الخميس، 13 ديسمبر 2012

موجز قبل الاستفتاء على مشروع دستور 2012

بعد تفكير عميق، واستماع مطول للرأي والرأي الآخر، وبعد قراءة متأنية أرى أن مشروع الدستور الحالي (2012) به عيوب كثيرة، إلا أني أميل للموافقة عليه، وذلك للأسباب التالية:

1.    مصر تمر بحالة فراغ مؤسسي مهول، وتنازع سلطات غير مسبوق، وتمزق وتخبط وجمود في كل المؤسسات، لذا فنحن بحاجة لخارطة طريق يرسمها دستور قد لا يلبي كل الطموحات لكنه يحقق الحد الأدنى الكافي للتحرك.

2.    مسودة الدستور الحالي، رغم مثالبها، أفضل من دستور 71، بالذات في أبواب الحريات والحكم. كما أن مثالبها – في رأيي – ليست كارثية كما يصورها البعض! وهي تضبط الاتزان بين الرئيس والبرلمان والأجهزة الرقابية، وهو مايكفي – في رأيي – كأساس يبنى عليه.

3.    صحيح أن مسودة الدستور لا ترقى إلى الطموح الثوري، لكن خذ بعين الاعتبار أنها تمثل الحل الوسطي بين اغلب الأطراف، خصوصا وأن المصريين إذا اجتمعوا للاتفاق على أمر يختلفون! والحلول الوسطى كما نعرف لن تعطي طرفا فيها كل مايتمناه!

4.    المسألة ليست في كمال الدستور وتمامه، جوهر المسألة الإرادة السياسية لتطبيق الدستور وتحقيق مقاصده من عدل ومساواة وحرية، فدستور 71 مثلا كان به الكثير من المزايا التي لم تصل فوائدها يوما إلى الشعب لأن ذلك لم يخطر ببال الحاكم!

5.    المعترضون على مسودة الدستور الحالي ليسوا مقنعين لي – أنا على الأقل- لأرفض الدستور نزولا على اعتراضهم، حيث أنهم:
a.      هم من اقترح تشكيل الجمعية المحررة لهذه المسودة (محمد أبو الغار في فندق سوفيتيل المعادي).
b.     عملوا فيها لما يقرب من 6 أشهر وكانوا يمدحون ويتغزلون، وعندما اقتربت السفينة من مرساها إذا بهم يقفزون منها دون تقديم مبررات واضحة أو اعتراضات محددة! وهو مايثير الشكوك والارتياب في سلامة موقفهم وصدق نواياهم!
c.      كانوا يطالبون بتنحية المواد الخلافية من الدستور (راجع آراء وكتابات عمرو حمزاوي على سبيل المثال)، فلما فعلت الجمعية ذلك أخذوا على المسودة "تجاهلها" لبعض المواد الهامة!
d.     يطالبون الآن بتدخل الجيش تارة والغرب تارة أخرى لتصحيح مايرونه خطأً! هل تبرر الغاية الوسيلة؟
e.     اتهموا اللجنة بـ"سلق" الدستور، أي الإسراع بإنجازه على حساب الجودة، ثم أنجزوا دستورا "موازيا" في عشرة أيام فقط، لا في ستة أشهر كما فعلت الجمعية!

6.    إذا جاء الاستفتاء برفض الدستور فإن الجمعية الجديدة ستشكل بالانتخاب المباشر، فماذا إذا جاء اغلب اختيار الشعب من الإسلاميين؟ لاحظ أنك هنا لن تستطيع الاعتراض على تشكيل الجمعية أو الطعن عليها أمام القضاء لأنها مختارة شعبيا بإرادة تعلو فوق القضاء، كما أنك لن تستطيع الاعتراض على منتج الجمعية - مهما كان سيئا- إلا في الاستفتاء التالي.

7.    لا يجب أن ننسى أو نتجاهل أن التيار المتشدد قد تنازل عن الكثير من طموحاته في مشروع الدستور الحالي، وأن بعض الغلاة يرفضونه كونه – من وجهة نظرهم - "متساهلا" في تطبيق الشريعة، و السؤال هنا: إذا رجعنا إلى نقطة الصفر مرة أخرى ماذا سيكون موقف هؤلاء؟!

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه.

ما رأيت معك خيرا قط

مما يثير حنقي وضيقي هذه الأيام استشراء ظاهرة "ما رأيت معك خيرا قط"، والتي تمارسها القوى السياسية المختلفة ودون استثناء!

فبمجرد اختلاف الرأي أو التوجه أو تضارب المصالح يجرد كل فريق أسلحته وبطلق صواريخ التشكيك والتخوين على المعسكر الآخر، ناسيا أو متناسيا ماقدمه الفريق المقابل لمصر ولثورتها بل وله هو في يوم من الأيام!

فتُنسى كتابات علاء الأسواني وعبد الحليم قنديل وبلال فضل وإبراهيم عيسى المناهضة لمبارك في الوقت الذي كان فيه الكثير من أبطال المشهد الآن يسبحون بحمده وينافقونه ليل نهار! ويُنسى كيف ألقي عبد الحليم قنديل عاريا دون نظارته في الصحراء ذات ليلة شتوية باردة لأنه هاجم جمال مبارك وأباه! ويُنسى كيف كان الإخوان المسلمون يعتقلون بالمئات وأحيانا بالآلاف لا لشيء إلا لأنهم أكثر قوة قادرة على زلزلة أركان النظام البائد ومواجهته مواجهة حقيقية في الانتخابات! وينسى دور الإخوان المشهود في حماية الميدان والثورة في يناير وفبراير 2011..بل ويشككون في هذا الدور! ويُنسى وقفة رموز التيار الليبرالي مع محمد مرسي ضد شفيق، وعلى رأسهم حمدي قنديل وعلاء الأسواني و محمود سعد (الذي اعتدي على زوجته وابنته في أحداث الاتحادية)!

يبدو أن المصالح أهم من الوطن..ويبدو أننا نطالب بالعدل ونحن نفتقده داخل نفوسنا!

الأحد، 9 ديسمبر 2012

عن الدستور والخابور...نتحدث - إيهاب زعقوق

ملحوظة: هذه ليست قراءة فقيه دستوري ولم أراعي في قراءتي جميع المصطلحات اللغوية الدستورية، هي قراءة عامة لما نصت عليه المواد وتكفله في المجمل

بعد قراءة دستور مصر 1882 ومصر 1923 ومصر 1930 ومصر 1971 ومشروع دستور 2012 ودستور الولايات المتحدة الأمريكية ودستور فرنسا ودستور ألمانيا واكتشاف أن بريطانيا ملهاش دستور وان إسرائيل كمان ملهاش دستور، أحب أقول حاجة واحدة الدولة المحترمة المتقدمة مش محتاجة دستور محترم وأحياناً ممكن ماتحتاجش لدستور أصلاً وأحياناً ممكن تحتاج دستور تفصيلي جداً، ومفيش حاجة اسمها الدستور لازم يبقى مختصر أو الدستور لازم يبقى مفصل، الدستور هو أبو القوانين وهو المكان اللي بيتكتب فيه ما لا يُراد المساس به

هاتكلم عن كل دستور في أبرز حاجة فيه:
-دستور 1882: كان دستور الغرض منه تنظيم السلطة التشريعية في مصر بشكل أساسي وده كان بعد هوجة عرابي والسلطة التشريعية في الدستور ده كانت مشتركة ما بين مجلس النواب ومجلس النظار(الوزراء) واتلغى سنة 1883 وكان مكون من 53 مادة ولم يكن يحتوي على أي مواد للحريات وحقوق المواطنين وواجباتهم

-دستور 1923: اتكتب بأمر من الملك فؤاد بتكليف الحكومة بتشكيل لجنة وضع دستور، وكان أول دستور مصري بيتكلم عن الحقوق والحريات وأعطى المواطنين حق الاعتقاد والتقاضي والتعليم وحرية التعليم ونظم القبض على المواطنين وتقييد حريتهم وتنظيم طبعاً السلطة التشريعية وعلاقتها بالسلطتين التنفيذية والقضائية وكان في حاجة لطيفة جداً ان الدستور كان محدد نائب عن كل 30000 مواطن في مجلس النواب وشيخ عن كل 60000 في مجلس الشيوخ

-دستور 1930: صدر بعد إلغاء دستور 1923 وفي عهد الملك فؤاد بردو، مختلفش كتير عن اللي قبله الملك بس زود صلاحياته زي ولو ماوفقش على قانون ومجلسي النواب والشيوخ وافقا عليه يعتبر لاغي وسواء في دستور 1923 أو 1930 كان للملك حق حل مجلس النواب

-دستور 1971:اتكتب في عهد السادات، وكان في بدايه بينص على إن مصر دولة اشتراكية ديمقراطية وبعدين اتعدل الكلام ده واتشالت اشتراكية طبعاً واتعدل ثلاث مرات  وآخر تعديل طبعاً بتاع المادة 76 الشهيرة واتفصل عشان التوريث ولو كان الدستور ده كمل لغاية 2011 وماقامتش الثورة كان زمان رئيسنا دلوقتي جمال مبارك، المهم الدستور من ناحية الحقوق والحريات والمقومات الاقتصادية والاجتماعية كان دستور جيد جداً بس طبعاً من ناحية تنظيم السلطات كانت السلطة التنفيذية طاغية على السلطتين التانيين وكان مخلي رئيس الجمهورية إله يُسبح بحمده

-دستور الولايات المتحدة: اتكتب سنة 1787 واتعدل فيه 23 مرة أول 10 تعديلات فيهم كانت سنة 1789 بعد سنتين من كتابته وهو في المجمل دستور مختصر جداً وبيبدأ بتنظيم السلطة التشريعية متمثلة في الكونغرس مجلس نواب ومجلس شيوخ ومفصل كيفية انتخابهم ومحدد نائب لكل 30000 مواطن وشيخين لكل ولاية ومحدد كيفية إصدار القوانين واختصاصات الكونغرس بالتفصيل ماكانش بينص على أي حقوق للمواطنين غير أنهم كلهم سواء أمام القانون وكان بينظم كيفية محاكمتهم ما بين الولايات المختلفة وطبعاً كان بينظم السلطة القضائية وعلى فكرة الكونغرس في أمريكا سيد قراره، بعد سنتين من إقرار الدستور قدم الكونغرس اقتراح بعشر تعديلات في الدستور اتسمت بلائحة الحقوق وكانت بتتكلم عن حرية الدين وانه محظور إقامة دين من قبل الدولة أو إجبار الناس على دين معين ونظمت التقاضي والقبض على المواطنين ومحاكمتهم وبعد كده فضل يتعدل مرة لإلغاء الرق ومرة لإلغاء التمييز ضد السود ومرة لإلغاء التمييز ضد المرأة في حق الانتخاب ومرة لحقوق الانتخابات ومرة عشان عدد سنين حكم الرئيس ومرة لإلغاء الخمور وتحريمها ومرة للسماح بالخمور وهكذا بقى، الجميل في الأمر أن الدستور الأمريكي لا ينص على حقوق المرأة ولكن أمريكا فيها قوانين لحماية المرأة ضد العنف الجسدي والجنسي والتحرش والاغتصاب وكذلك الأطفال لم يمنع الدستور عمل أطفال ولا العنف ضدهم لكن في أمريكا الطفل ممكن يسجن أهله إذا اتعرضوله ولم ينص الدستور الأمريكي كمان على نظام رعاية صحية للمواطن لكن أمريكا فيها نظام تأمين صحي قوي جداً

-دستور فرنسا 1958: دستور مفصل جداً لدرجة الملل والزهق بيتكلم في الأول عن نظام الحكم والدولة ولون العلم  والنشيد وشعار الدولة وبعدين بيتكلم بالتفصيل عن تنظيم السلطات لدرجة انه يعتبر ذاكر لقانون الانتخابات سواء النيابي أو الرئاسي بالتفصيل الممل فمثلاً اتكلم عن حالة وفاة المرشح وإيه اللي يحصل ومين اللي بيدير الانتخابات وكيفية إدارتها وكلام كتير

-دستور ألمانيا 1949: اتكتب طبعاً بعد الحرب العالمية الثانية وهو كمان دستور تفصيلي جداً جداً جداً في كل أجزائه سواء نظام الدولة والحريات والحقوق والسلطات والعلاقات الخارجية والاتحاد الأوروبي وطبعاً الدفاع والحرب وكل ده طبعاً ليه سبب لأن الألمان كان عليهم رقابة وهما بيكتبوا دستورهم بعد الحرب لمنع ظهور هتلر جديد او حزب نازي جديد فكان دستور تفصيلي جداً عشان ميحصلش أي تلاعب لدرجة إن الدستور بنظم هيئة السكك الحديدية وهيئة البريد والمراسلات الألمانية

-إسرائيل: إسرائيل معندهاش دستور لأنها بتعتبر نفسها دولة غير مكتملة نظراً لأن اليهود مازالوا يهاجرون إليها حتى الآن وتمت قبل كده محاولات لكتابة دستور لكن كانت بتقابل برفض من الحاخامات لأن الدستور يخالف تعاليم الدين اليهودي وهيحول الدولة إلى دولة علمانية وهيقسم البلد نصفين علمانيين ومتدينين

-مشروع دستور مصر 2012: نفس أبواب ومواد دستور 1971 لكن مع بعض الإضافات والزيادات لبعض المواد وطبعاً التعديلات الرهيبة والموازنة بين السلطات الثلاثة، في المجمل عند قراءته هو دستور جيد هو ليس الأحسن وليس سيء على الإطلاق، الخلاف حوله هو خلاف سياسي بحت وليس خلافاً قانونياً دستورياً، هو ليس دستوراً لجماعة معينة ولكنه كُتِبَ بواسطة جماعة معينة، لم أر له حتى الآن نقداً قاطعاً يجعلني أرفضه جملة

نهاية القول، ليس المهم كتابة الدستور ولكن الأهم الرغبة في تطبيق ذلك الدستور وهذه الرغبة لن تأتي إلا بتوافق ولكني أنصح مخالفي هذا الدستور بقراءته أولاً ، فمن الممكن بقراءتكم له أن توفروا المزيد من الوقت والجهد لأننا لا نحتمل مزيداً من إهدار الوقت والدماء في سبيل ظهور هذا الدستور.

الثلاثاء، 4 ديسمبر 2012

قبل أن تتدحرج كرة الثلج! - أيمن زعقوق

يعرف جل أصدقائي موقفي من إعلان نوفمبر الدستوري وأني لم أكن معارضا له، لكن المشهد الحزين الذي نراه اليوم والخطر العظيم المحدق بوطننا لا يمكن - في رأيي - أن يلام فيه إلا شخص واحد: الرئيس مرسي.

فالرئيس لم يستشر أحدا من خارج طيفه السياسي حين أصدر إعلانه الدستوري "المقسم" رغم كثرة مستشاريه، وعندما فوجئ برد الفعل الغاضب لم يحاول أن يصارح أبناء الشعب بالأسباب الحقيقية ومبررات هذا الإعلان، أو لنقل أن التبرير لم يكن كافيا ولا مقنعا، وتركنا نتسقط الأخبار من مصادر غير موثوقة مما جعلنا جميعا نهبا للشائعات التي أذكت نار الاختلاف.

وعندما حاول الرئيس تدارك الموقف - دون الرجوع عنه صراحة (حفظا لهيبة الرئاسة على ماأظن!) – ارتكب خطأ آخر بدفع أعضاء الجمعية التأسيسية للتصويت المتعجل بالصورة المربكة التي شهدناها جميعا (رغم أن الإعلان الدستوري محل الجدل مدّ عملها شهرين آخرين وحصنها ضد الحلّ)، فسكب الزيت على النار وأضاف لمعسكر الساخطين والخائفين والحائرين!

ثم جاء السبت الكبير، سبت "الشرعية والشريعة" ومعه استعراض العدد والأنصار، تلاه التظاهر أمام المحكمة الدستورية، وهو المشهد الذي بات يتكرر أمام المحاكم من الإسلاميين منذ قضية أبي اسحق الحويني مرورا بجنسية والدة حازم صلاح أبو اسماعيل وانتهاء بالمحكمة الدستورية، وهو فعلا إرهاب معنوي للقضاة حتى لو كانوا مسيسين وفاسدين وبهم مابهم، وهو مايجعل المواطن العادي يحتقر الدولة ونظامها، ويعيدنا إلى شريعة الغاب و الحق "اللي مايتاخدش إلا بلدي" كما يقول رجل الشارع!

لست أعرف حلا لهذا المأزق، وأخشى أن تكون كرة الثلج قد بدأت في التدحرج دون سبيل لإيقافها!

لا أزمة بالدستور.. عندك أزمة يا كابتن.. عندك أزمة يا آنسة؟

السبت، 24 نوفمبر 2012

ما أراه في إعلان نوفمبر الدستوري - أيمن زعقوق

أعتقد – فيما يخص الإعلان الدستوري الصادر في 22/11/2012 – أنه من الأفضل الأخذ بالنوايا الطيبة وانتظار فترة الشهرين المحددة حتى الانتهاء من وضع الدستور وانتخاب البرلمان، وذلك للأسباب التالية:


1-    هذه ليست المرة الأولى التي تحصن فيها قرارات إدارية ضد الطعن، ولعلنا نتذكر قرارات لجنة الانتخابات الرئاسية التي قررت استبعاد خيرت الشاطر وحازم أبو إسماعيل واستمرار أحمد شفيق رغم اعتراض الكثيرين بل ورغم مخالفة ذلك صحيح القانون في رأي البعض. ليس معنى ذلك اني أوافق على التحصين "الدائم" لقرارات رئيس الجمهورية، ولكني مقتنع بضرورتها في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ مصر، والتي تشكل ترسانة القوانين الفاسدة فيها مع وجود محاميي الشيطان عقبة كؤود في مسيرة تطهير المؤسسات بل والبناء ككل.


2-    الإعلان وماتبعه من قوانين ليس شرا مطلقا، ولم أجد في مصر – حتى بين المعارضين – من يعترض بالمجمل على كل ماورد فيه. أنا شخصيا مع إقالة النائب العام، لكني لست مع استمرار اطلاق سلطة الرئيس في التعيين في هذا المنصب، وهو ما أتمنى أن يتغير بعد عودة البرلمان وإقرار قانون جديد للسلطة القضائية.


3-    ماهي البدائل المقترحة لتنفيذ أهداف الثورة؟!

a.      كيف تستطيع إزاحة النائب العام الذي سمعنا من بعض القضاة انه لاعب رئيس في التستر على الفساد وإهدار حقوق شهداء ومصابي الثورة؟

b.      كيف ترد حقوق المصابين والشهداء والقتلى في أحداث الثورة وفق منظومة قانونية روتينية تعتمد على نص القانون لا روحه وتستند على أجهزة بحث فاسدة وصاحبة مصلحة لأنها في حد ذاتها قتلت وأفسدت على مدى عقود طويلة.


4-    هل هناك مخاطرة بالتحول إلى نظام حكم ديكتاتوري في حال استمرار هذا الإعلان؟ طبعا هناك نسبة مخاطرة لكنها ليست كبيرة ولا حتمية، لكن هناك نسبة مخاطرة أعلى بكثير – في حال إلغاء هذا الإعلان – لحدوث الفراغ والفوضى واستمرار التيه العظيم الذي نعيشه منذ قيام الثورة، بالإضافة للمخاطرة المحققة – وليست المحتملة – باستمرار الفساد وتأخر النمو.


5-    لطالما اتهمت رموز المعارضة التي تتصدر المشهد الآن الرئيس مرسي بالضعف والتنكر للثورة والنكوص على الوعود بتحقيق أهدافها، ولم يطرحوا خططا محددة لتنفيذ هذه الأهداف. بل إن احد اكبر رموز المعارضة منذ عهد مبارك – معروف بتغيير آرائه ومواقفه بشكل مربك – اقترح على حزبه الوليد منذ أيام المصالحة مع رموز الحزب الوطني وضمهم إلى حزبه ولم أسمع من الثوار تعليقا! وعليه فقد قررت شخصيا ألا أشغل بالي بما يراه هؤلاء الرموز الذين تتحكم في الكثير منهم المصالح والأهواء. فمثلا أحد المنقلبين حديثا على الإخوان المسلمين كان عضوا بمجلس الشعب عن طريق ترشحه على رأس قائمتهم لعلمه بأنه بذلك يضمن الوصول للبرلمان، والان انسحب من تأسيسية الدستور ويهاجم الإخوان!

ومع ذلك أيضا فأنا أرى في تيار المعارضة العنيف هذا فائدة كبيرة تحمي مصر من أي تحول للاستبداد، وتبعث للرئيس برسالة مفادها أنه غير مطلق اليد في أحوال البلاد والعباد.



6-    فيما يتعلق بالجمعية التأسيسية لوضع الدستور، أرى أن ماقرره الرئيس هو أفضل الخيارات وأكثرها منطقية، وذلك للأسباب التالية:

a.      المنسحبون من الجمعية من التيار الليبرالي لم يحددوا بوضوح نقاط الخلاف والاعتراض التي دعتهم للانسحاب، بل أن كثيرا من غير أبناء التيار الديني في الجمعية – من أمثال جمال جبريل ومنار الشوربجي – اتهموا المنسحبين بأنهم اعترضوا على نقاط إما وافقوا عليها مسبقا أو كانوا هم من اقترحها! بل إن تشكيل الجمعية الحالية ككل كان من اقتراح الدكتور محمد أبو الغار الليبرالي المعروف!

b.      إلغاء الجمعية الأن هو هدر لجهد وأموال بذلت على مدار الأشهر الفائتة، وعودة لنقطة الصفر!

c.       إلغاء الجمعية الأن سيطيل حالة الارتباك والفراغ التي نعيشها منذ مايقرب من عامين.

d.      اذا ألغيت الجمعية فسيقوم الرئيس – وفقا لإعلان مارس 2011 – بإعادة تشكيلها، فهل نتوقع بعدما كل مارأيناه من الفرقاء السياسيين في بلدنا أن يرضي التشكيل الذي سيختاره الرئيس الكل، أم أننا سندخل دوامة جديدة من الفعل ورده؟!


لننتظر ونرى.

الأحد، 4 نوفمبر 2012

دروس من انتخابات الكنيسة المصرية - أيمن زعقوق

اليوم أهنيء المصريين جميعا بانتخاب بابا الكنيسة الأرثوذوكسية المصرية، وأتمنى أن يوفقه الله لما فيه صالح شعب مصر، وان يجعل عهده عهد ازدهار ومساواة حقيقية وعدالة كاملة و وحدة صلبة لاتضام. واسجل هنا امتناني وانبهاري بهذا الرمز المعتدل المتسامح النزيه: الأنبا العظيم باخوميوس الذي تحمل العبء في وقت عصيب من تاريخ الكنيسة المصرية وتاريخ مصر.
وفيما يلي بعض الدروس التي استخلصتها كمواطن مصري تابع عن بعد عملية انتخاب بابا الكنيسة المصرية العريقة:
1-      الشفافية والوضوح أساس أي عملية ديمقراطية ناجحة. فرغم ما نعلمه من أن رجل الدين المسيحي شيء من القدسية في عقيدة الإنسان المسيحي، فقد صممت القيادة المؤقتة للكنيسة المصرية على إجراء العملية الانتخابية بمنتهى الشفافية والوضوح وبما لا يدع مجالا للتشكيك، ولم تجر الانتخابات في غرف مغلقة بحجة أن القائمين عليها أنزه من أن يكونوا موضع شكيك أو تخوين (وهم بالفعل نزيهون شرفاء).
2-      الاعتدال. الشعب المصري شعب معتدل ويكره التشدد و التطرف، كما ينفر من التشاحن والتناحر، يظهر ذلك جليا في اختيار المسيحيين المصريين لقيادتهم الروحية، فقد كانت القيادة المؤقتة للكنيسة (نيافة الأنبا باخوميوس) والناخبون والرأي العام المسيحي تدفع باتجاه المرشحين المعتدلين وتستبعد المعروفين بالتشدد والتعصب. ولا اعتقد أن عموم مسلمي هذا الشعب اقل تسامحا أو اعتدالا من مسيحييه، ولا اعتقد أن مسيحيا أو مسلما يمكن أن يضع جنبه مطمئنا مرتاح البال وقيادته الروحية تزكي نار التعصب وتشحذ خناجر التطرف.
3-      الالتزام بالقانون. فرغم أني أعلم أن الكثير من المسيحيين غير راضين بالكامل عن لائحة 57 التي جرى انتخاب البابا وفقها، الا انهم التزموا تماما بها وتقبلوا ما أسفرت عنه. ويمكنني أن أخمن أن سبب هذا القبول قد يكون ثقتهم في القائمين على العملية الانتخابية واطمئنانهم إلى أن القانون سيطبق بنزاهة وعلى الجميع، فلم نشهد مظاهرات أو فوضى أو اعتراضات كتلك المنتشرة في أرجاء وطننا هذه الأيام، والتي يمكن تعليلها بفقدان الثقة والإحساس بالظلم والتحيز.
4-      دور الدولة. إذا أردنا – فعلا لا قولا – أن تخرج القيادات الدينية على الجانبين من المشهد السياسي، فعلى لجنة وضع الدستور والرئيس وحكومته والبرلمان المقبل أن يتكاتفوا جميعا لإرساء العدالة والمساواة والقضاء على جميع صور التمييز بين المسلمين والمسيحيين، حينئذٍ لن يجد المسجد أو الكنيسة ما يدعو للتدخل والدفاع عن حقوق أبناء الديانة. فكيف للبابا الجديد – مهما كان معتدلا ومتسامحا – أن يسكت حيال ما قد يتعرض له بعض أفراد شعبه وأبنائه من ظلم بسبب ديانتهم من بعض المشوهين أو المختلين إذا غاب دور الدولة العادلة، التي لا ترى في مواطنيها إلا مواطنتهم دون النظر لدينهم أو جنسهم أو لونهم!
هل من دروس أخرى؟

كنيسة الوطن ووحدة الوطن - عبد المنعم أبو الفتوح

إيلوثيريا - باسم صبري

المصري اليوم - 30/10/2012

أجلس مع نفسي أُسَطِّر هذه الكلمات وأنا أفكر في مرحلة جديدة من عمري، تبدأ سنواتها بالرقم ٣ بدلاً من الرقم ٢. شعرت بالهلع على مدار الأسابيع السابقة لهذا التحول، وازداد هلعي كلما اقترب ذلك اليوم الفاصل في أواخر شهر أكتوبر. ثم أتى ذلك اليوم ومر، ولا أزال موجودًا، ما زالت ملامحي هي ذاتها ملامحي منذ أسبوع مضى، كل ما تغير هو إدراكي لبعض الأشياء. فجأة، مرت كل أعوام عمري حتى يومي هذا أمام عيني، ووجدت نفسي أدرك في لحظة واحدة كل ما أدركته على مدار تلك الأعوام كلها.

لم أصبح رائد فضاء، بل وأنهت أمريكا رحلاتها إلى القمر، وبدلاً من أن أصير رجل شرطة صرت أكتب مقالات عن تطهير الداخلية. لم أتزوج الممثلة الأمريكية وينونا رايدر كما كنت أريد منذ سنوات، بل وتم إلقاء القبض عليها بتهمة سرقة المحلات، وسعدت بأنني لم أسع وراء تلك الزيجة. أحببت مرة أو مرتين، وربما ثلاث مرات، وشعرت عندما فقدت من أحببت أن العالم قد انتهى حرفيًّا، وتألمت جسديًّا كما تألمت روحيًّا، واختبرت مشاعر لست متأكدًا أنني كنت سأرغب في أن أختبرها عن عمد، ولكنني الآن أكثر اكتمالاً كإنسان كوني قد مررت بها، ثم أحببت ثانية وفقدت ثانية، وكان الألم أقل. والآن، فالحب بالنسبة لي هو شيء أقل براءة وربما أقل عفوية في الكثير من الأشياء، ولكنه صار شيئًا أسمى وأعمق، وهذه مبادلة أتقبلها، كما وجدت أن أحلى الحب هو الحب الذي يكون أنت وحبيبتك فيه أقرب الأصدقاء أيضًا، فتشتاق لمحادثتها كما تشتاق لأن ترى وجهها.

خذلني الكثيرون ممن وثقت بهم، واكتشفت أن الثقة العمياء ليس لها مكان في الحياة، وخسرت أصدقاء وكسبت أصدقاء، وأدركت أن لا أحد يريدك أن تكون أفضل منه في أي شيء. وتعلمت أن كل البشر هم بشر، وأننا علينا أن نتقبلهم كما هم دون أن نتوقع منهم أن يكونوا ملائكة، فعدت إلى محبتي حتى لمن خذلوني. وتعلمت أيضًا أنه لا يوجد بشر عظماء وخارقين كما كنا نراهم يومًا عن بعد أو عندما كنا أطفالاً.

اكتشفت أن أفضل من قابلت في حياتي هم لا شيء كما يصورهم البعض أو كما تصورتهم أنا، ولكن القلائل منهم الذين يقتربون بالفعل من العظمة هم هؤلاء الذين يعرفون أنهم ليسوا سوى بشر، وأنهم مهما تقدم بهم العمر فإنهم لديهم ما يتعلمونه ويفهمونه، من الصغار قبل الكبار، فقد يتقدم بك العمر ولا تزداد حكمة، بل وربما قد تقل حكمتك وتزداد - إن زدت - عندًا وغرورًا. وتعلمت في هذا الإطار أن الغرور هو أخطر ما يقتل البشر، وأن أسوأ أنواع الغرور هو ما يعمي صاحبه عن وجوده، فيتصور أنه فعلاً إنسان عظيم ولا يخطئ، وأن الكل لا يفهمه أو يفهم ما يجري.

تعلمت أن الإنسان عليه أن يفكر جيدًا قبل أن يتخذ قراره إلا أن الكثير من التفكير قد يشل البشر أيضًا، وأنه أحيانًا علينا أن نقفز في البحر ثم نحاول في قدر من الذعر أن نكتشف كيفية العوم. وتعلمت أن هناك من البشر من يحترف رؤية السيئ في كل شيء وتوقع فشله، ولذته السادية في الحياة هي في إحباط ذاته ومن حوله، فلا يعلون ولا ينجحون مثلما هو فقد الأمل في العلو والنجاح. وكان أفضل ما فعلت في حياتي هو التخلص من هؤلاء بعد أن يئست من تغييرهم، مهما كان حبي لهم ومهما كان قربي لهم. وتعلمت، في المقابل، أن هناك بشرًا مذهلين، إن سألتهم إذا كان يمكن تحطيم جبل ضخم بملعقة فيجيبون أن كل شيء ممكن إن أحسنا التفكير وأصررنا على ما نريد، بل ويبدأون فورًا في التفكير في العمل ذاته بدافع من الفضول ومن التحدي للذات. وبعضهم بالفعل يجد شقًّا في الجبل، وفور أن يضرب ذلك الشق بملعقته الضئيلة فإذا بالشق يمتد في الجبل كله فينهار، فكل شيء ممكن لمن يؤمن ويفكر ولا ييأس. وكان أعظم ما تعلمت هو أن أحيط نفسي بمن أريد أن أكون مثلهم، أو من أريد أن أتعلم منهم، وكان أعظم ما تعلمت هو أن أفكر فيما أريد وما أريد أن أكون، وليس فيما لا أريد وما لا أريد أن أكون.

وتعلمت شيئًا أو اثنين عن العمل. فأحيانا علينا أن نحب ما نعمل، ولكن أكثرنا حظًّا هو من يحب ما يعمل. وعلينا أن نكون جيدين فيما نعمل، وألا تشغلنا المنافسة الفارغة عن هدف العمل ذاته، وأن نرى أي قيمة فيما نفعل، فتصبرنا تلك القيمة على سخافات الأيام. كما تعلمت أن العِلم هو حليفك الوحيد الذي لا يمكن أن يتخلى عنك، وأن الموهبة دون العلم لا تصل بك إلى ما تحتاج الوصول إليه، وأن «شعورك الداخلي» بالقوة وثقتك في مشروعك بالرغم من تشكيك الآخرين فيه علميًّا هو أحيانًا ضرب من ضروب جنون العظمة، وليس بالضرورة دليلاً على إصرارك.

كما تعلمت أن الموت أنواع، وأن بعض البشر يختار أن يموت بينما قلبه لا يزال ينبض وعينه ترى وجسده يتحرك ولسانه ينطق. هؤلاء يسيرون بيننا ويبدون أحياء، وهم - على أفضل تقدير - في غيبوبة. بعضهم يمكنه أن يستيقظ إن قرر أن يكسر خوفه من الحياة، وإن أراد أن يدرك أن الخوف من الفشل - أو من الاعتراف بالحقيقة ثم تقبلها والتغير على أساسها تباعًا، كليهما - أسوأ من الفشل ذاته. إلا أنني أدركت أيضًا أن البعض يحتاج صاعقة من الخارج لتفيقهم، وأحيانًا هذه الصاعقة لابد أن تكون أنت، كما أنني تعلمت أن البكاء ليس عيبًا، إلا أن تعود البكاء عيب.

عشت طفولتي معتقدًا أن مصر هي مركز الكون بسبب «موقعها الجغرافي المتميز ومناخها الحار جاف صيفًا ودافئ ممطر شتاء» كما قاموا بتحفيظنا بالمدارس، واعتقدت أن حسني مبارك هو أعظم رؤساء العالم كما كان يكتبون في الأهرام وتقول القناة الأولى، واعتقدت أنه لا يمكن أن يكون هناك بشر جيدون بعيدًا عمن كانت عقيدتهم كعقيدتي. ثم سافرت، ونطق لساني اثنتي عشرة لغة، وسمعت أذناي مائة وعشرين. ورأيت أوروبا وأمريكا والهند والصين ودول العرب، فرأيت من يسب رئيس دولته في الإعلام في أعظم الدول تقدمًا، ورأيت أن المجتمع يرى أن هذا ثمن مقبول للحرية، وأن من يترشح ضد ذلك الرئيس ويقول بفشله أمام العالم كله لا يجد نفسه قابعًا في زنزانة بعد الانتخابات. رأيت أحزابًا وتيارات تتنافس من أجل الفوز بثقة وأصوات شعوبها عن طريق التنافس على خدمتهم ودون تقسيم لأفراد الشعب إلى أعداء وحلفاء، ورأيت - مصدومًا - أن بعض الدول لا ترى أن الرئيس مبارك هو أعظم رؤساء العالم كما كانوا يقولون في الأهرام وتقول القناة الأولى، بل إن بعضهم لا يعرف حتى من هو حسني مبارك، وأن الكثير من الأنظمة تحاول أن تقنع شعوبها بأنها مركز الكون وأن حكومتها وزعيمها هما الأهم في العالم. ثم رأيت الشعب ذاته - وأنا منضم إليه - يثور ليُسقِط مبارك ونظامه، فإذا بذات الأهرام وذات القناة الأولى تحتفلان بسقوط ذات الطاغية الذي كانتا ترددان اسمه منذ أيام!

كما عرفت أن الحدود من صنع البشر، وأنك فردًا من البشرية قبل أن تكون فرنسيًا أو صينيًا أو أمريكيًا، وأن الوطنية العمياء هي فكرة من الماضي، وأن القدر هو السبب أنك وُلدت كما وُلدت.

كما قابلت هندوسًا وبوذيين ومسيحيين ويهودًا ولا دينيين ومن لا يزالون يبحثون وغيرهم، وقابلت ذوي البشرة البيضاء والسمراء والصفراء والحمراء والبنية وبين البينين وما يصعب تصنيفها، ووجدتهم كلهم بشرًا مثلي، منهم من هو أفضل مني ومنهم من لا أريد أن أكون مثله، وصرنا أصدقاء وصرت كإنسان أكثر ثراء، وأدركت أن البشر شيء واحد، وأن التعايش ممكن، وأننا لابد أن نلفظ دعاة الكراهية بيننا، وأننا سنحقق بالقلم والكلمة أكثر وأسرع بالكثير مما سنحققه بالأسلحة والجعجعة، وأننا علينا أن نسمو فوق قادتنا وجماعاتنا وأحزابنا وحكوماتنا ومصالحهم. وبالإضافة، فقد صرت أكره كل محاولات تصنيف البشر إلى أيديولوجيات ومجموعات محددة ومعلبة مسبقًا، فذاك ليبرالي وذاك يساري وذاك إخواني وذاك أناركو-سينديكالي، وكأنه لا يوجد من يمكنه أن يؤمن بخليط من تلك الأفكار، أو من يمكنه أن يبتكر فكرة جديدة، مع إدراكي أن بعض البشر ليسوا مولعين بالضرورة، في بادئ الأمر، بالأفكار الجديدة أيًّا كانت. كما تعلمت أننا كلنا تقريبًا، على اختلافنا، قد أدركنا القاعدة الذهبية للإنسانية: أن تفعل لغيرك ما تريده لذاتك، أيًّا كان، وألا تفعل في غيرك ما لا تريده لذاتك، أيًّا كان، وأن ما تفعله سوف يُرد إليك أضعافًا مضاعفة، المر والحلو منه.

تعلمت أنه لن يمكنك مساعدة غيرك دون أن تساعد نفسك أولاً، إلا أنني أدركت أن أعظم شرف يمكن أن يحدث لك هو أن تأتي لك فرصة حقيقية لأن تساعد ولأن تُسعد إنسانًا آخر.

أدركت أنه ليس من حق أحد البشر أن يتحكم في بشر مثله إلا فيما لا يؤذي غيره، وأننا أقوى بكثير من الظروف بأكثر مما تصورت. أدركت أنه ليس من حق أحد أن يُِسكِت أحدًا أو أن يتحكم فيما يقرأ أو يعرف، فهو بشر مثله مثل غيره وليس أفضل من غيره لكي يتحكم فيه إن كانت الأدوار معكوسة. كما أدركت أن الحرية ليست فقط هي الحرية من قيود السلطة والقوانين المجحفة، ولكنها أيضًا الحرية من قيود توقعات الغير لك، والتوقعات غير المنطقية للذات، وألا تخلط بين ما تريده أنت وما يريده من حولك والقريبون منك لك، وبين ما يعتقد المجتمع أنه هو الصواب الأصوب لك وللكل، وأن تختار أنت بذاتك ما تريده أنت لذاتك، حتى ولو كان كل ما سابق ذاته. كما تأكدت أنه إن قام المرء بالسكوت يومًا عن ظلم وقع لغيره لأنه لا يعنيه مباشرة أو لأن ذلك الظلم قد يفيده أو يريحه بصورة ما، فسيأتي اليوم الذي يقع فيه الظلم ذاته أو أسوأ منه على ذات المرء، ولن يتحدث أو يأتي أحد دفاعًا عنه، وسوف يحس المرء بمرارة الشعور باستحقاقه لما يحدث له.

وأدركت أن أغلب من يتحدثون بغضب وصوت عالٍ عن أفكارهم دون داعٍ هم خائفون ومهزوزون. ووجدت أغلب البشر شديدي الثقة بشكل مستفز في أيديولوجياتهم وأفكارهم السياسية والاقتصادية والفلسفية، وكأن كل من حولهم غبي مخدوع أو ساذج أو سيئ، وأنهم هم وحدهم من أدركوا كل شيء، وأدركت أنه لا يوجد إنسان واحد يجيد تحييد تحيزاته الإنسانية قبيل قيامه باتخاذ قرار أو تبني موقف، فكل إنسان لديه ما سيريحه بحياته ولن يختار بسهولة الحقيقة إن أبعدته عما يرتاح إليه، وسيقوم تلقائيًّا بالبحث عن الحقيقة في أي شيء بالشكل الذي يوصله إلى ما يريد مسبقًا الوصول إليه. وعرفت أن مقولة «لا أعرف، ولست متأكدًا، وربما لن يمكنني التأكد تمامًا» هي موقف مقبول جدًا، فأنا لن أعرف كل شيء، ولن أفهم كل شيء، وإن حاولت أيهما فلن أجد الوقت لفعل أي شيء. كما أدركت أنني عليَّ أن أراجع ذاتي إن وجدت نفسي دائمًا متفقًا مع من حولي ومشابهًا لهم، أو إن وجدت نفسي دائمًا أختلف معهم ولا أشابههم. وتأكدت أنني مهما كنت مقتنعًا ومنبهرًا برجل علم أو فكر، فيجب أن أفكر في كل ما يقول، وأن أقتنع بكلامه عن حق إن استحق ذلك، وأن أفكر أكثر وأعمق في الأقوال كلما زاد تعلقي بذلك المعلم. واكتشفت أنه من الأفضل أن أفكر قبل أن أنطق، بدلاً من أن أفكر في ندم بعد أن أنطق، فالكلمة تظل إلى الأبد، كما أن الله قد خلقنا بفم واحد وأذنين اثنين، لكي ننصت ضِعف ما نقول.

تعلمت ألا أحسد إنسانًا، وأن أكون على دراية مستمرة بما أنعم الله عليَّ به، وأن أتذكر كلما ساءت الظروف أن هناك من ظروفه هي أكثر سوءًا مني. تعلمت أن أغلى ما لدي هي صحتي وإرادتي وعزيمتي وعلمي، وأنه يوجد شيء واحد فقط أغلى منها: أهلك وأسرتك وأصدقاؤك الحقيقيون ومن يحبك. أما العلم، فكل منا عليه أن يبحث عن العلم بكل صوره، وأن يقرأ ويلتهم الكتب والأشعار والموسيقى والعلوم، وأن يعرف شيئًا ما عن كل شيء وأن يعرف كل شيء عن شيء ما. وأما العزيمة تجاه شيء ما فلا يتفوق عليها سوى العزيمة لشيء أهم. وأما الصحة، فهي ليست فقط واجبًا لك من أجل ذاتك، بل هي أيضًا من أجل من تحب ومن يهمك ومن يحتاج إليك؛ وأما الصديق والأهل والحبيب، فلتدافع بشراسة عن أصدقائك الحقيقيين وعن بقائهم في حياتك ولا تنشغل أكثر مما ينبغي عنهم، وكن هناك فورًا إن احتاجوا إليك؛ ولتعمل من أجل إسعاد أسرتك وتشريفهم ورفع رأسهم عاليًا أمام الدنيا، مهما تطلب الأمر، ولتحفظ شرف من تحب ولتعمل من إجل إسعاده في وجوده أو في غير وجوده. هؤلاء هم أعظم وأثمن ما يمكن أن تعثر عليه في حياتك، ولا تدخر جهدًا من أجل إسعادهم، ولا تجعل الرغبة التي هي في غير محلها بالشعور بالكرامة تبني - أحيانًا - جدارًا أحمق عازلاً بينكم، ولا تدع أي إنسان أو أي شيء يقوم بتفريقكم، وإن قال لك شخص ما إن أحد هؤلاء الأقربين قد أساء إليك، فتأكد أولاً، ثم اغفر ما يمكن غفرانه. وإن أسأت إلى أحد منهم، فلا تنم دون مصالحته، فقد لا تجد تلك الفرصة غدًا وسوف تندم طوال عمرك.

علمت أن الحياة دون هدف كالقارب دون وجهة، تعصف بها الرياح كما تشاء. الحلم هو أحلى ما في الحياة، والحياة دون حلم كالهيكل العظمي الذي ليس له ملامح، وأن الحلم غير المبني على الواقع والواقعية سيصير كابوسًا يسقط بك من أعلى، وأن الحلم الذي لا يتحدى الواقع ولو قليلا قد يكون حلمًا غير كاف. وتعلمت أن أسير إلى الأمام إلى هذا الحلم والهدف كل يوم، ولو كان ذلك بخطوة واحدة، بدلاً من أن أهرول يومًا وأن أقف يومًا وأن أتراجع يومًا، وأن الطريق أمتع من الوجهة. وتعلمت أن أتقبل كل ما حدث في حياتي، وما لا يمكنني تغييره اليوم، وأن أغير ما يمكنني تغييره، وأن أعرف الفارق بينهما. كما تعلمت أنني يمكنني أن أتغير إلى الأحسن، مهما تقدم بي العمر، وأن الشباب والشيخوخة هما حالتان في الذهن قبل أن يكونا حالتين في الجسد، وأن أحاول أن أستيقظ كل يوم إنسانًا أفضل من اليوم الذي سبقه، ولو كان ذلك بمقدار بسيط، وأن أفعل ذلك كله مبتسمًا ولو رغمًا عني، فالابتسامة تبقيك وتبقي غيرك أحياء، والابتسامة صدقة.

الخميس، 25 أكتوبر 2012

رسالة مفتوحة لسيادة رئيس الجمهورية - منى مينا

الشروق - 12/اكتوبر 2012

سيادة رئيس الجمهورية.. تحية طيبة وبعد..



أرسل هذه الرسالة لسيادتكم كطبيبة مصرية، وكمواطنة مصرية..



أرسل هذه الرسالة لسيادتكم كأول رئيس مدنى منتخب، وكرئيس جاء بعد ثورة، أملنا جميعا أن تصلح أحوالا طال إعوجاجها.



رسالتى حول آمال قطاع الصحة والأطباء والعاملين بالصحة فى حل لمشاكل مزمنة، طالما تحدثنا عنها قبل الثورة وبعد الثورة دون مجيب.. حيث وصلت الأوضاع فى المستشفيات لوضع كارثى، تغرق مستشفياتنا فى الفوضى والعجز والقذارة، يكرهها المريض الذى يلجأ لها مرغما إذا كان لا يملك القدرة المادية على العلاج الخاص، ونقف فيها نحن الأطباء ومقدمو الخدمة الصحية، ليس لنقدم خدمة سامية كنا نتمنى أن نستطيع تقديمها فعلا، ولكن لنكون حائط صد لغضب المواطنين المحتاجين لخدمات تعجزنا الإمكانيات المتدنية بالمستشفيات عن تقديمها.



●●●



سيادة الرئيس.. بحت أصواتنا ونحن نتحدث عن هذه المشاكل لسنوات، وعندما لم يجد الكلام آذانا صاغية، قمنا بعمل مؤتمرات ووقفات ومسيرات واعتصامات، وصل الأمر ببعض الزملاء لعمل إضراب عن الطعام.. ولكننا لم نجد أى استجابة لمطالبنا التى نشعر أنها عادلة وبسيطة.. وممكنة التحقيق.. لذلك بدأنا من الاثنين 1 أكتوبر إضرابنا الجزئى المفتوح.. للمطالبة بتأمين المستشفيات.. ورفع نصيب الصحة من الموازنة العامة.. وتطبيق كادر مالى وإدارى للأطباء والعاملين بالصحة يمكنهم من الحياة بكرامة.. ومن القيام بعملهم بصورة يرضون عنها.



سيادة الرئيس.. يصور البعض إضرابنا من أجل مطالبنا المشروعة والضرورية، يصور البعض هذا الإضراب وكأنه محاولة لإحراج حكومتكم أو تحديها.. والحقيقة أن هذا الإضراب هو فرصة لحكومتكم لتحل ــ أو تبدأ فى حل ــ مشاكل طال تراكمها، وتصلح فسادا طال تجاهل مواجهته.



●●●



سيادة الرئيس.. البعض يتعجل برد تقليدى «مطالبكم مشروعة.. ولكن يجب أن تراعوا ظروف البلد.. للأسف ليس لدينا الإمكانيات للاستجابة لها الآن»، والحقيقة أن هذا الرد المتعجل يتجاهل منافذ لحلول عملية وتفصيلية، يهمنا أن نعرضها على سيادتكم..



أولا: بخصوص مطلبنا الخاص بتأمين المستشفيات، من الممكن أن يصدر من سيادتكم مرسوم بقانون لتغليظ عقوبة التعدى على المستشفيات والمنشآت الصحية كمنشآت تقدم خدمة هامة وحيوية لا يمكن الاستغناء عنها، هذا القرار سيساعد فى عودة الهيبة والأمان للمستشفيات، ولن يحمل الدولة أية أعباء إضافية.



ثانيا: بخصوص رفع نصيب الصحة من موازنة الدولة، حتى تصبح المستشفيات أماكن قادرة على تقديم خدمة صحية حقيقية، يمكن لسيادتكم إصدار تعهدات مكتوبة وموثقة بجدول زمنى لزيادة تدريجية لنصيب الصحة خلال السنوات القادمة (مثلا العام المالى القادم ترفع ميزانية الصحة إلى 7% والتالى إلى 9% والتالى إلى 12% والتالى إلى 15%)، مع ترشيد فورى للإنفاق فى وزارة الصحة، وإيقاف لنزيف الأموال فيما يسمى القوافل الطبية، وتوجيه تمويلها فورا لخدمات الطوارئ التى تعانى عجزا رهيبا، يمكن أيضا للدولة أن تقطع من احتياطى الموازنة 5 مليارات، وتوجهها لقطاع الطوارئ فى وزارة الصحة، حتى يتمكن المواطن من الحصول على خدمات الطوارئ، التى لا تحتمل التأجيل دون أن نطلب منه دفع مقابل دخول العناية المركزة، أو مقابل الجبس أو شائعات الطوارئ، فى المستشفيات الحكومية، وأعتقد سيادة الرئيس أن جميع المواطنين سيسعدون بهذا القرار الذى لا يخص العاملين بالصحة فقط.. ولكنه سيخفف عذاب البحث عن العلاج لجميع المواطنين.



ثالثا: بالنسبة للكادر المالى والإدارى للأطباء والمهن الطبية، والذى يقف حجر عثرة فى طريقه مشكلة (من أين نأتى بالتمويل؟)، أطمئن سيادتكم أن بند الأجور والمكافآت فى وزارة الصحة (13.4مليار تبعا للبيانات وزارة المالية للعام المالى 2012/2013)، يكفى لتمويل الكادر إذا تم إقراره، حيث إن إجمالى العاملين بالصحة، تبعا لآخر إحصاء معلن للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، سنة 2010 هو 227 ألفا من العاملين، من الطبيب وحتى العامل، وبذلك يكون متوسط أجر أى من العاملين بالصحة حوالى 5000 شهريا، وبذلك نستطيع أن نقر هيكل أجور يبدأ بـ1200 كحد أدنى للأجر للعامل، وينتهى بـ50 ألفا للوزير (أكثر من 40 ضعفا للحد الأدنى)، ونستطيع أن نمول كادر الأطباء والمهن الطبية بسهولة.



●●●

هناك حجة أخرى توجه ضد مطالبنا العادلة، أن الاستجابة لمطالب الأطباء تفتح الباب للكثير من الفئات للدخول فى إضرابات واحتجاجات للحصول على مكاسب مماثلة.. ولكن سيادة الرئيس، إذا كانت هناك فئات أخرى تقدم اقتراحات عملية لوقف نزيف الفساد فى قطاعاتها، ولتحسين خدمات حيوية تقدم للمواطنين، ولضمان حياة كريمة للعاملين بهذه القطاعات، عن طريق مجرد توزيع عادل للأجور داخل نفس القطاع.. إذا كانت هناك مطالب لفئات أخرى، بهذه العدالة والضرورة وسهولة التنفيذ.. فهل هناك أى غضاضة فى بحثها والاستجابة لها؟ أليست هذه هى العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية التى وقفنا أمام الرصاص الحى طلبا لها.



●●●



مع تحياتى وأملى فى استجابة سريعة ترد الحق والاعتبار لقطاع الصحة الذى طال إهماله..


الثلاثاء، 23 أكتوبر 2012

عن هيبة الدولة ورموز الوطن - علاء الأسواني

المصري اليوم 22/10/2012

حدث ذلك منذ سنوات طويلة..

كنت حديث التخرج أعمل نائباً (طبيب مقيم) فى قسم جراحة الفم بجامعة القاهرة وكنت أتدرب على إجراء الجراحات. ذات يوم كنت أجرى جراحة فى فم أحد المرضى عندما مر مدرس بالقسم معروف بشراسته. انتظر المدرس حتى انتهيت من الجراحة ثم قال لى:

ــــ الطريقة التى أجريت بها الجراحة غلط.

دخلت مع المدرس فى مناقشة علمية طويلة دافعت فيه عن وجهة نظرى لكنه أصر على أن ما فعلته خطأ. أثناء الحديث لمحت أحد أساتذة القسم فطلبت منه أن يتدخل ليحكم بيننا. عرضت للأستاذ وجهتى النظر (بدون أن أحدد من منا يتبنى أى رأى). فوجئت بالأستاذ يتطلع نحو المدرس ويسأله:

ــ إنت رأيك إيه..؟

قال المدرس رأيه فقال له الأستاذ:

ــ إنت رأيك صح.

أحسست بالقهر والغضب، وفى اليوم التالى أحضرت معى كتابا شهيراً فى الجراحة وذهبت إلى مكتب الأستاذ وما إن رآنى ومعى المرجع حتى قال ساخراً:

ــ إنت جايب لى الكتاب عشان تثبت رأيك.. ؟! أنا عارف إن رأيك صح.

ــ لكن حضرتك قلت إن رأيى غلط؟

تطلع إلىَّ الأستاذ وقال بلهجة من يلقى بحكمة عميقة:

- أنت مازلت نائباً، وهو مدرس أكبر منك بعشر سنوات على الأقل.لا يمكن أقول له إنه غلطان قدامك. لازم أحتفظ له بالهيبة.

لم أجد فائدة فى الحديث مع الأستاذ فشكرته وانصرفت. بعد شهور سنحت لى الفرصة فسافرت للدراسة فى جامعة إلينوى بالولايات المتحدة وأسعدنى الحظ بالعمل مع واحد من أهم علماء الهيستولوجى (علم الأنسجة) فى العالم هو الدكتور دنيس ويبر. كنا مجموعة بحثية من طلبة الماجستير والدكتوراه يشرف علينا الدكتور ويبر الذى جمعنا بعد شهر وقال:

ــ اسمعوا. أريد أن أستمع إلى أفكاركم. إذا كان هناك ما يضايقكم فى العمل أو كنتم تعتقدون أننى قد ارتكبت أخطاء أرجوكم قولوا لى.

كان الموقف فوق قدرتى على الاستيعاب فلذت بالصمت، أما زملائى فقد اشتدوا فى نقد الدكتور ويبر، وراح كل واحد منهم يدلل على نقده بأمثلة عملية فى عملنا البحثى. ظل العالم الكبير هادئاً يسجل كل الملاحظات وفى النهاية قام بالرد عليها واحدة واحدة وشرح لنا خطة العمل بالتفصيل واعترف ببعض التقصير وتعهد بإصلاحه ثم شكرنا وأنهى الاجتماع. ظللت أياماً أراقب علاقة الدكتور ويبر بالطلبة الذين انتقدوه بقسوة فوجدت معاملته الطيبة لهم لم تتغير.

هاتان الواقعتان أتذكرهما معاً. فى جامعة القاهرة الأستاذ دائما على حق حتى لو أخطأ حفاظا على هيبته أمام الأطباء الشبان، وفى جامعة إلينوى يطلب منك أستاذ كبير أن تقول ملاحظاتك السلبية على عمله ثم يستمع ويشرح ويعترف بتقصيره ويعد بإصلاحه.

هذا هو الفرق بين الاستبداد والديمقراطية. لو أنك بحثت فى كل وسائل الإعلام الغربية عن كلمة «هيبة الدولة» فلن تجدها أبداً لأن الهيبة الوحيدة للقانون. أما فى مصر فإن مصطلح الهيبة شائع ومتكرر وهو يخفى دائماً ظلماً وتعسفاً.. هيبة الدولة معناها الاستبداد بحياة المواطنين وهيبة الشرطة معناها قمع المواطنين وضربهم وتعذيبهم وتلفيق التهم لهم إذا اعترضوا.

هيبة القضاة معناها ألا تجرؤ على أن تنقد قاضياً حتى لو اشترك فى تزوير الانتخابات أو ثبت أن له علاقة بأمن الدولة. هيبة الرئيس معناها أن يحاكم ويسجن أى شخص بتهمة إهانة الرئيس، بل إن مفهوم الهيبة ينتقل كالعدوى. بعد أن صار رئيس مصر من الإخوان انتقل الإحساس بالهيبة إلى قياديى الإخوان فصاروا يتعاملون مع خلق الله باستعلاء وغطرسة. منذ أيام أجرى القيادى الإخوانى عصام العريان مداخلة تليفزيونية مع مذيعة من أفضل الإعلاميين المصريين هى جيهان منصور ولما احتدم النقاش اتهم «العريان» المذيعة بالرشوة وأكد أنها تقبض من جهات ما لتهاجم الإخوان.

لا يوجد فى العالم الديمقراطى ما يسمى «هيبة الدولة أو رموز الوطن».. هذه مصطلحات الاستبداد. فى الديمقراطية لا توجد هيبة إلا هيبة القانون ولا يوجد رمز للوطن إلا المواطن نفسه. الإنسان الذى أنشئت الدولة أساساً لحماية حقوقه وكرامته.. الحاكم فى مجتمع الاستبداد هو رمز الوطن لأنه بمثابة شيخ القبيلة، فهو يعرف مصلحتنا أكثر منا ويقرر بالنيابة عنا وهو يأمرنا فنطيع وغالبا ما يكون ظالماً وفاسداً لكننا لا نجرؤ على محاسبته لأن ذلك يعد مساساً بهيبة الدولة وتطاولاً على رموز الوطن.. فى البلاد الديمقراطية الحاكم خادم الشعب بمعنى الكلمة، من حق أبسط مواطن ولو كان كناساً فى الشارع أن يحاسب الرئيس وأن يشتد فى نقده فلا يعاقبه أحد، بل إن القانون فى البلاد الديمقراطية يحمى المواطن العادى من السب والقذف ولا يحمى رئيس الدولة.

لو أنك قلت لجارك أمام الشهود: «أنت كذاب وأفاك» يستطيع أن يقاضيك ويحصل على تعويض أما لو ظهرت فى التليفزيون وقلت إن رئيس الوزراء أفاك وكذاب فلن يعاقبك القانون لأنه يسمح بنقد المسؤول الحكومى مهما كان النقد قاسياً ومقذعاً تحقيقاً للصالح العام. فى مصر يبدو الرئيس مرسى مستمتعاً بمحاكمة المصريين وحبسهم بتهمة إهانة الرئيس. هناك مواطن اسمه بيشوى البحيرى يقضى عامين فى السجن لأنه أهان الرئيس مرسى على موقع فيس بوك وكأن رئيس الدولة ذات مقدسة لا تمس. الرئيس مرسى نفسه تربى فى جماعة الإخوان المسلمين التى ينشأ أعضاؤها على الطاعة المطلقة وتقبيل يد المرشد، ولقد رأينا فى تسجيل فيديو كيف يتزاحم أعضاء الإخوان حتى يفوز المحظوظ منهم بوضع الحذاء فى قدم المرشد الكريمة الطاهرة. من تربى فى هذا الجو سوف يحمل ثقافة الاستبداد قطعاً. بعد أن نجح الرئيس مرسى فى تنحية المجلس العسكرى عن السلطة دعا إلى القصر الجمهورى بعض الشخصيات العامة كنت بينهم. ذلك اليوم وجهت إلى الرئيس سؤالاً محدداً:

ــ لماذا قمت بتكريم المشير طنطاوى والفريق عنان بينما تطالب القوى الثورية بمحاكمتهما على المذابح التى حدثت فى عهدهما..؟! وهل يعتبر تكريمك لهما نوعاً من الاتفاق معهما على الخروج الآمن بحيث تضمن لهما عدم ملاحقتهما قانونياً..؟!

عندئذ أجاب الرئيس مرسى بحماس:

ــ أريد أن أؤكد لكم جميعاً أنه بعد الثورة لا يوجد أى شخص فوق المحاكمة حتى لو كان المشير طنطاوى أو الفريق عنان.

هذا ما قاله الرئيس أمام شهود كثيرين وكالعادة فعل عكس ما يقول. فى الأسبوع الماضى تدفقت البلاغات ضد المشير طنطاوى والفريق عنان تتهمهما بالكسب غير المشروع وتضخم الثروة بينما هما موظفان عموميان لهما رواتب ثابتة وتتهمهما أيضا بالمسؤولية عن قتل المصريين فى المذابح التى حدثت فى عهدهما.. كل هذه اتهامات جدية تستدعى المحاكمة لكن الجيش أصدر بيانا يدين فيه إحالة طنطاوى وعنان إلى المحاكمة ويعتبر ذلك تعدياً على هيبة القوات المسلحة وإهانة لرموز الوطن..

أما الرئيس مرسى فقد تملّكه الخوف وأعلن فى اليوم التالى أنه لن يسمح أبداً بإهانة رموز الجيش ولا قياداته الحالية أو السابقة.. كما أكد الرئيس أنه يريد أن يطمئن الجيش على مخصصاته وميزانيته ومشروعاته التى لن يمسها أحد.. إن المنطق الذى يقدمه بيان الجيش وهو يرفض محاكمة طنطاوى وعنان يعنى ببساطة أن المصريين ليسوا سواء أمام القانون. مادمت ضابطاً كبيراً فى الجيش فمن حقك أن تفعل ما تشاء وليس لأحد أن يحاسبك لأنك أصبحت رمزاً للوطن. من حق أى قائد للجيش، إذن، أن يأمر جنوده فيقتلوا المتظاهرين ويلقوا بجثثهم فى القمامة ويسحقوهم بالمدرعات ويهتكوا أعراض البنات ويسحلوهن فى الشوارع. وليس من حقنا أن نحاسب أحداً على هذه الجرائم حفاظاً على هيبة الجيش.

من حق قائد الجيش أن يقتنى القصور والأراضى الشاسعة ويراكم ثروة ضخمة ولا يجرؤ أحد على سؤاله «من أين لك هذا؟!»، لأنه صار رمزاً للوطن لا تجوز مساءلته.. فى مصر التى يعيش نصف سكانها تحت خط الفقر تنشئ القوات المسلحة مشروعات بالمليارات لا نعرف عنها شيئاً. أموال طائلة نرى آثارها على بعض قادة الجيش ولا نعرف أبداً حجمها ولا مصدرها ولا طريقة توزيعها وكأن الجيش قد صار دولة داخل الدولة. إن احترامنا واعتزازنا بالقوات المسلحة ثابت وعميق لكن حماية المخطئين لأنهم عسكريون سلوك ظالم لا يمكن قبوله فى دولة محترمة. إذا كان الرئيس مرسى يرى فى محاكمة المشير طنطاوى والفريق عنان مساساً بهيبة الجيش فلماذا يوافق على محاكمة أحمد

شفيق الذى كان قائدا للطيران وبالتالى يعتبر رمزا للوطن مثل طنطاوى..؟! وإذا كان ذلك منطق مرسى فلماذا يوافق على محاكمة مبارك.. ألا يعتبر أيضاً رمزاً للوطن؟!

وهل يجوز محاكمة جمال وعلاء مبارك.. ألا يعتبران أيضاً رمزين (ولو صغيرين) للوطن مثل أبيهما.. فلنتعلم من الآن فصاعدا أن الوطن ليس له رموز.رمز الوطن الوحيد هو المواطن. الدولة ليس لها هيبة لكنها تستمد هيبتها من قوة القانون وليس من حماية القتلة والفاسدين.. إن صورة الرئيس مرسى الآن أوضح من أى وقت مضى. الرئيس مرسى رجل يعد ولا يفى أبداً وهو يقول كلاماً جميلاً ويأتى بأفعال قبيحة. الرئيس مرسى مصر على إبقاء الإخوان المسلمين كتنظيم خارج القانون وفوق المحاسبة. إننا لا نعرف ميزانية الإخوان ولا نعرف إذا كانوا يتلقون تمويلاً من داخل مصر أو خارجها، بل إننا لا نعرف إن كان الرئيس مرسى يتخذ قراراته بنفسه أم أنه يتلقى تعليماته من مرشد الإخوان الذى قد يكون الحاكم الفعلى لمصر، بل يتضح الآن لنا ما هو أخطر: لقد عقد الرئيس مرسى اتفاقاً للخروج الآمن مع المجلس العسكرى ضمن فيه عدم ملاحقة أعضائه قضائياً وهكذا تنكر الرئيس لدماء الشهداء وأعطى عفواً لا يملكه إلى من لا يستحق.. مرة أخرى تخلى الإخوان عن الثورة وباعوا مبادئها من أجل السلطة.

لقد قامت الثورة المصرية من أجل الحق والعدل.. لن تسمح الثورة بأن يكون أحد فوق المحاسبة مهما يكن منصبه فى الدولة.. الثورة مستمرة حتى تتحقق أهدافها كاملة.

الديمقراطية هى الحل.

السبت، 20 أكتوبر 2012

قميص عثمان - نجاد البرعي

المصري اليوم 19/10/2012

يحيى الرفاعى وأحمد مكى قاضيان ذاع صيتهما عندما نظما مؤتمر العدالة الأول فى ثمانينيات القرن الماضى، صدعا بكلمات الحق الطيبات فى وجه الرئيس مبارك، العدل أساس الملك، لا يقوم عليه إلا قضاء مستقل. سلسلة متصلة من القضاة العظام لا تبدأ بـ«ممتاز نصار»، ولم تقف عند «وجدى عبدالصمد». مع «يحيى الرفاعى» و«أحمد مكى» خرجت مجموعة من أفضل القضاة وأنبلهم: زكريا عبدالعزيز، حسام الغريانى، ناجى دربالة، محمود مكى، هشام البسطويسى، يحيى جلال، محمود الخضيرى، زغلول البلشى، هشام جنينة، وغيرهم مئات صدقوا ما عاهدوا الله عليه، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا. مدرسة الرفاعى - مكى ربطت النضال من أجل استقلال القضاء بالنضال من أجل الحرية والديمقراطية، قضيتهم قضية وطن يعانى من الفساد والاستبداد، استقلال القضاء يظل منقوصاً ما ظل المستبدون فى الحكم.

لم يسقط الاستبداد فى يناير ٢٠١١، بدأسقوطه يوم أصدرت دائرة المستشار حسام الغريانى ومعه المستشارون عبدالرحمن هيكل وناجى دربالة وهشام البسطويسى ومحمود مكى فى مايو ٢٠٠٣ حكماً ببطلان انتخابات مجلس الشعب بدائرة الزيتون، الفائز هو السيد زكريا عزمى، رفضوا تدخل رئيس محكمة النقض فى قرارهم دفاعاً عن استقلال القضاء. تضعضعت أركان النظام المستبد فى مايو ٢٠٠٥ عندما وقف أحمد مكى وزكريا عبدالعزيز وحسام الغريانى والمئات من شيوخ القضاة وشبابهم على درج دار القضاء العالى مرتدين أوسمتهم، يلفهم علم ضخم لمصر، بلغ طوله ثلاثين مترا، لم يكونوا يطالبون باستقلال القضاء فحسب ولكن بالحرية والديمقراطية للمصريين كلهم. لم يكن طريقهم مفروشاً بالورود، دفعوا ثمناً لمواقفهم يوم كان غيرهم يلتقط الفتات من يد الجلاد. فى إبريل ٢٠٠٦، أحيل محمود مكى وهشام البسطويسى إلى لجنة الصلاحية تمهيدا لفصلهما، وبعدهما أحيل حسام الغريانى ويحيى جلال وعاصم عبدالجبار وناجى دربالة إلى التحقيق عقاباً لهم على مطالبتهم باستقلال القضاء.

لا يمكن لمن أفنوا زهرة شبابهم دفاعا عن استقلال القضاء أن يكونوا أعوانا للسلطة فى النيل من هذا الاستقلال. الرجال الذين رفضوا عطايا الرئيس مبارك وقت أن كان يعطى بسخاء للتفريط فى استقلال القضاء، لن يقبلوا وهم شيوخ عطايا غيره. ليست مشكلة أحمد مكى أنه خان استقلال القضاء، مشكلته أنه قرر أن يحارب الفساد، اختار يحيى جلال للكسب غير المشروع، وجاء بهشام جنينة للجهاز المركزى للمحاسبات. يوم الحساب اقترب، وأى حصانة ما عادت كافية لحماية الفاسدين. إخوة «يوسف» جاءوا على قميصه بدم كذب علّهم يفلتون بجرائمهم.. ستكون غلطة لن تغتفر لو اعتبر بعضنا الهجوم على «مكى» ورفاقه هجوماً على الإخوان المسلمين ونيلاً من حكمهم، ليسوا سواء. لا تقدموا للفساد فرصة كى يفلت بجرائمه، لو كان لدينا قضاء مستقل ونزيه، حقيقة ما ظهر الفساد فى البر والبحر. الفساد هو المعركة، واستقلال القضاء هو فقط قميص عثمان.

http://today.almasryalyoum.com/article2.aspx?ArticleID=357386&IssueID=2659