدير مقبول ومنع المتفوقين من أبناء العامة.. معظم القضاة فى مصر شرفاء مستقلون من وحى ضمائرهم لكن النظام القضائى فى مصر ليس مستقلا ولايمكن أن يكون النائب العام الذى أهدر حقوق الشهداء نموذجا لأى قضاء مستقل.. تغيير النائب العام كان هدفا أصيلا من أهداف الثورة.. لماذا إذن عندما حاول الرئيس مرسى إقالة النائب العام انقلبت عليه الدنيا وهاجمه الجميع بمن فيهم بعض الثوار..؟! السبب انعدام الثقة بين الرئيس مرسى والقوى الثورية. الثوار يذكرون جيدا تاريخ الإخوان فى الصفقات الانتهازية وتخليهم عن الثورة من أجل مصالحهم كما أن العلاقة بين الرئيس وتنظيم الإخوان المسلمين غامضة تماما. لا يعرف أحد فعلا إن كان الرئيس مرسى يتخذ قراره بنفسه أم أنه ينفذ تعليمات مرشد الإخوان.. لماذا قام الرئيس مرسى بتكريم المستشار عبدالمعز الذى ارتبط بفضيحة تهريب المتهمين الأمريكيين؟!. لماذا كرم الرئيس مرسى المشير طنطاوى والفريق عنان بدلا من محاكمتهما وهل ماحدث صفقة للخروج الآمن ولماذا لم يتم التحقيق فى المذابح التى قام بها المجلس العسكرى..؟ لماذا امتنع الرئيس مرسى عن تطهير وزارة الداخلية بل إنه احتفى باللواءات الموالين لنظام مبارك واختار منهم وزير الداخلية أحمد جمال الدين وهو المسؤول عن مذبحة محمد محمود لكن الرئيس مرسى بدلا من محاكمته قلده الوزارة ليضمن ولاءه للإخوان.. لماذا أبقى الرئيس على جهاز الأمن الوطنى ولم يلغه أو يجعل منه وحدة لجمع المعلومات كما طلبت الثورة ولماذا اختار الرئيس اللواء خالد ثروت المسؤول عن ملف الإخوان ليكون رئيسا لجهاز الأمن الوطنى..؟! لماذا لم يلغ الرئيس مرسى وزارة الإعلام كما طالبت الثورة بل وضع على رأسها أحد الإخوان المسلمين الذى يتلخص دوره حتى الآن فى قمع كل من ينتقد الإخوان..؟!.. معظم القرارات التى اتخذها الرئيس مرسى لا تفيد الثورة بل تهدر أهدافها وتعقد ارتباطا جديدا بين الإخوان ونظام مبارك، أليس من حق الناس بعد كل ذلك أن يتشككوا فى الغرض من قرارات الرئيس؟!.. إقالة النائب العام مطلب شعبى كيف ينجزه الرئيس بيد وهو بيده الأخرى يهدر أهداف الثورة لصالح الإخوان المسلمين.. لا يمكن للرئيس مرسى أن يخدم سيدين (كما قال الإنجيل). لايمكن للرئيس أن يكون مخلصا لأهداف الثورة ومصالح الإخوان فى نفس الوقت. إن ما حدث يوم الجمعة الماضى أكبر دليل على هذا التناقض فبينما الرئيس مرسى يحاول إقالة النائب العام حشدت جماعة الإخوان المسلمين الآلاف من أنصارها فاعتدوا بطريقة همجية وفاشية على الثوريين.. هذا التخبط هو الذى أفقد الرئيس الدعم الشعبى وجعله يخسر معركة النائب العام ولسوف تتوالى خسائره إن لم يأخذ قراره بوضوح.. على الرئيس أن يختار إما أن يكون مندوب المرشد فى رئاسة الجمهورية فيعمل لصالح الإخوان المسلمين وإما أن يكون رئيسا للمصريين يتبنى تحقيق أهداف الثورة حتى لو خالفت مصلحة الإخوان.. مازالت أمام الرئيس فرصة لعلها تكون الأخيرة لإصلاح المسار والانحياز للثورة وذلك بتحقيق الخطوات التالية:

أولاً: تقنين أوضاع جماعة الإخوان المسلمين وإعلان ميزانيتها وإخضاع تمويلها لرقابة الدولة ومنع تدخل قياديى الجماعة فى شؤون الدولة ماداموا لايشغلون مناصب رسمية.

ثانياً: إجراء حركة تطهير شامل فى أجهزة الدولة وأولها وزارة الداخلية التى يقودها حتى الآن لواءات العادلى المسؤولون عن القمع والفساد وقتل الثوار والانفلات الأمنى.

ثالثاً: محاكمة المشير طنطاوى والفريق عنان واللواء حمدى بدين واللواء حسن الروينى المسؤولين عن المذابح المتعاقبة التى راح ضحيتها مئات الشهداء.

رابعاً: تكوين محاكم خاصة للثورة بالتنسيق مع المجلس الأعلى للقضاء، تتولى التحقيق فى المذابح وقتل المتظاهرين ويمنح أعضاؤها من القضاة سلطة التحقيق مع العسكريين والمدنيين من أجل تحقيق العدالة الحقيقية.

خامساً: تنفيذ الوعد الرئاسى بإعادة التوازن إلى اللجنة التأسيسية للدستور وذلك بضم عدد مناسب من ممثلى القوى الديمقراطية والثورية وإعطائهم حق التصويت حتى يخرج الدستور معبرا عن إرادة المصريين جميعاً.

سادساً: تحقيق العدالة الاجتماعية وذلك بتطبيق الحد الأقصى والأدنى للأجور وضم أموال الصناديق الخاصة إلى خزانة الدولة واعتماد سياسة الضرائب التصاعدية على الأغنياء وإلغاء دعم الخدمات (الغاز والكهرباء والماء) عن المصانع التى تبيع منتجاتها بالأسعار العالمية. هذه الإجراءات ستوفر للدولة مليارات الجنيهات وربما تغنى الرئيس عن الاقتراض من الخارج.

سابعاً: إلغاء وزارة الإعلام وتحقيق الاستقلال للمؤسسات الصحفية بدلا من تبعيتها لمجلس الشورى وإلغاء تهمة إهانة الرئيس التى تستعمل فى إرهاب المعارضين والتى تعتبر فى حد ذاتها أكبر إهانة للرئيس.

هذه أمثلة على خطوات عملية لتحقيق أهداف الثورة، لو أقدم عليها الرئيس مرسى سيحظى بتأييد المصريين جميعا أما لو استمر الرئيس فى مهادنة النظام القديم لصالح الإخوان المسلمين فسوف يفقد كل شىء وبأسرع مما يتصور.

الديمقراطية هى الحل.

http://www.almasryalyoum.com/node/1179086

الأحد، 14 أكتوبر 2012

نظرة إلى المحاكمات الجنائية لجرائم الثورة - محمد عماد النجار

الشروق 13 اكتوبر 2012

صدر حكم محكمة جنايات القاهرة فى قضية العصر معلنا عن إدانة رئيس الجمهورية السابق ووزير داخليته بالسجن المؤبد، وبراءة جميع مساعدى وزير الداخلية من تهم قتل المتظاهرين، كما صدر حكم محكمة الجنايات فى قضية موقعة الجمل ببراءة جميع المتهمين، وقد لاقى كلا الحكمين فضلا عن أحكام البراءة الأخرى حالة عامة من خيبة الأمل لدى قطاع عريض فى الشارع المصرى، وهو ما يمكن إرجاعه إلى أسباب عدة. أهمها:



أسباب صدمة المجتمع:



أولا: أن من المتيقن أن بعضا ممن قضى ببراءتهم متورطون فى ارتكاب جرائم قتل الثوار السلميين، وعديد من الجرائم السابقة عليها، والتى كانت وقود الثورة، إذ الثابت أن الفترة السابقة على اشتعال نيران الثورة كانت تشهد افتئاتا جسيما على الحقوق والحريات، بلغ فى بعض الأحيان حدود جرائم القتل بالدم البارد كان ضحيتها العديد من المواطنين الشرفاء، ولا شك أن هذه الجرائم سواء منها السابق على الثورة أم اللاحق عليها لم تكن إلا بتدبير، أو أمر، أو علم، بعض الأيدى التى قضى ببراءتها أو بتواطؤ منها، إذ إن عقيدة المجتمع قد اتفقت على أن هذه الجرائم ما كانت لترتكب لولا أوامر صدرت من أكابر رؤسائهم الذين قدموا للمحاكمة وبرئوا منها، وبغض النظر عن مسئولية أى منهم على انفراد عن تنفيذ هذه الجرائم، فإن أحدهم أو بعضهم أو جميعهم هو من أصدر أو أصدروا الأمر بارتكاب هذه الجريمة، ومن هنا كانت الصدمة إذ جاء هذا الحكم مطهرا ــ على خلاف الحقيقة ــ لأيديهم من دماء المصريين.



ثانيا: أن المجتمع حبس أنفاسه إزاء أحكام البراءات التى صدرت فى الجرائم التى وقعت فى محيط الأقسام فى أثناء الثورة استنادا إلى قاعدة الدفاع الشرعى، ذلك أن ظاهر الحال يشهد بأن وقوع الجريمة فى محيط الأقسام من ضباط بداخلها يكشف عن أن الضباط كانوا فى أوضاع الدفاع الشرعى عن أقسامهم ما ينفى عن أفعالهم معنى الجريمة، إلا أن هذا الوضع كان يبرر من جانب آخر تهيئ المجتمع لمسئولية الضباط عن الجرائم التى ارتكبت بعيدا عن تلك الأقسام، على متظاهرين سلميين وأريقت فيها دماء بريئة، ولقد كان المجال الخصب لهذه المسئولية فى قضية العصر التى اتهم فيها رموز هذا النظام، ومن ثم فقد كانت خيبة الأمل بالغة عند القضاء ببراءة رموز وقر فى يقين المجتمع مسئوليتهم عن هذه الجرائم وتورطهم فيها من غير شك.



ثالثا: أن الفساد المالى والسياسى لم يكن ببعيد عن بعض من هذه الأسماء، فكانت تشهد ظواهر الحال أن البعض منهم كون ثروات طائلة من المال الذى تحوطه شبهة الكسب غير المشروع. وأن ذلك كان بمثابة مكافأة من النظام السابق على صنيعهم فى توطيد أركانه خصما من حقوق وحريات الأفراد.



رابعا: أن أحكام البراءة حملت رسالة مرعبة إلى المجتمع حاصلها، أن سياط السلطة الغاشمة مازالت رغم الثورة فى مأمن من العدالة، وهذا نذير سوء فى المقبل من الأحداث، فإذا كان فى وسع رجال الدولة القديمة أن يتواطأوا على إخفاء الأدلة فى جريمة العصر عن أعين ثورة وشعب بأكمله، فإذن ما ينتظر قابل الأمر مزيد من الجرائم بما يعنى استدامة عناصر الجريمة السياسية وقدرة رموز هذا النظام على طمس الحقائق ومواصلة سيرها نحو الاستبداد.



•هل عجز النظام القضائى المصرى عن تحقيق العدالة؟



ـ والحقيقة أن المنطق القضائى الذى يتبناه المجتمع لم يصمد بحججه التليدة أمام هذه الآلام، ولا أمام تشوف الشعب وتشوقه إلى روح العدالة وبعث الطمأنينة فى نفسه إزاء المستقبل.



فإذا كان القضاء ينطلق من مسلمة أن الأصل فى الإنسان البراءة، ولأن يخطئ القاضى فى العفو خيرا له من أن يخطئ فى العقاب، ولأن يبرأ ألف مجرم خير من أن يظلم واحد بجريرة لم يرتكبها، كل ذلك لم يشفع لدى الرأى العام فى تبرير قبول هذا الحكم. ذلك أن اللحظة كانت لحظة حسم لتصفية ميراث ثقيل من الظلم، واستشرف فيها المجتمع المصرى متنفسا له من ماضٍ مؤلم، طامحا لبدء صفحة جديدة من العدالة، فإذ به يصدم فى عجز النظام القضائى عن تحقيق العدالة.



لقد تعالت الأصوات مطالبة بمحاكمة استثنائية أمام محكمة ثورية تلبى طموحات الرأى العام، إلا أن هذه الدعوات هى الأخرى لم تلق قبولا بالنظر لما هو معلوم من أنها تكون على حساب العدالة، ومن ثم فهى وإن حققت الإدانة فإن ذلك سيكون على حساب الضمير العام إذ سيكون معلوما مقدما أن ذلك خصما من رصيد العدالة. وهو الأمر الذى كان دافعا لكاتب هذا المقال لأن يقف على رؤية قانونية تحقق عدالة المحاكمة ولا تفلت الجانى من العقاب.



المعالم الرئيسة للنظام الإجرائى المصرى



الحقيقة أن الأمر يقتضى الوقوف على المفردات الأساسية التى اعتنقتها المدرسة التى اتبعها النظام الإجرائى المصرى، ومعلوم للكافة أن النظام الإجرائى المصرى مأخوذ من النظام اللاتينى المتبع فى فرنسا وإيطاليا حتى فترة قريبة، ويقوم هذا النظام على العناصر الآتية:



أن الدولة هى الكيان المؤتمن على الدعوى العمومية، وأن أجهزتها بما فيها النيابة العامة هى التى تقبض على أدوات إقامة الدليل على الجريمة، وهى التى تستأثر بسلطة تحريك الدعوى الجنائية أمام القضاء، وأن القضاة المعينين من قبل الدولة هم من يستطيعون الفصل فى تقويم هذه الأدلة والقضاء بإدانة المتهم أو ببراءته، ثم تحديد العقوبة المناسبة للفعل فى ضوء ما ينتهى إليه قرار المحكمة. ويؤسس لهذا النظام فى الفكر الجنائى اللاتينى بأن الجريمة فى حقيقة الأمر لم تقع على المجنى عليه وحده وإنما وقعت على المجتمع بأثره، ومن ثم فهو الذى يحق له أن يمسك بناصية الدعوى الجنائية قبل المتهم ولو قعد المجنى عليه عن ذلك وأداته فى ذلك النيابة العامة.



وإذا كان هذا النظام قد عرف بعض الاستثناءات أقر فيها للمجنى عليه أن يباشر دورا فى تحريك الدعوى الجنائية فى ظل نظام الإدعاء المباشر، فإن هذا الدور ظل محددا، فاقتصر على سلطة تحريك الدعوى الجنائية فى بعض الجنح أو طلب التعويض من المحكمة الجنائية فى الجنايات، إلا أن هذا الاستثناء لم يكن يسلم له بأى قدر فى تحقيق الدعوى أو جمع الأدلة القائمة على الجريمة، ولا بأى دور اجتماعى لأفراد المجتمع فى تقرير الإدانة.



فى المعالم الرئيسية للنظام الأنجلوسكسونى



ويقابل هذا النظام، النظام الأنجلوسكسونى وهو السائد فى بريطانيا والولايات المتحدة، وهو نظام يقوم على أن الجريمة وإن كانت تمس من حق المجتمع فإنها فى حقيقة أمرها وقعت على المجنى عليه، وهو الطرف المضرور الرئيسى فيها، ومن ثم فإن له الحق الأكبر فى تحريك إجراءات الدعوى جنبا إلى جنب مع أجهزة الدولة، بل وتظهر حقيقة سلطته حال تقاعس أجهزة الدولة عن تحريك الدعوى فى مراحلها المختلفة.



ويخلص هذا النظام إلى النتائج الآتية:



1ــ حق المجنى عليه فى البحث عن أدلة الجريمة جنبا إلى جنب مع أجهزة الدولة، وهو لهذا له أن يستعين بشركات التحقيق الخاصة التى تتولى البحث عن الأدلة فى الجريمة لتباشر عملا قانونيا معترفا به ويمكن أن ينبنى عليه حكم الإدانة.



2ــ حق المجنى عليه فى تحريك الدعوى الجنائية استقلالا سواء أمام المحكمة فى القضايا البسيطة، أو أمام قاضى التحقيق فى الدعاوى الجسيمة.



3ــ علانية أعمال قضاة التحقيق «كأصل عام» أمام الجمهور بما يتيح للرأى العام مراقبتها، وأحيانا مساعدتها، بإمدادها بالأدلة اللازمة لإثبات الجريمة.



4 ــ الفصل بين قضاء الإدانة، وبين الحكم بالعقوبة، فيختص المحلفون، وهم من الشعب يختارون وفق ضوابط موضوعية، ولكن بطريقة عشوائية، فتتحدد الطوائف الاجتماعية التى يمثل منها المحلفون سواء من حيث السن أو الجنس أو المهنة، ثم يأتى الاختيار بعد ذلك عشوائيا من بين هذه الطوائف، وتختص هيئة المحلفين بالفصل فى مسألة الإدانة من عدمها، فتفصل فى صحة وقوع الجريمة ونسبتها إلى فاعلها ومسئوليته عنها، بينما تتولى المحكمة إذا ما قضى بالإدانة، القضاء بالعقوبة المناسبة، ويمكن أن يؤسس لفكرة اختيار المحلفين من أبناء الشعب أن تكون سلطة القضاء مصدرها الشعب، فهو الذى يقر فى يقينه ويقين أبنائه ما إذا كان الفعل المنسوب إلى المتهم ثابتا فى حقه من عدمه، وحتى لا يحقق الحكم أى صدمة اجتماعية نتيجة عدم توافقه مع توقعات الشعب، ولا شك أن عمل المحلفين، وعلانية جلسات التحقيق، وهى التى تهيئ إلى توقع الحكم توقعا صحيحا بحيث تكون أدلته قد اختمرت فى الضمير العام وتشكلت ردود الأفعال عليها من خلال التعاطى فى تقويم قوتها وما يقوم على مناقضتها ويضعف من أثرها فى الإثبات، كل ذلك من شانه أن يُكَوِّنَ رأيا عاما ناضجا يصلح لتلقى الحكم الذى يتنبأه المجتمع بحسب الأغلب الأعم، ليكون دور القاضى بعد ذلك محدودا فى تقويم المسائل القانونية كأسباب الإباحة وموانع المسئولية وغيرها، وتقدير العقوبة المناسبة للعمل الذى أثبته المحلفون على المتهم.



ولقد كان هذا النظام دوما فى مصر موضعا للعديد من سهام النقد، فيقال عنه إنه يوكل أمر الخصومة الجنائية إلى غير المتخصصين ممن يغلب تعرضهم للتأثير العاطفى وقوة الرأى العام على قراراتهم، ويعدد البعض أحوالا كان فيها قرار هيئة المحلفين قد خالف حقيقة الواقع متأثرا بالاعتبارات العاطفية والوقوع تحت حبائل الدفاع وضجيج التأثير الإعلامى فى المجتمع، وغير ذلك من أسباب تؤثر فى حيدة قرار هيئة المحلفين عن جادة الصواب، والحق أن ما يقال من نقائض هذا النظام يصدق وبذات الدرجة على النظام القضائى الذى تتبعه النظم الآخذة عن النظام اللاتينى، وقد يزيد عليها بعيب الانغلاق، إذ إن العزلة الدائمة التى تفرضها التقاليد القضائية على القضاة قد تؤدى إلى ابتعادهم عن نبض الحياة فى الوطن على نحو يحول دون تلبية الشعور العام للمجتمع بالعدالة، وهو ما ينال من الثقة العامة فى المجتمع والعدالة، ولعل هذا السبب هو الذى برر لنظام عتيد يعد من الركائز الأساسية للنظام اللاتينى، وهو النظام الإيطالى، لأن يتحول تحولا دراماتيكيا صوب النظام الأنجلوسكسونى عندما أصدر القانون رقم 447 بتاريخ 16 فبراير سنة 1988 متبنيا العناصر الأساسية للنظام الأنجلوسكسونى، معليا من حق المضرور فى الجريمة فى مشاركة مجتمعه فى البحث عن أدلتها، ومقرا له بحقه فى توجيه الخصومة جنبا إلى جنب مع أجهزة الدولة الرسمية، ومعليا كذلك من حق المجتمع فى المشاركة فى عملية المحاكمة الجنائية سواء بالمراقبة أثناء مرحلة التحقيق، أو المساهمة فى تقرير الإدانة من خلال نظام المحلفين، ثم إتاحة الفرصة أمام جهات التحقيق لأن تتفاوض مع بعض الجناة قصد الكشف عن أدلة أخرى ومجرمين آخرين فيما يعرف باتفاقيات الحماية القضائية، وقبول معاملة تفضيلية للجناة الذين يعترفون بجرائمهم.



مقترحات تطوير النظام القضائى المصرى



إذ كان الأمر كذلك، وكان البين للرأى العام فى هذه الفترة المفصلية الحرجة أن التقوقع حول مفردات النظام اللاتينى يعد خصما من مصداقية النظام القضائى الجنائى، فضلا عن انه يعد إلى حد بعيد عاجزا عن بلوغ غايات النظام الجنائى، ومن ثم فإننا نرى وجوبا إعادة النظر فى هذا النظام برمته لاختيار أوفق الحلول القانونية التى تحقق الرضا العام وتوثق مصداقية القضاء فى الوطن، إلا أننا نقترح على وجه العجل، وبصورة لا تحتمل الإرجاء إصدار تشريع لمحاكمات الثورة يتبنى مفردات النظام الأنجلوسكسونى، ويكون قوام ذلك العناصر الآتية:



1ــ إنشاء نظام قضاة التحقيق وفقا لأسس التحقيق العلنية التى يتاح فيها للجمهور المشاهدة الحية لأعمال التحقيق، ومتابعة إجراءاتها منذ باكورة أعمالهم.



2ــ السماح للجمهور بالمشاركة بتقديم ما لديهم من أدلة، سواء أكانت شهادات أو مقاطع تصويرية، أو أعمال خبرة، أو غيرها مما يساهم فى تضامن أبناء المجتمع فى حشد الأدلة على الاتهام، ويمكن تنظيما لذلك أن تكون هذه المساهمات بناء على طلبات تقدم إلى قضاة التحقيق العلنى تسجل فى دفاتر معدة لذلك، ويكون رفض سماع الدليل أو الحرمان من طرحه مقرونا بقرار مسبب يبين فيه القاضى عند تصرفه فى الدعوى سواء بالإحالة أو الحفظ سبب رفض سماع هذا الدليل.



3ــ تمكين قضاة التحقيق العلنى من إجراء مفاوضات سرية مع بعض المتهمين يدلى بمقتضاها المتهم باعترافات عن متهمين آخرين ويكون من شأنها كشف أدلة لم تكن معلومة من قبل سواء تعلقت بجرائم أخرى، أو بذات الجريمة، ويكون ذلك لقاء اتفاق ملزم من المعترف يخوله الحماية القضائية من مسئوليته عن الجريمة التى ارتكبها واعترف بها.



4ــ تخويل المتهم المعترف بجريمته معاملة عقابية أخف من المتهم المنكر، ويكون لقاضى التحقيق العلنى الحق فى إبرام تعاقد معه يحدد مقدار هذه المعاملة العقابية الأخف منظورا فى هذا الاتفاق مقدار خفاء المعلومات التى اعترف بها المتهم عن أجهزة التحقيق.



5ــ أن يكون لقاضى التحقيق العلنى أن يصدر أمرا إما بحفظ الدعوى (وهو ما يعرف قانونا بألا وجه لإقامة الدعوى)، وإما بإحالتها إلى هيئة المحلفين، ويحدد لها الواقعة القانونية التى تدعى إلى الفصل فيها.



6ــ تتشكل هيئة المحلفين ــ فى جرائم الثورة ــ من عدد فردى نرى أن رقم (19) يكون أوفق لما له من اتساع عددى يسمح بتضمينها عددا كبيرا من المحلفين يكون أقرب للتعبير عن الرأى العام، وإذا كان نظام المحلفين بحسب الأصل يكون من كل أبناء الشعب دون تمييز، فيحسن فى هذه التجربة الوليدة أن يقتصر تشكيلها على الجامعيين من تخصصات مختلفة تتسع لتشمل رجال القانون والطب والهندسة والجيش والشرطة والزراعة ورجال الصناعة والرأسماليين وغيرهم، ولا بأس بأن يكون اختيارهم فى أول الأمر انتقائيا من عناصر مشهود لها بالحيدة. وتختص هيئة المحلفين إما بتقرير إدانة المتهم من حيث المبدأ أو براءته، فإذا قررت إدانته فإنها تحيل الدعوى إلى قاضى الحكم الذى يتولى الفصل فى مسألة وجود سبب إباحة أو مانع مسئولية ثم يتولى تقدير العقوبة فى ضوء العناصر العامة لذلك.


فإذا أثبت هذا النظام نجاحه فى هذه التجربة المحدودة، فإن ذلك يصلح لأن يكون سندا لتعديل شامل لقانون الإجراءات الجنائية، بما يحقق أهداف النظام الجنائى فى العدالة الناجزة.

والله الموفق والمستعان..

http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=13102012&id=6b33f865-e50d-47d6-b239-ad4b84371dec

الأربعاء، 3 أكتوبر 2012

ماذا أهم من إضراب الأطباء؟ - تامر وجيه

المصري اليوم 2/10/2012

حتى تعيش بكرامة لابد أن تعيش أولًا. لا شيء يسبق الحق في الحياة.

لذلك فأنا لم أفهم أبدًا كيف يمكن أن يسمح المجتمع بأن يموت إنسان، أو يعيش كالميت، لأنه لم يجد المال الكافي لـ«شراء» حقه في الحياة.

قد أفهم أن يُحرم إنسان من حقه العادل في أن يذهب في رحلة صيفية على شاطئ البحر مع أسرته أسبوعًا واحدًا كل عام. قد أفهم كونه لا يجد فائضًا ليشتري ملابس جديدة بدلًا من تلك التي اهترأت. بل حتى قد أفهم حرمانه من التعليم لأنه فقير ولا يجد قوت يومه. لكني لا أفهم مطلقًا كيف يُمنع عنه أبسط حقوقه: حقه في الحياة؟

يعيش المصريون في ظل نظام اجتماعي يندى له جبين الإنسانية. ففي العقد الثاني من المائة الأولى من الألفية الثالثة بعد ميلاد السيد المسيح لا يجد فقراء هذا البلد، بل كذلك الكثيرون من متوسطي حالها، الحد الأدنى من الرعاية الصحية المقبولة.

في عام 2009 أُصيب صديق أجنبي مقيم عندي بأزمة قلبية حادة. وبعد أن طلبنا الإسعاف الحكومي الذي جاء متلكئًا، ظللنا نَدُور على المستشفيات، ومريضنا بين الحياة والموت، علّ واحدا منها يقبله في قسم الرعاية المركزة. لم نجد سريرًا واحدًا شاغرًا يقبل المريض، فمات وهو حائر على الطرقات، وذلك رغم أني أقيم في إحدى ضواحي الطبقة الوسطى العليا بالقاهرة، وكنت مستعدًا لدفع كثير من المال لإنقاذ حياته.

ورغم أني لا أحب أن أحوّل هذا المقال إلى مرثية شخصية، إلا أني أشعر أنه يتوجب عليّ الإشارة إلى تجربتي الشخصية مع المرض. فمنذ أن أصبت عام 2006 بأزمة قلبية وأنا أحتاج شهريًا إلى حوالي 300 جنيه مصاريف أدوية، هذا عدا تكلفة زيارات الطبيب والأشّعات الدورية. كم مصريًا يمكنه تحمل هذه التكلفة؟ والأهم: كم مصريًا مصابا، في زمننا السعيد هذا، بهذا المرض المزمن أو ذاك، من القلب إلى السكر إلى الضغط إلى الفيروس الكبدي؟ إنها كارثة ولا شك.

جريمة

إن نظامنا الصحي جريمة تُرتكب في حق المصريين؛ جريمة لها فاعل، ومحرضون ومستفيدون، وضحايا. الفاعل هو الدولة، والمحرضون والمستفيدون هم الرأسماليون ومهندسو نظام السوق الحرة، والضحايا هم الشعب الكادح وغالبية الأطباء.

على مدار الأعوام الأربعين الماضية، كان المسؤولون عن السياسة الصحية في مصر يعملون بدأب واجتهاد على تحويل الطب من خدمة إلى سلعة.

فحقيقة أن ميزانية الصحة لا تزيد على 4,8% من ميزانية الدولة (أقل من ثُلث النسبة المقررة عالميًا وهي 15%)، وحقيقة أن حوالي ربع هذه الميزانية يذهب إلى ديوان وزارة الصحة (خاصة رواتب وحوافز وبدلات كبار موظفيها)، وحقيقة أن جزءًا لا بأس به من هذه الميزانية يتم نهبه وإهداره بطرق مختلفة، تعني بالضرورة طرد أطراف العملية الطبية من دائرة «الخدمة الإنسانية» وإجبارهم على الالتحاق بدائرة «المنافسة في الأسواق».

فبما أن الميزانية الهزيلة، والمنهوب جزء كبير منها، لا يمكنها أن تموّل ولو حتى جزءا بسيطا من احتياجات المواطنين في الخدمات الطبية معقولة المستوى، فإن قطاعًا كبيرًا من المرضى أصبح مضطرًا للبحث عن الخدمة في السوق الخاصة: العيادات الخاصة للأطباء، المستوصفات الخاصة (خيرية وغير خيرية)، والمستشفيات الخاصة. قطاع آخر من المرضى، القطاع الأكثر حظًا ماليًا وطبقيًا، بحث لنفسه عن مظلة تأمينية خاصة توفرها النقابات المهنية أو المؤسسات والشركات.

وبنفس المنطق، فإن الأطباء العاملين بالقطاع الحكومي مضطرون، نظرًا لتدني الأجور التي يحصلون عليها، إلى العمل في وظائف إضافية بالقطاع الخاص يعطونها معظم وقتهم وكل اهتمامهم.

وهكذا التقى العرض والطلب: مرضى لا يجدون الخدمة المجانية فيهرولون إلى الأسواق بحثًا عن السلعة المشتراة، وأطباء لا يجدون الأجر العادل فيسارعون إلى الأسواق لإقامة أودهم.

المرضى وغالبية الأطباء لا حكم لهم على الأسواق. من يتحكم في الأسواق هم كبار الرأسماليين ومتوسطيهم من ملاك المستشفيات والمستوصفات والعيادات الكبيرة. يعمل الأطباء الصغار لدى هؤلاء بأجور زهيدة، ويذهب المرضى إليهم بأسعار كشف باهظة. ويستفيد من هذا النظام كبار موظفي وزارة الصحة الذين يقتطعون من ميزانية الصحة جزءًا كبيرًا يدفئون به جيوبهم.

لا أظن أننا سنختلف إن قلت إن أحدًا من أطراف التحالف بين سادة الرأسمالية الطبية وكبار رجال الدولة ليس من مصلحته تغيير النظام القائم. فلو غيّرت الدولة أولوياتها وقلصت الإنفاق على القمع ودعم الرأسماليين ورواتب المستشارين وكبار البيروقراطيين، لو رفعت ميزانية الصحة فأعطت المريض الخدمة التي يستحقها والطبيب الأجر العادل، لبارت السلع الطبية المباعة في الأسواق وتراجعت أرباح تجار الحياة.

الإضراب

لو اعترفنا بأن الخدمة الطبية المقدمة في مستشفيات وزارة الصحة أكثر من سيئة، لعرفنا أن الإضراب الجزئي للعاملين بتلك المستشفيات ليس خطرًا على صحة المرضى، بل خطر على نظام تسليع الطب والمستفيدين منه.

أشعر بالفخر الشديد لأنه يوجد في بلدي أطباء بهذا الرقي والإنسانية. مطالب الأطباء والعاملين بالمهن الطبية مصممة خصيصًا لكسر الدائرة الجهنمية لتسليع الحق في الحياة. فهم يطلبون رفع ميزانية الصحة إلى 15%، ورفع أجور العاملين بالمجال الطبي، وتغيير نظام الإدارة الفاسد الحالي، إلى جانب تأمين المستشفيات من مخاطر البلطجة. هذه المطالب في مجموعها من شأنها، إذا ما تم تطبيقها، أن تقضي على الأسباب التي طردت المريض والطبيب من دائرة «الخدمة الإنسانية» وأجبرتهما على الالتحاق بدائرة «المنافسة في الأسواق».

يرى البعض أن مطلب رفع الأجور مطلب أناني، وأن الطبيب صاحب المهنة السامية لا يحق له أن يمتنع عن خدمة مريضه للضغط من أجل مكسب شخصي كهذا.

كثير من الرافضين لهذا المنطق والمؤيدين للإضراب يردون بأن «الطبيب إنسان كغيره ويحق له أن يطلب تحسين دخله».

أنا لا يعجبني هذا الرد كثيرًا رغم صحته. فأنا أعتقد أن مطلب رفع أجور العاملين بالمهن الطبية مطلب إنساني وليس شخصيًا، وأن تحقيقه سيعود على المجتمع بالنفع أكثر من عودته على الطبيب بالدخل.

فلو توفر للطبيب دخل كاف من عمله كخادم للمرضى في دائرة الخدمة الإنسانية المجانية، لما احتاج إلى اللجوء للسوق الرأسمالية لإقامة أوده، ولأصبح للمجتمع الحق في محاسبته على مدى تفانيه في عمله الخدمي. لو توفر للطبيب أجر عادل يدفعه له المجتمع من ميزانية الدولة، لما تحول إلى جزء من الآلة الشريرة التي تحول المريض إلى زبون مطلوب خداعه وامتصاص دمه للحصول على أكبر قدر من الأرباح.

هل هذا مطلب أناني؟ على العكس تمامًا. فإنقاذ الخدمة الطبية من شر الأسواق شرط أساسي لتحقيق إنسانيتها.

تخيلوا معي طبيبًا يعمل في ظل نظام يميز بين المريض الغني والمريض الفقير. فلو كان معك المال عالجناك، ولو كنت فقيرًا فسنتركك لتموت.

تخيلوا معي طبيبًا يعمل في ظل نظام تقوم إدارته على قاعدة الربح أولًا. فلو دفع المريض أكثر لكان هذا أفضل، ولو دفع أقل فهذه خسارة.

تخيلوا في المقابل نظاما فصل تمامًا بين مصدر دخل مقدمي الخدمة وبين الظروف الاجتماعية المالية لطالبيها؛ نظامًا لا يجعل دخل الطبيب يعتمد على مالية المريض ولا على مدى ابتزازه له؛ نظامًا يوفر الخدمة لأي وكل مريض بغض النظر عن دخله وإمكانياته.

أي نظام بين الاثنين أكثر إنسانية؟ أي نظام بين الاثنين أكثر خيرية؟

لا شك لدي في أن النظام الأخير – القائم على مبدأ أن الطب خدمة وليس سلعة – هو النظام الذي يحرر صحة الإنسان من شر الأسواق وبؤس الليبرالية الجديدة.

لهذا فأنا أدعم إضراب الأطباء، وأدعم على وجه الخصوص مطلبهم الإنساني العادل برفع أجورهم وتحسين أوضاعهم.

http://www.almasryalyoum.com/node/1150666