الأربعاء، 30 مارس 2011

سرور.. يستطيل ليتطهر..! - علاء الغطريفي

فى إحدى روايات «والتارى» أودع بطل الرواية العاهرة «نفر نفر» بيت الموت بعد أن أوقعته فى حبائلها وأضاعت حياته وماله وتسببت فى موت والديه، أملاً منه فى أن تلقى حتفها وسط الجثث وأحواض التحنيط، لكن اللعوب كانت ابنة من بنات إبليس، فحولت القائمين على بيت الموت إلى متصارعين عليها، فانتهى بهم الأمر قتلى فى سبيل ليلة فى أحضانها، لتخرج من بيت الموت إلى الحياة لتعاود غِّيها وشرورها فى عالم الأحياء.

لم أجد فتحى سرور يختلف كثيراً عن «نفر نفر»، فالشرور واحدة وإن كان الجمال سلاح «نفر نفر» فى الإيقاع بالبشر، فإن سرور استخدم المكر والدهاء، لكن بطريقة «أنا مش عارفنى»، حسبما أشاع وارتاع فى حواره مع «المصرى اليوم» ليصف لنا حاله طوال أكثر من عشرين عاما فى عهد مبارك، فهو يستطيل ليتطهر، فالرجل يقول نصا: «كنت ساخط، وماكانوش بيحكوا لى على كل حاجة، لأنى كنت باخد الجانب المعارض دايما، لهذا كنت عايز أول فرصة أسيب، لولا مكالمة رئيس الجمهورية اللى قالى فيها رشح نفسك، وبعدها الأمين العام صفوت الشريف قال لى الرئيس بيقولك رشح نفسك».

وهكذا استمر سرور على كرسيه لتمرير الموافقات والمنافقات للحاكم وحزبه رغما عن أنفه، لأن الأمواج كانت هادرة عالية بقامة أحمد عز، الذى أذاقه الأمرين بتحديه وسيطرته على الأغلبية، غلبان والله يا سرور ياما مرمطك عز ورجاله.

سرور، نعلم أن إسهاماتك العظيمة فى القانون، لم تأت لنا بالمادة ٧٦ وغيرها من المواد سيئة السمعة، فأنت صاحب الفتوحات القانونية العظيمة، ولم تكن يوما ما ترزيا أو «سيد قراره» أو صانعاً عبقرية الانتقال إلى جدول الأعمال أو مسؤولا عن الجلسات الطارئة لاستهداف المعارضين وإسقاط عضوياتهم أو دافن تقارير المركزى للمحاسبات فى حديقة المجلس!

لم نرك إلا مناصرا للحق مناهضا للباطل، أفسحت المجال لاستجوابات المعارضة وسعيت لتمكين السلطة التشريعية من مراقبة السلطة التنفيذية وكنت عوناً للشارع فى ضبط أداء حكومته وحاربت الفاسدين، بطرح قضاياهم فى أدراج مكتبك ولم تنس يوماً ما أن محمد إبراهيم سليمان كان شريفاً عفيفاً وجاهدت فى سبيل مواجهة الأغلبية للحزب الحاكم ولكنك فشلت، فكرسيك كان بعيداً حبتين عن مقاعد النواب!

يا عينى عليك، عز كان بيسلط عليك النواب عشان يغلوشوا عليك فتضطر إلى غلق باب المناقشة، والوزراء ماكانوش بيحترموك، وكنت دائما تنصح وتقول، ولكن آذانهم كانت إحداها من طين والأخرى من عجين، والعجين اللى اتعجن طول ٢٠ عاما لم يكن عجينك فلم تكن قوانين الاحتكار والضرائب العامة والضريبة العقارية وغيرها صنيعتك، فقد كنت متفرجاً فقط وعندما تبدى رأيا كان عز يسكتك بعصاه ونوابه، وتذهب باكيا إلى صفوت الشريف وعزمى فيهدئانك ويطمئنانك بأن عز ظالم ولكل ظالم نهاية، وتكفكف دموعك وتمسح خديك وتعود مكسور الجناح فى متتالية إنسانية مأساوية!

وفيما يتعلق بمادة التوريث، فقد كنت تدير المناقشات فقط، مجبوراً، بسبب حضور الرئيسين الحالى والقادم للمناقشات، عندك حق فكيف تعارض رئيسين حتة واحدة، فالبحر عالى وأنت تستطيل لتقاوم أمواجه حتى لاتغرق، والقصر خيبة، قصر اليد والحيلة أعنى.

وعلى طريقة صدق أو لا تصدق، بدأت «نفر نفر» فى التطهر لكنها تحمل فى قلبها عهر السنين، وأخذت تردد ماقاله سرور علها تتعلم منه فقد تجاوزها بحنكته، وقررت أن تسجل ماقاله قبل ٢٥ يناير وبعدها، ليكون دليلا لكيفية التطهر وغسل السمعة والتلون، فكتبت من أول السطر:

قبل: إن محاولات بعض المرشحين للتشكيك فى نزاهة وشفافية الانتخابات سقطت وكشفت عن نوايا هؤلاء المرشحين للإساءة لمصر وتجربتها الديمقراطية، بعد: نتائج الانتخابات الصادمة، لم أكن راضيا عنها، ووصفتها، لأكثر من شخص، بأنها كانت «غباءً سياسياً».

قبل: البرلمان الحالى سيكون قوياً وستنشأ معارضة من الداخل، لأن ذلك يحدث بالفعل فى الحزب الوطنى، بعد: لا أحب العبث، وفى الانتخابات بعض الضباط حصلوا على أرقام «هلامية»، وأنا «قرفت» من المجلس، لأن الانتخابات كانت غير مطمئنة.

قبل: أقبل بـ(جمال) رئيساً لمصر، والرافضون له باعتباره ابن الرئيس يشكلون اعتداء على الحقوق الدستورية للمواطن جمال مبارك.

بعد: كثير من القريبين من الرئيس- وأنا منهم- لم تكن تعجبهم شائعات التوريث، والرئيس ذات مرة قال لى: «يا فتحى ماتصدقش حكاية التوريث دى، لإن إحنا مش سوريا».

كل مبارك يا دكتور شرف - أميمة كمال

لا أكاد أصدق أن د.عصام شرف رئيس الوزراء قد فقد رائحة نسيم التحرير بهذه السرعة، أو أنه لم يعد لديه مخزون من أوكسجين الثورة يكفيه لمواجهة من حوله، الذين يدسون له، ويقنعونه بأن الثورى الحق هو الذى ما إن يرجع عشية ثورته الهادرة حتى ينام ويستريح وينسى ما كان يحلف به، وما كان يعاهد غيره من الثوار عليه، وهم يفترشون الأرض معا، وهو تطهير البلاد من كل مبارك.

من فى ميدان التحرير لم يقسم، فى أشرف أيام مصر، وهو رافعا يده للسماء معاهدا الله على أن ينفذ حكم الشعب الذى يريد تطهير البلاد؟. فكل من لم يقسم، أو لم يعاهد الله يمكن له ببساطة أن يقبل بمشروع القانون، الذى وقعه شرف بنفسه، والذى يقضى بتجريم كل من يريد أن ينفذ قسم الثورة بحذافيره، وعلى كل من صدق أن تطهير البلاد من كل مبارك هو عهد عليه، أو على كل من أراد أن يحرر البلاد من أنفاس الفاسدين فى المصانع، والجامعات، والمؤسسات الإعلامية، والأجهزة الرقابية، والوزارات، والمجالس الشعبية.

كيف اقتنع د.شرف بالمقولة الفاسدة التى تسمى من يخرج لكى يطهر مصنعه، أو جامعته، أو صحيفته، أو تليفزيونه من رئيس فاسد، جاء به وزير فاسد، أتى هو الآخر من رحم رئيس، وابن، ونظام فاسد، هو من أصحاب المطالب الفئوية؟ أى مطالب فئوية تلك التى تخرج عمال مصنع المحلة ليصمموا على أن خروج رئيسهم، الذى جفت حلوقهم طويلا من الحديث على فساده، هو السبيل لكى يخرج مصنعهم من أزمته، ومن خسائره المتعاظمة بفضل سياسات رجال مبارك؟. وما إن يتغير رئيس الشركة حتى يعود العمال إلى العمل ، وتعود الطمأنينة إلى قلوبهم لأنهم قد فعلوا ما عاهدوا الله عليه وهو تطهير البلاد من كل مبارك.

أى مطالب فئوية تلك التى يطالب بها طلاب كلية الإعلام جامعة القاهرة الذين وقفوا بمنتهى التحضر على سلالم الكلية يطالبون بتنفيذ عهد التحرير بتطهير الجامعة من كل مبارك، وبالتالى بتغيير عميد الكلية الذى لا يحتاج خلعه إلى أى حيثيات، لأن الله أمر بالستر.

ما هى المطالب الفئوية عندما يهتفون: «شدوا الحيل شدوا الحيل.. شلنا الراس فاضل الديل»..أو أن يقولوا بحرقة وكأنهم يريدون أن يسمعوك «مطالبنا مش فئوية اعتصامنا للحرية». ألم يكن من الأولى أن تقدم يا د.شرف الشكر لهؤلاء الذين صدقوا شعار الحكومة وهو تطهير البلاد من كل مبارك، وبادروا أسرع من الحكومة بخلع الديل؟. وإذا كان «دولاب» الدراسة قد تعطل فبسبب تعنت رئيس الجامعة فى خلع العميد، لأنه يخشى أن يأتى عليه الدور، وليس بسبب حركة الطلاب.

ألم تقل يا دكتور شرف بأن كل من ناصب العداء للثورة لن يكون له مكان بيننا. فماذا يضير دولاب العمل لو كنت قد تدخلت، وأنصفت شباب زى الورد يطالبون بتطهير الجامعة من كل من أفسد هذا البلد بالقول، أو بالفعل، أو بالمقال، أو بالبرنامج، أو بتلميع الفاسدين فى إعلانات مدفوعة الأجر وتقديمهم للمجتمع على أنهم من قادة الرأى. وإذا لم تكن بقادر على الوقوف بصفهم، فكيف قبلت أن تسمع أن هؤلاء الذين زاملوك فى التحرير، أو ربما كان منهم من حملك على ظهره، فى اليوم الذى نصبك فيه جماهير الميدان رئيسا لحكومتهم، أو ربما من كانت من بينهم شابة تسندك خوفا عليك، وأنت تكاد أن تسقط، كيف قبلت أن يضرب هؤلاء الشباب بالعصا الكهربائية من الشرطة العسكرية دون أن تخرج للاعتذار لهم عن كسر أحلامهم، وعن إجهاض الثورة فى نفوسهم لصالح من تقول أنه ليس له مكان بيننا؟.

والحقيقة لو صدر قانون تجريم الإضرابات والاعتصامات والوقفات الاحتجاجية والتجمهر سيكون عليك يا دكتور شرف أن تعد كتالوجا للثورة على كل من يرغب فى ممارستها الاستعانة به حتى لا يقع تحت طائلة القانون. لأنه ربما تفاجأ بأنه قد دخل السجون فى عهدك عمال، أو فلاحون، أو طلبة، أو صحفيون، أو موظفون فى عنبر واحد مع العادلى أو أحد الأحمدين عز أو المغربى، أو مع جرانة. ووقتها سنحمد الله كثيرا أنك لم تكن رئيسا للوزراء حين كان موظفو الضرائب العقارية يبيتون فى شارع حسين حجازى لمدة شهر متجمهرين ومعتصمين ومضربين. وإلا كنا قد خسرنا مكسبا سوف تدرسه كل منظمات العمل فى العالم كنموذج على ما يستطيع المصريون أن يفعلوه عندما يريدون. حتى لو كانت تحكمهم عصابة مسلحة مثل التى كانت تحكمنا. وعلى فكرة كان الموظفون وقتها يعطلون دولاب العمل الفاسد فى ذلك الوقت. ذلك الدولاب اللعين الذى سئمنا من الاستخدام اللفظى المفرط له فى الآونة الأخيرة.

أليس هذا الدولاب هو ذاته الذى ظل معطلا لمدة تزيد على ربع قرن، وتوقفت فى ظله معظم مصانع القطاع العام، وصدأت الماكينات وهى فى صناديقها بفعل فاعل دون إضرابات ولا اعتصامات؟. الآن تريد الجماهير أن تنظف هذا الدولاب الفاسد من أجل زيادة وتيرة الإنتاج وتوزيع ثمارها بعدالة.

فهل ترضى يا دكتور شرف أن يكتب فى تاريخك بأنك حافظت على دولاب العمل الذى تغيب عنه العدالة الاجتماعية، ويمتلئ عن آخره بفساد رجال مبارك الذين قطعوا عيش الشرفاء فى هذا البلد، وأذاقوهم الذل، وحرموهم من الحياة الكريمة وسنوا لهم القوانين الظالمة وفرضوا عليهم الضرائب الموجعة للقلب والجيب معا؟. هل تحافظ على دولاب عمل يجلس على رأسه من أتوا من أقارب وأصحاب ومعارف آل مبارك الذين استأثروا بملايين الجنيهات كمرتبات، وحرموا منها الذين يديرون بحق عجلات الإنتاج. أم تساعد من يريد تطهير الدولاب من الحرامية والمنافقين والذين سيعملون بكل قوة على إبقاء الأوضاع على ما هى عليه آملا فى عودة الأوضاع لما قبل ثورة يناير، واستعادة الرأس مرة أخرى لتلتحم مع الذيل.

والحقيقة أنه عندما نشهد إصرار حكومة شرف على إصدار قانون لتجريم الاعتصامات، بينما هناك من المسئولين من يملك الشجاعة ليصرح بأنهم عجزوا عن أن يجدوا فى ترسانة القوانين (التى فى دولاب مبارك) ما يستطيعون تطبيقه على زكريا عزمى لإخراجه من عمله فى ديوان رئاسة الجمهورية، وليس لمحاكمته هو وصفوت الشريف وفتحى سرور. الحقيقة أن هذا المشهد مع مشاهد كثيرة أخرى هو ما يجعلنى أجد تفسيرا ،مقنعا لى على الأقل، لأن يسارع أحد كتاب الأعمدة مطالبا بعدم التجنى على الرئيس المخلوع مبارك. واعتبر الكاتب أن من باب التجنى أن تنشر إحدى الصحف موضوعا تعلن فيه أن مصاريف رئاسة الجمهورية 40 مليار جنيه. ولم يكتف الكاتب بدحض هذه الحقيقة مؤكدا كذبها، ولكنه حرص على الاتصال بزكريا عزمى، والذى مازال يعمل فى مكتبه، ليعرف أن الرقم الحقيقى لميزانية الرئاسة هو 316 مليون جنيه فقط .فاستراح بعد أن علم الحقيقة لأنه كان يخشى على حد قوله من أن يأتى يوم نحتاج إلى جهد كبير لإنصاف مبارك مثل الجهد الذى بذلته د.لميس جابر لإنصاف الملك فاروق فى مسلسلها الشهير.

الأربعاء، 23 مارس 2011

تهديدات للديمقراطية الإسرائيلية - ليتي كوتين بوجريبين

8/3/2011

المهزلة مؤلمة بقدر ما هي واضحة: في الوقت الذي تنتشر فيه الديمقراطية في العالم العربي فإنها تنكمش في إسرائيل "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط!"
عندما كنت في القدس الشهر الماضي، كان اغلب الإسرائيليين اليهود، لأسباب مفهومة، موجهين أنظارهم كأشعة الليزر إلى ميدان التحرير. كانوا قلقين عما سيحصل إذا لم يحترم قادة مصر الشباب اتفاقية السادات-بيجين للسلام الموقعة في 1979؛ كيف ستكون علاقة الحكومة المصرية الجديدة مع حماس؟ هل ستتسيب الحدود بين غزة وسيناء؟ هل ستتقد شعلة الحرية في شوارع إيران أو الأردن أو سوريا أو لبنان أو الضفة الغربية؟
وبغض النظر عن واقعية هذه المخاوف، فإن التهديدات الخارجية المحتملة لإسرائيل يجب ألا تحجب رؤية التهديدات الداخلية. و يتوجب على اليهود الأمريكيين صرف مزيد من الانتباه لمحاولات الجناح اليميني والقوى الدينية المتطرفة كبت حرية التعبير و تقييد المجتمع المدني.
وقد نجت الديمقراطية بصعوبة في 21 فبراير حين أعطى رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو الضوء الأخضر لممثلي حزب الليكود في الكنيست ليصوتوا كما يحلوا لهم على اقتراحين مكارثيين سيؤديان إلى تشكيل لجنة استجواب تتقصى نشاطات و تمويل منظمات حقوق الإنسان و الحريات المدنية الإسرائيلية.
لكن الحكومة الإسرائيلية أقرت بالفعل قانونا يلزم المواطنين الجدد بالتعهد بالولاء لدولة إسرائيل كدولة "يهودية ديمقراطية". و في الواقع تهدد الشرطة الصحفيين و تتحرش بالمتظاهرين وتلقي القبض على الناس بدون سبب، كما قامت أجهزة الدولة باستدعاء الناشطين السياسيين لتحذيرهم. يضاف إلى ذلك مجموعة من المبادرات القمعية التي سترى النور من خلال تشريعات يعدها الكنيست. وللأسف فإن استطلاعات الرأي العام تبين أن الكثير من هذه الانتهاكات للديمقراطية تحظى بموافقة الأغلبية (حينما طُلب من الإسرائيليين اليهود ترتيب القيم الثلاث وفق أولوياتهم: الحرية، السلام، بقاء الأغلبية في إسرائيل يهودية؛ اختار معظمهم البند الثالث).
يقول أستاذ القانون بالجامعة العبرية موردخاي كريمنتزر أن مجموعتيه (معهد ديمقراطية إسرائيل ورابطة الحقوق المدنية في إسرائيل) تتابعان بقلق مشروعات القوانين التالية:
 مشروع القانون الأول سيسمح للكنيست (الذي يحكم السيطرة الآن عليه الأحزاب الدينية واليمينية) أن ينقض قرارات محكمة إسرائيل العليا (والتي تدخلت مرتين في 2010 لتضمن حرية التظاهر للمعترضين من جانبي الطيف السياسي).
 مشروع آخر سيعطي الحق للتجمعات السكانية المكونة من مائتي ساكن أو اقل برفض التأجير أو البيع لأي شخص "لا يلائمهم"، و هو ما يعتبر على ارض الواقع رخصة للتمييز ضد المواطنين من عرب إسرائيل و اليهود العلمانيين و الشواذ و الأمهات العزباوات و أي شخص لا يعتبرونه صهيونيا، و أي شخص آخر لا يروق لهم. (بحسب الأستاذ كريمنتزر، تقدم ابراهام فوكسمان مدير التحالف الوطني ضد تشويه السمعة بالتماسين شخصيين ضد هذا المشروع إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي رفض مهاجمة المشروع على الملأ).
 مشروع مثير للجدل سيسمح للجامعات بفصل الأساتذة الذين يعارضون تعريف إسرائيل على أنها "دولة يهودية"، كما يسمح بمعاقبة من يدعم مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، حتى و إن كان يقصد مقاطعة منتجات المستوطنات فقط.
لا يكمن الخطر في القضاء على الانتخابات الحرة في إسرائيل، لكنه يتمثل في استغلال الوسائل الديمقراطية لتجسيد الممارسات المناهضة للديمقراطية. وعلى الرغم من أن كل الديمقراطيات معرضة للمخاطر، إلا أن هناك عدة تطورات ساهمت في فورة النشاط اليميني في إسرائيل. بعد خطاب نتنياهو في جامعة بار إيلان عام 2009، اعتبره الكثيرون خائنا لفكر الليكود القومي المتصلب لأنه أعلن لأول مرة دعمه لحل الدولتين.
ويعتبر جلّ الإسرائيليين أن إسرائيل تعرضت للغدر بصدور تقرير جولدستون عن الأمم المتحدة المدين لسلوك إسرائيل خلال حربها على قطاع غزة 2008/2009؛ و كذلك بتنامي حركة المقاطعة و سحب الاستثمارات و فرض العقوبات، والتي تهدف إلى نبذ إسرائيل على غرار جنوب إفريقيا قبل نيلسون مانديلا، ويستشهدون بهما بشكل متكرر عند تبرير الإجراءات لقانونية المتخذة ضد جماعات حقوق الإنسان و الجماعات غير الحكومية الأخرى و التي تمول مشاريعا تنتقد المجتمع الإسرائيلي. ليس مصادفة أن العاصفة الكاملة التي أثارها تقرير جولدستون و حركة المقاطعة قد رفعت من الجاذبية الشعبية لوزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان، أستاذ كره الأجانب والخطابة المعادية للعرب. وعلى الرغم من انه يتسبب في إحراج حكومته بشكل متكرر، إلا أن دعمه شعبيا لم يزل ينتشر و يقوى. و يرى النقاد المخضرمون انه سيحظى بفرصة طيبة ليصبح رئيس الوزراء الإسرائيلي القادم إن بُرئتْ ساحته من تهم الفساد.
وقد صاحب كل ذلك ظهور المزيج المتقلب من النقد الدولي التي ينظر إليه على أنه شكل من أشكال معاداة السامية أو ما يسمى "حملة نزع الشرعية عن الدولة اليهودية"، مما أثار الذعر الإسرائيلي و غذى عقلية الحصار التي تقتات على الوطنية المفرطة.
وحين لا تكون ورقة "امن إسرائيل" رابحة في مواجهة الديمقراطية، فإن ورقة "الدين" ستفي بالمطلوب. فقد حرّم بعد حاخامات إسرائيل على اليهود تأجير ممتلكاتهم لغير اليهود. و يواصل رئيس الحاخامية إعاقة التحولات المجتمعية المحتملة مستندا إلى المعايير الدينية المتشددة، مما يخلق مشكلة لمئات الألوف من الروس الذين يودون الانضمام إلى المجتمع اليهودي.
ومن بين عشرات الإحصائيات التي انهالت على مجموعتنا الدراسية المنبثقة من "أمريكيون من أجل السلام الآن"، لا يزال الرقم 40 يلح على تفكيري: أربعون في المائة من الإسرائيليين يعتبرون من اليمينيين أو يمينيي الوسط. أربعون في المائة من الضباط في جيش الدفاع الإسرائيلي من اليهود المتعصبين (الأرثوذكس). أربعون من أصل 120 عضو بالكنيست هم إما حاخامات أو جنرالات سابقون. وهذه الأرقام (المتزايدة غير المتناقصة) لا تبشر بالمبادئ المنصوص عليها في إعلان استقلال إسرائيل الذي أسس لدولة ديمقراطية يهودية "تدعم المساواة الكاملة اجتماعيا وسياسيا لكل مواطنيها، دون تمييز ضد عرق أو عقيدة أو جنس؛ و تضمن الحرية الكاملة للضمير و العبادة و التعليم و الثقافة".
وهناك إحصائية أخيرة تدق نواقيس الخطر: ثمانون بالمائة من الفلسطينيين و الإسرائيليين لم يعرفوا من قبل سوى الاحتلال. 44 سنة من القهر الإسرائيلي تطل على الفلسطينيين: نقاط تفتيش و قانون عسكري و إلغاء سياسي و إذلال مستمر و حرمان اقتصادي. بالنسبة للإسرائيليين يبدو الثمن أقل وضوحا لكنه لا يقل فداحة: بوصلة أخلاقية مختلة، تردٍ للسلوك المدني، وخيانة لمثل الأمة الديمقراطية.
لقد تأخر الوقت لاعتبار حقوق الفرد أولوية مُلِحةً مثل الأمن القومي، كما تأخرت الحكومة في إنقاذ مؤسسات إسرائيل الديمقراطية بنفس الحماس الذي تحمي به حدودها.
ليتي كوتين بوجريبين
معلق على الشئون الإسرائيلية، مؤسسة و رئيسة تحرير مجلة "ميس"، مؤلفة لتسعة كتب منها "ديبورا، جولدا، وأنا: أن تكون أنثى ويهودية في أمريكا". الرئيسة السابقة لمنظمة "أمريكيون من أجل السلام الآن".

هذا المقال مأخوذ مترجم عن موقع "ذا جيويش ويك"، على الرابط التالي:
http://www.thejewishweek.com/editorial_opinion/opinion/threats_israeli_democracy

الثلاثاء، 22 مارس 2011

د. مدحت أنور نافع يكتب: قبل أن تقول عن البرادعى..


قبل أن تقول إن البرادعى كان يعيش بعيداً عن مصر ولا يعرف شئونها وهمومها.. هل تعلم أن المهاتما غاندى الزعيم الشعبى الهندى العظيم قضى أهم فترات حياته ونضاله بعيداً عن الهند، فتعلّم فى الجامعة ببريطانيا وعمل وناضل سنوات طوال فى جنوب أفريقيا؟.

قبل أن تقول إن البرادعى ليس رجل سياسة ورئاسة، أرجو أن توصّف لى رجلاً حقوقياً تدرّج فى العمل الدبلوماسى بوزارة الخارجية ثم انتقل للعمل فى وكالة دولية هى الأخطر عالمياً ثم أصبح رئيساً لتلك الوكالة، فكان يفتّش الدول ويتحدى الحكام ثم عانت تلك الوكالة من بعده فى البحث عمّن يخلفه بعد أن استنفذ كل الفترات الممكنة فى رئاستها، ثم حصل على جائزة نوبل فى السلام وعلى أرفع وسام يقلّد فى مصر "وسام النيل"، ثم جاء وأخبر بمقالاته وتحركّاته فى المجتمع المصرى بما نعيشه ونلمسه قبل وأثناء وبعيد الثورة الشعبية ثم.. كفاية كده.
قبل أن تقول إن البرادعى رجل عادى ليس زعيماً، أرجو أن تعرف أن هذا أكثر ما يؤهّله للحكم بصفته رئيساً لا ديكتاتوراً ولا نبياً ملهماً (بفتح الهاء).

قبل أن تقول إن البرادعى عكف على التنظير ولم يلوّث ثيابه فى المظاهرات.. هل تعلم أن سعد باشا زغلول كان نضاله بالرأى والكلمة أعظم أثراً فى نفوس الشعوب وأكثر إلهاماً للجماهير؟ وهل تعلم أنه كان فى منفاه يوم اشتعلت الشوارع المصرية بثورة عام 1919؟ ثم هلاّ أنصفت وشهدت بأن الدكتور البرادعى على الرغم من كبر سنه وقامته قد نزل فى مظاهرات يوم الغضب وتعرّض لخراطيم المياه والغاز المسيل للدموع؟ وهل تعلم قبل أن تقول إنه تأخر فى النزول أن الثورة الشعبية بمطلبها الرئيس، وهو إسقاط النظام، لم تنشب إلا منذ يوم الجمعة 28 ينارير وأن معظم أحداث العنف واستشهاد الثوّار كان فى هذا اليوم العظيم؟

قبل أن تقول إن البرادعى عكف على التنظير ولم يلوّث ثيابه فى المظاهرات، هل تعلم أن قوة الدكتور البرادعى تكمن فى منطقه ورجاحة عقله واتزانه وعلو شأنه محليا ودولياً، وليس فى قوة عضلية يتفوق فيها الشباب ويتحملونها راضين عن شيوخ مناصريهم وموجّهيهم؟.
قبل أن تقول إن البرادعى من الإخوان المسلمين، برجاء الرجوع إلى من يقولون إنه منفتح ومتحرر بشكل مبالغ فيه وتنسيق الاتهامات!.
قبل أن تقول إن البرادعى مزدوّج الجنسية ومتزوج من أجنبية هلاّ تحققت من هذه الأخبار قبل نشرها فتزلّ قدمك فى حضيض القذف والتشهير وبث الشائعات فيحسبك الجاهل من جهاز أمن الدولة أو مذيعاً بالقناة الأولى أو رئيس تحرير جريدة حكومية على أحسن تقدير!.
قبل أن تقول إن البرادعى ليس فقيراً ولم يركب الأتوبيس ليعانى ما نعانيه.. أرجو ذكر ثلاثة دساتير عالمية تنص على ضرورة ركوب المرشح للمواصلات العامة وانتمائه إلى المعدمين حتى يصبح مؤهلاً لحكم الدولة.. طيب دستور واحد فقط!!.
قبل أن تقول إن البرادعى ليس فقيراً ولم يركب الأتوبيس ليعانى ما نعانيه، هل تعرف أن زعماء الحركة الوطنية فى القرن السابق الذين تعلّمنا من آثارهم معانى الديمقراطية والحكم النيابى النزيه كان معظمهم من البشوات وأصحاب الإقطاعيات؟ وهل تعلم أن كثيراً من قادة انقلاب يوليو 52 كانوا من طبقة الأرستوقراط وأصحاب الإقطاعيات قبل الانقلاب؟. وطبعاً تعلم أن المحرّك الأول لثورتنا الشعبية الحالية هم شباب الطبقة المتوسّطة.

قبل أن تقول إن البرادعى ليس فقيراً ولم يركب الأتوبيس ليعانى ما نعانيه، هل تعلم قدر المعاناة التى عاشها هذا الرجل متقلباً فى المناصب ومتحدياً رغبات وهفوات الحكام ومقيماً خارج وطنه سنوات طوال؟ هل تعلم المآسى البشرية التى كان عليه أن يتعامل معها يومياً ليضطلع بمهامه بوكالة الطاقة الذرية؟ هل تعلم أن فى الدنيا صنوفاً للمعاناة أهم وأغلظ من الفقر؟؟.
قبل أن تقول إن البرادعى عميل للغرب ويتحدث إلى سفراء الدول الأجنبية عن شئون مصر، هل تعلم قدر الضغوط الدولية التى تعرّض لها البرادعى ليقول ما قاله مبارك عن حتمية امتلاك العراق لأسلحة نووية؟ وهل تعلم أن الولايات المتحدة الأمريكية تصدّت لإعادة ترشيحه للوكالة مرة ثانية فأخفقت وخابت مساعيها؟ وهل تعلم أنه لم يكن مرشح الدولة لخلاف "هانز بلكس" فى رئاسة الوكالة، بل لقد نجح لكفاءته، على الرغم من ترشيح مصر لمنافس له على رئاستها؟! ثم هل تعلم عدد الأصوات التى حصل عليها فاروق حسنى كمرشح لرئاسة اليونسكو، وكم أنفقت مصر لدعمه فخسر؟!
قبل أن تقول إن البرادعى عميل للغرب ويتحدث إلى سفراء الدول الأجنبية عن شئون مصر، هلاّ اجتهدت وبحثت فى الدوريات أو على الإنترنت عن ملامح رعب المجتمع الإسرائيلى من تولّى هذا الرجل مقاليد الحكم فى مصر.
قبل أن تقول إن البرادعى عميل للغرب ويتحدث إلى سفراء الدول الأجنبية عن شئون مصر، هل تعلم أن تتمة الثورات وحتى الانقلابات فى العصر الحديث تقتضى دائماً تنسيقاً مع الدول الأجنبية؟ وهل تعلم دور "كافرى" سفير الولايات المتحدة أثناء انقلاب يوليو 52 فى خروج الملك فاروق من مصر وتحييد الإنجليز؟ وهل تعرف أن بطل الحرب والسلام قال إن 99% من أوراق اللعبة فى يد الولايات المتحدة؟ هل تعلم أن الثورة البرتقالية فى أوكرانيا وثورة جورجيا حظيتا بدعم غربى كبير؟ هل تعلم أن بديل تدخّل الغرب لإزاحة الحاكم الطاغية امتثالاً لرغبات الشعوب هو حرب أهلية وقتال حتى آخر جندى أو مرتزق كما هو الحال فى ليبيا والذى نرجو الله ألا ينتهى كما خطط له الديكتاتور المجنون بسفك مزيد من الدماء؟ وهل تعلم أن مبارك لم يتولّ الحكم إلا بترشيح من الولايات المتحدة وبفرضه على السادات؟ هل تعلم أن التدخل الأجنبى السافر فى شئون البلاد مرتبط بالمعونات التى تكدّست فى عصور الفساد بخزائن الحكام، وأن هذا التدخل مرهون بسياسات تلك الطغمة الحاكمة التى تحظى بدعم الغرب فى البقاء وتهمل شعوبها؟ ثم هل تعلم أن هؤلاء المستبدّين يستخدمون الغرب وعاءً للكراهية تنفّس فيه شعوبهم الكثير من طاقات الغضب المتراكمة جرّاء فساد الحكم وإفقار البلاد؟.
قبل أن تقول إن البرادعى عميل للغرب ويتحدث إلى سفراء الدول الأجنبية عن شئون مصر، هل تعلم أننى تمنيت أن تتدخل أمريكا دبلوماسياً لإقناع عميلها بالرحيل، وقلت لنفسى سوف يكون هذا آخر عهدنا بالتدخّل الرسمى الأمريكى فى شئون مصر، لأن السلطة الفعلية فى البلاد سوف تعود إلى أصحابها، لكون الأمة مصدر السلطات؟ وهل تعلم أن الأمة لم ولن تختار عميلاً لأحد بعد اليوم لأن رئيسك المنتخب إن كان إخلاصه لغير مخدومه الذى عيّنه يمكنك أن تخلعه أو على الأقل لا تصوّت له لفترة رئاسة تالية؟.
قبل أن تقول إن رئيس مصر يجب أن يأتى من المؤسسة العسكرية ليصبح القائد الأعلى للقوات المسلّحة، هل تعلم أن نظرية أقوى من فى القبيلة بدنياً يحكمها قد انتهت منذ آلاف السنين؟. وهلاّ فتّشت بين رؤساء الدول العظمى التى يمتد نفوذ جيوشها أبعد كثيراً من حدودها وتقول لى ماذا كان يعمل "أوباما" ملهم الشعب الأمريكى بالتغيير قبل أن يتولّى منصب أقوى رجل فى العالم بحكم رئاسته للدولة الأقوى فى العالم وبحكم صلاحيات الرئيس الأمريكى فى نظام أمريكا الرئاسى؟.
قبل أن تقول عن الدكتور البرادعى هو عالم لكن فى تخصصه فقط، أرجو أن تقول لى ما هو تخصص مرشح الرئاسة المطلوب، وهل هناك بكالوريوس أو دكتوراه تمنح فى حكم الشعوب؟!

قبل أن تقول عن الدكتور البرادعى هو عالم لكن فى معمله فقط! تمهّل فهذه من التهم الموجّهة للدكتور أحمد زويل، لكن ربما اختلط عليك الأمر لمّا سمعت موضوع وكالة الطاقة الذرية، أو اختلط على من أفهمك هذا، فأنا أعيذك يا صاح أن تردد بجهالة ما تسمعه أذناك من أصحاب المصالح فى حكم الفساد وبدائله.
قبل أن تقول: "يا أخى أنا لا أحب البرادعى.. ارتحت؟" إعلم أن الدكتور البرادعى الذى أعرفه لن يسعده أن تنتخبه لأنك تحبه ولن يغضبه ألاّ تنتخبه لأنك تبغضه.

هكذا تحدث المصريون - معنز بالله عبد الفتاح


«مشاعرى مختلطة: جيد أن النتيجة كانت «نعم» لأننى بصراحة لم أكن أتخيل من سيدير الأمور سياسيا واقتصاديا واجتماعيا فى مصر إذا كانت الأغلبية مع «لا». لكنى حزين أن النخبة السياسية والفكرية فى مصر بكل ما أعلنت من تصريحات وكتبت من مقالات وقالت فى برامج التليفزيون والراديو والإعلانات المدفوعة الأجر لم تستطع أن تقنع إلا 23 بالمائة من المصريين بموقفها. هذا يعنى أننا (وأنا معهم) نكلم أنفسنا فى معظم الأحيان. مؤشر مثير للقلق».

كتبت هذه العبارة على الفيس بوك، فساعدنى عدد من أصدقائى الفيسبوكيين على التعليق عليها ثم انتهينا إلى عدد من النتائج.

أولا، لا يمكن الادعاء بأن «لا» كانت اختيار الثائرين، وأن «نعم» كانت اختيار غيرهم. لأن الثائرين كانوا فى حدود 10 ملايين فى ميادين التحرير، ومن قالوا «لا» كانوا فقط 4 ملايين. إذن أغلب الثائرين، إحصائيا، اختاروا «نعم».

ثانيا، الخطابان الدينيان المسيحى والإسلامى وضعا الناخب المصرى فى حرج. وهو ما يحتاج شيئا من التأمل حيث دائما هناك فجوة بين الهدف المقصود والنتائج غير المقصودة، فالكنيسة خرجت بموقف يقول «لا» (وهى لا تملك السيطرة على جميع المسيحيين) كرد فعل لبعض الإسلاميين الذين قالوا «نعم»، ولكن النتيجة غير المقصودة أنها أعطت قطاعا أوسع من المسلمين الذريعة للاعتقاد أن «لا» فى خدمة المسيحية والمسيحيين وبالتالى «نعم» فى خدمة الإسلام والمسلمين. إذن يكون فى خدمة مصر والمصريين (مسلمين ومسيحيين) أن يتوقف المتحدثون باسم الدين عن توجيه الناس به.

ثالثا، رغما عن أنه لا توجد محافظة واحدة كان فيها التصويت بـ«نعم» أكثر من التصويت بـ«لا»، كان واضحا أن نزعة الناس لقبول التعديلات أعلى فى الريف عنها فى الحضر، وفى المحافظات ذات الأمية العالية عنها فى المحافظات ذات الأمية الأقل. وهو ما يعزز الاستنتاج بأنه فى غياب دور المدرسة والجامعة، تكون قوة المسجد والكنيسة أقوى من قوة التليفزيون والصحف.

رابعا، أغلب المصريين كانوا سيختارون «نعم» فى كل الأحوال لأن العقلية المصرية فى أغلبها عقلية محافظة من ناحية، وأن كرة الثلج الثائرة كانت ينبغى أخيرا أن توقف انحدارها على جبل «لا» لتدخل فى ساحة مستوية من الأخذ والرد مع من يريدون استقرار الأوضاع، وبالتالى «نعم» لم تكن انتصارا للإسلاميين ضد العلمانيين بالضرورة.

خامسا، قد تكون هذه مناسبة جيدة لأن يراجع بعض المثقفين افتراضاتهم بشأن بعض النرجسية التى يعاملون بها قطاعا من الرأى العام. بعبارة أخرى: هل المصريون أصحاب حكمة علينا أن نتعلمها منهم؟ أم هم أصحاب تفضيلات واضحة علينا أن نكون على علم بها؟ أم هم جاهلون (لا سمح الله) وعلينا أن نُعلمهم؟ أزعم أن الكثير من المثقفين كانوا يتعاملون مع المصريين بافتراض الجهل أو الجهالة. المصريون صفعوا الكثير منا ليقولوا لنا: نحن لدينا حكمة، تعلموها، ونحن لدينا تفضيلات، فلتعلموا بها.

دقت ساعة العمل الثورى - عمر طاهر


بعد الكلام عن أن الاستفتاء كان أعظم يوم فى تاريخ مصر، والشعب أثبت أنه عم العالم وكل هذا الكلام الذى مللت حضرتك من سماعه واللى مش هاعرف أعيده تانى لظروف المساحة (أنا من الكتاب اللى مالهمش تتمة، مع كامل نفسنتى على بلال فضل) هادخل فى الموضوع وش.

أؤمن تماما بأن الإخوان لم يتجاوزوا، وده جواب نهائى، أنت لو رايح الصين مضطر تتكلم صينى، والإخوان تكلموا مع الناس باللغة التى يفهمونها، الإخوان تكلموا مع الناس أصلاً.

أما معظم المثقفين المعارضين بتوع لأ، فقد «اتكلموا مع بعض» فى ندوات ومناظرات ومقالات أكثر مما تكلموا مع الناس مباشرة.

إذا كنت مطرباً وهناك مطرب آخر أنت لا تؤمن به لكنه يحقق نجاحات تفوقك فلا يصح أن تتهمه بالتجاوز، بل الواجب أن تعرف لماذا يهتم به الجمهور أكثر منك، وأخطر ما فى الأمر أن تتعالى وترى أن المطرب منافسك كسب هذا الجمهور لأن الجمهور جاهل وظروفه صعبة.

بلاش..

عندك شخص يمكن أن تكسبه بحقيبة مواد تموينية، ظهر منافسك فقدمها له، هل ستلوم منافسك؟ على الأقل هو سد احتياج هذا الرجل وقدم له خدمة حقيقية دون أن يضمن ولاءه كاملا (لم يمنحها له بوصل أمانة مثلا)، هل ستلوم الشخص المستفيد؟ لن يسمعك لأنك تبيع له كلاما فقط، طيب.. ما المانع أن الحقيبة التى يقدمها المسجد يقدمها الحزب أيضا؟، هو إحنا ليه هنتعالى على احتياجات الناس؟

بلاش..

عندك شخص يسهل على إمام مسجد قريته أن يقنعه بأن التصويت بـ«نعم» هو تصويت للإسلام بإمارة الدائرة الخضراء والتصويت بـ«لا» هو تصويت للمسيحية، بإمارة الدائرة السوداء رمز ملابس القس، هل فكرت أن تذهب يوما لهذه القرية فى صحبة عالم دين مستنير، هل بذلت جهدا – غير الجهد الشفوى – فى تقريب وجهات النظر بين الطرفين؟!

المهم..

قد تعتقد أننى «مش مبسوط» لأننى كنت أقول لأ، صدقنى أنا مبسوط بخطوة للأمام، لكننى أكره المبالغة، انتهى عصر الزيطة والزفة الدمياطى، فرحتى بالاستفتاء تشبه فرحتى بطفل ينطق حروفه الأولى بكل ما فيها من «لعثمة وتفافه» .. فرحان بيه لكننى سأرقع زغروطة عندما يبدأ هذا الطفل فى تكوين جملة مفيدة.

خُد بالك أن ٦٠% من الشعب كان يعتقد أن ما يجرى فى البلد هو حلقة جديدة من «إدينى عقلك» فلم يشارك فى الاستفتاء، ودول أمرهم سهل، المصيبة أنه فى لحظة اختيار سهلة جدا (نعم أو لا) ببطاقة رقم قومى كان فيه أكثر من مائة وعشرين ألف مواطن أصواتهم باطلة.. يعنى إدينى عقلك فعلاً!!

الخلاصة ..

لا خوف على الثورة من أى فصيل سياسى، فالثورة اختارت رمزا لها (الميدان) الذى تصب فيه شوارع كثيرة، أتحداك أن تجد شارعا واحداً يستطيع أن يحتوى كل هذا الزخم بمفرده، وإذا كنت تشعر فى قرارة نفسك بأن الجيش ربما يكون ميالا لطرف بعينه.. أهو الجيش ماشى يا سيدى خلاص، وما كنت تحلم بتغييره فى فترة طويلة صرت ملزما بتغييره فى ٦ أشهر فقط، الأمر الذى يجعل العمل شيقاً ومثيراً للتحدى، لكن قبلها يجب أن نعترف بأن القاعدة التى تقول: (المذاكرة وبعدين الامتحان) حطمها الاستفتاء، حيث إننا خضنا الامتحان أولاً.. ودلوقتى المفروض إننا نبتدى نذاكر.

الأحد، 20 مارس 2011

إبراهيم عيسى يكتب: لا لبدلة أنور وجدى!


سأقول لا للتعديلات الدستورية لكن لن أغضب ممن سيقول نعم
أسعى إلى أن يكون لمصر دستور جديد يضعه المصريون جمعا وجميعا وإجماعا فورا أو فى أقرب وقت بدلا من هذا الدستور المرقع لكن ليس لى إلا أن أحترم إرادة الشعب لو أخطأ ووافق على الاستفتاء
التعديلات تمت فى غرفة مظلمة وجرت على أيدى مجموعة من القانونيين ليس بينهم شخص واحد يمثل القوى السياسية والوطنية وقطاعات الشعب وطوائفه وأطيافه وخرجت مبهمة ومرتبكة ومربكة لكننا الآن أمام حماس غير عادى من المجلس العسكرى للحصول على موافقة عليها من الشعب فها هى التعليمات تصدر لوسائل الاعلام الحكومية والخاصة ومقدمى البرامج بالدعوة للموافقة عليه وتمت مخاطبة شخصيات ذات مصداقية كى يطلبوا ويطالبوا الناس بالموافقة على التعديلات ـ
المشكلة فى هذه التعديلات الدستورية المطروحة للاستفتاء السبت القادم ليست فى هذا التخوف المذعور الذى يعلنه كثيرون على الساحة السياسية من الاخوان المسلمين فى الانتخابات البرلمانية وهى المحطة التالية للاستفتاء (سنناقش هذا بعد قليل ) لكن المشكلة –الأحرى واحدة من المشكلات- أن التعديلات تعنى اعترافا بالدستور الذى تهاوى وسقط مع سقوط الرئيس ونظامه ،!
لقد أعلن الرئيس السابق –من خلال الرجل اللى واقف قصاد الراجل اللى واقف وراء عمر سليمان –أنه تخلى عن الحكم وأنه كلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد
السؤال هنا هل هذا الكلام كله على بعضه موجود فى الدستور أصلا ؟
الإجابة لا وإطلاقا ألبتة
يعنى الدستور ليس فيه تخلى ولا فيه تكليف مما يفيد أن المجلس الأعلى تولى الحكم بمخالفة واضحة صريحة ناصعة ساطعة للدستور ـ يبقى بذمتكم لماذا يصمم المجلس الاعلى على دستور يخالفه تماما بل ويدير شئون البلاد دون الاستناد على أى حرف فى أى مادة من هذا الدستور ،
إذن وجود المجلس الاعلى غير دستورى !
ونحن نريد وبقوة وبشدة وجود المجلس الاعلى الآن –أو إلى حين معلوم - يبقى يغور الدستور لكن المدهش أن المجلس الأعلى الذى يحكمنا بمخالفة للدستور يصر على ألا يغور الدستور بل ويريد تعديله!
ثم المشكلة الثانية هى إذا قال المصريون نعم فى الاستفتاء فمعنى ذلك عودة الدستور بتعديلاته الجديدة –خد بالك من اللى جاية دى والنبى – فمعنى ذلك أن المجلس الأعلى المفروض يمشى حالا ويترك إدارة شئون البلاد لرئيس المحكمة الدستورية العليا لأن الدستور مفيهوش أعلى بس فيه عليا، ليس فى الدستور أى مادة فيه تسمح ببقاء الجيش فى حكم مصر بل ينص على تولى رئيس المحكة الدستورية الحكم حال فراغ منصب رئيس الجمهورية !
لم أناقش حتى الآن جوهر هذه التعديلات ولن أناقشها فهى ترقيع لدستور صار من فرط الترقيع أشبه ببدلة أنور وجدى فى فيلم دهب ، لكن سأتوقف عند التخوف من الاخوان وهم قد بشرونا بثقة مثيرة للاعجاب وللتعجب من أنهم يسعون إلى خمسة وثلاثين فى المائة من مقاعد البرلمان طبقا لتصريح دكتور عصام العريان بينما رفع المهندس خيرت الشاطر –حمدا لله على سلامتك ياباشمهندس - إلى أربعين فى المائة من مقاعد نفس البرلمان على أساس أن هذا سيبث الطمأنيينة فى قلوب الواجلين الجائلين فى المنتديات والمؤتمرات والساحات السياسية رغم أن النسبة التى وعدنا بها قيادتا الإخوان تعنى ببساطة أنهم سيحكمون مصر ويشكلون الحكومة القادمة لأنها ستكون النسبة الغالبة أمام تفتت وتضعضع الأحزاب والتيارات الأخرى !
لكن وإيه يعنى ؟ طالما هذه ستكون إرادة الأمة –لو حصلت- وطالما بإنتخابات حرة نزيهة –وستحصل بإذن الله- فلابد أن نحترم الديمقراطية ، خصوصا أن تأجيل الانتخابات البرلمانية شهرين ثلاثة أو أربعة خمسة لن يغير كثيرا من الواقع ،
يجب ان نلتفت هنا لأمرين الأول أن الذى يخشى الاخوان يجب أن يحاربهم سياسيا ويواجههم شعبيا وينظم نفسه ويكشف أفكارهم ويكسر حلقتهم بالعمل اليومى والجماهيرى المنظم والمجتهد (والمجهد)لا أن يجلس يندب حظه ويسعى لتأجيل أو حتى تعطيل الانتخابات كأنه ينتظر معجزة من السماء او زلزلا من اليابان!
الأمر الثانى أن الاخوان يبالغون جدا فى حجمهم وفى قدراتهم وتتبدى لديهم حالة من الثقة المغرورة حيث ينسون أن الواقع تغير وتبدل ولم يعودوا هم الضحية التى يتعاطف معها الشعب فى مواجهة ظالميهم بل صاروا يثيرون القلق والتوجس عند قطاعات عريضة ، ثم لم يعودوا الفصيل الوحيد الذى ينافس الحزب الحاكم فيحصل على تصويت النكاية فى الوطنى وفساده ، ثم لم يعودوا هم الذين يلعبون وحدهم بل يلاعبهم ويلعب معهم آخرون ..والآخرون هنا ليسوا الأحزاب أو التيارات السياسية بل فصائل التيار الدينى فنحن أمام ظاهرة مزعجة فعلا هى حزبنة الدين فنحن أمام حزب للسلفيين الذين كانوا يرتعبون من السياسية ويحرمون الكلام فيها وينامون على حجر مباحث أمن الدولة فصاروا بقدرة الله سياسيين بين صلاتى ظهر وعصر ! وحزب للداعية عمرو خالد الذى كان يفخر بأنه لا يفهم فى السياسة ولا يتحدث فيها ولا يقترب منها فإذا به ينتقل من خشبة مسرح مؤتمر دعم مرشح الحزب الوطنى فى الاسكندرية الى مرشح رئاسى وزعيم حزب كدهه إذ فجأة وعلى حين غرة أو هرة من الدهر ثم حزب آخر يجلجل به عبود الزمر (الذى عاملته غباءات تليفزيونات رجال الأعمال كأنه نيلسون مانديلا دليلا على الجهل المزرى لمحطات التليفزيون الخاصة والعامة او ربما التواطؤ الله أعلم ) حيث يصرح الرجل بعد غياب ثلاثين عاما فى السجن (منهم عشرة أعوام ظلم فاجر من النظام السابق حيث منع الرجل حقه فى الإفراج الطبيعى ) أن الجماعة الإسلامية والجهاد الإسلامى سينافسان على ثلاثين فى المائة من مقاعد البرلمان (لا أعرف سر هذه النسبة التى يتنازعها الاخوان والجماعة الاسلامية ) ثم ها هو حزب للصوفيين هؤلاء الذين مزقوا بعضا فى صراعهم على كرسى المشيخة ثم كانوا يهللون لمبارك ونجله كأنه من آل البيت !
هل نسيت حزبا ؟
بل نسيت حزبين لكن ليس مهما فالمهم أن الاخوان سيجدون منافسين كثيرين لهم على "قال الله وقال الرسول" والاسلام هو الحل فسيكون اسلام بديع هو الحل أم إسلام محمد حسان أم إسلام عمرو خالد أم إسلام عبود وناجح!

سأقول لا للتعديلات الدستورية ليس خوفا ولاتوجسا من الاخوان فهم لا يخيفون ولا يجب أن يخيفوا فازوا أو فشلوا ، غلبوا أو تراجعوا ، لكننى أقول لا للتعديلات لأن ثورة خمسة وعشرين يناير لاتقبل ولا يجب ان تقبل أنصاف الحلول ولا الحد الأدنى ولا الإصلاح التدريجى ولا الدستور حتة حتة ولا تلك النغمة البغيضة الثقيلة الرخمة بتاعة واحنا كنا نحلم بهذه التعديلات !
هذه التعديلات كانت على أيام الطغيان
أما الآن فلا يجب أن نرضى بالترميم ولا بالترتيش
بل كل ما نريده الآن وحالا !

السبت، 19 مارس 2011

موجز قبيل الاستفتاء - أيمن زعقوق

اكتب هذه السطور قبل أقل من ساعتين على فتح باب الاستفتاء على التعديلات المقترحة في دستور 71، وبعد أيام من القراءة و الاستماع الكثيفين. اكتب كمواطن غير متخصص في الشؤون السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو التاريخية، اكتب كشخص عادي شاهد وسمع في الإعلام، و لاحظ في المجتمع. بعد التفكير و الاستخارة قررت أن أختار خانة "غير موافق"...سأقول "لا" بشكل قاطع و نهائي. ولقد وددت أن اعرض مبررات هذا الاختيار علّ ذلك يساعد البعض في حسم موقفهم رفضا أو تأييدا. 

 أولا: الخوف ليس من استعداد الإخوان المسلمين لخوض الانتخابات أكثر من باقي القوى السياسية. فالإخوان – رغم رفضي لتوجهاتهم و أساليبهم النفعية – دفعوا ثمنا باهظا على مدار ثمانين عاما من الممارسة السياسية المحترفة و الصلبة، لتكوين تربة جماهيرية خصبة تمكنهم من قطف ثمرة الديمقراطية حال نضوجها. فهم إذن يحصلون حقهم الذي عملوا له بكد و اجتهاد ولا يغتصبون حقوق القوى السياسية الأخرى التي تنازلت – مختارةً غالبا و مجبرة نادرا – عن هذه الحقوق في صفقات رخيصة تلبي المطامع الفردية لرؤوس هذه القوى و تجمل صورة النظام المستبد، فخانت أتباعها و فقدت مصداقيتها. ثم إن تأجيل الانتخابات البرلمانية كما سيعطي للقوى الليبرالية فرصة لتنظيم صفوفها و بلورة اتجاهاتها؛ سيمنح التيارات الدينية الأكثر تشددا فرصة هي الأخرى لتكوين أحزاب متطرفة سيكون لها بلا شك تواجد اكبر مما هو متوقع إذا ما أجريت الانتخابات البرلمانية في المدى القريب.

 ثانيا: أرفض التعديلات بسبب وجود عناصر من الحزب الوطني كانوا أعضاءً سابقين في برلمانات التزوير، لا يزالون يتمتعون بشعبية حقيقية بين مواطني دوائرهم، بنوها – كذبا – بميزانية دافعي الضرائب التي استخدموها بغير حق في تقديم خدمات تافهة و قصيرة الأمد لدوائرهم. واستغلوا حاجة المواطن و فقره ومعاناته وعدم قدرته على التمييز بين وظيفة عضو المجلس المحلي و وظيفة نائب البرلمان الذي يفترض أن يراقب أداء الحكومة و يحاسبها و يسن التشريعات ويعمل لصالح الوطن ككل. هؤلاء "الحزب-وطنيون" قادرون على خوض الانتخابات التشريعية و الفوز بمقاعدهم مرة أخرى في البرلمان. و الرد القائل بأنهم – إن نجحوا – سيكونون قلة لا وزن لها مردود عليه بأنهم قد يكونون قليلين عدديا في البرلمان القادم، لكننا يجب ألا ننسى أن لهم أعوانا كثرا في المحليات و في الجهاز الإداري للدولة سيساعدونهم في تلميع صورهم و ترميم القاعدة الشعبية لكيانهم السياسي الذي سيبزغ مجددا بالتأكيد تحت اسم غير "الحزب الوطني الديمقراطي"، وهذه الميزة يفتقدها باقي ممثلو القوى السياسية، مما يعطيهم الفرصة لزيادة عددهم في البرلمانات اللاحقة.

 ثالثا: أرفض التعديلات الدستورية بسبب نقص الوعي السياسي عند الكثيرين. فلا يختلف اثنان أن عموم الشعب المصري تعرض لعملية "تجهيل" متعمد طيلة العقود المنصرمة، الهدف منها كان وأد أي وعي سياسي يمكن أن يشكل تهديدا للنظام، وهي العملية التي نجحت إلى حد كبير في خلق قطاع من المواطنين "جاهل" و "سطحي" يسمع أكثر مما يقرأ، وفي الحالتين لا يستطيع نقد ما يتلقاه، وبالتالي يتخذ قراره رفضا أو تأييدا لموقف شخصية عامة أو مجموعة سياسية (مثلا من يؤيدون لأن الإخوان أيدوا، و على النقيض من يرفضون لأن الإخوان أيدوا أيضا!!)؛ بل إن هذا المواطن قد يتنصل من مسؤوليته برفض المشاركة من الأصل. لذلك فإن مزيدا من الوقت يلزم "لإعادة تأهيل الجماهير" و تدريبها على اتخاذ القرار، وهو ما أظن انه بدأ بالفعل في خطوة الاستفتاء على التعديلات الدستورية. فإجراء الانتخابات البرلمانية المتعجلة سيتم على أساس من الاختيار الحر الديمقراطي الخاطئ!!، بالتالي سينتج برلمانا مشوها و مشوشا لا يؤدي المهام المنوطة به في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الوطن. و يكفي للتدليل على ذلك أن شخصا كأحمد فتحي سرور الذي هو أحد أعمدة النظام الدكتاتوري السابق لا يزال أقوى المرشحين للنجاح في دائرته التاريخية "السيدة زينب" (والتي أقطن بها بالمناسبة) نظرا لشعبيته و علاقاته الوثيقة بكبار التجار و رجال الحي الذين يطوق رقابهم جميعا بخدماته و مساعداته و توصياته! أضف إلى ذلك أن أهالي الدائرة حتى الآن لا يرون من هو أجدر منه بتمثيلهم داخل البرلمان، كما يرون انه أعطى "تفوقا و زعامة" نسبية لدائرتهم على باقي دوائر البرلمان بترؤسه البرلمان لأطول فترة في تاريخه.

 رابعا: أرفض التعديلات الدستورية حتى لا يتولى أمرنا رئيس بسلطات دستور 71 الإلهية، والتي تكسبه القدرة على ممارسة الضغوط على البرلمان و بالتالي على اللجنة التأسيسية للدستور، وقد يرد البعض على هذه النقطة بما يلي:
1. إن اللجنة التأسيسية لوضع دستور جديد ستكون قد شُكِلتْ قبل انتخاب الرئيس، و هو قول مردود عليه بأنها ستكون قد شُكِلتْ لكنها لن تكون قد أنهت عملها؛ وكما هو معلوم فإن للرئيس – وفقا لدستور 71 – سلطة حل البرلمان و الدعوة إلى انتخابات برلمانية جديدة، وهو ما يدفعنا للتساؤل: ماذا لو استخدم الرئيس هذه الصلاحية إذا لم توافق مسودة الدستور الجديد هواه؟ و ما هو وضع اللجنة التأسيسية التي شكلها المجلس المنحل؟ وكما يقول المثل الشعبي "أدور على ابني ليه و هو على حِجْرِي؟!"
2. الرئيس الجديد سيأخذ في حسبانه الرقابة الشعبية، و ميدان التحرير موجود، وهو قول مردود عليه بأن خداع الجماهير و إفزاعها بدعاوى الفوضى و الانهيار الاقتصادي سيساعد الجالس على الكرسي في تمرير طلباته و تعديل الدستور الجديد وفقا لأطماعه بحجة أن مصر دولة مركزية وتحتاج في الفترة الراهنة إلى رئيس قوي أكثر من احتياجها لنظام برلماني قوي. أضف إلى ذلك أن هذه الحجة كارثية إن وقعت فعلا، فالاقتصاد المصري لن يتحمل أسبوعين آخرين في ميدان التحرير على غرار ما جرى من 25 يناير إلى 11 فبراير 2011، أضف إلى ذلك أن اغلب الشعب المصري لن يرحب بتعطيل الحياة و فقدان الأمن كما حدث، وبالتالي لن تكون رقابة ميدان التحرير على الرئيس مدعومة شعبيا، وهو ما يعطي للرئيس الجديد تفوقا على الشعب.
3. الرئيس الجديد سينتخب وفقا لاختيار حر نزيه، وسيكون شخصية محترمة يثق الشعب في زهدها في المنصب و صلاحياته، وبالتالي لن يقف عائقا أمام إرادة المصريين و حريتهم. و هذا القول مردود عليه بأنه إذا لم يكن لمرشح الرئاسة أطماع في المنصب فلم رشح نفسه من الأساس؟ ثم إننا يجب ألا ننسى كيف يغير كرسي الحكم و صلاحياته الواسعة الشخص الجالس فوقه، ولن تجد دكتاتورا واحدا لم يبدأ حكمه بقوله إنه "خادم للأمة يحكم لفترة وجيزة ولن يرشح نفسه لمدد أخرى و أن الكفن مالوش جيوب!!" و لا أدل على ذلك مما قاله شخص محترم مثل "محمد البرادعي" بأن السلطات المطلقة في دستور 71 كفيلة أن تحول أي رئيس إلى دكتاتور و إن كان ملاكا! فلماذا إذن يضع المصريون مصيرهم طواعية "تحت ضرس" أي شخص وهو في أيديهم؟

 خامسا: أرفض التعديلات الدستورية لأن في رفضها استقرار اقتصادي و أمني أسرع. فالبدء في وضع دستور جديد دون تأخير يأتي بحكومة وبرلمان مستقرين يطمئن إليهما رأس المال خير من وجود برلمان مؤقت و رئيس مؤقت و حكومة مؤقتة لا يدرك المستثمر إن كان تغييرها سيغير اتجاه الدولة نحو استثماراته و مشاريعه. كما أن بناء نظام ديمقراطي مستقر يضمن حرية التعبير و تداول السلطة والعدالة الاجتماعية سيقلل الاحتقان المجتمعي و بالتالي سيقلل العنف بكل أشكاله.

 سادسا: ليس صحيحا أن "نعم" ستمنع استبعاد المادة الثانية من الدستور كما يردد المستغلون ومن ورائهم التافهون من أتباع التيارات الدينية التي تتلاعب بعواطف الناس و معتقداتهم، فتغيير الدستور قادم لا محالة إن قلنا نعم و إن قلنا لا، و المجتمع لابد سيتعرض لهذا الجدل الآن أو بعد حين لأن التعديلات الدستورية محل الجدال تلزم البرلمان المنتخب بوضع دستور جديد، وهو أمر لا خيار فيه. لذلك لابد من مواجهة هذا الجدل بالحكمة و الحجة والإقناع دون خوف أو تردد أو تأجيل كما كان يفعل النظام السابق بتجاهل المشكلات الملحة ودفن الرؤوس في الرمال.

 سابعا: سأقول لا للتعديلات الدستورية و أنا اعلم أن الجيش لن يستمر في حكم مصر لأن العالم كله يرفض حكم العسكر، كما أن ظروف ثورة يناير مختلفة عن ظروف ثورة يوليو. وإذا استعجل الجيش العودة إلى ثكناته فليسلم السلطة لمجلس رئاسي مدني يطمئن له عموم الشعب.

لكل ذلك قررت أن اختار "لا أوافق" على التعديلات الدستورية.

الجمعة، 18 مارس 2011

الخائفون من الديمقراطية - طارق البشري


ما أشبه اليوم بالبارحة، واليوم هو شهر مارس سنة 2011، والبارحة هى شهر مارس سنة 1954، والفرق بينهما سبعة وخمسون عاما قضيناها جميعها فى ظل حكم دستورى فردى، كان وطنيا يرعى المصلحة الشعبية فى ثلثه الأول، وصار لا يرعى مصالح الوطن ولا المواطنين فى ثلثيه الأخيرين.

أما البارحة، فقد كنا وقتها فى عهد السنوات الأولى لثورة 23 يوليه 1952، طُرِد الملك فاروق بعد خلعه، وتولى الجيش السلطة السياسية، وأعلنت الجمهورية، وقُضِى على الطبقة الحاكمة السابقة، قضى على ما سمى بالإقطاع الزراعى، وألغيت الأحزاب السياسية وألغى دستور 1923، وقام بحكم مصر «مجلس قيادة الثورة» بحسبانه يجمع السلطة كلها بغير برلمان ولا دستور، وبإعلان دستورى مختصر، وأن الفترة الانتقالية تستمر ثلاث سنوات تنتهى أول سنة 1956، عظم الضغط الشعبى على مجلس قيادة الثورة من خارج الجيش ومن داخل وحداته وأسلحته، يطالبون رغم تأييدهم إلغاء الملكية والقضاء على الإقطاع ــ يطالبون بإقامة نظام دستورى وعودة البرلمان وعودة الحياة الحزبية وإلغاء حالة الطوارئ (كانت تسمى حالة الأحكام العرفية). وخضعت قيادة ثورة 23 يوليو لهذه المطالب، فأعلن مجلس قيادة الثورة فى 5 مارس 1954 أنه سيلغى حالة الطوارئ وسيشكل جمعية تأسيسية لإعداد الدستور وسيلغى الرقابة على الصحافة والنشر، ثم فى 25 مارس قرر مجلس قيادة الثورة حل نفسه والسماح بقيام الأحزاب وانتخاب جمعية تأسيسية وذلك كله فى 24 يوليه سنة 1954. وبدا بهذا أن الوجه الديمقراطى لثورة 23 يوليو قد غلب وجهها الآخر وأن الأسلوب الديمقراطى والأهداف الوطنية والشعبية انتصرت على الأسلوب الآخر.

ولكن فاجأت هذه القرارات الديمقراطية الكثيرين، وقالوا إن هذه القرارات الخاصة بالحريات العامة وبصياغة نظام الحكم على أسس حزبية برلمانية منتخبة من الشعب، قالوا إن ذلك من شأنه أن يعيد العهد الماضى البغيض، وأن يعيد حكم الباشوات السابق، وأبدوا الهلع والفزع من عودة طبقة حاكمة كانت هُزمت فعلا وأطيح بها من مقاعد الحكم ومن نظام اجتماعى كانت تقوّضت قوائمه، وأبدى المنتصرون الهلع والفزع من المهزومين. وبدأت موجة من المظاهرات والإضرابات تطالب بعودة مجلس قيادة الثورة. يصف المؤرخ عبدالرحمن الرافعى ذلك: «وأضرب عمال النقل احتجاجا على عودة الأحزاب المنحلة، وقررت نقابتهم استمرار مجلس قيادة الثورة فى مباشرة سلطاته وعدم الدخول فى معارك انتخابية حتى جلاء المستعمر، فتوقفت القطارات ووسائل النقل فى البلاد، وبلغ عدد العمال المضربين مليون عامل» (كان تعداد مصر وقتها نحو 24 مليون نسمة) وقيل وقتها إن مظاهرات سارت تهتف بسقوط النظام الحزبى والديمقراطية.


وبهذا الضغط من الخائفين من الديمقراطية يذكر أيضا عبدالرحمن الرافعى: «رأوا أن الثورة مهددة بالانحلال إذا نفذت قرارات، 5 و25 مارس، وأن البلاد ستعود إلى الفوضى وإلى نفس الأحزاب المنحلة، فأصدروا قرارات اجماعية بإلغاء قرارات 5 و25 مارس، وشفعوا ذلك بالاعتصام حتى تلغى هذه القرارات. «وحملوا مجلس قيادة الثورة مسئولية ما يقع من حوادث إذا لم تجب مطالبهم».


●●●


تحدد فى هذه الأيام القليلة من شهر مارس 1954 نظام الحكم المصرى لسبع وخمسين سنة تلت. وكان وجه العجب فى هذا الموقف أن جماهير من الشعب المصرى فزعوا من عودة الديمقراطية والبرلمانية وكأنهم سيواجهون بذلك خطرا مهددا ومعضلة كبيرة، وأنهم فارقوا بين الثورة والديمقراطية الانتخابية وكأنهما ضدان لا يلتقيان، وكانوا غير واثقين من أنفسهم إزاء نظام حكم وإدارة يبشرهم بأنهم هم من سيملكون اتخاذ القرارات فيه وتكون لهم الهيمنة، والأخطر من ذلك والأشد مدعاة للعجب أنهم خافوا ممن هزموهم وأقصوهم عن الحكم وعن السيطرة الاجتماعية الاقتصادية. وصار أمامنا السؤال: كيف يخاف الإنسان ممن هزمه، وإذا كان الإنسان خائفا من خصم فكيف تقدم وهزمه وأجبره على ترك مكانه، وإذا كان هزمه وأقصاه فكيف يخاف منه من بعدُ، بعدَ أن فقد القدر الأكبر من قوته بترك السلطة ووسائطها فى القمع والترويع، وكيف يخاف الإنسان من الشبح أكثر مما يخاف من الواقع، وهل يخاف الإنسان من فلول جيش منهزم بأكثر مما نخاف من الجيش وهو بكامل عدته.

مازلت أذكر رسما كاريكاتوريا رسمه فى ذلك الزمان الرسام «عبدالسميع» بمجلة روزاليوسف. رسم أسدا داخل قفص من قضبان حديدية، وباب القفص مفتوح وفى خارجه يقف الحارس خائفا. والأسد يجلس داخل القفص المفتوح ويقول للحارس ما معناه: «أغلق الباب لأنه يدخل تيار هواء يؤذينى» وهذا بالضبط ما كان يعبر عن تناقض المواقف وقتها، والذى يفسر عدم الثقة أو فقدان الثقة فى الذات وإرادتها الجماعية الحرة وما يتاح لها من خيارات، وتركن إلى الاعتماد على الانسياق الجبرى، الحرية هى الصقيع والانسياق هو الدفء.

وهناك من «الديمقراطيين» من اعتاد على موقف المواجهة مع الحكام المستبدين مطالبا بالديمقراطية ورافضا الاستبداد، ولكنه اعتاد على موقف المطالبة، فإذا صار فى وضع التمكن من الممارسة الديمقراطية، فزع من الذات وعمل على أن يعود إلى وضعه الأول، وضع وجود الاستبداد وبقائه هو فى موقف المطالبة والاعتراض والتحدى.


●●●


عندما انتهى شهر مارس 1954، كانت مصر قد عادت إلى نظام سياسى غير حزبى وغير ديمقراطى، وبقيت فى هذا النظام طوال عهود لثلاثة حكام، ولم تبد فرجة للخروج من هذا النظام إلا أخيرا جدا فى 25 يناير 2011، أى لم تتح للمصريين فرصة جادة وحقيقية للخروج من النظام الفردى الاستبدادى إلا بعد سبع وخمسين سنة، بمعنى أن أحداث مارس 1954 حكمت نظام الحكم فى مصر طوال هذا الزمن الطويل. وأنا هنا أشير إلى مدى الجسامة والخطورة للحدث الذى نحياه الآن وما يطرح من بدائل.

وأبادر بالتنويه أننى بهذا الحديث الذى سقته آنفا، لا أقصد الحديث عن نظام الرئيس جمال عبدالناصر رحمه الله وأجزل له المثوبة على ما قدمه لبلده ووطنه، لا أقصده لسببين: أولهما: أن فترة الثمانية عشر عاما التى تمثل عهد عبدالناصر من 1952 إلى 1970، هى أكثر فترة تمتعت فيها مصر باستقلالها السياسى فى القرن العشرين، ومارست موجبات هذا الاستقلال، حفاظا على أمنها القومى وبناء أسس نظام داخلى يرعى المصالح العليا للشعب المصرى ويكفل تنمية موارده والعدالة الاجتماعية. وثانيهما: أن ثورة عبدالناصر كانت وعدت بالاستقلال الوطنى وإجلاء المحتل الإنجليزى عن مصر ووفت بهذا الوعد، وكانت وعدت بالعدالة الاجتماعية ووفت بعهدها أيضا، ووعدت بحفظ الأمن المصرى القومى وجهدت بصدق وأمانة فى الوفاء به فى مواجهة ظروف دولية شديدة الصعوبة. ولم يكن وعدها الأساسى يتعلق بالنظام الحزبى البرلمانى الانتخابى.

ولكننا من تجربة مارس 1954 نظن أنه لو كان تحقق النظام الديمقراطى بمؤسساته الانتخابية مع وطنية نظام عبدالناصر وسعيه لبناء مصر بسياسات التنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية وحفظ الأمن القومى، لكان أمكن لمصر بعد عبدالناصر أن تحفظ منجزات عهده. إنما ما آلت إليه أوضاع الحكم غير الديمقراطى فى ترسيخ سلطة الفرد الحاكم، هى ذاتها ما انتكست به كل منجزات الفترة الناصرية، فى عهدى أنور السادات وحسنى مبارك، اللذين عارضاه وخالفاه فى كل سياساته الوطنية والاجتماعية، فلم يوافقاه إلا فى نظام الحكم الفردى الاستبدادى، واستخدما سلطات هذا النظام الفردى فى تقويض كل ما شيدت مصر فى العهد الناصرى وفى عهد ثورة 1919 السابق عليه وكان مارس 1954 هو شهر الحسم بين نظام ديمقراطى انتخابى ونظام فردى.


●●●


واليوم فى مارس 2011، تسنح فرصة البناء الديمقراطى الدستورى بثورة 25 يناير، وهى ثورة لم تطرح أى هدف سياسى آخر لها فى المجالات الوطنية والاجتماعية، إنما طرحت هدفا سياسيا تنظيميا بحتا هو تحقيق النظام الديمقراطى، بشقيه الحزبى والانتخابى وتشكيل المؤسسات الدستورية الجماعية الانتخابية التى لا تتيح فرصة لظهور حكم فردى من بعد ــ إن شاء الله سبحانه ــ ومن ثم يكون ضياع هذا الهدف أو عدم تحققه هو إفشال كامل للفعل الثورى القائم.

وفى هذا الظرف نجد فى التو واللحظة فريقا من أهل مصر، المثقفين والساسة والإعلاميين، يثيرون ذات المخاوف من الديمقراطية التى ظهرت سنة 1954، ويقولون إن انتخابات فى عدة شهور قليلة من شأنها أن تفكك الثورة وأن تعيد الحزب الوطنى الحاكم السابق، وهو الحزب المهزوم بفعل ثورة لا تزال قائمة، وإن ممارسة الديمقراطية «المبكرة» من شأنها أن تفكك احتمالات البناء الديمقراطى، غير مدركين فيما يبدو ما فى هذا القول من تناقض، فلو كانت جماهير الثورة الحاصلة تخاف من الحزب الوطنى الحاكم فيما سبق، فَلِمَ قامت الثورة تتحداه؟ ومادامت هزمته فكيف تخاف من بقاياه؟


وهم يطالبون أن تطول فترة حكم مصر بغير انتخابات تشريعية، وأن تبقى محكومة إما بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى أعلن عن تحديده لمدة حكمه بالشهور والمهام المحددة أو بمجلس رئاسى لم نعرف من يقترحون أن يكون المعيِّن لهم، أو بانتخابات رئيس جمهورية لايزال مجهولا لدينا جميعا حتى الآن، ويكون انتخابه قبل كل مؤسسات الدولة التشريعية بمثابة توليه لسلطة مطلقة تجمع السلطتين التنفيذية والتشريعية بغير وجود كيان موازٍ له يحد من سلطته. ويبقى كذلك حتى تتكون المجالس التشريعية بالانتخاب، وهؤلاء المطالبون بطول مدة الحكم الفردى، يقولون ببقائها حتى تنشأ الأحزاب الجديدة وتنمو وتستعد لملء الفراغ السياسى، وكأن الحاكم الفردى المطلق المشيئة سيكون بالنسبة للأحزاب الوليدة كالأب الحنون على أولاده الصغار، فيرعاهم ويصبر عليهم وعلى تنميتهم ليقطعوا أجزاء من سلطته ويحدوا نفوذه المطلق، أى يكون حاكما يتعهد منافسيه ومقيديه بالرعاية حتى ينافسوه جيدا.

إن كل ما نصنعه الآن هو تكوين مؤسسات ديمقراطية لهذه الفترة الانتقالية المحددة لنضع من خلالها دستورا ديمقراطيا جديدا. لأن الفترة الانتقالية إن كانت مبنية على أسس نظام استبدادى أو فردى فلن تنتج إلا نظاما جديدا استبداديا وفرديا، أما إن توافر فيها عنصر الاختيار الإجماعى الحر والعمل الجماعى المشترك الممثل لجماهير الشعب، فالغالب إن شاء الله أن تنتج مثيلا لها فى الجوهر فى هيئة دستور جديد.

ثورة ناجحة استطاعت أن تجمع بعملها السلمى الثورى أكثر من عشرة ملايين مواطن فى يوم واحد بمدن مصر العديدة، وأن يبقى نفسها التجمعيى هذا أياما وأياما حتى أسقطت رءوس النظام السياسى القابض على السلطة وحتى نحقق النقل المؤقت للسلطة لإنشاء سلطة جديدة. هذه الثورة بجمهورها كيف تخاف ولا تطمئن إلى نتيجة انتخابات تجرى وهى فى عز زخمها وحركيتها الجماهرية الواسعة.

إلى من يخافون من الديمقراطية الانتخابية، أذكر لهم قول أبى العلاء المعرى:

فيا عجبا من مقالاتهم أيعمى عن الحق هذا البشر

والحمد لله

العربة والحصان والتعديلات الدستورية - أحمد يوسف أحمد


ها نحن مدعوون إذن بعد يومين فقط للمشاركة فى وضع العربة أمام الحصان، فماذا ترانا فاعلون؟ لقد اشتعلت الساحة السياسية المصرية منذ خرجت التعديلات الدستورية إلى النور بجدل سياسى واسع حول جدواها. يسوق أنصار هذه التعديلات حججا عديدة يأتى فى مقدمتها أن إقرار التعديلات يمكننا من المضى قدما فى بناء مؤسسات دولة ما بعد الثورة، وكذلك نظامها السياسى، ناهيك عن أن تعديل دستور 1971 لا يصادر على إمكانية صياغة دستور جديد بعد اتخاذ الإجراءات المناسبة.

أما حجة المعارضين للتعديلات الخاصة بأن قوى المعارضة تحتاج وقتا للاستعداد للانتخابات فإن أنصار التعديلات وأهم فصيل فيهم هم الإخوان المسلمون يردون بأنه ليس ذنبهم أنهم مستعدون للانتخابات بينما غيرهم ليس مستعدا، وعموما «يطمئننا» الإخوان بأنهم لن يسعوا للحصول على أغلبية برلمانية أو للمنافسة على منصب الرئاسة، وسوف نعود إلى هذه النقطة لاحقا. وأخيرا وليس آخرا فإن أنصار التعديلات الدستورية يرون أن الاستفتاء عليها هو الإجراء الوحيد المتفق مع خارطة الطريق التى وضعها المجلس الأعلى للقوات المسلحة على ضوء ظروفه، ذلك أن الاضطلاع بالمسئوليات الداخلية الراهنة فى مصر من حفظ للأمن ومواجهة أى خروقات تحدث فيه يباعد بين القوات المسلحة وبين دورها فى حماية الأمن المصرى من الأخطار الخارجية التى تتعاظم يوما بعد يوم.

والمشكلة أن كافة الحجج السابقة مردودة، ومع أننى لست خبيرا بشئون القانون الدستورى إلا أننى أعلم أن رأيى فى مسألة التعديلات الدستورية يتفق مع اتجاه قوى لدى أساتذة القانون الدستورى. والواقع أن قضية التعديلات الدستورية غير ذات موضوع أصلا، فقد سقط دستور 1971 بمجرد «تخلى» الرئيس السابق عن الحكم، ولو كان لهذا الدستور وجود لما كان المجلس العسكرى الأعلى قد تولى إدارة شئون البلاد، لأن دستور 1971 يجعل الرئاسة فى هذا الصدد لرئيس مجلس الشعب الذى حله المجلس العسكرى مع شقيقه مجلس الشورى، لأن الكافة تدرك أنهما بنيا على تزوير فادح. ولو كان دستور 1971 قائما لظللنا ننتقل من أزمة دستورية لأخرى بسبب تقوض كافة مؤسسات النظام، وأعلم بطبيعة الحال أن من رجال القانون الدستورى من يرى أن السقوط يجب أن يكون صريحا (صدور إعلان دستورى ينص على ذلك مثلا) لكننى كمحلل سياسى أعلم أيضا أن ثورة 25يناير قد نقلت مصر من حال إلى حال يختلف جذريا، مما يتطلب شرعية دستورية جديدة تماما، فإذا قيل إن التعديلات لا تصادر على وضع دستور جديد للبلاد لاحقا كان التعليق الفورى: لماذا نضيع الوقت المحدود الذى نملكه إذن فى استفتاء على تعديلات دستورية؟ أو ليس الأفضل أن نتجه إلى الهدف الرئيسى مباشرة وهو وضع دستور جديد للبلاد كما فعلت تونس؟

لا يهمنى فى الإطار السابق الاستعداد للانتخابات من عدمه إلا من منظور محدد سأعود إليه لاحقا، لأنه من حق الإخوان المسلمين ــ الذين لم يتوقف سعيهم يوما طيلة ثمانين عاما لتعزيز جماعتهم وترسيخها على الرغم من الظروف القاسية التى أحاطت بهم ــ أن يحصدوا ثمرة سعيهم هذا حتى ولو سيطروا على كافة الانتخابات القادمة بشرط الالتزام بمقومات المجتمع المصرى. لكننى أدعو المتحدثين باسمهم إلى التوقف فورا عن نغمة التعالى التى ستضر بهم ضررا بالغا: نحن لا نسعى لتحقيق أغلبية برلمانية أو للمنافسة على منصب الرئيس، وسوف نكتفى بالترشح فى 35% من الدوائر (تقل هذه النسبة فى روايات وتزيد فى روايات أخرى)، ويعنى ما سبق أنهم يستطيعون أن يهيمنوا على كل شيء، لكنهم مع ذلك سوف يتركون «نصيب الأسد» لتلك القوى المفزوعة من سيناريو سيطرة الإخوان على الحكم فى مصر. والواقع أن أى مبتدئ فى التحليل السياسى يعلم أن للإخوان المسلمين أنصارا بطبيعة الحال فى الـ65% المتبقية من الدوائر (إذا اكتفوا بالترشح فى 35% من الدوائر)، والسلوك الانتخابى المتوقع لهؤلاء الأنصار لابد وأن يكون مرتبطا بما تريده قيادة جماعة الإخوان، ومن هنا يمكن أن تتحقق للإخوان أغلبية برلمانية من مرشحيها الفعليين الفائزين فى الانتخابات وأولئك الذين حظوا بثقة قيادة الإخوان المسلمين، وإن تحركوا فى الانتخابات بغير شعارات الإخوان. كذلك يمكن لمرشح الرئاسة أن يفوز بأصوات الإخوان ويصبح مدينا لهم.

غير أن المطلب المشروع فى الانتخابات القادمة يتعلق بتلك القوى الهائلة عدديا التى تشير مؤشرات كثيرة إلى نيتها الإقبال على الاستفتاء بكثافة تثبت أننا إزاء مصر جديدة فعلا، ولنا أن نعرف أنه إذا كانت الأرقام الرسمية تفيد بأن نسب المشاركة فى الاستفتاءات السابقة تتجاوز الـ50% فإن حقيقة الأمر أنها كانت لا تتجاوز فى المعتاد 10%، فإذا تصورنا مثلا أن الهيئة الناخبة فى مصر قد بلغ عددها 40مليون فإن هذا يعنى أن أربعة ملايين على الأكثر كانوا يشاركون، وإذا تفاءلنا الآن بما نشهده من حيوية سياسية فى المجتمع يمكن أن ترفع نسبة المشاركة إلى 80% مثلا فإن هذا معناه أن 32مليون مصرى سوف يشاركون فى الاستفتاء القادم وما تليه من خطوات، وهؤلاء يحتاج معظمهم بعد أن ظل بعيدا عن الحياة السياسية فى مصر سنوات أو عقودا إلى حوارات معمقة لقضايا دستورية وسياسية لا يمكن أن تستقيم المشاركة السياسية بدونها. ليس المطلوب إذن من الإخوان المسلمين أن «يتبرعوا» للشعب المصرى بـ65% من الدوائر أو أقل أو أكثر، وإنما أن يعترفوا بأن ثمة وقتا مطلوب كى نعيد تأهيل هذه الكتلة الهائلة من الشعب المصرى للمشاركة الحقة، والتى تتحرق شوقا إلى المشاركة والمعرفة معا كما يبدو من شواهد لا يمكن للعين أن تخطئها، بالإضافة إلى أن ثمة قوى سياسية جديدة دخلت إلى ساحة السياسة المصرية بحيوية فائقة، كالطليعة الشبابية لثورة 25يناير، وهذه من حقها أن يُترك لها مدى زمنى لإعادة تنظيم صفوفها بالطريقة التى تترجم دورها إلى حقائق سياسية وتنظيمية.

تبقى الحجة الخاصة برغبة المجلس الأعلى فى العودة إلى عمله الأصيل، وهى حجة يجب احترامها خاصة وقد كان للقوات المسلحة دورها المقدر فى نجاح الثورة، لكننا لا نملك هنا سوى مناشدة المجلس تمديد الفترة الانتقالية حتى يعود أعضاؤه إلى ثكناتهم وهم راضون عما قدموه للوطن، فلن يجدى كثيرا أن نصل إلى «المحطة» الأخيرة فى الوقت المحدد إذا كانت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية سوف تعيد إنتاج أوضاع ما قبل 25يناير لأنه لا جديد فى الساحة السياسية يمكننا من النجاح فى إقامة البناء المؤسسى المطلوب كى نحول ثورة 25يناير من الشرعية السياسية إلى الشرعية المؤسسية المبنية على شرعية دستورية جديدة.

ما العمل إذن إزاء هذه المعضلة الدستورية والسياسية المعقدة؟ خاصة وأن أنصار التعديلات يخيفوننا بأن رفضها سوف يدخلنا فى فراغ دستورى؟ والحقيقة أن الرفض قد يعيدنا إلى المسار السليم، وهو انتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد فيما يمكن سد الفراغ الدستورى بإعلان دستورى يصدره المجلس العسكرى الأعلى. ليس أمامنا جميعا إلا أن نشارك وبكثافة: الموافقون والرافضون، فالمشاركة الكثيفة بحد ذاتها بداية جديدة، وسوف نحتاج إليها كثيرا فى الأٍسابيع والشهور القادمة فى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وفى الاستفتاء على الدستور الجديد، ولا يجلسن أحد فى بيته بحجة أنه معترض، لأنه بالمشاركة وتسجيل اعتراضه يمكنه أن يصنع الفارق المطلوب ويوقف الحصان أمام العربة وليس خلفها.

الأربعاء، 16 مارس 2011

لأه.. تى راراراه.. لأه - عمر طاهر


لأن لجنة التعديلات والجيش لا يستمعان للحلول الوسط التى طرحتها القوى المختلفة لتحقيق أفضل مكاسب ممكنة، لأنهما لا يستجيبان لتعديل بعض المواد التى تقابل برفض عام ويضعوننا فى خانة التصويت على التعديلات بالجملة.. سأقول لا.

لأننى لا أثق فى أحد ثقة كاملة إلى النهاية وأريد أن أعرف الآلية التى سأحاكم بها رئيس الجمهورية قبل أن أنتخبه وقبل أن يشرف هو شخصيا على إعداد دستور قد يغفل هذة النقطة أو يصوغها بشكل مطاطى.. سأقول لا.

لأننى أثق أن شرف «خير أجناد الأرض» سيحول بين الجيش وبين أن يتناسى وعده بتسليم السلطة إلى مدنيين إذا ما طال قليلا اشتراكه فى الإشراف على إدارة شؤون البلاد حتى تنهض بشكل سليم.. سأقول لا.. (وإذا كان الجيش قد فعل هذا فى ثورة 52 فلأنه كان يؤمن بأنها ثورته، أما الآن فالكل - وأولهم الجيش- يعلم أنها ثورة الشعب). لأننى أثق تماما أن التصويت بنعم للهروب من مأزق الحديث حول المادة الثانية واتقاء شر الفتنة هو مجرد تأجيل لها، فالفتنة أجدر بأن يتم علاجها الآن لأن تأجيل مواجهتها سيحولها إلى خلايا سرطانية تسرى فى جسد البلد ببطء إلى أن نصحو يوما على كارثة.. سأقول لا.

لأنه من مصلحتى ومن مصلحة الإخوان المسلمين أيضا أن أعرف بوضوح هل ستظل جماعة محظورة أم أنها ستتحول لحزب سياسى؟، ولأننى أريد أن أعرف كيف سيتم تنظيم موضوع الأحزاب وعلاقتها بالأديان.. ساقول لا.

لأننى لا أعرف من هم أعضاء مجلس الشعب القادمين حتى أطمئن لقدرتهم على صياغة الدستور ونحن نعلم جميعا كم حفلت البرلمانات السابقة بالفاسدين والأميين والمتعصبين والترزية والمحتكرين ولاعبى القمار.. سأقول لا.

لأننى لا أريد أن أترك الأمور للمصادفة والحظ والنصيب، لأننى أريد أن أعرف راسى من رجليا قبل أن أخطو خطوة للأمام، لأننى أريد أن أتخلص من فوبيا «ايه اللى يضمن» التى تلتصق بالتعديلات أيا كانت نتيجة التصويت عليها.. طالما كده أو كده «إيه اللى يضمن» يبقى «لا» أحسن ونشوف حل ثالث.

لأننى أؤمن بأن إعلاناً دستورياً مؤقتاً قد يكون أكثر وضوحا وشفافية من تعديلات بلا ضمانات كافية يسهل خرقها أو التحايل عليها أو هدم كل ما بنى عليها بدعوى قضائية من محام مغمور.. ساقول لا. لأننى أعرف أن كلمة نعم تبدو الاختيار الأسهل لكننى أؤمن بأن العالم يخطو للأمام ويرتقى تحت سحر كلمة «لا».. ساقول لا.

لأننى أحلم بدستور عابر للأجيال والانتماءات والرؤساء والبرلمانات يليق بالفكر الذى فرضه الجيل الجديد على شارع السياسة فى مصر مع كامل احترامى لكل الأجيال السابقة، ولأننى أحلم بدستور ثورى يعدنا بالبلد الذى نحلم به بكل دقة، بكل وضوح، بكل جرأة.. سأقول لا.

لأننى لا أفهم كيف يعترف المجلس العسكرى بوجود ثورة مضادة تسرى فى أنحاء البلد ثم نقوم فى هذه الأجواء بانتخاب برلمان ورئيس.. سأقول لا. لأننى أؤمن بأنه فى حالة إجماع الإرادة الشعبية على كلمة «نعم» سأكون أول من يحترم ويبارك اختيارها على أن أبذل أقصى جهد فى دعم إيجابيات هذا الاختيار ومحاربة سلبياته.. سأقول لا.

لأننى مقتنع بنظرية «وجع ساعة ولا كل ساعة» أكثر من نظرية «خسارة قريبة ولا مكسب بعيد».. سأقول لا.

الثلاثاء، 15 مارس 2011

«لَعَم» للتعديلات الدستورية - بلال فضل

إذن فقد أصبحنا الآن نعرف أن الحرية مربكة. جميلة لكنها مربكة، ومحيرة، ومرهقة. هل تذكر كيف كانت تمر علينا الانتخابات والاستفتاءات والانتختاءات يُنسى بعضها بعضا؟، انتخابات لم تكن تحتاج إلى صحفيين لتغطيتها بل إلى نقاد مسرحيين، واستفتاءات كان يليق بها أن تسمى استفساءات، لم نكن نستفتى بل كان يُستفتى بنا، لم نكن ننتخب بل كان يُنتخب لنا، ولذلك لم نكن نشعر أبدا بالحيرة والتوتر والإرباك الذى نشعر به الآن، لأننا نعرف أن صوت كل منا يمكن أن يفرق فى مستقبل هذه البلاد ومستقبله هو وأولاده ومن يحب ومن يكره.

كلنا محتارون، حتى أكثرنا تماسكا وإظهارا لقدرته على التوصل إلى رأى قاطع يعلم أنه محتار بداخله، ومع ذلك فهى حيرة يجب أن نفرح بها، فلا ننسى وسط مناقشاتنا ومداولاتنا وخناقاتنا أننا لأول مرة فى تاريخنا أصبح من حقنا أن نختار، نحن الآن فقط أصبحنا بشراً، ولم نعد سوائم تسير حسب رغبة قائد القطيع، حتى فى أيام العصر الليبرالى الذهبى فى الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضى كان اختيار الشعب مرهونا برغبة الملك فى بقاء الوزارة أو رحيلها، أما الآن فلن يكون بمقدور أى سلطة مهما كانت أن تفرض علينا اختيارا لا نرغب فيه، فقد دفعنا ثمنا باهظا لحريتنا فى الاختيار ولن نفرط فيها أبدا بإذن الله. لم نعد مجبرين على أن «نلبس» إلى الأبد قائدا ضرورة لو رحل سنضيع من بعده، لدينا مرشحون رئاسيون محترمون سيبذل كل منهم مجهودا ضخما لإقناع الغالبية العظمى من الأصوات بنفسه، لن نعود ثانية ذلك البلد الذى ينجح فيه رئيس بثلاث تسعات فى المائة من أصوات الناخبين، بل إننى أظن أنه لن تعرف بلادنا فى الانتخابات الرئاسية القادمة رئيسا ينجح بأغلبية ساحقة، ربما ينجح بأغلبية مريحة، لكنه سيجد أمامه معارضة قوية تجبره على المشى فوق عجين السلطات دون لخبطة.

حتى فى دوائرنا النيابية لن يكون الأمر سهلا على كل من تعوّد أن ينجح بالتزوير والتقفيل والتسويد، لأننا سنسود عيشته وسنقفلها فى وجهه وسنَطْبق فى زوره، مثلما تعرضنا للموت فى ميادين التحرير سنواجهه أمام أبواب اللجان الانتخابية وداخلها لكى نضمن انتخابات نزيهة يحصل فيها الناس على ما يستحقونه، فإن أحسنوا الاختيار فهنيئا لهم، وإن أساؤوا فكان الله فى عونهم حتى موعد الانتخابات المقبلة، لا تحدثنى هنا عن سيطرة المال فحتى الذين تعودوا على الوصول إلى مقعد الانتخابات بالمال سيدفعون هذه المرة للناخبين فقط، ولن يكونوا مضطرين لأن يرش الرشة الجريئة التى تبدأ من رئيس الجمهورية وإنت نازل، أرجوك لا تضيع وقتك بالحديث عن عيوب شعبك ومشاكله وتخوفاتك منها، بل اشغل نفسك بالنزول إلى الشارع لتوعية شعبك وإزالة ما ران على قلبه وعقله من فساد العهد المباركى، وإذا كنتُ قد رجوتك قبل رحيل مبارك إذا أردت أن تيأس أن تيأس قدام باب بيتك، فهذه المرة أرجوك أن تيأس بداخل بيتك، وأن تترك الشارع للعاملين الآملين الحالمين المقاتلين الذين خرجوا يواجهون تنين الباطل بأرواحهم فأسقطوه، ومازالوا مصممين على مواجهته وهو يترنح ويضرب بذيوله الغشيمة فى كل اتجاه.

هذا عن الانتخابات الرئاسية والانتخابات البرلمانية، فماذا عن الاستفتاء على تعديلات الدستور؟، هل توصلت بشأنها إلى قرار قاطع، أم أنك مازلت محتارا مثلى؟. أغلب الظن أنك مازلت محتارا تتأرجح بين نعم ولا، ليس هذا مهما، المهم ألا تكون أخذت قرارك بنعم أو لا بناءً على ارتياحك لمن أشاروا عليك بأن تقول نعم أو لا، أو لأن من تكرهه وتختلف معه سياسيا قال لا فقررت أنت أن تقول نعم، المهم أن تأتى الإجابة من داخلك أنت حتى لو جاءت ولادتها متعسرة ومرهقة، المهم ألا تحرم نفسك من جلال اللحظة التى ستتخذ فيها قرارا مصيريا للمرة الأولى فى حياتك، لكى تفرح بها إن رأيت ثمارها، وتضرب نفسك بالبونية إن أدركت كم كانت متسرعة وخاطئة.

أنت تعلم أن التعديلات الدستورية ليست كافية ولا وافية ولا مثالية، لم يقل أحد إنها كذلك حتى الذين عدلوها، لكنك تريد أن تقول لها نعم، لأنك خائف من أن يتكرر فى مصر ما حدث من قبل عقب حركة يوليو 1952، قبل أن تغضب من وصفى لها بحركة تذكر أن صانعيها كانوا يصفونها كذلك، قبل أن يقنعهم عميد الأدب العربى طه حسين بأنها ثورة وليست حركة.

أنت تريد أن تستغل هذه الفرصة التاريخية التى نرى فيها جيشا يصر على أن يترك مقعد الحكم ويعود إلى ثكناته، بينما يصر كثير من المدنيين عليه أن يبقى بصيغة أو بأخرى لكى يرتبوا أوراقهم السياسية ويأخذوا فرصة فى الوصول إلى الشارع الذى يعرفون جيدا أنه لم يكن معهم فى معركة التحرير، بل وقف أغلب أفراده ما بين «متفرج حذر أو متحفظ أو عدائى أو لا مبالى».

ربما تريد أن تقول لا، لأنك تخشى من قدرة أذناب نظام مبارك على التشكل من جديد وارتداء أقنعة الثورة وفتح مواسير الفلوس على آخرها، وماله، لكن هل يمكن لذلك التخوف أن ينتهى خلال سنة ونصف، فى شعب أفقروا موارده وإرادته، أم أنك لكى تأمن هذا الخوف تماما تحتاج إلى عشرات السنين تخلق فيها اقتصادا قويا وتعيد بناء الشخصية المصرية فتمحو منها معالم ثقافات المنح والسفلقة والتسول والأنامالية والبرشطة؟ تريد أن تقول لا، لأنك تخاف من سيطرة تيار منظم على الحياة السياسية فى مصر، يخيفك الإخوان؟!

حقك ولن ألومك، فلم نر من الإخوان الكثير الذى يدفعنا لكى نستريح إليهم تماما، كان أداؤهم فى الثورة مريحا ومشرفا، لكن معرفتنا بتاريخهم وبانعدام الديمقراطية داخل صفوفهم وبسيطرة العقليات القديمة داخلهم، كل ذلك يخيفنا منهم، لكن ألا تخشى أن نكرر عندها ما فعله قبلنا عقب يوليو 1952 مثقفون وطنيون من أمثال فتحى رضوان وسليمان حافظ وعبدالرازق السنهورى، حينما كتبت الأقدار لهم أن يلتقوا بقادة يوليو ويلتفوا حولهم، ولأنهم كانوا ينتمون إلى أحزاب سياسية معادية لحزب الوفد صاحب الأغلبية الكاسحة (كان السنهورى ينتمى إلى الهيئة السعدية،

بينما كان رضوان وحافظ ينتميان إلى الحزب الوطنى اللى بجد)، فقد دفعهم الخوف من عودة الوفد للسيطرة على الحياة السياسية إلى إقناع الجيش بإسقاط دستور 1923 وحل الأحزاب، وساعدهم فى ذلك أساتذة قانون بارزون أشهرهم الدكتور سيد صبرى صاحب براءة اختراع مصطلح (الفقه الثورى)، وباركهم فى ذلك الإخوان المسلمون الذين رأوا فى التخلص من الوفد فرصة عمرهم للتحالف مع الجيش والسيطرة على البلاد، وهكذا تحالف هؤلاء جميعاً لإسقاط الحياة السياسية النيابية، ليس عن خسة أو دناءة، بل سعيا وراء أهداف نبيلة ورغبة فى تطهير الحياة السياسية، فكانت النتيجة فى نهاية المطاف أن مصر شهدت عهودا من الاستبداد لم تتخلص منها إلا بفضل ثورة يناير، ومازال يلزمها الكثير من الثورات فى شتى المجالات لكى تتخلص من تبعات تلك العهود اللعينة.

ألا يذكرك الخوف من الوفد وقتها بالخوف من الإخوان الآن، ألا يذكرك الحديث عن التخلص من بقايا الحزب الوطنى الآن بالحديث عن التخلص من بقايا الإقطاع وقتها، ألا تلمح نغمة بدأت تتردد فى كتابات البعض تسعى لشخصنة الجيش بدلا من الحديث عنه كمعنى وكقيمة وكضامن لنجاح الثورة، مع أن دعم الجيش لا يصح أن يكون على بياض بل يجب أن يأتى كما قلت من قبل على أرضية وحيدة هى تعهده بتنفيذ المطالب المشروعة للثورة، ألا تخشى أن يواصل هؤلاء المثقفون، سواءً عن قناعة أو عن نطاعة، عزف تلك النغمة لتتحول شيئا فشيئا إلى سيمفونية تخلق مستبدا عادلا جديدا يحن الناس إليه بفعل الخوف من الفوضى والرغبة فى الاستقرار، فيخرج الناس إلى الشارع كما خرج أسلافهم فى مارس 1954 لكى يضربوا كل من يطالب بالديمقراطية والحريات ولو كان قيمة وقامة، ألا تخشى أن ينقلب السحر على الساحر كما انقلب على السنهورى وسليمان حافظ والإخوان من قبل؟

من حقك أن ترى أن المقارنة التى نعقدها بين ما أعقب ثورة يوليو وما نحن فيه الآن، مقارنة متعسفة وغير منصفة، فالزمن غير الزمن، والواقع الدولى وقتها غيره الآن، والفارق كبير بين حركة قام بها ضباط جيش للإطاحة بملك فاسد ثم تحولت إلى ثورة بعدها، وبين ثورة قام بها مئات الآلاف من الأحرار تحولوا إلى ملايين فى أعظم ثورة شعبية فى التاريخ المعاصر.

من حقك أن تقول هل سقطت دماء الشهداء لكى نقبل بأرباع الحلول، هل ضحينا بأرواحنا لكى نحصل على دستور مرقع، وأنت تعرف أن الترقيع أمر لا يليق بمن ينوى دخول حياة جديدة على نضافة، ألم تكن الثورة حلما بمصر جديدة، فلماذا نأتى إلى أهم دعائم مصر الجديدة فنكون واقعيين ونرضى بالقليل، لماذا لا نصر على إسقاط هذا الدستور سيئ السمعة الذى لا يمكن مقارنته أبدا بدستور 1923، لماذا لا نصر على أن يقوم الجيش بعمل لجنة دستورية موسعة من كبار الخبراء الدستوريين والقانونيين لصياغة إعلان دستورى نسير فى الفترة الانتقالية على هداه، إعلان دستورى يبتعد عن المواد المثيرة للجدل والفتن ويكتفى بالتركيز على المواد التى لا تخلق رئيسا بصلاحيات متغولة تشيطن حتى الملائكة، لماذا لا نستغل فرصة وجود حكومة يرضى عنها الشعب ويأنس إليها ويأمل منها خيرا، فنقوم بتشكيل مجلس رئاسى مكون من اثنين من المدنيين ورجل عسكرى،

وإذا كنا سنجد صعوبة فى الاتفاق على أسماء المدنيين فلماذا لا نشكل هذا المجلس من رئيس المحكمة الدستورية ورئيس محكمة النقض والقائد العام للقوات المسلحة ونعلن استمرار المجلس لمدة عام تُطلق فيه حرية إطلاق وتشكيل الأحزاب والنقابات والصحف ويتم فى العام نفسه وضع ضوابط قضائية صارمة على عمل جميع الأجهزة الأمنية وعلى رأسها جهاز أمن الدولة وتأخذ أجهزة الشرطة فرصة لإعادة هيكلتها وبنائها وبناء علاقتها بالشارع، ثم تجرى فى نهاية ذلك العام الانتخابات البرلمانية وتعقبها الانتخابات الرئاسية التى سيأتى فيها رئيس بسلطات مقيدة لا تصنع منه فرعونا جديدا، ثم تتم بعدها الدعوة لانتخاب مجلس تأسيسى للدستور تمثل فيه كل الطوائف والمهن والأعراق والخبرات، فنبنى مصر الجديدة على رواق وبما يرضى الله، بدلا من التعجل واللهوجة والكروتة التى لم ننل منها خيرا طيلة عمرنا؟

إذا كنت ترى أن ما لا يُدرك كله لا يُترك كله فعليك أن تقول نعم، أما إذا كنت ترى أن عهد الحلول الوسط قد انتهى وأننا يجب ألا نخاف من أى سلطة بعد أن امتلكنا القدرة على الثورة فعليك أن تقول لا، وفى الحالتين عليك أن تفرح لأنك أصبحت تملك الاختيار فى أن تقول لا أو نعم، من المهم أن تفرح بحلاوة الحيرة، شريطة ألا تدفعك الحيرة إلى أن تجلس فى بيتك يوم السبت وتقول «لعم» للتعديلات الدستورية.

الاثنين، 14 مارس 2011

الثورة لم تصل الإعلام - ياسر عبد العزيز


فى يونيو من عام 2005 أراد الدكتور أيمن الظواهرى، الرجل الثانى فى «القاعدة»، تقديم النصح إلى زعيم التنظيم فى العراق أبى مصعب الزرقاوى، فبعث إليه برسالة جاء فيها قوله: «وتذكر دائماً أن نصف المعركة فى الإعلام».

يبدو أن ما وصل إليه «الظواهرى» لا يختلف كثيراً عما أكده البروفسير فى جامعة هارفارد، جوزيف ناى، الذى وضع كتاباً فريداً بعنوان «القوة الناعمة: سبل النجاح فى عالم السياسة الدولية»، وهو الكتاب الذى ظل ملهماً لكثير من السياسيين والسياسات فى العالم، ومحلاً لجدل لم ينقطع منذ صدوره فى عام 2004.

لقد أكد «ناى» فى أطروحاته المختلفة عن مصطلح «القوة الناعمة» أن المعارك لا يمكن أن تُربح فقط فى ميادين القتال، وأن الكاسب فى الحرب هو ذلك الذى «تكسب قصته فى الإعلام»، مدللاً على ما ذهب إليه بأن وسائل الردع وآليات الاحتواء العسكرى الضخمة التى كرسها الغرب لمواجهة المعسكر الشرقى فى غضون الحرب الباردة لم تكن لتنجح من دون استخدام «الإذاعات الموجهة»، التى دمرت ثقة السوفييت فى أنفسهم، فسهلت هزيمتهم.

لا يبدو أننا بحاجة إلى الكثيرمن الأمثلة للتأكيد على ما للإعلام من قوة وتأثير كبيرين، ليس فقط فى صياغة الأحداث المهمة وتأطيرها وترتيب الأولويات، ولكن أيضاً فى بلورة المفاهيم، وترجيح الخيارات والبدائل، وتشكيل الرأى العام، وقيادته أحياناً نحو اتخاذ قرارات بعينها أو تكوين مواقف محددة.

كان الإعلام المصرى الرسمى أداة دعاية مباشرة سوداء فى يد النظام السابق تعمل على غسل أدمغة المواطنين صباح مساء، قبل أن يصبح معول هدم وتشويه للثورة منذ اندلاعها فى 25 يناير وحتى تنحى مبارك، حيث بدأ منذ هذا التاريخ فى عملية «غسل أيدى» و«ركوب للموجة»، ليوحى للجمهور بأنه أحد «أركان الثورة» و«محاربى الفساد والاستبداد». واليوم يمارس الإعلام الرسمى سياسة جديدة من خلال مرحلة جديدة، يسعى خلالها إلى «تفريغ الثورة من مضمونها»، عبر إثارة فزع الناس من «الفوضى والجوع والفتن والحرب الأهلية»، وإعادتهم مرة أخرى إلى العبودية والاستبداد والاستسلام للفساد وللانهيار الأخلاقى العام.

لعلك سمعت كثيراً عبارات من نوع «مصر ما قبل 25 يناير وما بعد 25 يناير»، و«من المحال أن تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه»، و«لقد تخلص الشعب المصرى من العبودية والاستبداد إلى الأبد»، وهى جميعها عبارات تشير إلى تغير ملموس بات الكثيرون يشعرون به منذ إطاحة الرئيس السابق، وتحقيق بعض مطالب الثورة، لكن هذه العبارات ستبقى طويلاً محل شك، طالما أن الثورة أطاحت بالرئيس ووزرائه النافذين، من دون أن تمس إمبراطورية الإعلام الرسمى.

ثمانى مؤسسات صحفية قومية، تصدر عنها 55 صحيفة، وتسع شبكات إذاعية، وأكثر من 20 قناة تليفزيونية عامة ومتخصصة وفضائية وأرضية، وعدد من الخدمات الإلكترونية والهاتفية، كلها تعمل بطريقة واحدة، هدفها «تفريغ الثورة من مضمونها» و«إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه»، من خلال «غسل اليد» من النظام السابق، و«ركوب الموجة» بالحديث عن الفساد والأموال المنهوبة، واختزال مطالب الثورة والأهداف الوطنية فى «تحقيق الأمن، واستعادة الشرطة، وتوفير الدقيق، وإيقاف الخسائر الاقتصادية».

وسائل الإعلام التابعة للدولة، التى كانت مجرد أداة دعاية سوداء فى يد الحكومة، بل الحزب الحاكم سابقاً، بل جناح التوريث فى الحزب، والتى ظلت على مدى ثلاثة أسابيع تخون الثائرين، وترعب المواطنين، وتستخدم أحط الوسائل للحفاظ على بقاء النظام السابق، وتفقد دورها الرئيس ووظيفتها الأولى كمصدر اعتماد أساسى للجمهور المصرى، وتسلمه إلى منظومات إعلامية وافدة، تحاول أن تقنعنا اليوم أنها ضد الفساد ومع الثورة.

جميع من كانوا فى مواقع المسؤولية فى وسائل الإعلام التابعة للدولة قبل ثورة 25 يناير كان عليهم أن يتقدموا باستقالاتهم فور تنحى الرئيس مبارك، مرة لأن الطبقة السياسية التى انتموا إليها وسخّروا موارد الدولة للدفاع عنها سقطت وثبت فسادها وعجزها، ومرة لأنهم برهنوا على عجز مهنى صارخ وفاضح عرض البلاد إلى انكشاف إعلامى خطير، ومرة لإعطاء الفرصة لمن بيدهم الأمر لاتخاذ خطوات نحو الإصلاح والتغيير، ومرة ثالثة لأن أحداً لا يمكن أن يعمل لمصلحة نقيضين فى آن واحد.

لكن يبدو أن الجلود كانت سميكة إلى قدر كبير، بحيث رأى كل صاحب موقع فى تلك المنظومة، ما عدا قليلين، أن ذاكرة الجمهور مثقوبة، وسرعان ما سينسى الجميع ما تم ارتكابه من جرائم عبر وسائل الإعلام الحكومية، ويبدو أيضاً أن من بيده الأمر أراد استبقاء «الجنود الأوفياء» أنفسهم لتنفيذ بعض المهام المتصلة بطبيعة المرحلة.

تبدو المهام الراهنة واضحة، وأولاها ترويع الناس من الفوضى والانفلات والفتن الطائفية، وتحويل الشاشات والصفحات إلى نداء عريض مفاده «ابحث عن الشرطة»، وكأن الشرطة لا تنزل الشارع إلا بعد «نداء واستجداء»، وثانيتها التحذير من الجوع، وثالثتها تهويل الخسائر، التى بلغت نحو مليار دولار، ولا تمثل عُشر ما تم نهبه فى طريق القاهرة – الإسكندرية الصحراوى، وآخرها ترديد الأغانى التى تُشعر الجمهور بأن «ثورة مرت من هنا، وقد نجحت»، لكنها لم تصل أبداً إلى سدنة الإعلام المأفون الضال.

مولد وصاحبه غايب - جلال عامر


هذه هى نتيجة النوايا الحسنة والعمل الصالح - اللهم أوعدنا - إذ يقال إن «مبارك» زار أحد المحامين فى المنام وأعطاه «توكيلاً» وأخذ منه «المبايعة» وهى درجة لا يبلغها إلا محام بالنقض تفرغ لحب الوطن وتربية الفراخ فى المكتب، فعندما تبدأ الفوضى تطل الأكاذيب، لذلك تركنا مسؤول الأمن المركزى وأمسكنا بمسؤول الجهاز المركزى، فمن المعروف أن «مبارك» الذى تفرغ الآن لزيارة الناس فى المنام رغم منعه من السفر كان يهمل تقارير «الملط» ويهتم بمحاكمات «العريان»، لذلك يريد البعض الآن أن يعدل الأوضاع فيقرأ تقارير «العريان» ويطلب محاكمة «الملط» فهل استكثرنا أن يكون بيننا شرفاء؟.. وكثير من الملح قد يفسد المعدة وقليل من العقل قد يمنع الفوضى.. ولو بدأت الانتخابات الآن سوف يفوز الإخوان ولو بدأ الدورى الآن سوف يفوز الزمالك لذلك تم تأجيل الاثنين لنتفرغ لتلويث الشرفاء.. زمان كل من يكره جاره كان يعمل له محضر وتقرير طبى ويرشحه للرئاسة، الآن كل من يكره جاره يعمل له عمل ويقدمه للنيابة.. مولد وصاحبه غايب.. وأنا أحب المستشار «الملط» لأنه لا يملك سيارة مثلى لأن رابطة راكبى الميكروباص أقوى من رابطة الدم، لذلك سوف أزوره فى المنام لأطمئنه أن الثورة بلا رأس لكن لها ألف عقل وتستطيع أن تفرق بين المحامى الذى يزوره «مبارك» فى المنام والرجل الذى منعوه من الكلام.. فإذا كنا لا نستطيع التمييز بين الفاسد والشريف فتعال نتعرف على الأرشيف.. والصبر جميل والعمر طويل، فلا أحد يطلب من الطفل أن يقول له يا بابا قبل أن يخلفه، فالغريب أنه لا فاسد حقيقياً حتى الآن أخذ مخالفة، بينما نتيجة لدوران الأرض ليلاً بدأ الناس فى شارعنا يخوضون فى سيرتها ويقدمون ضدها البلاغات لذلك أخشى أن ينقشع غبار المولد، فتتحول أم الدنيا إلى أم المطّاهر ونجد «حمدى قنديل» و«حمدى الطحان» و«حمدى السيد» فى السجن يحرسهم «أحمد عز» و«أحمد نظيف» و«أحمد شوبير» ويزورهم «مبارك» فى المنام.

الجمعة، 11 مارس 2011

جمعة الوحدة الوطنية - معتز بالله عبد الفتاح


أرجو وأدعو أن تكون الجمعة القادمة هى جمعة تأكيد أن المصريين لن يسمحوا لشياطين الهوى بأن يردوهم عن مصريتهم التى طالما تجسدت فى مواقفهم الوطنية ضد كل من حاول أو يحاول أن يتعامل مع قضاياهم بمنطق «نحن المسلمين» ضد «هم المسيحيين» أو «نحن المسيحيين» ضد «هم المسلمين».

لا أقول مصر مستهدفة، لأن كل دول العالم مستهدفة. ولكن أقول مصر ضعفت فى الفترة الماضية، ومن ضمن أسباب ضعفها هو أن قضايا المصريين المسيحيين انفصلت عن قضايا المصريين المسلمين، وبدا على سبيل الخطأ، أن الطرفين فى حالة تنازع على ملكية «شقة الوطن» فى علاقة صفرية يكون فيها مكسب أحد الطرفين هو خسارة الطرف الآخر.

إنها نظارة حمراء نرتديها فنرى كل ما حولنا وقد تحول إلى لون أحمر، نظارة مكبرة حينما نتحدث عن أنفسنا وحقوقنا، ونظارة مقعرة ومتحيزة ضد غيرنا وحقوقهم. تعالوا نغير النظارة من أجل الوطن، بل من أجل كل مواطن فى الوطن.

نحن بحاجة «لميثاق شرف دينى» نكتبه بعقول ترى مخاطر الفتنة وقلوب تحب كرامة الإنسان وتقدر له حقه فى اختيار ديانته، ويدعمنا فيه الآيات الآمرة من الكتب المقدسة مثل تلك التى تقول: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم».

ولا يفهم البر والقسط الواردان فى هذه الآية إلا بقول الرسول، صلى الله عليه وسلم: «من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة». وقد جاء فى الإنجيل (إنجيل متى 5 : 44): «أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ».

إذن نحن أمام ديانتين تقومان على الرحمة والإحسان تجاه أتباعهما وحتى مع من لم يؤمن بهما.

يقول سائل: وماذا عن الآيات الأخرى التى تتحدث عن تكفير الآخر واستخدام السيف معه؟ هذه الآيات موجهة للعدو فى حالة الحرب، وليس للمواطن الشريك فى الوطن.

نريد ميثاقا يتبناه الجميع، مسلمين ومسيحيين، الأزهر والكنيسة، الإخوان والبروتستانت، السلفيين والكاثوليك، اللادينيين والعلمانيين يقوم على أن مصر هى الكيان الحاضن لكل من يعيش فيها من أبناء الوطن، وأن ترديد آيات التكفير ليس فى مصلحة الجميع.

مطالب المصريين المسيحيين العادلة هى مطالب كل المصريين، ومطالب المصريين المسلمين العادلة هى مطالب كل المصريين، والمتطرفون يمتنعون. ولتكن الجمعة القادمة مظاهرة حب لمصر واحتراما لحق كل مصرى أن يختار دينه، ولنترك لخالقنا أن يحكم بيننا يوم القيامة فيما كنا فيه مختلفين، كما أمرنا.

فى انتظار «المعداوى»..! - أحمد الصاوي


يقف القطار ساكناً منذ وقت طويل، لا أحد يعرف لماذا يقبع فوق قضبانه بلا حراك، ولا أحد يكترث من بين طاقمه بالإجابة عن آلاف الأسئلة التى تدور فى أذهان الركاب، وليس بينهم من يقتنع بحقهم فى المعرفة، وهم عادة بلا قيمة، وينظر لهم المفتشون والكمسارية نظرة دونية، خاصة إذا كانوا من أولئك الجالسين فى عربات الفقراء الخلفية، بينما تتغير لهجاتهم عند دخول محيط «التكييف».

كل راكب يجلس على مقعده حسبما تيسر له، منذ غادر القطار محطته الأخيرة قبل ٢٥ عاماً، وكل شىء يخضع لما يتيسر: «اللى معاه قرش يساوى قرش» يجلس المرفهون فى المقدمة، بينما يتكدس الفقراء فى الخلف، بعضهم لا يجد مقعداً، ويضطر لافتراش الممر الطويل بين المقاعد أو الجلوس بين العربات، وهؤلاء أسعد حظاً من الذين حرمهم «الضنك» من الدخول، واضطروا لقضاء الرحلة «تسطيح».

الكمسارية يجوبون العربات، يمارسون مهام الجباية يثور الناس: «القطار لا يتحرك ويريدون مقابل رحلة لا تتم.. اللى اختشوا»، يستعين الكمسارية برجال الأمن، يرفعون عصيهم ويطلقون وعيدهم، تهدأ احتجاجات القوم.. يأتى مرسوم يزيد الأسعار، يبحث الجباة عن الفرق.. يحتج القوم: لماذا الزيادة؟ يرد المحتسبون: «زادت أسعار الوقود».. يصرخ الفقراء: «القطار متوقف يا عالم»..!

كان الجميع قد تم استنزافه، ٢٥ عاماً فى الرحلة أنفق كل راكب ما يملك، بعضهم كان يحدوه الأمل فى أن يتحرك القطار، وأن يبلغ محطة الوصول، والبعض الآخر كان يدرك أن محطة الوصول بعيدة، طالما أن أحداً لا يعرف سر توقف القطار.

لكن كثيرين تطوعوا بتكهن الإجابة، قال أحدهم: «إن الوقود قد نفد، ولابد أن ندفع وندفع حتى يشترى سائق القطار بأموالنا وقوداً للحركة»، وقال شيخ ادعى أنه نافذ فى السماء: «مات سائق القطار عند توقفنا فى المحطة السابقة، وعلى ما يبدو لم يتم استدعاء سائق جديد بعد»، وقال شاب ذو خبرة بقواعد السكة الحديد: «ربما كانت الأزمة فى الإشارة التى ترفض فتح الطريق للمرور، والأرجح أن عامل الإشارات نسى القطار أو جاءته أوامر عليا بتجميد الموقف»، وتساءل آخر: «ولماذا لا نتحرك ونكسر كل إشارات الصمت وننهى هذا الوضع؟».. وكان الرد: «إن الأمر ربما يحوى خطراً ما، وسائق القطار لا تروق له المغامرات غير المحسوبة».

«لكننا مجمدون فى هذه المنطقة، طوال هذا الوقت».. قالها راكب غاضب وألقى بنفسه من النافذة..!

كان الجوع يفتك بالقوم فى عربات «الترسو» والإمدادات تنهال على عربات «التكييف» يتقاسمها السادة والطاقم والسائق، لكن شاباً «ترساوياً» تسلل نحو السادة فى عربات الصفوة، ساد الذعر، أقسم أنه ليس بلص، لا يطمع فيما معهم من زاد، لكنه سأل سؤالاً كالصدمة: «أنتم سادتنا.. لماذا لم يغضب أى منكم من هذا الوضع؟»

لم يكترثوا به، أمنوا أذاه وتركوه وشأنه، كانت قسمات الراحة تكسو ملامحهم، أخبره شاب من عمره بالسر: «قطار متوقف نجلس فيه بعربات الصفوة خير من حركة يتبعها أذى، وتدفع بالغوغاء إلى عربات السادة».. أيقن أن النخبة اتفقت على أن تبقيهم فى «الثلاجة» داخل عربات لا ساتر فيها من برد أو جوع.

من بين النخبة خرجت سيدة غاضبة تذكرت فجأة أن الطريق لا يتطور نحو الهدف المرجو من رحلتها، سألت.. لم تجد إجابة، سارت بين العربات تفتش عن تفسير، وجدت أن الطاقم كامل، والسائق موجود.. رغم تقدمه فى العمر، يجلس فى الجرار يمارس أعماله، ومساعدوه من حوله يزعمون أن القطار يسير ويوهمونه بأنه قطع جل الطريق، تأتى للجرار أصوات الفقراء وقد ثاروا من قهر الصمت، يسأل عنهم، يخبره الكمسارية بأنه لا شىء، بضعة غوغاء يتشاجرون على لقمة عيش.

تنتفض المرأة ذات الوجه الغاضب، تكاد تقول الحق فى وجه السائق وتفضح هذا الزيف، يجزع منها كل رجال الأمر، تطلب منهم تفسيراً لا يحمل زيفاً أو غدراً، يصحبها أحد الأشراف يطلعها على أوراق الفحص: «السائق طاعن فى السن والجرار أكل عليه الدهر، والرؤية منعدمة، والكشافات بلا ضوء، والإشارة لا تصلح، وهناك خطورة فى السير». والحل؟.. سألت تلك المرأة فى فزع: «هل نبقى فى هذا الوضع المتردى حتى نهلك؟» كان الرد أن الحالة لا تسمح بالسير، والأرجح أن ننتظر «معداوى» يعبر بنا حتى محطة «أمن»، وهناك نعيد بناء «القطار»..!

■ نشر فى 9- 9 - 2006

إلى المواطن «مصرى»: لا تحزن.. ولا تتراجع - محمد رضوان


بقلم محمد رضوان ١٠/ ٣/ ٢٠١١

إلى المواطن «مصرى» منذ ٢٥ يناير حتى يوم نزول رئيس وزراء مصر عصام شرف إلى ميدان التحرير.. إلى أفضل من أخرجته ثورة مصر الرائعة: لا تحزن.. لا تيأس.. لا تتراجع تحت ضغوط وضباب كثير من الأمور السيئة التى تراها هذه الأيام.. هل كنت تتصور أنها نزهة، أو أنها مسألة سهلة؟!.. أبداً لم تكن هكذا والمعارك الأشرس مازالت أمامك.. كان نائباً للرئيس لمدة ست سنوات ثم حكم مصر فرداً ديكتاتوراً لأكثر من ثلاثين أخرى فأرسى قواعد وكيانات ضخمة للاستبداد والفساد رعاها حتى تغلغلت فى كل مناحى حياتنا، فهل نتصور بعد هذا أن نجتثها فى أيام أو أسابيع؟.. أو نتوقع من أذنابه وذيوله التى ربّاها أن تكتفى الآن بالفرجة والمشاهدة، وهى تدافع عن معركة بقائها ووجودها.. بل عن حياتها؟.. وضع قوانين للفساد وامتدت يده وأيدى المنتفعين من حوله إلى العبث بشكل غير مسبوق فى مواد الدستور الذى كان بالفعل ناقصاً ومنقوصاً واستبدادياً، فجعله أسوأ وسخرية للعالم كله، بمادته رقم ٧٦، ووضعنا الآن فى مأزق: هل تتم التعديلات فقط فى مواد الترشح للرئاسة ومدتها والإشراف القضائى، ثم نتجه لانتخاب البرلمان والرئيس.. ومن بعدها نبدأ الإعداد لدستور جديد؟.. أم نعدل لانتخاب الرئيس أولاً ثم من بعده البرلمان «الشعب والشورى»؟ أم نلغى مجلس الشورى لأنه بلا فائدة ترجى؟.. أم نرفض هذا كله وننتخب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد تماماً.. ومجلس رئاسى يدير البلاد إلى جانب المجلس الأعلى للقوات المسلحة لفترة انتقالية أطول؟

تلك هى القضية الأهم الآن.. والتى توارت خلال الأيام القليلة الماضية، خلف دخان حريق وفضائح وأسرار ووثائق «أمن الدولة» واقتحام مقاره وحوادث البلطجة والانفلات الناتج عن الفراغ الأمنى لوزارة الداخلية التى اختفت فى ظروف غامضة!!. ثم أخيراً دخان الفتنة الطائفية فى أطفيح وأمام التليفزيون وفى المقطم ومنشأة ناصر.. هذا الدخان وهذه الانفجارات التى يدفعون بها فى وجه المواطن «مصرى ٢٥ يناير» لإبعاده عن القضايا ذات الأولوية لمستقبل مصر ولإجهاض الثورة.

إن لهم فى تدبير الحوادث الإرهابية والطائفية تاريخاً عريقاً، ووثائق أمن الدولة تشهد الآن، كانوا يدبرون حوادث الإرهاب لتمديد العمل بقانون الطوارئ ولاستخدامها فزّاعة للغرب من تيارات الإسلام السياسى، ولتبرير القمع وانتهاك حقوق الإنسان، وبالمرة لمساندة النظام، وكانوا يدبرون الحوادث الطائفية ويجعلون الفتنة قضية جاهزة دوماً للاشتعال «كسراً لشوكة الأقباط» أحياناً ـ كما قالوا فى وثائقهم ـ وشغلاً للرأى العام عن كوارث ومصائب أكبر فى أحيان أخرى.. ماذا تنتظرون من نظام مثل هذا.. بعضه مازال يحكم ويتحكم!!

هل تحسب يا «مواطن ٢٥ يناير» أن نظام تحالف الاستبداد والفساد لأكثر من ثلاثين عاماً يمكن أن يسقط فى أيام أو أسابيع، وأن يكون سقوطه بسقوط رأس النظام وبعض رجاله فقط؟!.. المؤكد.. لا.. إن معركتك مازالت طويلة تتطلب كل اليقظة والوعى والصبر والجلد.. والقوة أيضاً.

كان ولايزال تحالفاً قوياً.. بعضه من رجال الأعمال الذين أثروا ثراء فاحشاً من الفساد المالى والسياسى.. من الاستيلاء على ثروة مصر من الأراضى والغاز وشركات القطاع العام ومن الاحتكار.. اقتربوا من السلطة وتحكموا ثم حكموا فى سنوات النظام الأخيرة، واستعدوا بكل ما أوتوا من قوة ومال لتمرير مشروع التوريث.. وبعضه من قيادات فاسدة لجهاز أمن ضخم هو الداخلية بذراعيها: الأمن المركزى، القوة الباطشة دون عقل.. وأمن الدولة، المتحكم فى كل مفاصل مصر، والذين حسموا أمرهم تماماً ــ طبقاً لما جاء فى وثائقهم ــ مع الحزب الوطنى وقياداته الفاسدة ومشروع التوريث!!

البعض الثالث، هو النخبة الفاسدة المستفيدة والمنتفعة فى الحزب الوطنى وبعض توابعه، خاصة فى الإعلام الحكومى، والتى ساهمت مع بقية أضلاع التحالف فى التحكم بمصر ونهبها ومصادرة ثروتها لصالحه، وفى تجفيف وتجريف منابع السياسة والسياسيين فى مصر حتى وصلنا إلى حالنا الآن: فقدان أى وجود سياسى حقيقى وفعّال لأى قوى باستثناء جماعة «الإخوان».

التحالف الفاسد مازال موجوداً إذن.. يستخدم أسلحة أمن الدولة، والمال، والانفلات، والفراغ الأمنى، والشائعات، والبلطجة، والفتنة الطائفية، والجهل والتشدد والتطرف، والحزب الوطنى، والإعلام الفاسد.. كلها فى مواجهة الثورة، التى لم تتسبب فى أى من هذه الظواهر الرديئة ولم تنتج أياً منها.. هى فقط تريد مصر حرة ديمقراطية عادلة وآمنة ومزدهرة.

لذا أدعوك يا «مواطن ٢٥ يناير»: قف فى ثبات، ولا تدع اليأس يتسلل إلى قلبك.. أعد لثورة مصر رونقها وقوتها.. وعد إلى ميدان التحرير ــ كلما تطلبت الأحداث ــ والوقائع لتصحيح مسار الثورة أو لمواجهة المتحالفين ضدها.

الخميس، 10 مارس 2011

الاستفتاء على التعديلات الدستورية - عمرو حمزاوي


لم يعد يفصلنا عن الموعد المحدد للاستفتاء على التعديلات الدستورية، 19 مارس، إلا القليل من الأيام والنقاش العام، لم ينتج بعد إجماعا وطنيا واضحا حول الموقف منها. بعض القوى الوطنية، ومنها جماعة الإخوان، يرى التعديلات المطروحة كافية لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية ديمقراطية وتعددية وإدارة الأشهر القادمة على نحو آمن. قوى وطنية آخرى والعدد الأكبر من الأحزاب السياسية والحركات الشبابية والشخصيات العامة، وأنا أقرب إلى هذا الطرح، لديها تحفظات جوهرية على التعديلات وتتخوف من تداعياتها السلبية على المرحلة الانتقالية.

وأحسب أن التحفظ الجوهرى على التعديلات يرتبط بكونها، إن وافق عليها المواطنون فى الاستفتاء، ستعيد الحياة إلى دستور 1971 المعيب الذى أسقطت شرعيته ثورة 25 يناير العظيمة ولا يصلح للتأسيس لتحول ديمقراطى حقيقى، نظرا لإعطائه رئيس الجمهورية صلاحيات مطلقة وإضعافه الشديد لقاعدة مساءلة ومحاسبة الرئيس وتهميشه للبرلمان والسلطة القضائية فى مقابل تقوية السلطة التنفيذية.

إن وافقت أغلبية من المواطنين على التعديلات فى الاستفتاء ستعاد الحياة إلى دستور معيب، ويباعد بذلك بين مصر وبين الشروع الفورى فى انتخاب هيئة تأسيسية لصياغة دستور جديد يتم وفقا له انتخاب رئيس الجمهورية والبرلمان. وتزداد خطورة هذا التحفظ حين نقرأ بعناية ودقة نص التعديل الدستورى الخاص بقيام الرئيس والبرلمان بعد الانتخابات بتشكيل هيئة تأسيسية لصياغة دستور جديد لمصر، ونكتشف أن للرئيس (مع موافقة مجلس الوزراء) وللبرلمان حق تشكيل الهيئة إن توافقا على ذلك إلا أنهما ليسا بملزمين بتشكيلها. وهو ما يعنى حال انتخاب رئيس يريد استمرار العمل بدستور 1971 وبرلمان لأغلبيته ذات التوجه أن التحايل على مطلب الدستور الجديد قد يستمر لسنوات قادمة.

والحقيقة أننى بت شديد التخوف من أن ننتخب رئيس الجمهورية والبرلمان وفقا لدستور 1971. فالرئيس الجديد، وبغض النظر عن نواياه وتوجهاته ومدى التزامه بمبادئ الديمقراطية وحكم القانون، سيتمتع بصلاحيات مخيفة فى إطلاقها وقد توظف للتحايل على المطالب الديمقراطية لثورة 25 يناير. والبرلمان الجديد سيتسم، كالبرلمانات السابقة، بمحدودية سلطاته الرقابية فى مواجهة الرئيس المطلق الصلاحيات. ناهيك عن أن البرلمان، وهو ما يتخطى الدستور إلى القوانين المنظمة للانتخابات، إن انتخب وفقا للنظام الفردى المعمول به وإن أجريت الانتخابات خلال الأشهر القليلة القادمة دون تأجيل سيأتى على الأرجح بذات تركيبة البرلمانات السابقة بمستقلى «بقايا الوطنى» والإخوان ويهمش من ثم بقية القوى الوطنية والحركات الشبابية التى أنجزت الثورة العظيمة.

هناك أيضا الكثير من التحفظات الجوهرية الأخرى على نصوص التعديلات المطروحة، أبرزها تلك المرتبطة بالمادة 175 والتى تحمل مضمونا تمييزيا صارخا ضد المصريين مزودجى الجنسية بحرمانهم من حق الترشح لرئاسة الجمهورية، على الرغم من أن القوانين المصرية تعتبرهم مواطنين متمتعين بكامل حقوق المواطنة دون انتقاص.

كذلك تتدخل ذات المادة بصورة سافرة فى حياة المواطنين الخاصة وتحاسبهم عقابيا على اختياراتهم بحرمان المواطن المتزوج من «غير مصرية» من حق الترشح لرئاسة الجمهورية، ناهيك عن الصياغة اللغوية للمادة التى قد تفسر على أنها استبعاد للنساء المصريات من الترشح. كذلك تؤرقنى آلية التصويت الجماعى على كل التعديلات المطروحة بنعم أو بلا، دون أن يكون هناك للمواطنين الحق فى التصويت على التعديلات بصيغة فردية، أى كل مادة على حدة.

لكل هذه الأسباب، حسمت أمرى بالذهاب إلى الاستفتاء والتصويت بلا على التعديلات المطروحة.

الثلاثاء، 8 مارس 2011

قف وأنت تكلم رئيس الوزراء - علاء الأسواني


ما إن تخرجت فى الجامعة حتى عملت لمدة عام فى وظيفة طبيب مقيم فى قسم جراحة الفم بكلية طب الأسنان جامعة القاهرة. كانت تلك أسوأ أيام حياتى. كان الفساد ينخر كالسوس فى قسم الجراحة: المحاباة والمجاملات تعطى أبناء الأثرياء والكبار ما ليس من حقهم، نتائج الامتحانات يتم العبث بها علنا، انحرافات مالية وإدارية بلا حصر، تقصير فى الأداء الطبى يصل إلى حد الجريمة، معاملة سيئة ومهينة للمرضى الذين اضطرهم الفقر إلى العلاج المجانى. على أن أكثر ما عانيت منه المعاملة السيئة التى يلقاها الأطباء من رؤسائهم، الغطرسة والقمع والإهانة تعتبر من الحقوق الأصيلة لكل أستاذ فى القسم يمارسها على من هم أقل منه. كانت دورة القمع تنتقل بانتظام من الكبير إلى الصغير. رئيس القسم يهين الأستاذ الذى يهين بدوره الأستاذ المساعد الذى يهين المدرس الذى يهين المعيدين الذين يهينون الممرضات وأطباء الامتياز. كان أحد الأساتذة يشرف على رسالة الماجستير لأحد المعيدين وكان يسميه علنا بـ«الحمار». ما إن يدخل الأستاذ من باب القسم حتى يصيح فى الموجودين:

ــ الحمار فين؟.. عاوز أشوفه

عندئذ يتقدم المعيد وعلى وجهه ابتسامة ذليلة ويقول: أنا هنا يا فندم.

أذكر أننى عاتبت هذا المعيد لتفريطه فى كرامته، فقال لى:

ــ الأستاذ يعتبر مثل أبى.

ـــ أبوك المفروض يحترمك ولا يهينك أمام الناس بهذه الطريقة.

عندئذ تنهد المعيد، وقال:

ــ أيهما أفضل.. أن يحترمنى الأستاذ وأرسب فى الامتحان أم يشتمنى ويمنحنى الماجستير بسرعة؟!

كان هذا المنطق السائد فى قسم الجراحة. «تخل عن كرامتك حتى تتقدم فى العمل. تحمل الإهانات، وإذا فاض بك الكيل قم بإهانة من اهم أقل منك».

استدعانى رئيس القسم ذات يوم، وطلب منى بغطرسة أن أذهب إلى محطة مصر حتى أشترى له تذكرة قطار إلى الإسكندرية. كان لديه ضيوف فلم أرد إحراجه أمامهم. خرجت من المكتب واتصلت به من العيادة المجاورة ودار بيننا الحوار التالى:

ــ أنا آسف يا فندم لأننى لن أستطيع أن أشترى التذكرة.

ــ ليه؟

ــ لأننى أعمل طبيباً، ولست فراشا أو موظف علاقات عامة.

.. ضحك رئيس القسم ساخراً، وقال:

ــ إنت باين عليك مجنون. شوف لى أقدم واحد عندك فى العيادة

كان أقدم واحد بدرجة مدرس.. ناديته وأعطيته السماعة فوجدته يقول:

ــ حاضر يا فندم. تحت أمرك.

ذهب المدرس، الحاصل على درجة الدكتوراة فى الجراحة، لشراء التذكرة وهو سعيد، لأن رئيس القسم اختصه دون سواه بهذه المهمة الجليلة.. قدمت استقالتى من هذا المكان البشع، وسافرت إلى الولايات المتحدة، درست فى جامعة «إلينوى» للحصول على درجة الماجستير. كان علىّ أن أحضر محاضرات مع طلبة السنة الثانية.. أثناء محاضرة فى علم الأنسجة، رفعت طالبة أمريكية بجوارى يدها، ثم قالت للأستاذ:

ـــ أنا لم أفهم.. هل يمكن أن تعيد الشرح؟!

مسح الأستاذ ما كتبه على السبورة ثم أعاد الشرح من جديد، لكن الطالبة قالت بعد ذلك:

ــ عذرا.. أرجو أن تعيد الشرح مرة أخرى لأننى مازلت لا أفهم.

استدار الأستاذ ليمسح السبورة مرة أخرى لكنه حرك يده وكأنه زهق وبان على وجهه الامتعاض... هنا صاحت الطالبة:

ـــ لماذا تحرك يدك وكأنك زهقت من غبائى؟!. أنا لست غبية. لو كنت غبية لما حصلت على الدرجات التى أوصلتنى إلى هنا.

ساد صمت عميق وتوقعت (أنا القادم من جامعة القاهرة) أن كارثة ستنزل فوراً على رؤوسنا جميعا.. لكننى فوجئت بالأستاذ يبتسم برقة ويقول للطالبة:

ــ لم أقصد إهانتك إطلاقا. أرجو أن تقبلى اعتذارى. سأبذل جهدى حتى أوضح الفكرة بطريقة أفضل.

وجدت نفسى هنا أمام منطقين متناقضين: فى جامعة القاهرة يتم قمعك وإهانتك وإذلالك باسم احترام الكبير، وفى جامعة «إلينوى» أنت إنسان كرامتك مصونة، لك حقوق وعليك واجبات.. إذا أديت واجبك يجب أن تحصل على حقك.. الفرق بين المنطقين ليس فرقا بين الشرق والغرب وإنما هو الفرق بين الاستبداد والديمقراطية.. إن الاستبداد كالسرطان ينتقل من قصر الرئاسة إلى كل مكان فى المجتمع فيتحول أفراد الشعب المقموعون إلى مستبدين صغار يعيدون إنتاج القمع الواقع عليهم ضد من هم أضعف منهم. الحاكم الديمقراطى يعمل فى خدمة الشعب الذى اختاره عن طريق الانتخابات الحرة، أما الحاكم المستبد فلا يمكن أن يحترم أفراد الشعب لأنه يراهم جميعا أقل منه.. كان حسنى مبارك يتحدث إلى أكبر العلماء والفنانين وأساتذة الجامعة فيتعمد أن يناديهم بأسمائهم المجردة، وكثيرا ما يسخر منهم وهو يتوقع أن يتقبلوا سخريته بترحيب وامتنان.. بل إن صحفياً شهيراً خبطه حسنى مبارك مرة على كرشه أمام زملائه الصحفيين ووجه له شتيمة مقذعة فاعتبر الصحفى الكبير ما حدث شرفا يتيه به على الناس وظل يردد بفخر:

ــ تصوروا سيادة الرئيس قال لى يا (..).. هو دائما يحب يضحك معايا!

هذه العلاقات المذعنة الذليلة تقابلها علاقات إنسانية طبيعية ومحترمة فى المجتمع الديمقراطى، حيث يتساوى الكَنّاس مع رئيس الدولة فى الحقوق والواجبات، وبالتالى فإن المواطن يخاطب أكبر رأس فى الدولة باحترام، ولكن بندية وكرامة. بل إن القانون والعرف فى البلاد الديمقراطية يتيحان أنواعا قاسية من النقد ضد المسؤول العام لا يتيحان مثلها ضد الشخص العادى.. الفكرة هنا أن نقد المسؤول العام يتم من أجل المصلحة العامة، وبالتالى فهو متاح دائما الى أقصى حد.. كان رئيس الوزراء البريطانى الأسبق جون ميجور ذات يوم فى جولة انتخابية عندما اقتربت منه سيدة بريطانية وصاحت فيه أمام الناس:

ــ مستر ميجور.. يا لك من أفّاك.

ثم قذفته بالبيض الفاسد فأصاب وجهه، وطيرت وكالات الأنباء صورة رئيس وزراء بريطانيا ووجهه مغطى بسائل البيض الفاسد.. تم إلقاء القبض على السيدة لكن القاضى البريطانى، بعد ساعات قليلة، أصدر قرارا بالإفراج عنها، وقال فى حيثيات القرار:

«إن قذف السيد رئيس الوزراء بالبيض لا يشكل خطراً على سلامته أو حياته وبالتالى لا يعتبر جريمة اعتداء وإنما هو أسلوب عنيف للتعبير عن الرأى. وحرية التعبير تكفلها الديمقراطية الإنجليزية».

إن مرض الاستبداد ينتقل دائما من السياسة إلى الأخلاق.. فى المجتمع الديمقراطى يقف كل إنسان فى موقع واحد واضح ومحدد، أما فى مجتمع الاستبداد فتطالعنا نماذج إنسانية غريبة:.. نموذج أستاذ القانون الذى يضع علمه القانونى فى خدمة الطاغية ويتحول إلى ترزى قوانين يفصَّلها طبقا لرغبة الحاكم ويضيَّع حقوق الشعب، ثم إذا استغنى الحاكم عن خدماته انضم القانونى الكبير إلى المعارضة، وطالب برحيل النظام، ولكن ما إن يشير إليه الحاكم بإصبعه الصغير حتى يهرع ملبياً النداء وعارضاً خدماته.. نموذج الكاتب الذى يكتب أفلاماً ومسلسلات تدين الفساد لكنه فى الوقت نفسه يبايع حسنى مبارك ويمدحه ويسبّح بحمده ويسعى جاهداً لتقديم صورة ملائكية عن مباحث أمن الدولة. الضباط الجلادون الذين طالما عذبوا المصريين ببشاعة وهتكوا أعراض نسائهم أمام أعينهم يظهرون فى مسلسلات صاحبنا وكأنهم أبطال قوميون يجب أن ننحنى احتراما لهم. كل هذا التشوه الأخلاقى من مضاعفات الاستبداد. فى المجتمع الديمقراطى لا يحتاج الإنسان إلى صداقة أمن الدولة أو رضا الحاكم ليحقق نجاحه المهنى. القاعدة فى الديمقراطية العدل.. الأسباب تؤدى دائما إلى النتائج، والإنسان يتقدم بفضل موهبته وعمله وليس بفضل نفاقه أو مساندة أمن الدولة له.

لعل القارئ العزيز قد أدرك ما أرمى اليه من وراء هذه الأفكار.. منذ أيام، وضعتنى الظروف فجأة فى مواجهة تليفزيونية مباشرة على قناة «أون تى فى» مع الفريق أحمد شفيق أثناء توليه رئاسة الوزراء.

الفضل هنا يعود، بعد توفيق الله، إلى شجاعة رجل الأعمال نجيب ساويرس والإحساس العميق بالواجب الوطنى لدى أصدقائى: يسرى فودة وريم ماجد وألبرت شفيق والمناضل الكبير حمدى قنديل. لم أكن مع أحمد شفيق فى حوار ودى لطيف نتبادل فيه المجاملات والكلام المعسول بل كنت فى مواجهة عنيفة مع أحد أضلاع نظام حسنى مبارك الفاسد الظالم والمسؤول السياسى الأول عن المذبحة التى راح ضحيتها مئات الشهداء ومئات الذين فقدوا أعينهم بالرصاص المطاطى وآلاف المفقودين الذين لا يعرف أهلهم إن كانوا معتقلين أم استشهدوا رميا بالرصاص.. أردت أن أواجه السيد شفيق بمسؤوليته السياسية عن كل هذه المآسى والجرائم، وبرغم ذلك فقد حرصت طوال الحوار على ألا أتفوه بلفظ واحد غير لائق. الذى حدث العكس، عندما حوصر السيد شفيق وظهر أمام الجميع أن حكومته تمنح الفرصة لفلول النظام الساقط لكى يفلتوا من العقاب.. عندئذ خلع الفريق شفيق المظهر الناعم والابتسامة الرقيقة وأخرج ما فى جعبته من شتائم تضعه بسهولة تحت طائلة القانون بتهمة السب والقذف.

فى النظام الديمقراطى رئيس الدولة خادم للشعب. المواطنون يتعاملون معه باحترام ولكن بندية وكرامة. فى مصر بعد الثورة لن يكون هناك مواطن ينحنى ويقف مذلولا أمام الرئيس، ولن يفخر مواطن بأن الرئيس شتمه أو ضربه على كرشه.. من الآن فصاعدا على الرئيس أن يفهم أن مصر تغيرت، وأن الكَنّاس فى الشارع مواطن مصرى من حقه أن يستجوب رئيس الجمهورية وأن يتهمه بالتقصير وأن يطلب منه توضيحات حول سياساته.. ما إن انتهى اللقاء وخرجت من الاستوديو حتى انهالت على مئات المكالمات ورسائل التأييد من المصريين داخل الوطن وخارجه. أنا فخور بكل كلمة قالها هؤلاء الأعزاء، على أن وسام الشرف الحقيقى قد حصلت عليه من والد الشهيد محمد رمضان، أصغر شهداء الإسكندرية، الذى قتله ضابط شرطة برصاصة مباشرة فى رأسه، وهو لم يبلغ السادسة عشرة من العمر... كتب لى والد الشهيد فى رسالته..

«أشكرك. لقد أحسست وأنا أشاهدك بأن دم ابنى المرحوم محمد فى يد شريفة»