السبت، 6 نوفمبر 2010

‌المسئولية الطبية

مسئولية الأطباء عن أخطائهم

ترى بعض الهيئات أنه لا يجب مساءلة الطبيب جنائياَ و لكن يسأل مدنياَ لأن الخطأ يختلف عن التعدي، و لكن استقر الحال على أن يساءل الأطباء عن أخطائهم من الناحية المدنية و الجنائية.

مساءلة الطبيب مدنياَ:

وهذه تعنى إخضاعه لقواعد القانون العام عند خطئه إذا أخل بواجبات المهنة و ترتب على ذلك ضرر بالمريض.

مساءلة الطبيب جنائياَ:

يطبق على الأطباء المواد الخاصة بالمسئولية الجنائية في القانون العام عن القتل و الجرح الخطأ على الأطباء إذا ترتب على خطئهم ضرراَ بالمريض.

والحاصل مما تقدم أن مدار المسؤولية الطبية يتعلق بوقوع الضرر أو سبب الضرر على المريض من الطبيب أو مَن في حكمه في سياق العلاقة المهنية الطبية بينهما. وهذه المسؤولية تندرج تحت قسمين اثنين يمكن أن تصنف فيهما كل أنواع المسؤولية الطبية، فأقسام المسؤولية الطبية هي :

1. المسؤولية الطبية السلوكية والأخلاقية: وهي تشمل الصدق والنصيحة وحفظ السر وحفظ العورة والوفاء بالعقد، وتنشأ المساءلة على الخطأ الطبي في هذا القسم جراء الإخلال بواحد أو أكثر من هذه المبادئ مما يؤدي إلى وقوع الضرر أو التسبب فيه، فيوجب هذا الإخلال مساءلة الطبيب وترتب آثار هذه المسؤولية إن ثبت الموجب ولم يظهر له عذر مبيح.

2. المسؤولية الطبية المهنية: وهذا القسم يتعلق بالنواحي العملية لنفس مهنة الطب، وتتعلق المسؤولية في هذا القسم بإخلال الطبيب بواحد أو أكثر من المبادئ المتفق عليها في عرف المهنة بصورة تؤدي إلى وقوع الضرر على المريض أو التسبب في ذلك. فالعقد المهني بين الطبيب والمريض يلزم الطبيب بالأصول المهنية المعتبرة بحيث لا بد من أن يكون حاذقاً عالماً بطبه (وهذا هو الجانب النظري) ماهراً فيه (وهذا هو الجانب العملي)، ومطبقاً لهذا العلم والحذق والمهارة على أفضل وجه ممكن، فإذا أخل الطبيب بجانب العلم أو المهارة أو الالتزام بهما ونجم عن ذلك وقوع الضرر أو التسبب فيه وقعت المسؤولية الطبية.

موجبات المسؤولية الطبية المهنية:

تتعلق موجبات المسؤولية في هذا القسم بنفس المهنة الطبية، وتدور حول ثلاثة محاور هي الجهل والخطأ والتعدي، وتحتاج هذه الموجبات إلى كثير من الضبط والتفصيل، وهذا ما نشير إليه في هذا الموضع.

الموجب الأول: عدم اتباع الأصول العلمية للمهنة

إن لأصول مهنة الطب جانبين؛ علمي نظري، وعملي تطبيقي، ولكل من الجانبين نوعان من العلوم:

1. العلوم الطبية الثابتة: وهي ما لا ينفك علم الطب عنه من المسلَّمات كعلم التشريح ووظائف الأعضاء وكمعرفة أن الجسم بحاجة إلى إمداد مستمر بالأكسجين، وأن النزف غير المسيطر عليه يؤدي إلى الموت، فهذه ثوابت عامة معلومة ضرورة، ومن الثوابت الخاصة ما يتعلق مثلاً بعلم الجراحة من ثوابت ككيفية إعمال المبضع في الجسد وكيفية السيطرة على النزف أثناء العمل الجراحي فهذه لا تتغير بتغير نوع الجراحة ولا تتغير بتغير العصر، فهذه العلوم العامة والخاصة الثابتة تعتبر علوماً مستقرة يؤاخذ كل من يخرج عنها، فهي أشبه بالقواعد و القطعيات الطبية.

2. العلوم الطبية المستجدة: وهي ما تتفتق عنه البحوث العلمية الطبية يومياً من كشف أو نظرية أو علاج جديد ونحوه، وهذه هي التي يصعب ضبطها، ولا بد للطبيب من مراعاة أمرين اثنين في هذه العلوم حتى يخرج من العهدة فيها، وهذان الأمران هما (1) أن تصدر هذه العلوم عن جهة علمية معتبرة، (2) أن يشهد لها أهل الخبرة بالصلاح للتطبيق والممارسة. فإذا اجتمع هذان الوصفان لزم الطبيب أمرٌ ثالث من جهته هو ، وهو تأهله لتطبيق هذه العلوم المستجدة، كأن تكون تقنية جراحية جديدة فلا يبادر إلى تطبيقها دون إشراف أو حضور دورة تدريبية تؤهله للقيام بها، وهذا كله مقرر عند أهل الطب. فإذا راعى الطبيب هذه الأمور، وكان العمل الذي يمارسه معتبراً عند أهل الفن وكان هو مؤهلاً له والتزم بالأصول المتبعة فيه فقد خرج من العهدة.

مما سبق يتبين لنا أن خلاصة الأمر في ثبوت موجب المسؤولية هنا يتعلق بأحد الأمرين التاليين أو بهما معاً:

1. مخالفة الأصل العلمي المعتبر

2. مخالفة التطبيق العملي المعتبر

الموجب الثاني: الجهل

إن ممارسة الطب مع الجهل موجبة للضمان سواء أكان الجهل كلياً كأن يقوم ممرض أو عامي بممارسة الطب والتطبيب، أم كان جهلاً جزئياً كأن يقوم طبيب باطني بإجراء جراحة في العيون.

الموجب الثالث: الاعتداء

يُتصور وقوع الاعتداء في سياق الممارسة الطبية من جهتين أحدهما الجناية العمد العدوان وهذا نادر ولكنه يقع، والثاني من جهة التطبيب بدون إذن المريض أو وليه أو من له ولاية عامة أو خاصة، وفيما يلي تفصيل ذلك:

1. الاعتداء قصداً: وهذا كما ذكرنا نادر، غير أنه يقع إما بدافع الجناية العمد وإما بدافع مبررات عقلية منحرفة، كما وقع في بعض البلاد من قيام بعض العاملين الطبيين بقتل بعض المرضى المصابين بحالات معضلة بدعوى إراحتهم من المرض ونحوه، فهنا إذا ثبت القصد والاعتداء آل الأمر إلى الجناية العمد العدوان ويتعامل معها القضاء من هذا المنطلق.

2. التطبيب بدون إذن: وهذا أكثر حدوثاً في سياق المهنة، وصورة المسألة أن يقوم الطبيب بعمل تشخيصي أو علاجي بدون أخذ إذن المريض، فإذا ترتب على هذا الفعل وقوع الضرر وثبت أن الطبيب لم يكن مأذوناً له بالتصرف ضمن إلا في حالات استثنائية، وهذه الحالات الاستثنائية هي حالات الطوارئ التي لا يسمح فيها الوقت باستئذان المريض ويغلب على الظن هلاك المريض أو تلف عضو منه بالتأخر في التطبيب، والحقيقة إن دعوى عدم وجود الإذن هنا فيها نظر لأن الطبيب لديه في العادة إذن عام من السلطات المختصة بتقديم العلاج الإسعافي في هذه الحالات، بل قد يجب عليه ذلك، وعليه يبقى النظر في الحالات غير الإسعافية وهنا يترجح وجوب أخذ إذن المريض أو وليه قبل المباشرة في أي عمل طبي، ولكن تجدر الإشارة إلى أن مسائل الإذن الطبي فيها تفصيل بحيث لا يمكن الحكم فيها بحكم واحد، والذي نقرره في هذا الموضع هو أن الأصل يقتضي أخذ الإذن والموافقة قبل الإقدام على التطبيب، وأن الأصل يقتضي ضمان الضرر الناجم عن التطبيب بدون إذن، ويبقى النظر في الحالات التي ترجح فيها المصلحة الخاصة أو العامة عدم اعتبار هذا الإذن.

الموجب الرابع: الخطأ

الخطأ هو "ما ليس للإنسان فيه قصد"، وهو مسقطٌ لحق الله تعالى من جهة الإثم، ولكنه لا يُسقط حق العباد في الضمان، بدليل قوله تعالى:"وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم"، وإذا نظرنا إلى مفهوم الخطأ الطبي حسب تعريف المعهد الطبي الأمريكي نجده ينص على أن الخطأ الطبي هو "الفشل في إتمام عمل مقصود على الوجه المقصود، أو استعمال عمل خاطئ لتحقيق هدف ما"، وهذا يتفق مع ما قررناه إذ أن الطبيب لا يقصد فوات هدف العلاجي كما لا يقصد استعمال العمل الخاطئ لتحقيق هدفه العلاجي، ولكن يجب التمييز هنا بين أمرين هما:

1. الخطأ الذي هو من جنس العمل الطبي: كأن يخطئ في التشخيص ونحوه، فهنا ينظر إلى العرف الطبي فإذا كان الخطأ ضمن الحدود المعتبرة من جهة أن هذا التشخيص أو العلاج ظني في الغالب فهنا لا مؤاخذة من جهة مخالفة أصول المهنة، ويؤول الخطأ إلى النوع الثاني الذي نذكره، وإن كان الخطأ غير مقبول في العرف الطبي كأن يخطئ في التشخيص لأنه لم يستعمل اختباراً مطلوباً في عرف المهنة، فهنا يؤول الخطأ في الحقيقة إلى الموجب الأول وهو عدم اتباع أصول المهنة، وكلاهما موجب للمسؤولية لكن الفرق في الآثار المترتبة على المسؤولية من جهة الضمان فقط أو الضمان مع التعزير.

2. الخطأ الذي ليس من جنس العمل الطبي: كأن تزل يد الطبيب أثناء الفحص أو الجراحة فيضر بالمريض وهذا من جنس الجناية الخطأ لا علاقة له بخصوص المهنة، والحكم فيه هو الحكم في جناية الخطأ من حيث ثبوت الضمان وسقوط الإثم ولا يستوجب تعزيراً.

صور الخطأ:

1. الرعونة (سوء العلاج) وتنطبق على الطبيب ناقص الخبرة إذا اتضح أن ما وقع منه يدل على جهل حقيقي بواجباته في حالة العلم القائمة.

2. الإهمال والتفريط أو عدم الانتباه والتوخي ويحدث فيه الخطأ بطريق سلبي نتيجة الترك أو الامتناع مما يتسبب في إحداث ضرر للمريض.

3. ومن صور الخطأ كذلك عدم الاحتياط والتحرز ويقصد به الخطأ كأن يجرى علاجا باستعمال أجهزة يعلم أنها معيبة أو يجرى العملية وفى يده عجز وقتي يحول دون أن يؤديها كما ينبغي. و في حالة الرعونة وعدم الاحتياط والإهمال وعدم الانتباه يجب إثبات وقوع خطأ من الطبيب حتى يمكن مساءلته.

4. الإخلال بالعقد والتقصير في تحقيق المستهدف من الخدمة الطبية.

5. إصابة المريض عن طريق القيام بفحوصات خطيرة أو استخدام مواد علاجية تؤدي إلى الإصابة.

معيار الخطأ:

يقارن تصرف الطبيب بتصرف طبيب من وسط المتهم ومهنته ومركزه ودرجة تعليمه وخبرته، ويدخل في تقدير خطأ الطبيب خطورة الحالة وما تستلزمه من إسعافات في ظروف غير مواتية على اعتبار أن ذلك من الظروف الخارجية. كذلك يؤخذ في الاعتبار ظروف الزمان والمكان الذي يجرى فيه العلاج مثل ما يجرى في قرية بعيدة عن وسائل الفحص والعلاج الحديثة. هذا و يساءل الطبيب عن خطئه يسيرا كان أو جسيما ، ماديا كان أو فنيا.

رابطة السببية:

لكي تتحقق المسئولية الطبية يجب أن تتوافر رابطة السببية بين الخطأ والضرر الذي حصل وأن تكون الصلة بينهما صلة السبب بالنتيجة ولا يجوز إهمال البحث عن هذه الصلة. فإذا كان ما أصاب المريض مما يتحتم وقوعه، ولو لم يقع الخطأ فلا مسئولية على الطبيب، وفى حالة الشك في نسبة الخطأ إلى الطبيب فلا مناص من إخلائه من المسئولية.

تقدير ركن السببية:

في مصر يتطلب القانون قيام السببية المباشرة وتأخذ غالبية الأحكام بأنه يجب أن يكون خطأ الطبيب عند تعدد الأسباب هو السبب الرئيسي للضرر بحيث لا يمكن حصول الضرر بغيره.

استقر القضاء على أن مجرد الخطأ في التشخيص ووصف العلاج ومباشرته لا يثير مسئولية إلا إذا كان هذا الخطأ منطويا على جهل ومخالفة للأصول العلمية الثابتة التي يتحتم على كل طبيب الإلمام بها بشرط أن يكون الطبيب قد بذل الجهود الصادقة اليقظة التي يبذلها الطبيب المماثل في الظروف القائمة.

المصادر:

- الطب الشرعي بين الإدعاء والدفاع الجزء الثاني ص: 1057

- الخطأ الطبي مفهومه وآثاره تأليف د.وسيم فتح الله. نسخة تم الحصول عليها من موقع http://www.saaid.net/tabeeb/65.htm

- جوريسبيديا موسوعة القانون الحرة الجامعية في مارس 2008م (الموسوعه المتخصصة في العلوم القانونية و السياسية لجميع دول العالم).

- المسئولية المدنية و الجنائية في الأخطاء الطبية. تأليف د/ منصور المعايطة. الرياض 145-2004م، إصدار مركز الدراسات والبحوث بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية.

- British Medical Association Professional Division. (1988). Rights and Responsibilities of Doctors. BMA, Tavistock Square, London WCIH 9JP.

- Ronald w Scott (1999). Health Care Malpractice. A primer of Legal Issues for Professionals. 2nd edition. Mc Graw Hill, Health Professions Division. New York, St Louis, London, Tokyo, Toronto.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق