الثلاثاء، 1 مارس 2011

«حسنى مبارك».. اسم على بدلة مسيرها تدوب وتترمى

بقلم محمود الكردوسى ٢٨/ ٢/ ٢٠١١

لسنوات طويلة.. ظل المصريون يعتقدون أن رئيسهم الثالث - محمد حسنى مبارك - رجل زاهد فى الحكم: فيما بعد.. وصفه الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل بأنه «موظف بدرجة رئيس جمهورية»، ثم تبين أن أقصى طموح لهذا الرجل، قبل أن يجلس على مقعد «الرئيس»، أن يُعين سفيراً لمصر فى لندن (العاصمة الحقيقية لزوجة جحا وولى عهد غباوته). وفى سنوات حكمه الأولى.. استبشر المصريون خيراً عندما أفرج مبارك عن المعتقلين السياسيين، وتحدث كثيراً عن نيته الاكتفاء بفترتين رئاسيتين، وعن انحيازه للفقراء وتعهده بتحقيق العدالة الاجتماعية... إلخ.

كل الحكام فى مصر، وفى غيرها من دول العالم الثالث، يقولون كلاماً كهذا وهم يحاولون ضبط «اتزانهم» على مقاعد الحكم. ويوماً بعد يوم.. تتضخم مؤخرة الحاكم لتملأ الكرسى، وتحاصره بطانة السوء، وينعزل عن شعبه، ثم يعتزله، ثم يزهق منه، ثم يحتقره، وأخيراً.. ينفيه ويعتقل نفسه فى «بدلة الحكم».

الحكام فى هذا العالم المتخلف، العالم الذى نسميه «ثالثاً» من باب التأدب، أو لأن أحداً لا يريد أن يهتم بترتيبنا الحقيقى فى لائحة البشر الحقيقيين، تركوا أوطانهم وشعوبهم لبطاناتهم، وهى كما ترى طغمة من الكلاب المسعورة.. تحرس الكرسى وتتغذى على «بواقى أكل الرئيس»، لكنها تراهن على أن الرئيس أصبح فى أرذل العمر: جفت كل منابع شهوته (إلا شهوة الحكم)، وذبلت كل رغباته (إلا رغبة البقاء على مقعد الحكم ما بقى فى القلب نبض)، ومن ثم لم يعد لديه سوى... «دولاب الهدوم»!.

الرئيس مبارك، هذا الطاغية الذى بدأ واعداً، منحازاً، انتهى به المطاف معتقلاً فى «بدلة» هى الأولى- ربما- من نوعها: بدلة «مقلمة»، تبدو من البعد عادية، لكنك ما أن تقترب من قماشها بعدسة مكبرة حتى تكتشف أن كل «قلم» أو «خط» هو فى الحقيقة كتابة لحروف اسم «حسنى مبارك» بالإنجليزية، وبطريقة تشبه الكتابة اليابانية (أى من أعلى إلى أسفل). والأكثر تحدياً وعناداً أنها ليست كتابة بارزة أو محاكة على سطح القماش.. بل مطبوخة فى نسيجه، وبحيث لا يقطع انتظامها أو استقامتها فتحة جيب أو كشكشة عروة أو التقاء قطعتين.

من الذى أوحى لمبارك بهذه الفكرة (وهى ليست سيئة بالقياس إلى طموحه)؟. أى شيطان من حاشيته.. ذلك الذى أوهمه بأن «خطوط البدلة» يمكن أن تدارى ترهل نظامه الذى يشبه تماماً ترهل جلده؟. أى شيطان خدع هذا الطاغية، مستغلاً نفسه الأمارة بالنهب والقمع والظلم، وتعلقه المرضى بالدنيا؟. من فى بطانة السوء قال لولى نعمته: اصبغ شعرك، واكتب اسمك على قماش البدلة لتطيل بقاءك.. ويخلو لك وجه الدنيا؟. ألم يكن بين هذه البطانة من يذكره بأن الفرق بين بدلة الطيار وبدلة البهلوان تلك.. هو فرق الحياة من الموت؟. ألم يقل له أحد إن البدلة ستُبلى، وسيُلقى بها - طال الزمن أو قصر- فى مزبلة التاريخ، وأن الكفن - إذا كان لابد من كتابة - هو الأولى؟.

أقول لمبارك بالأصالة عن كل من جاع وظُلِم وعُذِب وتعرّى: أنت الآن فى عاصمة فسادك، محشور بين «شرمك» و«شيخك»، مختبئ وراء خطوط بدلتك.. هذه الخطوط التى كانت دليل أبهة، فإذا هى قضبان سجن. أقولها لك من نقطة دم فى بحر ميدان التحرير: استمتع بعبوديتك لـ«حقٍ»، ليس لك فيه سوى «خط البدلة». اصبغ وتجمّل واكذب على نفسك كما تشاء، فلا أحد يراك... لا أحد يريد أن يراك بعد الآن، لأنك أنت وبدلتك وشياطين حاشيتك.. زائلون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق