السبت، 28 نوفمبر 2009

مُباراة كُرة.. وثلاث دول فاشلة.. وخسارة شعبين - د.سعد الدين ابراهيم

28/11/2009

حاولت إحدى السيدات المغربيات أن تُخفف لوعة زوجها المصرى فى أعقاب مُباراة مصر والجزائر، وما صاحبها من مشاهد عُنف قبيحة، بأن هناك «حدة مزاج جزائرية» معروفة لكل جيرانهم، تجعل هؤلاء الجيران يحمدون الله أنه لم تصبهم «القُرعة» للعب مع الجزائر فى أى مُباريات أفريقية، أو عربية، أو متوسطية، أو دولية، وذكرت الزوجة المغربية لزوجها المصرى المُناسبة التى كانت منذ عدة سنوات، حيث شاء حظ المغرب أن تواجه الجزائر فى مُباراة لكُرة القدم.
فما كان من غُلاة الجزائريين إلا تجميع أكبر عدد من الحمير، وألبسوها أعلاماً مغربية، وطافوا بها فى شوارع مُدنهم الرئيسية قُبيل، وأثناء، وبعد المُباراة!
ومع نشر هذا المقال فى عدة صُحف عربية منها (المصرى اليوم القاهرية، والخبر الجزائرية، والمساء المغربية، الراية القطرية) وغيرها من الصُحف اليوم، سيكون قد قيل حول تلك المُباراة وذيولها القبيحة، ما لم يقله مالك فى الخمر، أو نزار قبانى فى هزيمة العرب المُدوية عام ١٩٦٧.
ولعل من أصوب ما قرأت فى الأيام الأولى بعد واقعة أم درمان (حيث كانت مُباراة مصر والجزائر) مقالاً جامعاً للدكتور عبدالمنعم سعيد، بعنوان «لم تكن مُباراة فى كُرة القدم؟!» (الأهرام ٢١/١١/٢٠٠٩)، وآخر للدكتور حسن نافعة، بعنوان «حالة تلبس» (المصرى اليوم ٢٢/١١/٢٠٠٩) قدم فيه تحليلاً أميناً لمسؤولية حكومة البلدين وإعلامهما عن الشحن النفسى، والتحريض السلوكى اللذين كانا لا بد أن يؤديا إلى ما أديا إليه من عواقب وخيمة، ربما ستستمر تداعياتها لسنوات بين الشعبين المصرى والجزائرى، ناهيكم عما لحق بمفهوم «العروبة» من إساءة.
وكان فى المقالين المذكورين أعلاه، ما يكفى، دون حاجة منى لمزيد. ولكن رجل الأعمال المصرى المعروف رامى لكّح، ألح علیّ فى مُكالمة تليفونية، من لندن، فى أن أدلى بدلوى فى الموضوع، وكان مُنفعلاً أشد الانفعال بما تعرض له المصريون من مهانة، ولفت نظرى أن رامى لكّح، فى هذه اللحظات نسى تماماً مُشكلاته مع الحكومة المصرية، واستبدت به الغيرة «للكرامة المصرية»!
وبعيداً عن انفعالات رامى لكّح، وتأملات عبدالمنعم سعيد، وتحليلات حسن نافعة، وحمير المغربية سعيدة سعيد، شغلنى كيف أن دولاً عربية ثلاثًا ظهرت بمظهر تعيس قُبيل، وأثناء وبُعيد المُباراة. فهناك الدولتان اللتان لعب فريقاهما، من أجل التأهل عن القارة الأفريقية لنهائيات كأس العالم (المونديال)، عام ٢٠١٠، بجنوب أفريقيا، وهما الجزائر ومصر، أما الدولة الثالثة، فهى تلك التى لعب الفريقان على أرضها، وهى السودان، والتى كان مفروضاً أن تكون مُحايدة وصارمة فى حفظ الأمن والنظام.
وحسناً فعلت صحيفة «المصرى اليوم»، فى اليوم التالى للمُباراة، حيث أعلنت مع أخبار ونتيجة المُباراة نفسها، التى فازت فيها الجزائر على مصر بهدف واحد، وتعادل البلدان فى درجة «الفساد». نعم «الفساد». فهناك مُنظمة دولية مُتخصصة فى رصد ظاهرة الفساد، طبقاً لمنهجية صارمة، ثم تقوم بترتيب دول العالم، تصاعدياً- من أقلها فساداً إلى أكثرها فساداً.
وتُسمى تلك المؤسسة المُتخصصة «مُنظمة الشفافية الدولية» (Transparency International)، ومقرها ألمانيا. وهى تصدر تقاريرها سنوياً فى مُنتصف نوفمبر من كل عام. وقد تزامن صدور تقريرها هذا العام فى يوم مُباراة مصر والجزائر نفسه، وتشاء الصدفة وحدها أن تأتى مصر والجزائر مُتعادلتين فى درجة الفساد.
فقد تقاسمتا المركز ١١١، بين المائة والثمانين دولة، التى شملها تقرير مُنظمة الشفافية الدولية. كما جاءت الدولة المُضيفة، وهى السودان، فى المركز ١٧٦، أى قبل الأخير بأربعة مراكز فقط. أما الأخير بين الدول (أى الأكثر فساداً) فقد كان دولة عربية أيضاً، وهى الصومال (١٨٠).
ويُسمى عُلماء الاجتماع السياسى مثل هذه الدول «الفاشلة» (Failed state). ويتجلى فشل هذه الدول لا فقط فى فساد كبار مسؤوليها، ولكن أيضاً فيمن دونهم فى المستويات الوسطى والدنيا من الموظفين، حيث تصبح «الرشوة»، و«المحسوبية»، و«الواسطة» هى طريقة حياة، ووسيلة إنجاز مُعظم مُعاملات مواطنيها.
كذلك من أعراض الدولة الفاشلة، عدم قدرتها على حفظ الأمن والنظام لأبناء مُجتمعها، حيث يُختزل أمن المجتمع فى أمن النظام الحاكم- أى سلامة وحماية كبار المسؤولين وذويهم. وقد تجلى ذلك فى تلك الساعة الحرجة التى أعقبت مُباراة مصر والجزائر فى العاصمة السودانية، فقد فشلت أجهزة الأمن السودانية فى حفظ النظام فى استاد أم درمان، والمنطقة المُحيطة به، وهو ما عرّض مئات المُشجعين والمُتفرجين لخطر اعتداءات البلطجية والغُلاة.
ولكن هذه الأجهزة لم تفشل فى تأمين وخروج كبار المسؤولين وأبنائهم من ذلك الاستاد، وهروبهم من الساحة، وإلى مطار الخرطوم، حتى ركبوا طائراتهم الخاصة، عائدين إلى أوطانهم. وكان الاستثناء الوحيد هو لأحد ابنى الرئيس، وهو علاء مُبارك، الذى أصرّ على ألا يُغادر أرض المعركة إلا بعد أو مع أفراد الفريق!!
وهكذا، كانت مُباراة كروية واحدة كاشفة عن عورات ثلاثة أنظمة عربية حاكمة، وبلا شرعية، قام اثنان منها بشحن الرأى العام فى بلديهما لتوقع «الانتصار» فقط، فى مُسابقة رياضية هى بطبيعتها، كأى مُسابقة، لا بد فيها من احتمال الخسارة أو الهزيمة.
واستخدم الإعلام الموجه فى البلدين كل وسائل الشحن المشروعة وغير المشروعة، من ذلك استدعاء أحدهما لأسطورة «المليون شهيد» والتى أصبحت مع يوم المُباراة «مليون ونصف شهيد»، واستدعى الطرف الآخر أسطورة «السبعة آلاف سنة حضارة»، والتى أصبحت مع يوم المُباراة «ثمانية آلاف سنة»، وهكذا تبارى إعلام البلدين فى المُبالغات.. من ذلك أن مصر «الشقيقة الكُبرى» تعرضت لعدوان ثلاثى عام ١٩٥٦- من فرسنا وبريطانيا وإسرائيل- بسبب دعمها لثورة تحرير الجزائر ضد فرنسا، ومنها أن لواء جزائرياً شارك فى دعم مصر وسوريا فى حرب أكتوبر ١٩٧٣، حيث اختلطت دماء الجزائريين مع أشقائهم المصريين والسوريين.
وهكذا تحولت مظاهر «التضامن» بين الشعبين المصرى والجزائرى فى حياة جيل سابق، هو الذى كان قد أعطى عن طيب خاطر، إلى مظاهر للفرقة على أيدى جيل لاحق لم يُعط، ولا يعرف إلا تفاخر الجاهلية الأولى. إن «الرياضة» مثل «الديمقراطية» هى مُنافسة من أجل الجدارة، طبقاً لقواعد معلومة، يحترمها المُتنافسون. وليس النصر أبدياً فى الديمقراطية، ولا الهزيمة أبدية فى الرياضة.
فكلتهما تخضع، أو من المفروض أن تخضع، لمُنازلات دورية (سنوية أو رباعية أو خماسية). ولذلك فمن لم ينتصر هذه المرة، تكون لديه فرصة أو فرص أخرى فى المُستقبل. فنتيجة أى مُنافسة ليست ولن تكون نهاية المطاف أو إحدى «علامات الساعة» (أى الآخرة، يوم القيامة).
إن الخاسرين فى مُباراة مصر والجزائر (١٨/١١/٢٠٠٩) الشعبان، المصرى والجزائرى، وقضية الوحدة العربية. فمشهد الاعتداءات، والدماء التى سالت فى استاد أم درمان، ربما يتضاءل بالنسبة لما تعرض له أبناء الشعبين على أيدى الاستعمار أو أطراف أجنبية أخرى، ولكنه لم يكن على أيد الأشقاء، ولم يكن مُسجلاً بالصوت والصورة، مثلما فى أم درمان والخرطوم، وفى صُحف القاهرة والجزائر، وعلى شاشات التليفزيون التى رآها الملايين.
لذلك لم يكن غريباً أن كثيراً من الأصوات المصرية، خرجت من معاقلها مُنكرة، بل ساخرة، من «العروبة»، ومُطالبة بإسقاط «عربية» من الاسم الرسمى لبلدهم (وهو جمهورية مصر العربية). وطاف بخاطرى وأنا أقرأ هذه الدعوات، أحلام ونضالات أربعة أجيال عربية، طوال القرن العشرين، من أجل «العروبة» كأمة واحدة، ذات رسالة خالدة!.
نعم طاف بخاطرى أسماء شريف حسين وميشيل عفلق وقسطنطين زريق وجمال عبدالناصر وشكرى القوتلى، كما طاف بخاطرى جهود بقايا آخر هذه الأجيال، من العراقى خير الدين حسيب، إلى المصرى محمد حسنين هيكل، إلى الجزائرى الأخضر الإبراهيمى، ولم أملك إلا أن أزفر مثلما زفر ابن أبى عبدالله، وهو يُغادر آخر القلاع العربية فى الأندلس (١٤٩٢)، ولكن العزاء لحسيب وهيكل والإبراهيمى، هو أن الزفرات ربما تنتهى وتموت مع أصحابها، ولكن الأحلام لا تنتهى ولا تموت...
وكما حدث مع أحلام أجيال أوروبية، تحققت وحدتها، رغم ماضيها من العداوة والاقتتال، فربما ستأتى أجيال لا يصرفها اعتزازها بوطنيتها عن مصيرها القومى المُشترك، الذى صاغته الجغرافيا والتاريخ واللغة.
والله أعلم

الخميس، 26 نوفمبر 2009

مواويل وتناتيش للذكرى .. جمال عبدالناصر



عبد الرحمن الابنودي 9/11/2009



المواويل



أنا باشكر اللى خلق لى الصوت وأوصانى


أقول كلام حُرّ.. مايقبلْش لون تانى


مااسكتش ع الضِّيم واهشّ الغيم بقولة آه


وإن سرقوا صوتى.. بينسوا ياخدوا قولة آه


فى الفرْح فى الجرح إيه حيلتى إلاّ قولِة آه


يحميك يا ولدى وكنت اسكت وتتكلم


يحميك يا ولدى واكون مجروح وتتألم


ياما حرسْت النهار.. آدى النهار.. ضلِّم


وإن شفت جرح الوطن جوّه الفؤاد علم


تقول كلام.. ياسلام.. يحيينى من تانى


■ ■ ■


أنا كان لى ورْدات عجب.. كبّرتها بايدى


أسقيها بالدمع بالدم اللى فى وريدى


جانى غشيم القدم وداس على ورودى


أخدم جناينى فى بستانى يا ناس إزاى؟


وإن نمت ناسى باقوم فاكر يا ناس إزاى؟


مين مرّر الشاى فى شفايفى وبكى الناى؟


ياليل يابو الهمّ.. تحتك دم.. ما تحاسب


وقوللّى إمتى يا ليل.. وفين حنتحاسب؟


إزاى بلادى تبات ليلة مع الغاصب


وإزاى يدوس وردها.. واقولّه: ياسيدى؟


■ ■ ■


مدّ الأمل سِكِّتُه.. وقالِّنا: سيروا


نصيبكو حيصيبكوا تمشوا والاَّ حتطيروا


عيشوا النهارده الزمن.. بكره زمن غيره


آدى أول السكة صوت الضحكة بيلالى


والشمس أمشيلها ألاقيها اللى ما شيالى


ولا حدّ يقدر يعكّر قلبنا الخالى


لكن ومين بكرة يعرف إحنا فين فيها؟


هيه حتدينا والا احنا حندّيها؟


وإيه نصيبنا من الأيام ولياليها؟


غاب الزمن فى الزمن.. واحنا بِلا عزوة


ولا نملك الا نماشى السكة ونسيروا


■ ■


ويا مصْر وان خيّرونى ما اسكن الاَّكى


ولاجْل تتبِّسمى.. يا ما بابات باكى


تسقينى كاس المرار.. وبرضُه باهواكى


بلدى ومالى الّا إنتى ولو ظلمتينى


مقبولة منِّك جراح قلبى وْدموع عينى


الجرح يشْفَى إذا بإيدك لمستينى..


كلّك حلاوَة.. وكلمة «مصر».. أحلاكى


■ ■ ■



التّناتيش



من يمدحُه يطلع خاسر


ويشبَّروله.. أيامه


يعيش جمال عبدالناصر


يعيش بصوته وأحلامه.. فى قلوب شعوب عبدالناصر


■ ■ ■


مش ناصرى ولا كنت ف يوم


بالذات فى زمنه وف حينه


لكن العفن وفساد القوم


نسّانى حتى زنازينه.. فى سجون عبدالناصر


■ ■ ■


إزاى ينسّينا الحاضر


..طعم الأصالة اللى فى صوته؟


يعيش جمال عبدالناصر


يعيش جمال حتى ف موتُه.. ما هو مات وعاش عبدالناصر!


■ ■ ■


إسمه جمال وجميل فعلاً


ياما شفنا شجعان خوّافه


عظيم.. وكان إنسان طبعاً


المجد مش شغل صحافة.. علشان ده عاش عبدالناصر


■ ■ ■


أعداؤه كرهوه ودى نعمة


مِن كرهُه أعداؤه صادق


فى قلبه كان حاضن أمَّه


ضمير وهمَّة.. ومبادئ ساكنين فى صوت عبدالناصر


■ ■ ■


ملامحنا.. رجعت بعد غياب


دلوقت بس اللى فهمناه


لا كان حرامى ولا كداب


ولا نهبها مع اللى معاه.. أنا باحكى عن عبدالناصر


■ ■ ■


عشنا الحياة ويّاه كالحلم


فلا فساد ولا رهن بلاد


يومها انتشينا ثقافة وعلم


وف زمنه ماعشناش آحاد.. كنا جموع فى زمن ناصر


■ ■ ■


كان الأمل فى خُضرِتُه بِكْر


مافيش لصوص للقوت والمال


ومصر أبطال ورجال فكر


ومثقفين ستات ورجِال


جيوش جمال عبدالناصر


■ ■ ■


كان الهلال فى قلبه صليب


ولا شفنا حزازات فى بلادنا


ولا شُفنا ديب بيطارد ديب


ولا جرَس خاصم مادنة.. وَحَّدْنا صُوت عبدالناصر


■ ■ ■


دفعنا تمن الحريّة


بدمّ مش بدينار ودولار


يوم وقفته فى «المنشيّة»


خلّى الرصاص يهرب من عار.. أعداء جمال عبدالناصر


■ ■ ■


رغم الحصار كنا أحرار


وفى الهزيمة الشعب ماجعْش


كان اسمها بلد الثوار


وقرار زعيمها مابيرجعْش.. قرار جمال عبدالناصر


■ ■ ■


خلَّى بلادُه.. أعزّ بلاد


ليها احترام فى الكون مخصوص


لا شفنا وسط رجالُه فساد


ولا خطط سمسرة ولصوص.. كان الجميع عبدالناصر


■ ■ ■


لولاه ماكنتوا اتعلمتوا


ولا بقيتوا دراكولا


ياللى انتو زعما وإنجازكو


دخّلتوا مصر الكوكاكولا.. وبتشتموا ف عبدالناصر


■ ■ ■


عمره ما جاع فى زمانه فقير


أو مالتقاش دوا للعِلّة


دلوقت لعبةْ اخطف طير


والأمة فى خِدْمةْ شِلَّة.. تكره جمال عبدالناصر


■ ■ ■


يتّريقوا على طوابيرُه


علشان فراخ الجمعية


شوفوا غيره دلوقت وخيرُه


حتى الرغيف بقى أمنيّة.. يرحم جمال عبدالناصر


■ ■ ■


فيه ناس بتنهب وتسوِّف


لا يهمّها من عاش أو مات


ورضا العدو عنّا يخِوِّف


معناه أكيد إننا قَفَوات.. من يوم مامات عبدالناصر


■ ■ ■


الأرض رجْعت للإقطاع


وقالوا: رجعت لصْحابها


وصاحبَك الفلاح تانى ضاع


ضاعْت العقود واللى كتبها.. وخط إيد عبدالناصر


■ ■ ■


أنا أذكُرك من غير ذكرى


والناس بتفتكرك بخشوع


الأمس واليوم ده وبكره


يبكوك بعظمة مش بدموع


يكفَى نقول: عبدالناصر


■ ■ ■


دلوقت رجعوا الفقرا خلاص


سكنوا جحورهم من تانى


رحل معاك زمن الإخلاص


وِجِهْ زمن غير إنسانى.. ماهوش زمن عبدالناصر


■ ■ ■


صحينا على زمن الألغاز


يحكمنا فيه أهل الأعمال


وللعدو.. صدّرنا الغاز


بفرحة وبكل استهبال.. نكاية فى عبدالناصر


■ ■ ■


بنمدها بغاز الأجيال


تحويشةِ الزمن القادم


إتوحَّشوا فْ جمع الأموال


ورجعْنا سادة.. وخوادم.. ضد اتجاه عبدالناصر


■ ■ ■


يا جمال.. نجيب زيك من فين


يا نار.. يا ثورة.. يا ندهِةْ ناى..


البوسطجى.. إللى اسمه حسين


أبوك - منين جابك؟ وإزاى.. عمل جمال عبدالناصر؟


■ ■ ■


لو حاكتبك.. ما تساع أقلام


ولا كلام غالى وأوراق


الأمر وما فيه.. أنا مشتاق


فقُلتْ امسِّى عليك وأنام نومةْ جمال عبدالناصر

هل سيهاجم أعداء عروبة مصر فى الحزب الحاكم «مبارك»؟ - حسنين كروم

25/11/2009

لا يعنينا الانحطاط المهنى والأخلاقى والسياسى لعدد من الصحفيين الجزائريين ولا بذاءاتهم ضد المصريين جرياً وراء زيادة توزيع صحفهم، أو تعبيراً عن تيار نعلم بوجوده يعتبر الجزائر حتى الآن امتداداً لفرنسا ويكره عروبتها، ويحمِّل مصر مسؤولية اجتذابها نحو المشرق العربى وقيادة تعريب التعليم ومساندة قادتها الذين آمنوا بعروبتها فى خطة التعريب،
كما لا يعنينا مجموعة البلطجية الذين هاجموا ودمروا ونهبوا شركاتنا ومكتب شركة الطيران وبيوت العاملين المصريين وإدخال الرعب فى قلوبهم، لأنهم لا يعبرون عن حوالى أربعين مليون جزائرى، ولدينا مثلهم فى مصر، على صفحات صحفنا كلما اندلعت أزمة بيننا وبين دولة عربية، ومن يستغلون أى اضطرابات لنهب وسرقة وحرق ممتلكات دولتهم وإخوانهم، وما حدث فى الانتفاضة الشعبية فى ١٩٥٨ ويناير عام ١٩٧٧ لا يزال ماثلاً فى الأذهان،
ولولا السرعة التى تدخل بها الأمن لتحولت المظاهرة التى أرادت الاتجاه لسفارة الجزائر إلى كارثة مروعة إذا شارك فيها عاطلون ولصوص، والتحول لنهب المتاجر والمنازل وتدميرها، ومع ذلك تم تحطيم واجهات محال ومحطة بنزين وإتلاف عدد كبير من سيارات الشرطة وإصابة خمسة وثلاثين ضابطاً وجندياً.
لا يعنينا هذا لأن كل شىء سينتهى وستظل العلاقة بين الشعبين والبلدين كما هى، إن لم تزدد قوة بأن تعطيها الأزمة دفعة للأمام بمناقشة مكشوفة لما داخل صدور البعض، خاصة أن الاعتداءات التى تعرض لها المصريون فى الجزائر والسودان لم يسقط فيها قتيل واحد أو حتى إصابة خطيرة، ونفس الأمر مع الاشتباكات التى حدثت فى حى المهندسين بين مصريين وجزائريين فلا جزائرى قُتل أو أصيب إصابة خطيرة،
وعلينا أن نتذكر أن الاشتباكات الدموية التى حدثت بين مصريين وكويتيين فى منطقة خيطان، وأدت لأعمال تخريب، ومثلها حدث فى ليبيا بين مصريين وليبيين، وكلها تخللتها أعمال قتل وترتبت عليها محاكمات انتهت إلى لا شىء، ومشاكل أخرى تكررت فى حى المهندسين عندنا أدت إلى مقتل أكثر من عشرة لاجئين سودانيين معظمهم من الجنوب، ومعارك فى العاصمة الخرطوم بين سودانيين ومصريين وتدخل الشرطة ضد المصريين، ومشاكل مع السعودية بسبب عقود العمل ومحاكمة مصريين بتهم مختلفة، ومشكلة مع ألمانيا بسبب مقتل مروة الشربينى أعقبتها مظاهرات واحتجاجات، ومع إسرائيل التى قتلت جنوداً وضباطاً لنا،
وجاء أولمرت رئيس وزرائها السابق واجتمع مع الرئيس مبارك فى شرم الشيخ، ومع ذلك بعنا لها الغاز بأسعار مدعومة، ولم نغلق سفارتها ونطرد رعاياها وننسحب من اتفاقية الكويز، رغم الكراهية الشعبية الكاسحة لها ورفض التطبيع معها حتى من جانب قطاعات رسمية من الدولة.
والذى أريد التنبيه إليه هو أن سياسات الدولة ومصالحها العليا وعلاقاتها الأخوية الخاصة مع دول معينة، هى العربية، أهم وأبقى من أى موجات غضب عارضة بشرط الحفاظ على كرامة مواطنينا وبشرط احترامهم أيضاً لقوانين الدولة التى يعملون فيها وهى عملية تبدأ من مصر بأن تطبق قوانينها دون استثناء على غير المصريين إذا خالفوها، فلا تترك مواطنى دول الخليج وأمريكا ودول أوروبا، وتتعسف فى تطبيقها مع مواطنى الدول العربية الفقيرة فى المطارات وداخل البلاد.
أما الذى يهمنا فهو البحث عن أخطائنا والمسؤولين عنها، وقد امتلأت الصحف بها وهى تحويل المباراة إلى معركة وطنية، بحيث أصبحت سمعة مصر وكرامتها مرتبطتين بأرجل اللاعبين، وصرف الملايين من الجنيهات لإرسال مشجعين من غير مشجعى الكرة وهم قادرون مالياً على دفع قيمة تذاكرهم، لو كانوا حقاً يرغبون فى التشجيع، ولم نرسل أعداداً من قواتنا فى ملابس مدنية لحمايتهم من بلطجية مشجعى الجزائر، وتحول كتاب وصحفيون إلى معلقين رياضيين، والمعلقون الرياضيون إلى كتاب سياسيين وقادة للرأى العام، واستعنا بأغانى الحروب الوطنية،
وناشدنا السودانيين دعمنا وطلبنا من الشعب أن يدعو: يارب.. قبل ثلاثة أيام من المباراة، فى واحد من أسوأ أعمالنا، لأن هزيمتنا تعنى أنه غير راض عنا، وكان واضحاً أن الحزب الوطنى حولها إلى معركته هو، ليكون النصر فيها له، وتوافرت لدينا الأموال لتوزيعها على اللاعبين تطييباً لخواطرهم، وهم يحصلون على الملايين سنوياً مقابل احترافهم والإعلانات، بينما المستشفيات الحكومية فى نصف المحافظات لا يوجد فى أى منها أجهزة رنين مغناطيسى وأشعة مقطعية، كما اعترف بذلك وزير الصحة للرئيس علناً منذ شهرين.
وعلى كل حال، فالرئيس أعطى إشارة واضحة لأجهزة الدولة بوقف مهزلة تحديد سياسة مصر بواسطة عدد من الهواة بقوله فى خطابه يوم السبت أمام أعضاء مجلسى الشعب والشورى: «تظل دائرة تحركنا العربى أولوية من أولويات سياستنا الخارجية.. ستبقى القضية الفلسطينية أولوية رئيسية فى تحرك سياستنا الخارجية.. أقول بعبارات لا تحتمل اللبس إن إسرائيل تقوض فرص السلام.. ارفعوا حصاركم عن غزة.. كفاكم تعنتاً ومراوغة».
ولم يتطرق إلى ما حدث بكلمة سوى عبارة قال فيها: «رعاية مواطنينا بالخارج مسؤولية الدولة، لا نقبل المساس بهم، أو التطاول عليهم، أو امتهان كرامتهم، إن كرامة المصريين من كرامة مصر، ومصر لا تتهاون مع من يسىء لكرامة أبنائها».
كما استخدم خفة ظله فى الإفلات من الذين طالبوه بالكلام الصريح، والآن نتمنى أن يثبت أنصار النظام الذين طالبوا بترك العروبة ودور مصر القيادى، أنهم أصحاب رأى وموقف بأن يهاجموا كلام مبارك ويرفضوه!! هذه أزمة ستنتهى، ولابد لساويرس والمقاولون العرب ووزارة البترول من استئناف نشاطهم بسرعة وأن يواصل أحمد عز مشروعه لإنشاء مصنع ضخم للحديد والصلب فى الجزائر، وألا نترك أرضاً كسبها الرأسماليون المصريون والقطاع العام فى أى دولة عربية، وعدم الالتفات لجهلة وثقيلى ظل يطالبون بسحب استثماراتنا من الجزائر

الارتزاق - احمد الخطيب

25/11/2009

نجح بعض من يطلقون على أنفسهم الإعلاميين الرياضيين والفنانين من ذوى تصنيف الدرجة الثانية فى إثارة أزمة مصر والجزائر، فى تقديرى الشخصى، وتصويرها على أنها أزمة قومية تستوجب قطع العلاقات وطرد واستدعاء السفراء، لدرجة أن طالب أحد هؤلاء بشن حرب عسكرية على الجزائر!
كل ذلك من أجل مباراة لكرة القدم، نجح بعض المشجعين الموتورين من الجزائر فى الاعتداء على بعض المشجعين المصريين، كان على رأسهم الفنانون محمد فؤاد وهيثم شاكر وإيهاب توفيق، والحقيقة أن هؤلاء الفنانين - جميعهم - استغلوا مباراة مصر والجزائر للارتزاق والقفز فوق فرحة الشعب بالمباراة سواء إذا كان الفوز حليف المنتخب المصرى أو الهزيمة، وهو ما حدث.
بدأ هؤلاء بموجة عارمة من تدشين الأغانى لكل واحد منهم، وظل يطوف بها على القنوات الفضائية والتليفزيون المصرى من أجل إذاعتها ليكون له من الشهرة نصيب، وسمعنا لكل الفنانين تقريباً أغانى فى حب مصر والمنتخب، فى وصلة نفاق تشمئز منها النفوس السليمة، الأمر الذى استوجب منهم استكمالاً لحالة النفاق، التى هى فى الأصل ارتزاق لدرجة أن أحدهم كتب «ماتزعليش يا مصر» وظل يتحزن فى صوته مثل السيدة التى مات زوجها، وآخر صور أغنية عن الفوز قبل المباراة وعندما خيب المنتخب ظنونه أبدلها بأغنية عن الهزيمة، وكل ما فعله أن أتى بمشاهد تكسير الأتوبيسات وبعض المشاهد التى تبادلتها القنوات الفضائية بعد المباراة وكتب عليها بعض الكلمات الحزينة.. وكله فى حب مصر!
صديقى الأستاذ أحمد طه، الإعلامى المعروف، قال لى إن الذى قام بكل هذا البكاء والعويل هم مجموعة الفنانين الذين ذهبوا إلى السودان وبالتحديد المطرب ابن منطقة عين شمس الشعبية، الذى هرب من بعض الشباب الجزائريين الفرافير، وظل يجرى من أمام شاب لا يتعدى عمره (١٩ عاماً) نفس الأمر تكرر مع آخرين وأحدهم لديه قصة طريفة، وهى أنه كان قد ذهب إلى أحد منازل الأشقاء السودانيين وظل داخل المنزل لمدة ثلاث ساعات قام على أثرها أصحاب المنزل بواجب الضيافة على أكمل وجه، وبعدما أكل وشرب الفنان الكبير الذى كانت آخر مرة سمعه فيها الجمهور يغنى منذ حوالى ١٣ سنة، اتصل بأحد المسؤولين فى مكتب وزير الإعلام وهو الصديق الأستاذ أحمد طه.
وقال له «الحقنى أنا داخل أحد المنازل فرد عليه أحمد طه: «وهل يوجد أحد من الجزائريين بالخارج؟» فقال له: «لا» فقال له: «وفين المشكلة؟.. اذهب وغادر من المطار».. فسكت الفنان الذى بدا من اتصاله بمكتب وزير الإعلام أنه كان يريد الشو والمنظرة..
هذا الشو الذى أخذ أكبر من حجمه تسبب فيه هؤلاء الفنانون لاسيما أن الجمهور الحقيقى لكرة القدم لو كان قد ذهب إلى السودان لمؤازرة المنتخب وحدث له ما حدث لهؤلاء المطربين الفاشلين، لكانوا قد خطفوا جمهور الجزائر وأتوا بهم إلى القاهرة، ولكن الذى حدث أن معظم الذين ذهبوا لتشجيع المنتخب ليسوا من جمهور الكرة الحقيقى وهو جمهور الدرجة الثالثة المعروف.
نفس الأمر حدث مع من يطلقون على أنفسهم إعلاميين، الذين كان بعضهم فى السابق لاعبين فشلة أحدهم لم يلعب فى حياته سوى مباراة واحدة وبالمناسبة كانت أمام فريق جزائرى، وطوال أيامه فى الملاعب كان يقضيها فى الملاهى والمراقص، هذا الذى أصبح إعلامياً كما يقول عن نفسه نصَّب نفسه مدافعاً عن مصر وفتح برنامجه على البحرى ليمارس هواية «الردح»، ويعتبر نفسه مؤثراً رغم أنه حاصل على مؤهل متوسط وآخر ينسب لنفسه الدكتوراه، وهو لا يستطيع أن يتكلم ثلاث كلمات باللغة العربية. أحد هؤلاء ظل يبكى فى برنامجه فى وصلة نفاق مفتعلة لمجرد أن السيد علاء مبارك تحدث عن مشاعره معه عن المباراة.
وبين هؤلاء وما حدث فى الجزائر نسى البعض أن يسأل: لماذا خسر المنتخب من فريق ضعيف يعيش أسوأ حالاته..؟

العداء الجزائرى لمصر - د.خالد عزب

المصري اليوم - 23/11/2009

آراء صاخبة وحالة غير طبيعية سادت العلاقات المصرية الجزائرية، مقالات كُتبت وصفحات سُطرت، لكن هذه العلاقات فى ظل أجواء معادية لمصر فى الجزائر فى حاجة ماسة إلى أن نراجع أنفسنا مرات ومرات. فى واقع الأمر أن الحلم الجزائرى بالاستقلال ارتبط بمصر وبالمشروع القومى العربى، الذى اهتز أول مرة مع هزيمة ١٩٦٧، واهتز مرة أخرى مع مبادرة الرئيس السادات للسلام سنة ١٩٧٧،
ونشأت جبهة الصمود التى كانت الجزائر إحدى ركائزها، فشن الإعلام الجزائرى حملات متتالية ضد مصر، جعلت يقين الجزائريين بمصر مهزوزا تشوبه حالة من الاندهاش تارة وتارة أخرى حالة من العداء، فهذه الدولة الرائدة عربيا، التى كانت رمزا للصمود، صارت رمزا للاستسلام من وجهة نظرهم، وبنى على هذا لسنوات طويلة، فضلا عن أن مصر عبدالناصر غير مصر مبارك، فالأولى كانت تسعى للتدخل المباشر فى شؤون الدول، والثانية تسعى لاحترام سيادة الدول ومصالحها.
لكن مع عودة العلاقات المصرية الجزائرية فى عهد الرئيس مبارك، لم تبذل مصر مساعى كافية لإعادة بناء صورة مصر لدى الجزائريين، وتحولت الملاعب الرياضية لساحة للتعبير عن السخط الجزائرى على مصر، فكأن الرياضة تعكس صورة مصر لدى الجزائريين، ولم يدرك الجزائريون إلى الآن أن مصر- الدولة والشعب- أصبحت لديها رؤية واقعية، وأن السلام مع إسرائيل هو جزء من التعامل مع المعطيات السياسية، ومصر لم تتخل ولن تتخلى عن مشروعها الوحدوى العربى وعن هويتها العربية.
تكمن المشكلة فى نظام بدا أنه فى حاجة ماسة الآن إلى التغيير الجذرى، وهو المستشار الثقافى الذى يتبع وزارة التعليم العالى ويختار من أساتذة الجامعات، دوره يركز على رئاسة البعثة التعليمية، وهى وظيفة محدودة إذ هى إدارية بحتة، فى حين أن المستشار الثقافى والمركز الثقافى المصرى فى أى بلد هو الأداة التى يجب أن تعمل على التعامل مع المجتمع الجزائرى وغيره، لتقديم صورة مصر المعاصرة، والحد من الحالة العدائية لمصر فى الجزائر، وبناء أصدقاء جدد لمصر فى الأجيال الشابة فى الجزائر، بل إن الكتاب المصرى غير متوافر فى الجزائر إلا فى فترة معرض الكتاب،
حتى زيارات المثقفين المصريين للجزائر محدودة، يجب أن يتولى المركز الثقافى المصرى فى الجزائر مثقف يستطيع أن يتحرك فى الساحة الجزائرية فى كل المدن، يتواصل مع الجميع، يساعد السفير المصرى فى أداء دوره ويتكامل معه، كما أن رجال الأعمال المصريين الذين يستثمرون فى هذا البلد عليهم أن يساهموا فى دعم أنشطة هذا المركز.
على الطرف الآخر لم يبذل الجزائريون جهدا لتحسين صورة الجزائر فى مصر، فعلى الرغم من سياسات الرئيس مبارك التى اتسمت بالترحاب بالجزائريين، فإن الثقافة الجزائرية، بل الوجود الجزائرى فى مصر محدود، فصارت صورة الجزائر فى مصر هى مباريات كرة قدم يشارك فيها فريقان فصار الأمر وكأنه نزاع حربى، فى حين أن علماء الجزائر ومفكريها وأدباءها- ماعدا القليل منهم- غير معروفين فى مصر، وقد حاولت مرارا دعوة بعضهم للتواصل مع مصر، إلا أن فرنسا كانت هى المحطة المفضلة لعدد كبير منهم،
لذا بات الجانبان المصرى والجزائرى فى حاجة ماسة لإعادة بناء صورة الآخر لدى الطرف الآخر، مَنْ مِنْ شباب مصر يعرف الجزائر ومعالمها وشوارعها وطبائع أهلها، كل شباب مصر لا يعرف من الجزائر سوى كرة القدم، فهل يعقل أن دولة بحجم الجزائر لا تستطيع أن تقدم فيلما أو أفلاماً تسجيلية تشرح الجزائر الدولة والشعب للمصريين؟ أين الكتاب الجزائرى فى مصر؟ ليس له حضور سوى فى معرض الكتاب بصورة محدودة جدا، لذا اختزلت الجزائر فى مصر فى مباراة كرة قدم.

الهزيمة ليست كروية - رامي ابراهيم

المصري اليوم - 23/11/2009

لست مع الذين يقللون من أهمية النتيجة التى انتهى إليها اللقاء الفاصل فى أم درمان بين منتخبى مصر والجزائر، رغم قوة حجتهم بأن الهزيمة الكروية فى مباراة لا تستحق كل هذه المشاعر السلبية من الإحباط والمرارة التى ملأت نفوس جموع المصريين.
غير أن أصحاب ذلك الرأى يتجاهلون أن إحساس المهانة لدى المواطنين لا يرجع أبداً إلى مجرد خسارة ١٤ لاعبا فى مباراة، أو لتعرض بضعة آلاف من المشجعين لاعتداءات همجية بعدها، وإنما ليقينهم بأن مكانة وطنهم تراجعت فى إقليمه، وأن الفساد وانعدام الكفاءة قد حاصراه وسحبا من رصيده التاريخى الذى راكمته أجيال سابقة، حتى وصلت الدولة الأقدم فى التاريخ إلى درجة من العجز لم تعرفها من قبل.
لم يجد المصريون ما يباهون به الجزائريين إلا مساندة ثورة التحرير العظيمة (١٩٥٤ – ١٩٦٢) وكأنهم يطلبون غض الطرف عن الأربعين عاما الأخيرة، معترفين بأن سجل السياسة الخارجية المصرية خلالها لا يحوى سطورا كثيرة تدعو للفخار، ولم يعثروا على أسماء كثيرة لمصريين يحظون بالتقدير لدى الأمة العربية كلها يمكن الاعتماد عليهم فى تخفيف حدة الاحتقان عند جماهير الجزائر التى ضللتها آلة إعلامية موتورة، وكأن «خزان المواهب» الذى امتازت به مصر دوما قد نضب، ففقدت «قوتها الناعمة» نتيجة أوضاعها البائسة التى حرمتها من الدعاة الدينيين محل الثقة ونجوم الفن موضع الحب ورموز الثقافة ذوى الثقل فضلاً عن قادة السياسة أصحاب المصداقية.
تصدر المشهد الإعلامى فى مصر لستة أسابيع متتالية نفر من لاعبى الكرة السابقين الذين جمعوا إلى محدودية الثقافة وقلة الوعى انعدام المسؤولية، فراحوا يقدمون أسوأ صورة لبلدهم الذى نصّبوا أنفسهم دون حق متحدثين باسمه، وانطلق كل منهم يبث الكراهية ضد شعب عربى مستخدما ألفاظا يقع بعضها تحت طائلة قانون العقوبات، وتنافسوا على الجنوح نحو كل ما هو سوقى وردىء، وتجرأ أحدهم على التشكيك فى وطنية كل العقلاء الذين حذروا من مغبة تلك الحماقات ساخرا من مبادراتهم للتهدئة، دون سند لمقولاته المتهافتة إلا وجود تجاوزات مماثلة يمارسها أشباهه من الناحية الأخرى.
وحين حدثت الفتنة التى كان هؤلاء أحد أسبابها تبجحوا بمقولة «ألم نقل لكم منذ البداية؟»، ليواصلوا حملتهم المجنونة، مستندين هذه المرة إلى إشادة تلقوها على الهواء مباشرة طمأنتهم إلى أنه من غير الوارد إخضاعهم للمحاسبة (ومعهم وقبلهم عدد من الصحفيين الجزائريين)، وأن النار التى أشعلوها وكادت تؤدى إلى كارثة فى القاهرة ثم فى الخرطوم هى محل تقدير!
لم يخسر لاعبو المنتخب ومدربهم وحدهم مباراة فى كرة القدم، وإنما خسرنا جميعا حين صدقنا «إعلام الفتنة» فرضينا بتحويل نتيجة ٩٠ دقيقة من اللعب إلى معيار لكرامة الوطن، ثم نظرنا بعين واحدة إلى تصرفات الجماهير فسمحنا بتجاوزات وبحثنا عن مبررات وقبلنا أكاذيب فى القاهرة، بينما رفعنا صوتنا منددين فى الخرطوم.
إن ارتباك السياسة الإعلامية هو الوجه المقابل لإخفاق السياسة الخارجية وانحسار التأثير الثقافى، فلا يمكن لواقع بائس أن يعكس نفسه فى مرآة الإعلام صورة زاهية.
ومن المؤسف أننا لا نعرف حتى الآن على وجه دقيق اسم المسؤول عن سوء إدارة «موقعة أم درمان»، وستظل أسئلة كثيرة مطروحة دون إجابات مثل: لماذا كان الجمهور المصرى قلة فى استاد المريخ مقارنة بجماهير الجزائر؟ ولماذا لم ينتبه أحد إلى خطورة الوضع قبل المباراة حين احتشد عدة آلاف من الميليشيات المنظمة فى خيام على أطراف الخرطوم؟ ولماذا لم يحذر أحد من تدافع مشجعى الجزائر لشراء أسلحة بيضاء؟ ومن الذى أبعد جماهير كرة القدم الحقيقيين عن السفر إلى السودان لحساب جمهور آخر غير مناسب؟
والأكثر مدعاة للأسف أن البعض أراد أن يجعل من المنتخب ترساً فى ماكينة التوريث، لكنه تقاعس فى الوقت نفسه عن توفير الظروف المناسبة لتحقيق النصر الكروى الذى أراده، لنتأكد من جديد أن انعدام الكفاءة سمة عامة لدى كل الأطراف فى النظام السياسى الحالى.
لكل هذه الأسباب أجدنى متعاطفا بشدة مع الغضب الشعبى الجارف من نتيجة المباراة حتى لو انحرف عن هدفه الحقيقى، متفائلا بأن الأيام ستعيد ترشيد هذا الغضب وتحيله إلى طاقة لإصلاح الأوضاع الداخلية فى مصر، شريطة أن يبدأ على الفور نقاش واسع فى المجتمع من أجل فهم ما حدث والاستفادة من دروسه.

الأربعاء، 25 نوفمبر 2009

مصائر الشعوب ليست تحت أقدام لاعبى الكرة - د.طارق عباس

21/11/2009
فى الأيام الأخيرة، حدث شحن معنوى للشعبين المصرى والجزائرى، بسبب الساحرة المستديرة كرة القدم، وتحول هذا الشحن لصراع، يحمل فيه كل طرف المسؤولية عن التصعيد غير المبرر على الطرف الآخر، وبين الفعل الغاضب ورد الفعل الأكثر غضبًا تحولت المباريات الكروية الرياضية بين الطرفين إلى شبه معارك إرهابية استعملت فيها كل الوسائل الممكنة لتحقيق نصر كاذب فى معركة مزيفة.وبلا مبرر تعرضت المصالح المصرية فى الجزائر لاعتداءات نتجت عنها خسائر بالملايين وبلا مبرر، راحت بعض وسائل الإعلام تنفخ فى أبواق الفرقة بين الشعبين، وجمعهما على لغة الكرة بدلاً من اللغة العربية، ودين التعصب بدلاً من دين الإسلام، وشعارات الفرقة بدلاً من تعميق ثقافة الاتحاد فى مواجهة عدو واحد اسمه الكيان الإسرائيلى، عدو للعرب جميعًا، ومتربص بهم، ومستفيد من إغراقهم فى متاهة التفاهة والبلاهة لشغلهم عن القضايا المصيرية بقضايا ظاهرها ممتع، وباطنها سموم قاتلة، وبلا مبرر نسيت الجماهير حالها ومالها وأنفقت ما فى وسعها وغير وسعها من مال وعرق ودم ووقت وجهد وأعصاب، فى سبيل شراء الأعلام والتجمهر على المقاهى وتوقع النتائج والبحث عن تذاكر فى السوق السوداء، للذهاب إلى استاد القاهرة واستاد المريخ بأم درمان ومشاهدة القنوات الفضائية...إلخ، وقد هالتنى هذه الحمية الكاذبة التى أصابت الجماهير العربية، خاصة جماهير الشعبين الجزائرى والمصرى، حمية فى غير موقعها، تكشف عورات كان لا يصح أن يراها العالم فينا، فهل يعقل أن نلتف حول لعبة كرة القدم، ونترك لعبة السياسة لمن يمارسونها فى الخفاء، ويديرونها لصالحهم؟ لمصلحة من ترتفع الكرة إلى قمة الأولويات وتهبط العقول تحت الأقدام؟ لماذا لا تعبر إسرائيل عن نفسها كما نعبر؟ ولماذا لا يخرج شعبها بعد الفوز فى أى مباراة ليطبل ويزمر ويرسم على وجهه، ويقفز فوق السيارات ويدغدغها مثلما نفعل نحن العرب؟ ومن المسؤول عن هذه الروح العدائية التى نبتت فى غياب متعمد لروح التضامن العربى والأخلاق العربية؟صدارة الأولويات الكاذبة تكفى لخلق ردود أفعال غير متوازنة، وتضخيم ما ليس له قيمة، يساوى تحقير كل ما له قيمة، ويبدو أن الأمر كما عبر عنه الإعلامى الكبير الأستاذ فاروق سليمان، فى إحدى الندوات تعليقًا على مشاهد العنف التى صاحبت مباريات مصر والجزائر إذ قال:(عندما يغيب المشروع القومى لشعب يخلق لنفسه مشروعًا، وفى زمن الإفلاس الفكرى والسياسى والاقتصادى، يطفو على السطح، كل ما هو ثانوى، وتتوارى المشاريع الجادة وربما تختفى خلف مشاريع بلا قيمة، وتصبح نتيجة ساعة ونصف الساعة فى عمر مباراة كرة قدم أولى بالعناية والاهتمام ودعم رجال الأعمال من أى مشاريع تنموية أخرى، فلا غرابة إذن فى أن يجتمع العرب على الفن والغناء وأخبار الراقصات ونجوم الكرة وفاتنات القنوات المتخصصة بينما يختلفون فى كل شىء آخر، لا غرابة فى أن تتحول هيستيريا الانفعالات إلى قواعد تنطلق منها الأفعال وردود الأفعال. عندما أقدم الرئيس السادات- رحمه الله- على عقد معاهدة «كامب ديفيد» قطعت معظم الدول العربية علاقاتها مع مصر، وشنت عليها حربًا إعلامية شرسة، وكنت وقتها واحدًا من الإعلاميين المعارين لإحدى هذه الدول المعادية للمعاهدة بوصفى مذيعًا وقارئًا لنشرة الأخبار، وبحكم طبيعة عملى، طلب منى ومن زملائى المصريين الهجوم على مصر ورئيسها أنور السادات، من خلال نشرات الأخبار والتعليقات المسيئة لبلدنا ووقعنا بين مطرقة حب جمع المال وسندان الغيرة على الوطن وزعيمه، ولخطورة الأمر ونيابة عن أصدقائى الإعلاميين توجهت إلى القاهرة لعرض الأمر على رئيس التليفزيون وقتها، السيدة همت مصطفى، وأوضحت لها طبيعة المأزق الذى نحن فيه، فإما أن نقرأ ما يسىء لمصر وهو ما يتناقض مع وطنيتنا وإرثنا القيمى، وإما أن يصدر قرار فورى بإلغاء إعارتنا وعودتنا بسلام إلى أرض الوطن، وأمام إحساس همت مصطفى بالمسؤولية رفعت الأمر مباشرة إلى الرئيس السادات لاتخاذ ما يراه مناسبًا، وكانت المفاجأة المذهلة فى رد السادات، حيث أبلغنا حرفيًا بأنه لا حساب مطلقًا على من يقرأ ما يقدم له من أخبار، لأنه يعمل لدى الدولة التى يقرأ الأخبار لحسابها، وأن العلاقات العربية سوف تعود، وستكون أقوى مما كانت عليه، فمصائر الشعوب لا تقف عند خلافات الحكام) وما حكاه الإعلامى فاروق سليمان، دليل على أن المواطن المصرى كان عنده مشروع، وأن الرئيس السادات كان عنده هو الآخر مشروع أهم لبناء مصر، وبالتالى فليس فى حاجة لشغل الناس بالتفاهات، ليس فى حاجة لتدمير الداخل، حرصًا على الخارج.لقد انتهت المباراة الأخيرة بين مصر والجزائر بهزيمة مصر وخروجها من المشاركة فى كأس العالم فى جنوب أفريقيا عام ٢٠١٠، ولا عيب فى ذلك لأن الكرة منتصر ومهزوم، ولاعبو الكرة معنيون بإسعاد الناس والتسلية عنهم، وليس تدمير معنوياتهم وإرهابهم وترويعهم، مثلما حدث مع المصريين العائدين بعد المباراة الأخيرة، والعيب كل العيب أن تتكرر هذه العصبية البغيضة بسبب الإعلام غير المسؤول، حتى لا يحدث ما لا يحمد عقباه، فهذه المرة سلمت الجرة، ومن يدرى ما قد يحدث لو تكررت مثل هذه الأجواء فى مباريات أخرى؟ الحمد لله أن المعركة أقصد المباراة قد انتهت، والحمد لله على سلامة المصريين العائدين، ولا يصح أبدًا لكائن مهما كان ولأى سبب أن يرهن سلامة الشعوب ومصائرهم، تحت أقدام لاعبى الكرة.

تخاطيف من قصيدة:«الاستعمار العربى» - عبد الرحمن الابنودي


المواويل



كِتفى الحنون اتخلق.. تسند عليه راسك


ساعة الشدايد وغير ده تهيننى حُراسك


على الحدود أتصلِب تضربنى بمداسك


عمرك ما فكرت فى إحساسى ولا ثانية


ضاع منى إحساسى خوْفاً لاجْرح احساسك


■ ■ ■


لا اعرف أعيشها لوحدى ولا الرفاق نِفْعوا


بات الوطن باكى خايف يفضحه دمعُه


قابيل وهابيل لقولهم حِته يتصارعوا


والقلب لو أنّ سيبه يرن مين سامعُه؟


ع الأرصفة قاعدة تندغ كِبْدها الأمة


ويا كدبها.. زى ليل.. سعران أكل شمعُه


■ ■ ■


اكتم أنينك.. وغطّى الأمة بتيابْها


أمّة.. بتقتل صادقها.. وتحمى كدّابها


حنّت لجزم الغريب تانى على ترابها


الأمة لماتكون مالهاش كبير يا ناس


تنتظروا مين ع الذنوب تانى يحاسبها؟


■ ■


التخاطيف


قاعد أنا ع الجِسْر.. فى القَيَّالة


والرحمة..من قلب اللّهيب مِتشالة


باطلّ على حالي


وقلبى.. ساقيةَْ حِزن سَيالة


باغني ما اعْرف مغْنَى والاّ عَديد


زى افتكار الميتين فى العيد


باعاني وحداني


شياطينى لابْساني


والأمة قدّامى مفارقاني


يا.... ربّ


ما تحبِّبنى فى الناس المُلاح تاني


يا رب..


ما ترجّعنى أعشق ضحكة اخواني


ولا دُعا أمي


وهيّه بتصلّي.. وبتسمِّي


يا.... ربّ.. كرهنى فى أوطاني


يا رب.. كرهني


فى طهارة اللقمة


وأمانة الكلمة


وفى كل شىء طيب وإنساني


■ ■


قاعد أنا والشمس كلّها غِل


ّبيسْتخبى تحت توبي الضِّل


أجْترّ همّى بشكل حيواني


يا.. رب.. ما ترجعنى أعشق خِلَ


نشِّف عروق الودّ فى صوتي


واكتب بإيدى تذكرة موتي


ألا الهوى العربى يا ربى يعِلّ


ألاّ عروبتى هيّه أكفاني


يا رب كرهنى فى شهامة الرجال

والصبر ع الأحمال

قّربْت من كتر الملل أنسى أمِلّ

ياللي خلقت الأمة من غير قلب

من غير حُضْن

وخلقتها ما تحترمش الحزن

مأساتى إنى حزين

أحزان..

من اللى ماهيش رفاهية

ودموعى مش ميّة

وضلوع عنيدة بْتِّتكىِ

بالجرح.. ع السكين.

أنا الحزين ابن الحلال

أنا الغبَى فى العاشقين

أنا اللّى باحزن لِيّا

لما باكون حزين

ما بأجّرشى عينيا

وأقول: «أَحزن لمين»؟

■ ■ ■

قوم يا ابْنى م النومة

إسرق حلَق أمَّك

وارض وادْ عمَّك

وقفّل الشارع وإنشل السكّان

وإنهب الواجهة وبدّل الألوان

واعمل ولا سامع

خلي جميع المعقولات تتلخبط

وان يسألوك

ساعْة الجواب استعبط

يستعبطوا.. إنت اعمِل الأعبط..

ما تخافْش..عندك جيش

م اللى بياكلوا العيش

وان عزت اللقمة..

جدعان.. ياكلوا الخيش.

بيخافوا من ضلّك

ويقبِّلوا الأقدام

ويهتفوا بفضلك

م الرعب.. فى الأحلام..

ويخلدّوا ذكرك

على مدى الأعوام

ويهتفوا بإسمك

مع إن ذكرُه حرام.

ما أخيبك أمّة

ما أتعسِك أمّة

لا عقل.. ولا همّه

لا مصدَّقة فعْلِك

ولا تحفظى كلمة

أمة تدور وتلف

تقيلة مش بتخف

بليدة مش بتشف

حماسيّة وحماسها

بكتيره ساعة يجف.

أمة بتتخابِط

أمة بتتعابط

أمة ومالهاش

لازابط ولا رابط

ولا كبير عيلة

ولا قرابة دم

وفكرة وهمّية

ما تورِّث إلاّ الهمّ

ما تحل عنى يا عم

إحنا وِرثْنا كلام

إحنا تاريخنا كلام

علشان ده لمّا تقول

على طول أقول: «وبكام..»؟

ما هو حُبّ؟ دبرني

وتاريخ..؟ فكّرني

وطريق..؟ نوَّرْني

ومصير..؟ بصَّرْني

ده انا بقيت عربي

من قبل ما القى اللى يمصَّرني

أنا انتمائى لأمتى ممسخرني

محسوبة فى الأحزان علىْ

فى الفرْح.. تنكرني

.ياللى انتى لا أمَّة ولا إنتى أمّ

فيه أم ما تعرفش ساعة الألم تُضمّ..؟

■ ■ ■

وساعات وانا فى الضُّهر - متدهْوِل-

أقول

صيف السنة من أكفَر الفصول

إحنا اتعدمنا فى غياب العقل والجدوى

يا ريحة البترول

لما انتشر فى الأمة كالعدْوى

طِلعِت بشر

نزلت بشر.

اللى اقتدر اقتدر

واللى افتقر افتقر

بلاد تحوز الصُّرّة والصُّرة

وبلاد بتحلم تشتغل برّه

بيحبنا الأجنبى على قد ريحة الغاز

والحب بين الأخو

وأخوه.. صبح ألغاز.

الانتحار أعلى قوايم الموت

الانتحار فى الكدب

والانتحار لما نخبى الصوت.

وما بنقاتلش العدو

يا نعيش نقاتل بعضنا.. يا نموت.

الحزن أتقل من حجارة الصبر

والهم أوسع من فراغ القبر

وأنا الحزين ابن الحزين

الأغبى فى المتفرجين

■ ■

إنما عالم نعيشه

والبطل فينا اللى يعرف مطرحه

فى قلب جيشه.

هكذا قال المغنى:قد ما نّنوّرها.. هيه مضلِّمة

قد ما نعلمها مش متعلمة.

كل ليلة..

بايته مظلومة وهيَّه الظالمة.

قد ما نلملمها تِفلت م الإطار

آخرة الطرق الوُعار

مجد.. متخلط بِعاد.

يا صديقي

الوطن ما خبزْش عيشهُ

والتاريخ لو مش كلام نرفض أبوه

نرفض نعيشه

السلاح من صنع برَّه

والكلام.. من صنع برّه

والهوا البارد فى بيتى شغل برّه

لا تقوللى مين؟.. جميعهم شغل بره

إشتراكى.. رأسمالى.. وابوعمّه

الجبان.. واللى بهمّة

كلهم نجوم مجرّة

والمجرّة شغل برّه.

لا نسَجْت الهدمة على نُولى الخشب

ولا إيدى بتبنى بيت

جلاَّبيتى.. عمامتى.. حواديت الصغار

الحلاوة ـ حلوه مُرَّه ـ شغل بره

إيه يهم إن عشت فى عالى القصور

أو قضيتها أغمِّس اللقمة بزيت؟

إيه يهم إن مُت من أجل البشر

والاَّ سِبْت الديب يسرَّخ واتغابيت

أو نسيتها.. أو اتناسيت؟

الشهادة مجانية

والبطولة نفحات استعراضية

والمعاناة..

حِجة العاجز وعجْز الانكسار

هكذا قال المغنى

اللى كان معجب بفنّى

وكإنه أخدها منى

ودسَّها فى صدقُه الجنونى

لما يعجن دمى شبرين

من تراب أرض الوطن

لما أحضن وأنا قصدى أتحضن

لما يرحل صوتى خارج الزمن

لا اشتريكوا.. ولا تبيعونى

ولا جورنان الصباح يخرَق عيونى

فى قلوبكم إدفنونى

واذكرونى

اذكرونى

اذكرونى

الله يجازيك ياعم عبدالناصر

الليل مِليِّل والألم.. عاصر

لسّه اللى بيبيع أمته كسبان

وكل يوم..أطلع أنا الخاسر

أما انت خمِّيت مصر دى خمّة

يوم ما ناديت بالعشق للأمة

ورطتنا نعشق خريطة عبيطة

وبشر ما نعرفهاش

وبلاد مابنزورهاش

إلا فواعلية.. وبنايين

وسواقين وخدّامين وطباخين

بلاد أسافرها سعيد

أرجع حزين

حبيتها زى ما قلت لى واكتر

ع الأجنبى ما استكترتش

عليّا تستكتر

ع الأجنبى ما اتظنطرْتِش

عليَّا تتظنطر

ع الأجنبى ما اتنقورتش

عليا تتنقور

تطمع فى دمعى وفى تعاسة راتبى

.مُلْهَمْ أنا.. واعمل غبى

وادى الألم يا عم عبدالناصر

زاحف.. وبيحاصر

وادى الجميع خاسر

السالب الأمة مع المسلوب

وادى فجْر أمتنا الجميل مغلوب

وادى انتحار الأمة بالمقلوب

وانا غريب الدار

لابسنى توب العار

ساكن فى وطنى بالإيجار

عايش فى أمة

ما تحترمش الحِزن

■ ■

ويا عنكبوته.. كملى عِشك

لا حد حيزيحك ولا يهشك

لِمى مهاجرينك

وثبتى دينِك

اتمطعى وخدينا فى وشك

بلاد.. بلا عزّة

ممكن تجيبى أجلها من هزّة

بلا ضفة بلا غزة

بلا مصر.. بلا أردنّ

بالدّم رشى اللى بماء رشِّك

وكملى عِشّك

■ ■

لِمّى مهاجرينك ولو ملايين

يا عنكبوته.. إحنا مش فاضيين

مدّى الخيوط خيط خيط

وإكسي كل الحيط

نامى ف أمان واتمطعى فى فرشِك

من وَشِّنا.. ما بنسمعوش وَشَِّك

■ ■

لمِّى مهاجرينك.. وتعاليلى

لا تِهمّ تباريرى وتعاليلى

أنا فى الهوا بانفخ شعاليلى

وانظِم قوافيّا.. وتفاعيلى

وما تلقينيش ساعة يعوزنى الفعل

أغش نفسى وعمرى ما اغشِّك

واحِشْ روس أهلى ولا احشِّك

■ ■ ■

أنا زى ما بِعْت السنين الخُرْس

ورضيت برُبع الربع خمس الخمس

مجانى.. حاوهب لك عيون القدس

من اللى سألك تتركى عرشك؟

لأ.. ده احنا خُدّامك

فى النوم بنوْحي لك بأحلامِك

واحنا اللى بنحققها قدّامِك

فاتربَّصى بينا.. ولا يهمِّك

دمانا.. فدا دمِّك

ويبعترونا.. واحنا بنلمِّك

ولو تحاصرك الأمم

ويكتفوكى بالتُّهم

إحنا سبيلك للخلاص فى الكون

لما يضيق الحال

دايماً بيطلع مننا مجنون

يهتف «يعيش صهيون»!!.

ونغشّ بعضينا ولا نغشِّك

بالعكس.. بندلًّع وبنهشِّك

ناكل فى بعض فيتمِلِى كرشك

وقرشنا فى ثانية يصير قِرشك

يا عنكبوتة.. إنسِى أصواتنا

وزعيقنا.. وصواتنا

ودم أحياءنا.. وأمواتنا

وكملى عشِّك

لا حد حيزيحك ولا يْهِشِّك

لا حدّ حيزيحك ولا يهشِّك

لا حد حيزيحك ولا يهشِّك

شهيد على صدر سيناء - فاروق جويدة

شهيد على صدر سيناء يبكي
ويدعو شهيدا بقلب الجزائـــر
تعال إلي ففي القلب شكـــوى
وبين الجــــوانح حزن يكــــابر
لماذا تهون دماء الرجــــــال
ويخبو مع القهر عزم الضمائر
دماء توارت كنبض القلوب
ليعلو عليها ضجيج الصغائــــر
إذا الفجر أصبح طيفـا بعيــدا
تـباع الدماء بسوق الحناجـــــــر
على أرض سيناء يعلو نــداء
يكبر للصبـــح فوق المنابـــــــر
وفي ظلمة الليل يغفو ضيـاء
يجيء ويغدو‏..‏ كألعــاب ساحــــر
لماذا نسيتــم دماء الرجــــــــال علي وجه سينا‏..‏ وعين الجزائر؟‏!‏
‏ ***‏
علي أرض سينــاء يبدو شهيـد
يطوف حزينـا‏..‏ مع الراحليـــن
ويصرخ في النــاس‏:‏ هذا حرام
دمانا تضيــــــع مع العابثيــــــن
فهذي الملاعب عزف جميــــل
وليســــت حروبا على المعتدين
نحب من الخيل بعض الصهيل
ونعشـــــق فيها الجمال الضنين
ونطرب حين يغني الصغــــار
على ضوء فجر شجي الحنيـــن
فبعض الملاعب عشق الكبــــار
وفيها نداعب حلــــم البنيــــــــن
لماذا نراها سيوفــــــا وحربـــــا
تعالــــوا نراها كنـاي حزيــــــن
فلا النصر يعني اقتتال الرفــــاق
ولا في الخســارة عار مشـــــين ‏
***
‏ على أرض سيناء دم ونـــــــــار
وفوق الجزائر تبكــي الهــــــمم
هنا كان بالأمس صوت الرجال
يهز الشـعــوب‏..‏ ويحيـي الأمم
شهيدان طافا بأرض العروبـة
غنى العـــراق بأغلى نغــــــــــم
شهيد يؤذن بيــــن الحجيـــــــج
وآخر يصرخ فوق الهــــــــرم
لقد جمعتنا دمـاء القـلــــــــــوب
فكيف افترقـــــنا بهزل القــــــدم ؟‏!‏
ومازال يصرخ بين الجمــوع
قم اقــــرأ كتـابك وحـي القلــــــم
على صدر سيناء وجه عنيــد
شـــهيد يعانق طيـــــــف العلـــــــم
وفوق الجزائر نبض حزيـــن
يداري الدمــوع ويخفي الألـــــــم
تعالـوا لنجمع ما قد تبقــــــــي
فشــر الخطــايا سفيـــــــــه حكــــــم
ولم يبق غير عويل الذئـــاب
يطـــــارد في الليل ركـــب الغنــــــــم‏!‏
رضيتم مع الفقر بؤس الحياة
وذل الهــــــوان ويـــأس النـــــــدم
ففي كل وجه شظايا همــــــوم
وفي كل عيـــن يئن الســــــــــــــأم
إذا كان فيكم شموخ قديـــــــم
فكيف ارتــــــضيتم حــياة الـــــــــرمم؟‏!‏
تنامون حتى يموت الصبـــاح
وتبكون حتى يثور العــــــــــدم
‏ ***‏
شهيد على صدر سيناء يبكي
وفوق الجزائر يسري الغضـب
هنا جمعتنا دمـاء الرجـــــــال
فهل فرقتنا‏'‏ غنــــــاوي‏'‏ اللعـــب
وبئس الزمـان إذا ما استكـــان
تسـاوى الرخيص بحر الذهـــــب
هنا كان مجــد‏..‏ وأطلال ذكـــرى
وشـعب عـريق يسمـى العـــــرب
وياويلهــم‏..‏ بعــد ماض عــريـق
يبيعون زيفـا بســــوق الكـــــــــــذب
ومنذ استكانوا لقهر الطغــــــاة
هنا من تـوارى‏..‏ هنا من هـرب
شعوب رأت في العويل انتصارا
فخاضت حروبا‏..‏ بسيف الخطب
‏ ***‏
على آخر الدرب يبدو شهيــــــد
يعانــق بالدمــــــع كل الرفــــــاق
أتـوا يحملون زمانــــــا قديمـــــا
لحلـــم غفا مرة‏..‏ واستفـــــــاق
فوحد أرضا‏..‏ وأغنى شعوبــــــا
وأخرجها من جحـور الشـقـــــــاق
فهذا أتى من عيون الخليـــــل
وهذا أتى من نخيل العـــــــراق
وهذا يعانق أطـــلال غــــــزة
يعلو نداء‏..‏ يطــول العنـــــــــاق
فكيف تشرد حلم بــــــــريء
لنحيـــا مـــرارة هذا السبـــــــاق؟
وياويل أرض أذلـت شموخـا
لترفـــع بالزيــف وجه النفــاق ‏
***
‏ شهيد مع الفجر صلى‏..‏ ونادى
وصاح‏:‏ أفيقوا كفـــــاكم فســــادا
لقد شردتكم همــوم الحيـــــاة
وحين طغي القهر فيكم‏..‏ تمادى
وحين رضيتم سكـون القبــور
شبعتم ضياعا‏..‏ وزادوا عنادا
وكم فارق الناس صبح عنيـــد
وفي آخر الليل أغفى‏..‏ وعادا
وطال بنا النوم عمرا طويــــلا
وما زادنا النـوم‏..‏ إلا سهــــادا
‏ ***‏
على صدر سيناء يبكي شهيـــد
وآخر يصرخ فـــوق الجزائـــر
هنا كان بالأمس شعــب يثـــور
وأرض تضج‏..‏ ومجــــــد يفاخــــــر
هنا كان بالأمس صوت الشهيد
يزلزل أرضا‏..‏ ويحمي المصائر
ينام الصغير علي نار حقــــــــد
فمن أرضع الطفل هذي الكبائر ؟‏!‏
ومن علم الشعب أن الحــــروب ‏
'‏ كـرات‏'‏ تطير‏..‏ وشعب يقـامر ؟‏!‏
ومن علم الأرض أن الدماء
تراب يجف‏..‏ وحــزن يسافـــــــر
ومن علم الناس أن البطولـــــــة
شعب يباع‏..‏ وحكم يتــــــاجر؟‏!‏
وأن العروش‏..‏ عروش الطغاة
بلاد تئن‏..‏ وقهر يجـــــــاهر
وكنا نـباهي بدم الشهيــــــــــــــد
فصرنا نباهي بقصف الحناجر‏!‏
إذا ما التقينــــــا علي أي أرض
فليس لنا غير صدق المشاعر
سيبقي أخي رغم هذا الصـــراخ
يلملم في الليل وجهي المهاجر
عدوي عدوي‏..‏ فلا تخــدعوني
بوجه تخفـى بمليون ساتــــــر
فخلـــف الحـــــــدود عـــدو لئيــم
إذا ما غفونا تطل الخناجـــــر
فلا تتـــركوا فتنـة العابثيـــــــــن
تشـوه عمرا نقي الضمائــــــر
ولا تغرسوا في قلــوب الصغــار
خرابا وخوفا لتعمى البصــــائر
أنا من سنين أحـــب الجـــــزائـــر
ترابا وأرضا‏..‏ وشعبـــا يغامـــر
أحب الدمــاء التي حررتــــــــــه
أحب الشموخ‏..‏ ونبل السرائر
ومصر العريقة فوق العتـــــــاب
وأكبر من كل هذي الصغــــائر
أخي سوف تبقي ضميري وسيفي
فصبر جميل‏..‏ فللــيـــل آخــر
إذا كان في الكون شيء جميـــــل
فأجمل ما فيه‏..‏ نيل‏..‏ وشاعر

حمدى قنديل يكتب: رسالة إلى الرئيس بوتفليقة

23/11/2009
قضيت دراستى الابتدائية والثانوية فى طنطا. كانت مدرسة طنطا الثانوية الجديدة، بفضل ناظرها نجيب بك دميان، تسير بدقة الساعة السويسرية، ورغم أنها كانت مدرسة حكومية، بل ربما الأصح لأنها كانت مدرسة حكومية، فقد كانت تعلمنا وتربينا، وفيها أيضاً مارسنا رياضة كرة القدم وكرة السلة فى ملاعب بقياسات أوليمبية، لكننى تعلمت كرة اليد فى جمعية الشبان المسلمين، وكان مدربى إبراهيم مصطفى هو أيضاً رائدى الذى استزدت منه علماً بشؤون دينى،
وكان من حظى أن بيتنا يقع فى مواجهة «نادى إعداد الجيل» دققوا لو سمحتم فى اسم النادى الذى يكشف عن رسالته، أقام هذا النادى الدكتور أحمد عبدالله، وهو طبيب عاش جل عمره فى ألمانيا، وعندما أحيل إلى التقاعد عاد إلى طنطا ووضع «تحويشة العمر» فى النادى الذى أتاح لنا أن نلتف حول رواد نناقش على أيديهم كتب الأدب، ونلتقى يومياً بمدربين يلقوننا فنون الرياضة، لكم أن تتصوروا فى أى إطار إذن كانت الرياضة تمارس، فى إطار ثقافى أوسع، فى المدارس والجمعيات والنوادى فى خمسينيات القرن الماضى.
كانت رياضتى المفضلة هى الهوكى التى كان كل من حولى يعتبرها رياضة عنيفة، اليوم فقط اكتشفت أن أعنف رياضة هى كرة القدم، ولكننى لم أكتشف بعد لماذا لم تنتشر لعبة الهوكى فى مصر رغم أنها كانت تلعب فى كل القرى باسم «الحكشة».
أعرف أن الرياضة الأولى فى العالم كله أصبحت كرة القدم، ربما لأنها أيضاً رياضة استثمارية تشترى فيها النوادى ويحتكر اللاعبون وتسوق الحقوق وتروج الإعلانات ويساق فيها عموم الناس وقوداً لمطحنة تدر مليارات على قلة، الناس سعداء فى كل حال بالكرة، وسعادتهم على العين والرأس،
ومع ذلك فإن السؤال لا يزال يلح علىّ: لماذا لم تأت الهوكى فى مرتبة ثالثة من اهتمام الإعلام الرياضى، خاصة وقد فازت فرقها فى مباريات دولية؟.. أقول فى مرتبة ثالثة لأنى حجزت المرتبة الثانية لرياضة فلحنا فيها هى الاسكواش، ونلنا فيها بطولات عالمية كان آخرها منذ عدة أيام ونحن فى خضم موقعة الخرطوم.
هل يستطيع الإعلام الرياضى أن يعطى مزيداً من الاهتمام لرياضات أخرى، أم أنه يلهث وراء أقدام لاعبى الكرة؟.. سؤال أعرف أنه عقيم، خاصة وقد أودى بنا الإعلام الرياضى إلى كارثة نضح عطنها فى المنافسات الأخيرة مع الجزائر، تتحمل مسؤوليتها بالدرجة الأولى دكاكين بعض البرامج الرياضية التى أصبحت كيانات شبه مستقلة داخل قنواتها، تعمل وفق أجندات خاصة لتحقيق مصالح مادية ومعنوية شخصية، وتجارى من أجل ذلك مشاعر العامة، تنفخ فيها المزيد من جرعات الإثارة والتهييج، وتستدعى الأغانى الوطنية المدفونة فى الأرشيف عمداً لتسهم فى تأجيج نيران التعصب، فى المقابل كان الإعلام الجزائرى أكثر حدة وهوساً، خاصة بنشره أكاذيب عن قتلى جزائريين فى القاهرة.
المؤسف أنه كان من السهل إخماد الفتنة فى مهدها فى كلا البلدين اللذين يحكمهما نظام شمولى يسيطر على مفاصل الإعلام جميعاً، إلا أن مصر والجزائر وغيرهما من دول العرب تفرغت لمطاردة الإعلام السياسى من خلال وثيقة مأفونة لما سمى بالتنسيق الفضائى، وفى مصر انشغل الفقى وزير الإعلام بمعارك صغيرة لاحتكار بث المباريات، وبمهرجان بزرميط للإعلام العربى، وبتعقب قناة الحياة لأنها تذيع مواد إخبارية وبإدارة يومية مباشرة لبرنامج واحد هو البيت بيتك،
وبوضع أخطر مشروع قانون لإحكام الرقابة على جميع وسائل البث بما فيها الإنترنت، فى حين كان يمكنه بإشارة من طرف الأصبع أن يوقف العبث بعلاقات عزيزة على شعبين وبمصير أمة، ولعل قرينه الجزائرى كان مشغولاً عن الأهداف الأسمى بمشاغل مشابهة ولا أحد فى مصر أو فى الجزائر اليوم يتذكر شيئاً من عبق تاريخهما الناصع، بلد المليون شهيد أصبحت بالنسبة لنا بلد المليون بلطجى وجميلة بوحريد أصبحت غانية فى سوق الدعارة، وفى الجزائر أصبح المصريون صهاينة وأعلامهم ديست بالأقدام، وسط هذا الجو الأغبر جرت موقعة الخرطوم التى ستترك فى نفوس المصريين أثراً ربما لا يمحى لسنوات عندما وجدوا أبناءهم يجرون كالفئران فى شوارع أم درمان يختبئون فى بيوت مضيفيهم السودانيين هرباً من مشجعى الجزائر الذين ظلوا يطاردونهم طوال الليل لإرهابهم بالسلاح الأبيض.
لا أفهم أنا ولا غيرى لماذا اختار اتحاد الكرة المصرى الخرطوم لهذه المباراة التى اصطلح على تسميتها بأم المباريات، ولا لماذا سكتت الحكومة على ذلك، أظن أنهم جميعاً كانوا تحت وهم أن السودانيين سيلتفون بقضهم وقضيضهم حول المنتخب المصرى، وأن الخرطوم أقرب إلى القاهرة من الجزائر وبذلك ستكون مرتعاً محتكراً للمشجعين القادمين من مصر، كان هذا هو أول خطأ فادح، صحيح أن العلاقات بين الشعبين السودانى والمصرى تاريخية كما اعتدنا القول لكنها فى التاريخ الحديث شهدت شوائب تلفت النظر، منها قيام حكم فى السودان يجافى الأسس التى يقوم عليها الحكم فى مصر،
ومنها محاولة اغتيال الرئيس مبارك فى إثيوبيا التى قيل إنها بتحريض سودانى، ومنها حادثة حى المهندسين التى أطلق فيها الرصاص لإجلاء اللاجئين السودانيين، ومنها إعلان الحكومة السودانية الأخير باعتبار حلايب وشلاتين دائرة انتخابية فى انتخابات السودان القادمة، ومنها أيضاً ما لابد أن نعترف به، وهو نظرة الاستعلاء لدى بعض أهل مصر تجاه أهل السودان، لم يتفهم اتحاد الكرة هذا كله وهو يختار السودان، ولذلك أصيب بالدوار عندما استعصى على فهمه هل الجمهور السودانى معنا أم علينا، وهو بداهة كأى جمهور فيه من معنا وفيه من مع الآخرين.
على أن هذا لم يكن الخطأ الوحيد فى اختيار الخرطوم، الخطأ الآخر المعروف للجميع هو طاقة البلد وقدرته على تنظيم مباراة كهذه وتأمينها بلاعبيها ومشجعيها، وهنا فلا أحد ينتقص من الجهد الذى وفره السودان والألوف من رجال الأمن التى كرست للمهمة، ولكننا نعرف مدى إرهاق السودان فى السنوات الأخيرة بأزمة دارفور ومحاولات الانفصال فى الجنوب والقلاقل شمالاً وشرقاً، الأمر الذى لم يمكن السودان من بلوغ طموحه، المطار لا يستوعب هذه الجسور الجوية لطائرات مصر والجزائر وتنظيم الدخول إلى الملعب والخروج منه، وتأمين المشجعين قبل المباراة وبعدها، كل هذا كان على نحو بائس، ومع ذلك فإن عذر السودان متوقع ومقبول وهو أن الفاجعة كانت أبعد من كل تصور، لأنه لا أحد توقع كل هذا الحشد ولا هذا العنف من جمهور الجزائر، يلاحظ هنا أن السفير السودانى فى الجزائر أنكر العنف برمته فى حين أرضى سفير السودان فى القاهرة الجمهور المصرى بما يطرب أسماعه.
إلا أنه إن كان السودان قد فوجئ فعلاً، فما هو عذر مصر فى تقديراتها الخاطئة؟ مصر تعرف جمهور الجزائر منذ بدأ الشغب بين الجانبين قبل أكثر من ٢٠ عاماً وتعرف أن نحو مائة مباراة محلية فى الجزائر ذاتها لأجريت دون جمهور بسبب الشغب، وكان عليها أن تتوقع أسوأ الاحتمالات حتى ولو لم تحدث، ولكنها فشلت فشلا ذريعا فى الإعداد للمباراة وفى كل ما تلا ذلك من إجراءات لأن القرار اتخذ كالعادة فى اللحظات الأخيرة،
بالرغم من أن المشجعين الجزائريين بدأ وصولهم إلى الخرطوم بعد مباراة القاهرة مباشرة إلا أن سفارتنا فى الخرطوم وعيوننا فى القاهرة، كانت فى غيبوبة، فلم ترصد نقل ألوف الجزائريين مجاناً، ولا أعدادهم ولا تنظيمهم ولا حيازتهم للسلاح الأبيض، ولا شراءه بكميات ملحوظة من أسواق الخرطوم ولا تأجيرهم لمعظم سيارات الميكروباص والنقل وقيادتها بأنفسهم، ولا حجزهم لغالبية الفنادق، ولا إغراقهم العاصمة السودانية بالأعلام واللافتات،
أما نحن فأرسلنا جسرنا الجوى فى يوم المباراة ذاته، واخترنا جمهوراً من وجهاء المشجعين يصلح للذهاب إلى كرنفال، ولم نستطع حتى تنظيم الألفى شخص الذين تباهى الحزب الوطنى بإرسالهم، وهو العاجز عن تنظيم أى مناسبة خارج قاعة المؤتمرات، ولم نستطع حماية أبنائنا بغطاء أمنى خاص فى حين يصول الأمن ويجول فى مدن مصر مزهوا بفرق الكاراتيه، ولم نستطع حتى توزيع أعلامنا فطبعت السفارة أعلاماً من ورق كأنها تجهز لعرائس مولد النبى، ولم نستطع توثيق ما جرى فى الخرطوم ببلاغات للشرطة يمكننا استخدامها كسند قانونى.
الحق أن أفضل ما فعلته مصر كان أداء منتخبها فى الملعب تحت ضغط نفسى غير مسبوق، وكذلك حضور علاء مبارك بطلته المحببة للمصريين وحضور شقيقه معه.
غير هذا فشلت مصر بامتياز فى إدارة أزمة أم المباريات، وليس من المستبعد أن تفشل فى إدارة أزمة مماثلة قد تحدث خلال هذه الأيام بسبب تجاور المخيم الجزائرى والمخيم المصرى اللذين لا يفصل بينهما سوى مائة متر فى منى وعرفات. كان سجل الحكومة فى جميع الأزمات السابقة فشلاً تلو فشل تلو فشل، هذا ما شاهدناه فى أزمة الخبز، وفى أزمة البنزين والبوتاجاز، وفى أزمة السحابة السوداء، وفى أزمة الدويقة، وفى أزمة الزبالة وفى أزمة حوادث القطارات وفى أزمة العبارة التى كانت تغرق تحت الماء فى حين كنا غارقين فى مباراة كرة.
وعندما أخذت الفلول المصرية تحتمى بقعر الأوتوبيسات، وتتخفى فى جحور الخرطوم وتعود مذعورة فى الشوارع والأزقة وتستنجد تليفوناتها المحمولة بالمسؤولين فى العاصمة أظن أنه تبين للكل أن المشكلة فى القاهرة ذاتها، القاهرة التى مرغت كرامتها فى التراب لأن مكانتها الإقليمية تردت نتيجة سياستها التابعة لأمريكا، المتخاذلة أمام إسرائيل خاصة عند عدوانها على غزة.
ربما يكون هذا هو السبب فى أن مصر وجدت نفسها وحيدة فى أزمتها الأخيرة مع الجزائر.. لا أحد من دول العرب جميعاً تدخل، حتى من تلك الدول التى سبق لمصر السعى للتوفيق بينها، الأغرب هو السكوت المطبق للجامعة العربية فى حين يتربع على قمتها أمين عام مصرى، ونائب له جزائرى.
يشيع البعض أن التدخل عسير لأن هناك جفاء بين الرئيسين المصرى والجزائرى يصعب تجاوزه خاصة بعد أن تفاقم فى الأيام الأخيرة، وبدأ فى التصاعد مع سحب السفيرين للتشاور، ولا أحد يعرف إلى ماذا سيفضى، ولو أن هناك علاقة وحيدة مهمة مطمئنة هى حرص الرئيس مبارك فى خطابه فى البرلمان يوم «السبت» الماضى على عدم الإشارة للأزمة بشكل مباشر، مما يعنى أن القاهرة غير راغبة فى التصعيد، على أن ذلك لا يكفى، إذ إننى لا أرى منفذاً للخروج من المأزق إلا بلقاء بين الرئيسين، غير ذلك من الإجراءات مهما كانت طبيعتها لن تفضى إلى شىء البتة، بل ربما تزيد الأمور تعقيداً، ولن يتم هذا اللقاء إن تم، إلا بمبادرة من طرف ثالث ربما يكون الزعيم الليبى الذى سبق له أن اصطحب معه الرئيس بوتفليقة مؤخراً إلى القاهرة لتسوية أمور عالقة بينه وبين الرئيس مبارك.
الأمر الآن أخطر، لذلك أناشد هنا معمر القذافى «ملك ملوك أفريقيا وعميد القادة العرب»، أن يفعلها مرة أخرى فى أول فرصة سانحة. ولما لم يكن لى دلال كاف عند الرئيس مبارك، فليس أمامى سوى التوجه إلى الرئيس بوتفليقة بأن يقبل أول مبادرة عربية لترتيب لقاء بينه وبين الرئيس المصرى. أعرف رئيس الجزائر منذ زمن بعيد، عندما كان مجاهداً ضد الاحتلال الفرنسى يتخذ موقعه فى بلدة وجدة المغربية على حدود بلاده.
وفى عام ١٩٦٢، عندما أعلن استقلال بلاده لحقت به وهو فى الطريق من وجدة عبر وهران إلى الجزائر العاصمة، وكان آخر لقاء بينى وبينه عندما تولى رئاسة الجزائر فى عام ١٩٩٠، يومها ذهبت إليه لأسجل معه حديثاً فى برنامجى «رئيس التحرير»، فى التليفزيون المصرى، كان الحديث ودوداً دافئاً توهجت فيه أفكاره ولمع ذكاؤه وتألقت لغته الفصحى على مدى ساعتين، ولما أردت بثهما فى حلقتين متتاليتين استكثر التليفزيون ذلك على رئيس الجزائر، فوقعت أزمة تسببت فى غيابى عن شاشته عدة أشهر.
إذا كانت قد تبقت فى القاهرة إذن جماعة تحفظ للجزائر قدرها ولرئيسها مكانته، فأنا واحد منها، كنا بالملايين قبل هذه الأيام السود، وقبل موقعة الخرطوم بأيام ذهب عشرات الألوف منا للاحتفاء بالشاب خالد وهو يطربنا مع محمد منير فى مدينة ٦ أكتوبر، الآن أصبحنا قلة قليلة يصفها غالبية الناس هنا بالقولجية إن لم يكن بعضهم يعتبرها مجموعة عملاء وخونة لمجرد أنهم يحاولون رأب الصدع، يا سيادة الرئيس أعرف أن معظم الجزائريين يعتبرون أن مصر هى التى بدأت مناصبتهم العداء بحادث الأتوبيس الشهير المؤسف،
وحتى لو كان ذلك صحيحاً، فقد انتقم له الجمهور الجزائرى شر انتقام فى القاهرة ذاتها بتحطيم المطار، عدا الانتقام الأكثر همجية فى الجزائر ذاتها بترويع المصريين المقيمين والاعتداء على مكتب مصر للطيران وإحراق مقار شركات مصرية ونهبها، ويزيد من فداحة الأمر فرض السلطات الجزائرية المفاجئ لضرائب وغرامات قدرها ٦٠٠ مليون دولار على شركة «أوراسكوم»، تأباها كل أعراف التعامل الاقتصادى وقوانين حماية الاستثمار الدولية والوطنية، ويضاعف من البلوى حملة الخرطوم الممنهجة التى لم يعد لدى شك فى أن جهة ما قد دبرتها.
أنا عاتب يا سيادة الرئيس لأن محصلة الأيام الكالحة الماضية هى سجل حافل من الخسائر المادية للمصريين دون خسائر تذكر للجزائريين، دعك عن خسارة المصريين لكرامتهم فى الخرطوم، وأنت تعرف فداحة الكرامة الجريحة.
لذلك أنتظر منك يا سيادة الرئيس أن توقف مسلسل الانتقام وأن تتخذ قرار المصالحة الذى أعرف مدى صعوبته فى مواجهة جمهور غاضب، لكنك اتخذت من قبل قراراً أصعب بالمصالحة بين الجزائريين أنفسهم، أهدنى هذا القرار بدلاً من هدايا التمور التى تفضلت بها علىّ عاماً بعد آخر فى مثل هذا الوقت تماماً ونحن مقبلون على أعياد، عيدنا الكبير حقاً هو عودة القلوب إلى الصفاء، ولعله يوماً سيأتى.

نظم فاسدة وشعوب مستعملة - محمد البرغوثي

٢٥/ ١١/ ٢٠٠٩
رحم الله المفكر الراحل الدكتور زكى نجيب محمود، الذى عبر ذات مرة عن ضيقه الشديد من تاريخنا الفرعونى، وتمنى أن نصحو على زلزال يدمر الأهرامات وأبا الهول والمعابد الفرعونية، حتى يلتفت المصريون إلى حاضرهم ومستقبلهم، ويتوقفوا عن تعويض فقرهم المادى والروحى بالمغالاة فى استعادة أمجاد ماض سحيق لم نعد نملك شيئاً من جدارة الانتساب إليه.
شىء من هذا الضيق تملكنى وأنا أتابع الكثير من البرامج التليفزيونية فى القنوات المصرية الرسمية والمستقلة، التى ناقشت أحداث المواجهة الكروية بين منتخبى مصر والجزائر قبل وأثناء وبعد مباراتى القاهرة وأم درمان. وهى مواجهة انتهت - بفضل الاستعمال السياسى اللئيم للإعلام الجهول والمأجور فى البلدين - إلى كراهية مقيتة بين شعبين شقيقين يعيشان ظرفاً سياسياً واقتصادياً مفجعاً.
نعم، هناك عشرات الأدلة على ضلوع النظام السياسى الجزائرى ونظيره المصرى فى استخدام مباراة كرة قدم لإلهاء جماهير البلدين عن حقوقها المهدرة، وتفريغ طاقة الغضب هنا وهناك فى معركة رثة ومتخلفة يتاح فيها لهذه الشعوب المهانة استحضار مشاعر العزة والكرامة والريادة واستهلاكها فى مواجهة «عدو» لن يكلفنا عداءه أكثر من إهانة عدد من المواطنين المصريين فى الجزائر، وإهانة عدد من الجزائريين فى مصر.
إن استحضار مشاعر العزة والكرامة الوطنية وحشدها فى معركة آمنة وتافهة، هى حيلة خسيسة ومكشوفة تلجأ إليها النظم السياسية العاجزة دولياً والمستبدة والفاسدة محلياً، وفى الليلة ذاتها التى شهدت فيها أم درمان اعتداءً وحشياً من بعض الجزائريين على المصريين، كان العالم كله يطالع التقرير السنوى الذى أصدرته منظمة الشفافية الدولية عن آليات مكافحة الفساد فى ١٢٦ دولة شملها التقرير، وقد احتلت مصر والجزائر المركز ١١١ مكرر، وهو مركز يشير إلى توغل الفساد المنظم فى البلدين، وإلى ضلوع النخبة المسيطرة سياسياً واقتصادياً فى جرائم السطو على المال العام، واحتكار التجارة وسرقة الموارد والثروات الطبيعية، ونهب أموال البنوك العامة وممارسة الغش والتدليس فى المناقصات والمزايدات لصالح رجال الأعمال الطفيليين الذين ساهموا ببعض أموالهم المسروقة فى تمويل الجسر الجوى الذى نقل جماهير البلدين إلى أم درمان.
هنا فى مصر تعصف البطالة والفقر وانهيار الخدمات بالمواطنين.. ويتحول مجلس الشعب عاماً بعد آخر إلى مجرد مكتب لتسجيل القوانين التى تخدم مصالح التجار والسماسرة وأصحاب التوكيلات الأجنبية.. وهناك فى الجزائر إقطاع عسكرى متوحش يستخدم الميليشيات المسعورة فى سفك الدماء وإشاعة الرعب ويستعمل الآلة الإعلامية فى دق طبول معارك آمنة تستنزف طاقة الغضب وتصرف الشعب الجزائرى المطعون عن الالتفات لثرواته التى اختطفها الإقطاع العسكرى.
هنا وهناك، لا أثر على الإطلاق لأمجاد تاريخية أو حضارية، ولا أثر على الإطلاق لكرامة راهنة، لا شىء هنا وهناك غير جامعات خربة ومناهج تعليم رثة وشوارع غارقة فى المجارى وحقول تدهورت خصوبتها ومصانع صدئت آلاتها، وأعواد ثقاب مستوردة من الصين يشعل بها الشباب سجائر محشوة بالحشيش والبانجو..
وهنا وهناك مواطن يحطمه نظام سياسى فاسد بالنهار، فيعود إلى بيته فى المساء ليضرب أطفاله وزوجته أو يشحن حطامه فى طائرة إلى أم درمان ليفرغ غضبه وإحباطه فى الاعتداء على نظيره العربى المهان مثله.. فمتى يستدير هذا الغضب إلى الوحش السياسى اللئيم ويفتدى كرامة الشعوب والأوطان من بين أنيابه
؟!

حالة تلبس - د.حسن نافعة

انتهت مباراة الحسم بين مصر والجزائر بفوز الأخيرة رسميا بهدف للا شىء. لو كانت الأمور جرت فى سياقها الطبيعى، باعتبارها مباراة فى كرة القدم بين فريقين متنافسين فى تصفيات كأس العالم، لكان رد فعلنا على نتيجة المباراة طبيعيا بدوره، ولتقبلناها بروح رياضية قائلين: مبروك للفريق الجزائرى و«هارد لك» للفريق المصرى، الذى كان الأفضل فنيا والأجدر بالفوز لولا سوء الحظ وعدم التوفيق.

غير أن أحداث الأسبوع الماضى لم تكن لها صلة بالرياضة، وإنما كانت فى حقيقة أمرها معركة بين نظامين سياسيين مستبدين وفاسدين لم يترددا فى استخدام أبشع االوسائل والأساليب وأشدها خسة ونذالة للزج بشعبيهما فى معركة كراهية، لن يخرج أحد منها مرفوع الرأس أبدا ولن ينجم عنها سوى العار والخراب الذى طال الجميع.

غير أنه قد لا يكون من الإنصاف اعتبار الحكام فى البلدين مسؤولين وحدهما عما حدث وإعفاء الشعبين المصرى والجزائرى من المسؤولية بعد أن استسلما هكذا كالقطيع، وسمحا لنظاميهما الحاكمين بالتلاعب بمشاعرهما الوطنية النبيلة، وتسخيرها على هذا النحو فى معارك صغيرة لخدمة أغراض دنيئة ومشبوهة.

فقد كشفت أحداث الشغب التى شهدتها القاهرة والجزائر والخرطوم، وعواصم أوروبية أيضا، عن شيوع حالة عامة من الجهل والتخلف والتعصب والانحطاط تثير الخجل. ومن مصادفات القدر أن تقع هذه الأحداث فى الوقت نفسه الذى نشرت فيه منظمة الشفافية العالمية تقريرها السنوى، الذى جاء فيه أن الجزائر ومصر بلدان يتعادلان فى الفساد، ويحتلان معا مرتبة شديدة التدنى على مقياس مكافحة الفساد فى العالم!

ولأن ما جرى يعد فى تقديرى أمرا شديد الخطورة ويمس مستقبل المنطقة ومصيرها، فمن الضرورى أن يتعامل معه الجميع، حكاما ومحكومين، بالجدية التى تليق بجسامته. فلست أبدا مع وجهة النظر التى تقول إن ما جرى هو مجرد «تجاوز غير مقبول وقع خلال احتكاكات تتكرر كثيرا بين جماهير كروية، من الطبيعى أن تتعصب لفرقها فى مباراة حساسة»، وإنما أنظر إلى ما حدث باعتباره جريمة كبرى شارك فى ارتكابها كل الأطراف فى البلدين: الحكومات والنخب ووسائل الإعلام بل والشعوب نفسها.

فحين تفجر مباراة فى كرة القدم كل هذا القدر من الغضب والكراهية بين شعبين شقيقين ويصل الأمر إلى حد إحراق العلم فى البلدين والاعتداء على مواطنين أبرياء ومحاصرتهم فى بيوتهم وتدمير المكاتب والشركات، فلا بد أن ندرك أن الصدور كانت معبأة لأسباب أخرى، وأن المباراة لم تكن سوى الزناد الذى ضغط على الشحنة المتفجرة المعدة سلفا للإطلاق.

ولأن هذه الجريمة الكبرى ارتكبت فى وضح النهار وجرت معظم وقائعها على الهواء مباشرة، فقد كان من السهل ضبط جميع الأطراف المشاركة فيها وهم فى حالة تلبس فاضح!..

وما لم ينجح الشعبان فى ممارسة الضغط من أجل إجراء تحقيق شفاف ونزيه يزيح النقاب عن كل الملابسات ويحيل كل المتسببن، أيا كانت مراكزهم أو مواقعهم، إلى محاكمة عادلة، فسوف يصعب تماما احتواء آثار ما جرى، وسيتحول إلى كرة ثلج متدحرجة تزداد خطورة مع تزايد قوة اندفاع الحركة فى اتجاه السفح! وإلى أن يتم التحقيق، أتطوع بتقديم رؤيتى لما جرى على النحو التالى:

١- نظامان سياسيان مستبدان وفاسدان، لم تعد لأى منهما قضية وطنية أو قومية كبرى، يسعيان باستماتة - كلٌ لأسبابه الخاصة - لاستعادة شعبيتهما باستثمار لحظة توحد وطنى حول فريقيهما الكرويين.

٢- شعبان عظيمان يبحثان عن لحظة فرح بانتصار، فى ظل حالة عامة من الإحباط الوطنى والقومى عمّ فيها الفساد وشاع الاستبداد، فلا يجدان سوى تلك المناسبة الكروية الحساسة للتعبير عن مشاعرهما الوطنية المكبوتة وإحباطاتهما المزمنة.

٣- نخب حاكمة فى البلدين تسلم قيادتها فى تلك اللحظة بالغة الحساسية، وفى ظل حالة فراغ وعقم تتسم بها الحياة السياسية فى البلدين، إلى إعلام رياضى جاهل ومتعصب، ينجح بامتياز فى تحويل مباراة فى كرة القدم إلى معركة كبرى من خلال استثارة أحقر المشاعر والغرائز الشوفينية.

أدرك أن الكتابة فى موضوع على هذه الدرجة من الحساسية، فى وقت لاتزال فيه الأعصاب مشدودة والمشاعر ملتهبة والغضب يمسك بتلابيب الجميع، خصوصا إذا كانت فى عكس اتجاه التيار السائد - تبدو نوعا من الجنون.

ومع ذلك فإننى لا أتردد مطلقا فى القول بأن اللوم فى البداية يقع على عاتق نظام مصرى متهرئ لم يستطع أن يدرك حساسية اللحظة والموقف، وأن يتعامل معها بما كان ينبغى. فحين تذهب عملية الشحن المعنوى للجمهور المصرى إلى حد قيام محطة فضائية بالكتابة على شريط أخبارها المتحرك عبارة تقول «فليتحول استاد القاهرة إلى مقبرة للغزاة» كان يتعين على المسؤولين السياسيين أن يخرجوا بطاقتهم الحمراء على الفور.

وحين تقوم قلة من المتعصبين أو المدسوسين بإلقاء الحجارة على حافلة تقل الفريق الجزائرى فى القاهرة كان يتعين على أجهزة الأمن المصرية أن تصدر على الفور بيانا بما حدث وتلقى القبض على العابثين.. لكنها بدلا من ذلك ارتكبت خطأ أكبر حين تركت البعض يصرح بأن الحادث مفتعل، وأن الحجارة ألقيت بطريقة متعمدة من داخل الحافلة، مما أثار شبهة التواطؤ الرسمى مع جمهور يعيش حالة تعبئة عامة وكأنه فى موقعة عسكرية.

غير أن الأخطاء التى ارتكبت فى مصر، على جسامتها، لا تبرر مطلقا رد فعل الجمهور الجزائرى الذى تم شحنه هو الآخر بطريقة غير طبيعية. ولا أريد أن أقدم هنا شهادة مصرية، ربما تكون مجروحة، ولكن شهادة عربية من كاتبة لبنانية صديقة معروفة بمواقفها القومية الناقدة للنظام المصرى، كانت فى باريس عقب المباراة الأولى التى فازت فيها مصر، وكتبت بعدها تقول بالنص:

«يا أمة ضحكت من جهلها الأمم. بل يا أمة عبست من جهلها الأمم!. ذاك هو التعليق الذى تملكنى وأنا أحتجز مع ثلاثة أصدقاء فى سيارة أحدنا طوال ساعتين فى شارع الشانزليزيه مساء السبت. أفواج مؤللة من الشباب المجنون وأفواج مؤللة من الشرطة الفرنسية، فى تظاهرة لم أشهدها والله فى أى مرة دعونا فيها إلى التجمع لأجل فلسطين!.

أن نرى علم الجزائر يلف السيارات وأجساد الشباب ورؤوسهم لشىء جميل يفرح له القلب، وأن نرى وبنفس القدر تقريبا أعلاما تونسية تلف الشباب الصارخ المصفر الملوح من فوق السيارات، فذاك لم نفهم سببه – صراحة – طالما أن الأمر يخص مباراة الجزائر ومصر. تضامن مغاربى؟ لا بأس فليكن خيرا، على الأقل بين مواطنى بلدين طالما أننا لم نعد نجده فى حده الأدنى بين بلدين عربيين.

ولكن أن نرى علم مصر يُحرق، ويُمزق ويُداس على الأرض، فذاك آخر الجنون الذى لن يغضب له بأى حال مئات رجال الشرطة الفرنسيين الذين كانوا يصطفون على جانبى الشارع، تنطق نظراتهم بكل ما فى الأرض من احتقار وامتعاض. رجال الشرطة مستاؤون دون شك لسبب شخصى، فالساعة قد بلغت الثانية بعد منتصف الليل والشارع لايزال يعج بالجنون مما يضطرهم إلى البقاء وقوفا فى هذا الليل البارد، لكنهم أيضا مستاؤون من المنظر الذى أقل ما يقال فيه، أنه غير حضارى بأى مقياس من المقاييس.

ونحن، الذين أمضينا سهرة السبت فى نقاش حول مستقبل العرب.. حول زيارة بشار الأسد.. حول مستقبل حركات المقاومة فى لبنان وفلسطين والعراق.. حول الأمسية التى عدنا لتونا منها فى اليونسكو وكانت مخصصة لذكرى الإمام موسى الصدر تحت عنوان: «موسى الصدر رجل الحوار» بين الأديان والحضارات، نجدنا الآن نتسمر فى سيارتنا، موزعين بين اللعنات والألم، بين الشتم والدمعة.

هل نحن عرب؟ هل نريد أن نكون عربا؟ وإذا كان لا خيار فى الجواب، فهل هؤلاء أبناؤنا؟ هل هؤلاء منا؟ هل نريد أن نكون منهم؟ هم أولاد العرب المهاجرين! حسنا. هم بذلك يحملون عقدة نفسية مركبة يفجرونها عبر هذا الجنون: عقدة العربى الذى يعيش الهزيمة أمام أعدائه – فيفش خلقه – فى شقيقه، كما حال الرجل الفاشل أو الخاسر الذى يعود إلى البيت فيضرب زوجته.

وتضاف إليها هنا عقدة هذا الشباب المهاجر الضائع الذى اقتلع من سياقه، ولم يعرف كيف ينغرس فى السياق الآخر وظل يتعامل مع الغرب ويتعامل معه الغرب بمركب التعالى والنقص، الكراهية والانتقام، العجز وفشة الخُلق مرة أخرى، دون أن يشكل أى عامل من ذلك هذا الجنون.

أى مأساة أن تسجل كاميرات الصحفيين الموجودين صورة عرب يحرقون ويدوسون علما عربيا، لا علم إسرائيل ولا علم أى عدو آخر! أما موضوع الخلاف، القنبلة النووية التى فجرت كل هذا الجنون وهذا الحقد، فلن يصدق عاقل أنها مباراة كرة قدم بل سيقول العقلاء إنها النتيجة الطبيعية التى نصل إليها عندما نجعل عقول الأجيال الجديدة فى أقدامها بدلا من رؤوسها».

ماذا كان بوسع هذه الكاتبة المحترمة أن تقول بعد ما جرى عقب مباراة الحسم فى شوارع الخرطوم ثم فى شوارع القاهرة، وحالة الهستيريا الشوفينية الخطرة التى اتسم بها رد فعل الشارع المصرى على ما ارتكب من جرائم؟!

لا جدال فى أننا أمام حالة مرض جماعى للأمة ينذر بموت سريرى قريب. فهل من منقذ؟ وإلى أين تقودنا أنظمة تحالف الفساد والاستبداد هذه فى كل أرجاء العالم العربى؟ كنا نخشى من تمدد الصراع الطائفى فى العالم العربى فإذا بهم يعاجلوننا بلطمة جديدة تبدو قاضية حيث الشعوب العربية تتفنن فى تحويل المباريات الكروية إلى ساحة حروب بينها. هل هذه دلائل على اقتراب الساعة؟!