السبت، 7 يناير 2012

لماذا صمت السلفيون على قتل سيد بلال عاما كاملا؟ - عبد المنعم محمود

جريدة التحرير - 7 يناير 2012

جزى الله خيرا الأستاذ نادر بكار المتحدث الإعلامى بحزب النور التابع لمدرسة الدعوة السلفية بالإسكندرية، فالرجل مشكورا أكد عبر حسابه على الـ«فيسبوك» عن المشاركة فى الوقفة الاحتجاجية للمطالبة بالقصاص من قتلة الشهيد سيد بلال، الذى قتل غدرا تحت تعذيب ضباط جهاز أمن الدولة «المنحل اسما» إثر محاولة دفعه إلى الاعتراف كذبا بتفجير كنيسة القديسين.

أعادنى الأستاذ نادر بتصريحه بالمشاركة فى الوقفة، إلى أحداث عام مضى شاركت فى تغطيتها وكشف أسرارها.

وتبدأ القصة عندما كنت أغطى قداس عيد الميلاد بكنيسة القديسين بعد مرور أسبوع على حادثة التفجير الآثمة التى راح ضحيتها ٢٤ قبطيا مصريا.

وقرب انتهاء القداس بدأ الدكتور أيمن نور يكتب عبر حسابه على «تويتر» عن شاب سلفى قتل فى أثناء التعذيب فى مقر أمن الدولة بالإسكندرية ويدعى سيد بلال، وبدأت أقوم بتكرار تغريدات الدكتور نور على حسابى على «تويتر».

ظنا أن الخبر منشور فى أى من وسائل الإعلام فوجدت صحفيين زملاء يتساءلون عن الحادثة ومدى مصداقيتها، فقمت بالاتصال بالدكتور أيمن نور وسألته عن مصدر معلوماته وفى أى منطقة تسكن أسرة هذا الشاب.

فرد على أنه من منطقة رمل الإسكندرية، فقلت له أنا من رمل الإسكندرية وهى منطقة كبيرة جدا تضم أحياء كثيرة.

فقال لى نصف ساعة أحاول أعود للمصدر وارجعلك.

فى أثناء الفترة كتبت على حسابى على «تويتر» أن الخبر مجرد أنباء غير مؤكدة لكن أحد المغردين على «تويتر» ويدعى «@Tamimhamd»، ظل يؤكد أن القصة حقيقية، بعد الثورة عرفت صاحب هذا الحساب الذى يغرد على «تويتر» سرا من محبسه بسجن الاستقبال بطرة وعرف بمقتل بلال من زملائه الذين رُحلوا على السجن فى نفس الليلة.

وقتها عدت مجددا للدكتور أيمن نور وأبلغنى أن أسرة بلال من منطقة فى شارع الظاهرية، وأبلغنى باسم الشارع وأن المصدر الذى ينقل له المعلومات لا يود أن يعرفه أحد ويتصل به بصعوبة، بعدها عرفت أن تميم وهو اسم حركى كان يتحين الفرصة لاستخدام هاتف محمول هربه إلى السجن.

وذهبت إلى الشارع الذى ذكره لى الدكتور أيمن نور، وعندما بدأت اسأل عن شاب اسمه السيد بلال بدأت العيون تترقبنى وكان رد الفعل ما بين ردود خائفة تنفى سريعا معرفتها الشاب، وردود أخرى تقول وانت مالك وماله بس إحنا مانعرفش عنه حاجة. وكان اسم الشارع الذى أعطانى إياه الدكتور خطأ، لكن بلال من نفس المحيط وبدأت أدخل الشوارع الجانبية حتى عثرت على شاب فى مطلع العشرينيات، نادانى وقالى إنت عايز سيد بلال فى إيه؟ فقلت له سمعت إنه مات وأتيت لأحضر العزاء فسألنى: «يعنى إنت مش مباحث؟» قلت له أنا صحفى وسمعت أن بلال ده مات بطريقة غريبة. فحكى لى الشاب عن سيد بلال وأنه قبض عليه فى الأول من يناير وفجأة اتصلت الشرطة بأهله لاستلام جثته، ووصف لى الشاب مكان منزل أسرة بلال بدقة رافضا اصطحابى مطلقا إلى الشارع خوفا من مخبرى قسم الرمل اللى مرشقين المنطقة حتى لا يصل أحد إلى أسرته.

ودخلت الشارع الذى تسكن به أسرة بلال، وهو شارع ضيق جدا ملاصق لسور محطة قطار الظاهرية، وكان الوقت قد قارب الثالثة فجرا ودخلت الشارع حتى منتصفه فمشى ورائى ثلاثة رجال وبادرنى أحدهم قائلا «برشام يا باشا»، طلع تاجر صنف، فأجبته بعفوية شديدة «لا سيد بلال»، فارتاب الرجل وقاللى طيب ارجع بسرعة أحسن الحكومة واقفة عند بيته، طبعا يقصد الشرطة اللى كانت مستعدة لمنع وصول أى حد لأسرة القتيل لكن لا تمنع أخينا ده من بيع البرشام. واصطحبنى الشاب على أنى زبون له، وكان هذا عامل أمان لى، إلى محل منجد كراسى قبل منزل بلال بعقارين، الذى حكى لى بعض التفاصيل ونصحنى بالعودة فى الصباح أفضل لأن الأسرة شبه محاصرة بعدما أجبَروا على دفن جثة بلال ظهر يوم ٦ يناير.

وعند خروجى من الشارع تبعنى أحد المخبرين حتى بعدت عن الشارع المخيف أصلا ووصلت إلى بيتى ودونت كل ما توصلت إليه من معلومات على موقع «الدستور الأصلى» الذى كان أول من رصد الواقعة. وعدت فى الصباح إلى منزل الأسرة وكان يوم جمعة وصليت معهم فى مسجد ملاصق للمنزل، ثم قابلت زوجة شقيقة بلال ومحاميه الذى أطلعنى على ما حدث مع بلال، حيث تم استدعاؤه إلى أمن الدولة بالإسكندرية بعد تفجير كنيسة القديسين، حتى اتصل بهم أحد المستشفيات يطالبهم باستلام جثة بلال، إلى أن أجبرهم ضباط أمن الدولة على الدفن سريعا، وأعطانى نسخة من فيديو صوره عبر تليفونه المحمول لآثار التعذيب على جثة بلال.

المفاجأة التى اكتشفتها فى أثناء المتابعة أن الشيخ ياسر برهامى القيادى السلفى الأشهر وقتها ونائب رئيس الدعوة السلفية حاليا هو من صلى صلاة الجنازة على بلال، ومعه نحو ١٠٠ من شباب الدعوة السلفية فى الإسكندرية، لعل الأستاذ بكار كان منهم لا أعرف، إلا أن الشيخ برهامى لم يكلف نفسه بنشر خبر وفاة بلال على موقع السلفيين الشهير «أنا السلفى».

تعجبت من صمت السلفيين وقمت بالاتصال بالدكتور برهامى وهو يعرفنى، قلت له كيف لا تنشرون خبر تعذيب وقتل بلال؟ وإن كانت عليكم ضغوط من الأمن وكان فعلا واقع عليهم لماذا لم تحاول تسريب الخبر؟ فقال لى ظروف وضغوط.

ولما انتشر الخبر وأذاعت قناة «الجزيرة» الإنجليزية تقريرا عن الحادثة وكانت أول قناة تليفزيونية تتحدث عن مقتل بلال بعد نشر موقع «الدستور الأصلى» التفاصيل.

بدأ الشباب السلفى فى التعبير عن غضبهم ودعا عدد منهم عبر الإنترنت إلى تنظيم وقفة احتجاجية للمطالبة بالتحقيق فى مقتل بلال، كتلك الوقفات الاحتجاجية التى نظمها النشطاء لخالد سعيد الذى لقى حتفه على يد اثنين من أمناء الشرطة فى الإسكندرية أيضا.

إلا أن قيادة الدعوة السلفية فى الإسكندرية رأت أن تدعو شبابها إلى الصبر وعدم النزول فى الوقفات الاحتجاجية لمقتل بلال، وقال وقتها الدكتور محمد إسماعيل القيادى بالتيار السلفى فى محاضرة له بمسجد أبو حنيفة إنهم لن يشاركوا فى المظاهرات، ورجع ذلك حسب قوله «إننا لسنا جماعة ولن نقوم بمظاهرات لأنها غير جائزة شرعا»، وأيده أحد الحاضرين قائلا «تضمن لى منين إن نعمل مظاهرة وتيجى واحدة علمانية وتقف معانا».

بل قام الدكتور برهامى بسلسلة محاضرات ودروس فى المساجد التابعة إلى التيار السلفى بالإسكندرية تحض الشباب السلفى على الصبر، قائلا «لا يلزم أن يكون هناك عمل مباشر فى مواجهة الظلم والاعتداء إذا لم يكن مقدورا عليه، وأن هناك وسائل عديدة لمعالجة الأمر وأعظمها اللجوء إلى الله والدعاء، أما اتخاذ موقف غير ذلك سيؤدى إلى سفك دماء أكثر، مضيفا أنهم فى انتظار وعد الله بأن من عذب سيعذبه الله فى الدنيا والآخرة».

ولا أعرف هل كان الأستاذ نادر حاضرا هذه الدروس التسكينية أم لا؟

وتعرضت أسرة بلال لضغوط شديدة لسحب بلاغها ضد ضباط أمن الدولة واتهامهم بتعذيبه حتى الموت، حتى إنه تدهورت صحة شقيق بلال التوأم من كثرة الضغوط مما أصابه بحالة شلل فى قدميه لفترات، قال الأطباء إنها حالة نفسية من جراء الضغوط التى تعرض لها، ولعل صمت الدعوة السلفية وقتها كان شريكا عن غير قصد فى الضغوط التى تعرضت لها الأسرة.

ووقتها أطلقوا فى موقع «الدستور الأصلى» مبادرة لمواساة والدة سيد بلال ودعمها للاستمرار فى ملاحقة قاتليه، حتى تم فتح التحقيق فى القضية مجددا بعد الثورة، بينما لا يزال الضباط المتهمون بقتل بلال أحرارا ومنهم من يعمل فى جهاز الأمن الوطنى المتحول اسمه فقط من جهاز أمن الدولة.

وما زال التحقيق فى القضية مفتوحا، وما زالت الضغوط على الأسرة مستمرة للتنازل.. إلى أن فاجأنى تصريح الأستاذ نادر بكار للمشاركة فى مظاهرة، من المفترض أن تكون تمت أمس الجمعة أمام مسجد القائد إبراهيم للمطالبة بالقصاص من قتلة السيد بلال. وأنا هنا لا أوجه أى لوم شخصى إلى الأستاذ نادر بكار، ولكن ألوم على التيار السلفى تأخره عاما كاملا للمطالبة بمحاسبة قتلة سيد بلال، وألوم على هذا التيار تسكين شبابه وتخديرهم فى عهد المخلوع مبارك، وأتمنى أن يتعلموا من هذا التأخر، الذى تبعه مباشرة تأخرهم عن المشاركة فى الثورة، وأن المواقف الحقيقية تؤخذ فى وقتها لا بعد مرور السنين.

http://tahrirnews.com/أحداث-ووقائع/عبد-المنعم-محمود-يكتب-لماذا-صمت-السلفي/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق