الاثنين، 28 فبراير 2011

ماذا تعنى الدولة المدنية؟

بقلم: أحمد زايد

26 فبراير 2011

ظهرت فكرة الدولة المدنية عبر محاولات فلاسفة التنوير تهيئة الأرض ــ فكريا ــ لنشأة دولة حديثة تقوم على مبادئ المساواة وترعى الحقوق، وتنطلق من قيم أخلاقية فى الحكم والسيادة.. ولقد تبلورت فكرة الدولة المدنية عبر إسهامات لاحقة ومتعددة من مصادر مختلفة فى العلوم الاجتماعية.

ولكى يبلور المفكرون طبيعة الدولة الجديدة لجأوا إلى تصوير حالة الطبيعة التى تقوم على الفوضى وعلى طغيان الأقوى. فهذه الحالة تحكمها مشاعر القوة والغضب والسيطرة ؛ فتفقد الروح المدنية التى تتسم بالتسامح والتساند والتعاون من أجل العيش المشترك. إن تأسيس الدولة المدنية هو الكفيل بسيادة هذه الروح التى تمنع الناس من الاعتداء على بعضهم البعض من خلال تأسيس أجهزة سياسية وقانونية خارجة عن تأثير القوى والنزعات الفردية أو المذهبية، تستطيع أن تنظم الحياة العامة وتحمى الملكية الخاصة، وتنظم شئون التعاقد، وأن تطبق القانون على جميع الناس بصرف النظر عن مكاناتهم وانتماءاتهم.

وتمثل الدولة إرادة المجتمع.

يعنى ذلك أن فكرة الدولة المدنية تنبع من إجماع الأمة ومن إرادتها المشتركة.

وإذ تتأسس الدولة المدنية على هذا النحو فإنها تصبح دولة توصف بأوصاف كثيرة من أولها أنها دولة قانون.

فالدولة المدنية تعرف على أنها اتحاد من أفراد يعيشون فى مجتمع يخضع لنظام من القوانين، مع وجود قضاء يطبق هذه القوانين بإرساء مبادئ العدل. فمن الشروط الأساسية فى قيام الدولة المدنية ألا يخضع أى فرد فيها لانتهاك حقوقه من قبل فرد آخر أو طرف آخر. فثمة دائما سلطة عليا ـ هى سلطة الدولة ـ يلجأ إليها الأفراد عندما تنتهك حقوقهم أو تهدد بالانتهاك.

هذه السلطة هى التى تطبق القانون وتحفظ الحقوق لكل الأطراف، وتمنع الأطراف من أن يطبقوا أشكال العقاب بأنفسهم. ومن ثم فإنها تجعل من القانون أداة تقف فوق الأفراد جميعا.

ومن خصائص الدولة المدنية أنها تتأسس على نظام مدنى من العلاقات التى تقوم على السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة فى الحقوق والواجبات، والثقة فى عمليات التعاقد والتبادل المختلفة. إن هذه القيم هى التى تشكل ما يطلق عليه الثقافة المدنية، وهى ثقافة تتأسس على مبدأ الاتفاق؛ أى وجود حد أدنى من القواعد التى تشكل خطوطا حمراء لا يجب تجاوزها، على رأسها احترام القانون (وهو يشكل القواعد المكتوبة). وتأتى بعده قواعد عرفية عديدة غير مكتوبة تشكل بنية الحياة اليومية للناس، تحدد لهم صور التبادل القائم على النظام لا الفوضى، وعلى السلام لا العنف، وعلى العيش المشترك لا العيش الفردى ،وعلى القيم الإنسانية العامة لا على القيم الفردية أو النزعات المتطرفة.

ومن ثم فإن الدولة المدنية لا تستقيم ألا بشرط ثالث هو المواطنة. ويتعلق هذا الشرط بتعريف الفرد الذى يعيش على أرض هذه الدولة. فهذا الفرد لا يُعرف بمهنته أو بدينه أو بإقليمه أو بماله أو بسلطته, وإنما يُعرف تعريفا قانونيا اجتماعيا بأنه مواطن، أى أنه عضو فى المجتمع له حقوق وعليه واجبات. وهو يتساوى فيها مع جميع المواطنين. فإذا كان القانون يؤسس فى الدولة المدنية قيمة العدل، وإذا كانت الثقافة المدنية تؤسس فيها قيمة السلام الاجتماعى، فإن المواطنة تؤسس فى الدولة المدنية قيمة المساواة.

فالمواطنون يتساوون أمام القانون ولكل منهم حقوق وعليه التزامات تجاه المجتمع الذى يعيشون فيه.

والمواطنون هنا لا يجب أن يعيشوا كمواطنين لا مبالين، بل يجب أن يكون جلهم من المواطنين النشطاء الذين يعرفون حقوقهم وواجباتهم جيدا، ويشاركون مشاركة فعالة فى تحسين أحوال مجتمعهم بحيث يرقون بمدنيتهم على نحو دائم، ويخلصون إخلاصا كبيرا لكل ما هو «عام»: الصالح العام، والملكية العامة، والمبادئ العامة. فهم يحرصون دائما على كل ما يتصل بالخير العام.

ومن ثم، فإن الدولة المدنية لها خصيصة رابعة مهمة وهى الديمقراطية. فالديمقراطية هى التى تمنع من أن تؤخذ الدولة غصبا من خلال فرد أو نخبة أو عائلة أو أرستقراطية أو نزعة أيديولوجية. إن الديمقراطية هى وسيلة الدولة المدنية لتحقيق الاتفاق العام والصالح العام للمجتمع كما أنها وسيلتها للحكم العقلانى الرشيد وتفويض السلطة وانتقالها. إن الديمقراطية تتيح الفرصة للتنافس الحر الخلاق بين الأفكار السياسية المختلفة، وما ينبثق عنها من برامج وسياسات. ويكون الهدف النهائى للتنافس تحقيق المصلحة العليا للمجتمع (إدارة المجتمع والسياسات العامة بأقصى درجات الدقة والإحكام والشفافية والأداء الإدارى المتميز النزيه) والحكم النهائى فى هذا التنافس هو الشعب الذى يشارك فى انتخابات عامة لاختيار القيادات ونواب الشعب، لا بصفتهم الشخصية وإنما بحكم ما يطرحونه من برامج وسياسات.

إن الديمقراطية هى الوسيلة التى تلتئم من خلالها الأفكار المختلفة والتوجهات السياسية المختلفة، للارتقاء الدائم بالمجتمع وتحسين ظروف المعيشة فيه، وكذلك الارتقاء بنوعية الثقافة الحاكمة لعلاقات الأفراد وتفاعلاتهم.

بمعنى مختصر إنها الطريق نحو التقدم الدائم.

ولا تتحقق الديمقراطية ألا بقدرة الدولة المدنية على تطوير مجال عام أو ميدان عام، وهو مصطلح يطلق على مجال النقاش والتداول العام الذى يحقق التواصل الاجتماعى بين الجماعات المختلفة والآراء المختلفة. ويضم المجال العام مجالات فرعية للنقاش والحوار، تبدأ من الصالونات الفكرية وتتدرج عبر الجمعيات الأهلية والمنتديات والمؤتمرات العامة وصولا إلى النقاشات التى تدور فى أروقة النقابات المهنية وجماعات الضغط والحركات الاجتماعية والأحزاب السياسية. وهذا الميدان العام يحافظ على استقلاله، بحيث يكون قادرا على طرح أفكاره على نحو موضوعى ومحايد.

فالمجال العام هو الذى يلهم المجتمع الأساليب القويمة فى التفكير والتدبر العام والتواصل الجمعى. إنه يحول المناقشات المتفرقة إلى مناقشات تصب فى هدف عام، وتتم وفق قواعد وأصول عقلية بحيث لا يتحول النقاش إلى فوضى، طالما أنه يقوم على العقل والبصيرة والتدبر والقدرة على التفاوض وتقديم الحلول والمرونة فى الاستجابة لأفكار الأطراف الأخرى.

ويتأسس المجال العام ـ بجانب عملية التدبر العقلى والتفاوض ـ على ما يطلق عليه الفعل التواصلى أو الاتصالى. إنه الفعل الذى يقوم على احترام أفعال الآخرين وأفكارهم، والاستجابة إليها على نحو عقلانى بحيث يتجه النقاش صوب المصلحة العامة دون إحداث صخب أو ضوضاء أو عنف أو تنافر أو تنابذ أو رفض.

وأخيرا، فإن الدولة المدنية لا تتأسس بخلط الدين بالسياسة. إن الدين يظل فى الدولة المدنية عاملا أساسيا فى بناء الأخلاق وفى خلق الطاقة للعمل والإنجاز والتقدم. هذه وظيفة للدين أصيلة فى كل المجتمعات الحديثة الحرة.. ومن ثم فليس صحيحا أن الدولة المدنية تعادى الدين أو ترفضه. فالدين جزء لا يتجزأ من منظومة الحياة وهو الباعث على الأخلاق والاستقامة والالتزام، بل إنه عند البعض الباعث على العمل والإنجاز والنجاح فى الحياة. ينطبق ذلك على الإنسان فى حياته اليومية كما ينطبق على رجال السياسة بنفس القدر.

إن ما ترفضه الدولة المدنية هو استخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية, فذلك يتنافى مع مبدأ التعدد الذى تقوم عليه الدولة المدنية، فضلا عن أنه ــ وربما يكون هذا هو أهم هذه العوامل ــ يحول الدين إلى موضوع خلافى وجدلى وإلى تفسيرات قد تبعده عن عالم القداسة وتدخل به إلى عالم المصالح الدنيوية الضيقة. من ثم فإن الدين فى الدولة المدنية ليس أداة للسياسة وتحقيق المصالح، ولكنه يظل فى حياة الناس الخاصة طاقة وجودية وإيمانية تمنح الأفراد فى حياتهم مبادئ الأخلاق وحب العمل وحب الوطن والالتزام الأخلاقى العام.

وأخيرا، فإذا كانت هذه هى أركان الدولة المدنية فلا يصح أن نأخذ منها ركنا دون آخر، فهى أركان متكاملة متساندة، يدعم بعضها بعضا فى منظومة متكاملة تكاد تكون هى منظومة الحياة الحديثة.

صاعقة حديث وزير الداخلية

بقلم د.محمد أبوالغار ٢٧/ ٢/ ٢٠١١

اتصل بى الكثيرون، وأبدوا مخاوف كثيرة من حديث وزير الداخلية مع خيرى رمضان فى تليفزيون الدولة. وقد استمعت إلى الحديث مسجلاً، ووجدت أن منهج وزير الداخلية بالرغم من محاولة تجميل الشرطة فإنه فى حقيقة الأمر يعكس الطريقة التقليدية فى حديث رجل الشرطة قبل حدوث الثورة مما أثار فى النفوس قلقاً شديداً. أول فكرة مزعجة فى الحوار أن الوزير قال بصراحة إن حجم المتظاهرين كان كبيراً، وكان يجب على الشرطة أن تتوقع ذلك للاستعداد لمواجهة المظاهرة.

يجب أن يعرف وزير الداخلية أنه منذ ٢٥ يناير وصاعداً واجب الشرطة هو حماية المتظاهرين، وليس مواجهتهم، وعندما يتظاهر الشعب كله فيعنى ذلك أن الحكام لا يصلحون، ويجب أن يتخلوا عن مناصبهم فوراً، وهو ما حدث بالفعل، ويجب أن يعرف الوزير أن جحافل الأمن المركزى يجب أن تسرَّح وتتبقى قوات محدودة العدد عندها خبرة فى مكافحة الشغب تتدخل فقط عند إتلاف الممتلكات العامة أو الخاصة.

ثانياً: الادعاء بأنه كانت هناك عناصر أجنبية مدسوسة هو قول لم ولن يصدقه أحد، فهذه الثورة صناعة مصرية مائة بالمائة، ونحن نعلم جميعاً أن الشرطة تلفق وتخترع القضايا، كما اعترف الوزير صراحة بذلك حين تحدث عن بدو سيناء. لا يجب أن يقول الوزير هذا الكلام دون حقائق موثقة، لأنه يسىء للثورة وللشعب المصرى العظيم، وحكاية القلة المندسة يجب أن تتوقف من الآن وإلى الأبد.

ثالثاً: حاول الوزير التنصل من اتهام الشرطة بتسهيل مهمة البلطجية داخل الميدان، وهو أمر معروف بدقة، ونحن نعلم أن بلطجية الشرطة أصبحوا جزءاً من النظام فى المظاهرات والانتخابات، وفى غير ذلك من المهام القذرة التى يقومون بها ولا تريد الشرطة أن يقوم بها الضباط مباشرة، وأن استخدام الرصاص الحى مساء موقعة الجمل كان بإشراف الشرطة.

رابعاً: تخلى الشرطة عن وظيفتها وترك مصر كلها دون شرطة لا يمكن أن يكون إلا بقرار مركزى. الأمر واضح، هناك احتمالان: الأول هو قرار من وزير الداخلية وكبار رجال أمن الدولة، احتجاجاً على قرار مبارك استدعاء الجيش، وتحسباً لفقدهم مراكزهم وسلطاتهم والأمر الآخر هو أن هناك خطة موضوعة من الأساس بأنه فى حالة وجود تظاهرات ضخمة تقوم الشرطة بإحداث الفوضى، حتى يساند الشعب عودة النظام.

كان على الوزير أن يعترف بذلك صراحة، ويقول إن التحقيق سوف يظهر من الذى أصدر هذه الأوامر، أما إذا كان الأمر قد حدث تلقائياً من الشرطة، فهذا يعنى أن قيادات هذا الجهاز بأكمله مسؤولة عن ذلك لأنها ربت أجيالاً لا يهمها الوطن فى شىء.

خامساً: الاتهام بتدمير أقسام الشرطة لا يمكن أن يوجه فقط إلى المتظاهرين والبلطجية، لا أريد أن أتهم الشرطة بتدمير مقارها، ولكن هناك شبهات فى ذلك، ويجب أن يتم إجراء تحقيق محايد لتقصى الحقائق، حتى يمكن للجهاز أن يتخلص من الفاسدين منه.

سادساً: قال الوزير إنه سوف ينفذ الأحكام الصادرة بعودة رجال الشرطة، لماذا لا يعلن الوزير أنه سوف ينفذ جميع الأحكام الصادرة ضد وزارة الداخلية؟

سابعاً: قال الوزير إن جهاز أمن الدولة باقٍ، وهو موجود فى كل بلاد العالم، وهذه مقولة حق يراد بها باطل. جهاز أمن الدولة لا يوجد له فى أى بلاد العالم ضباط مقيمون فى الجامعات والأحزاب والنقابات والأزهر والكنائس، ولا يوجد عنده ضباط يعطون أوامر لرؤساء الجامعات،

ويقرأون كل ورقة يوقع عليها، ويزوّرون انتخابات اتحاد الطلاب ونوادى أعضاء هيئة التدريس، ويرفضون تعيين أو سفر معيد أو أستاذ، أو يديرون الملف القبطى، فيدقون أسافين بين المسلمين والأقباط، ويحوّلون علاقة ودية بين أبناء الوطن الواحد إلى أزمة كبرى. «أمن الدولة» هو حماية الدولة من الجواسيس والإرهاب فقط، وتبليغ المعلومات التى يجمعونها إلى صاحب القرار السياسى، أما دورهم كجهة تنفيذية تُصْدر الأوامر، وتعيّن العمداء، وتجرى معهم مقابلات شخصية، فهو أمر يجب أن يُوقف فوراً بواسطة الوزير.

ولا بد أن يعرف الوزير أن «أمن الدولة» هو الذى قاد معركة تدمير مصر خلال الثورة، وهو المتسبب الرئيسى فى الفوضى والفتنة الطائفية، ويجب أن يعرف أن اللجان الشعبية قامت بحراسة الممتلكات بكفاءة عالية، وأظهرت فساد الشرطة، وأنه خلال ٣ أسابيع لم يكن هناك شرطى واحد يحرس أى كنيسة، ولم يحدث شىء.

ألا يجعلنا ذلك نفكر قليلاً بأن حوادث مصنوعة بأيدى الداخلية شىء وارد؟

وأخيراً: يجب أن يعتذر وزير الداخلية عما فعلته الشرطة بالشعب قبل الثورة وأثناءها ويعترف بالأخطاء الجسيمة، ويعلن أن أمن الدولة سوف يُعاد تنظيمه بحيث يتخلى تماماً عن جميع سلطاته، ويصبح جهة تقدم تقارير فقط لما قد يخل بأمن المواطن والوطن، وينتهى تواجده الظاهر فى كل الجهات المدنية، ويجب أن يتم تطهير وزارة الداخلية خلال فترة قصيرة من كبار الفاسدين، وحينئذ سوف ينصلح حال صغارهم.

رجال الشرطة هم إخواننا وأبناؤنا وجزء منا، ويجب أن يعودوا إلى حضن الشعب يرعون مصالحه، ويحافظون عليه بعد أن تتطهر وزارة الداخلية من العنف والفساد.

الأحد، 27 فبراير 2011

الدين فى الدستور الليبرالى المصرى

بقلم: معتز بالله عبد الفتاح

تحت شعار كلنا يد واحدة، قامت مجموعة من شباب الإسكندرية بربط علم مصر بين كنيسة القديسين والجامع المقابل لها فى الإسكندرية.

وهى روح بناءة تعد من أهم مكتسبات الثورة. ولكن عددا من الأحداث الأخيرة فتحت قضية المادة الثانية من الدستور بما فى ذلك الخوف من اختطاف الإخوان للثورة. ثم يأتى الكلام متواترا عن رغبة مجموعة من السلفيين فى تكوين حزب سياسى، ثم حديث آخر عن رغبة الجماعة الإسلامية فى أن تعود للعمل الدعوى والسياسى. ومن هنا انبرى عدد من أبناء مصر المتخوفين من أن مصر ستتحول من «أوتقراطية» إلى «ثيوقراطية»، فى حين أن الهدف كان أن تكون «ديمقراطية».

والأوتوقراطية هى حكم استبدادى، والثيوقراطية هى حكم اللاهوت أو مجموعة من الأشخاص. وهو تخوف مفهوم قطعا؛ ففى تاريخ المسلمين كان هناك من الساسة من صور كل قرار يتخذه وكأنه إعمال لإرادة الله النافذة التى لا تجوز مخالفتها (بدايات المدرسة الجبرية فى الفكر الإسلامى) وهو ما بدأ شيوعه مع حكم معاوية بن أبى سفيان (رضى الله عنه) ومن ذلك قول واليه على البصرة زياد بن أبيه حين خطب فى أهلها:

«أيها الناس، إنا أصبحنا لكم ساسة، وعنكم ذادة، نسوسكم بسلطان الله الذى أعطانا، ونذود عنكم بفىء الله الذى خولنا» وحين «قتل عبدالملك بن مروان، عمرو بن سعيد بن العاص، وطرح رأسَه على الناس، هتف المنادى: إن أمير المؤمنين قتل صاحبكم بما كان من القضاء السابق والأمر النافذ».

إذن قضية الدين والدولة ستعود مرة أخرى إلى السطح، وتعود مناقشة المادة الثانية من الدستور. والحقيقة أنا أخشى أن تتوه المسألة ونفقد البوصلة دون أن نراعى التنويعات الكثيرة لعلاقة الدين والدولة فى العالم المعاصر الذى يشهد أنماطا أربعة لعلاقة دستور الدولة بالدين، اثنان منهما شموليان، حتى وإن كان أحدهما محايدا تجاه كل الأديان، واثنان منهما ليبراليان وإن نص أحدهما صراحة على دين رسمى للدولة.

وفيما يلى تفصيل هذا الإجمال:

1 ــ دستور شمولى منزوع الدين يتفق مع نمط من العلمانية يقوم على «الحرية ضد الدين» (freedom against religion) وهى الصيغة السوفييتية ومعها التركية الكمالية، حيث ترى النخبة القابضة على الدولة أن الدين فى ذاته خطر وأن التدين مؤشر تخلف. وهى صيغة متراجعة تاريخيا لأنها بذاتها تتناقض مع حق الأفراد فى أن يكون لهم مجالهم الخاص والعام الذى لا تتدخل فيه الدولة. فالدولة استغلت اختصاصها التشريعى واحتكارها للعنف كى تقبض على هذين المجالين.

فالفرد بهذا ما مارس حقه الطبيعى فى الاعتقاد والتدين وما كانت الدولة حامية لمثل هذا الحق باعتبارها المنتهكة الأولى له. فدستور كوريا الشمالية لا يوجد فيه نص على أى دين، ومع ذلك لا يمكن أن يكون هو النموذج الذى ينبغى الاحتذاء به فى علاقة الدين بالمجتمع.

2 ــ دستور شمولى يميز دين الأغلبية ويحظر أديان الأقليات الأخرى. وهذه الصيغة الدستورية ترتبط مباشرة بتأويلات متشددة كتلك التى يتبناها أتباع دين الأغلبية، أى ليست قضية عقيدة بالضرورة بقدر ما هى قضية اعتقاد. ومن أمثال تلك الدساتير، دستور 1990 فى نيبال، الذى جعل منها مملكة هندوسية مع الرفض الصريح للاعتراف بحق المواطنين النيباليين المسلمين والبوذيين والمسيحيين فى ممارسة شعائر دينهم، وقد تم تعديل هذه المادة مع الانقلاب العسكرى فى 2007. وماثلهم حكم طالبان، رغما عن عدم وجود دستور مكتوب.

ولو تمكن اليمين الدينى فى إسرائيل من تطبيق الهلاخا (Halacha) والتى تعنى الشريعة، لمحوا ما عدا اليهودية من أديان.

والخطر الحقيقى فى هذا النمط أن تزعم أى طائفة حقا لها فى أن تشرع لكل المجتمع باسم الدين فى حدود تفسيرها الضيق لنصوصه غير عابئة بحقوق الأفراد من الديانات الأخرى أو من داخل نفس الدين فى أن يكون لهم مجالهم الخاص ومجالهم العام المدنى الذى يتحركون فيه. وهنا يكون الدين قد تحول إلى أداة قمع لا تحكم فقط المجالين الخاص والعام لأتباعه ولكن السياسة والحكم والتشريع للمجتمع بأسره أيضا.

ومن هنا تأتى أهمية أن يكون الدستور ليبراليا حتى وإن كان فيه نص على دين رسمى؛ حيث إن الليبرالية تضع قيودا على الاستبداد باسم الدين والاتجار به، كما ترفض أن يكون البديل عن الاستبداد باسم الدين، استبدادا بغيره. فالليبرالية متصالحة مع الدين تحترمه وتضعه فى مكانه اللائق به سواء على المستوى الفردى أو كإطار عام لحياة الناس فى مجتمعهم دون أن يسمح للسلطة بالتعسف فى استخدامه.

وهذان النمطان السابقان لا يشكلان، ولا ينبغى لهما، أمل أو مستقبل أى قوة سياسية على أرض مصر، لأنهما لا يتفقان مع روح الليبرالية الحقة من ناحية، كما أنهما نمطان متداعيان عملا بحكم استحالة وجود النقاء الدينى فى أى مجتمع، فضلا عن الالتزام الرسمى من معظم حكومات العالم بمواثيق حقوق الإنسان والتى تؤكد حرية العقيدة وحق ممارسة شعائر الدين.

3 ــ دستور ليبرالى محايد دينيا كمقدمة لاحترام جميع الأديان صراحة. وتقف خلف هذا النمط الدستورى فلسفة علمانية تفترض «حرية الدين» (freedom of religion) وهى النموذج الليبرالى الأصيل، كما هو فى الصيغة الأمريكية والكندية والاسترالية واليابانية، حيث تحترم الدولة المجالين الخاص والعام تماما بضابطين اثنين وهما ألا تحابى الدولة رسميا دينا على حساب دين آخر ولا تسمح الدولة بأن تكره أى طائفة شخصا على الشعور بالحرج من التعبير عن رموزه الدينية أو تبنى دين دون آخر.

فالدولة تتدخل بالتشريع لحماية حقوق الأفراد ولا ترى أن عليها مسئولية فى دمج أبناء الديانات فى المجتمع بإجبارهم على التخلى عن رموزهم ومعتقداتهم ولكنها تهدف إلى التعايش بينهم.

ويمثل الخوف الأوروبى من مظاهر التدين الإسلامى المتنامى هناك، خروجا عن المبادئ الليبرالية الأصيلة.

وصعوبة هذا النمط من الدساتير، كما يشير الفيلسوف الأمريكى العظيم جون رولز، تكمن فى أنه يقتضى توافقا مجتمعيا سابقا على الدستور ولا نتوقع أن ينشئ الدستور بذاته مثل هذا التوافق دونما حاجة للقمع وإلا أصبح الدستور نفسه سببا للصراع الاجتماعى بما يعد انحرافا عن دور الدستور الأصلى، وهو منع الصراع وحسن إدارته إن ظهر. وبما أن الواقع المصرى لا يحظى بهذا الاتفاق المجتمعى بين جميع أبناء الوطن بشأن صياغة دستور محايد دينيا، فإننا أمام البديل الرابع والذى له أمثلة ليبرالية معاصرة كثيرة.

4 ــ دستور ليبرالى يقرر وضعا خاصا لدين الأغلبية مع توافر شرطين: أولهما أن يكون دين الأغلبية نفسه لديه القدرة على استيعاب الحقوق الأساسية لأتباع الديانات الأخرى، وهو الشرط المتحقق فى الإسلام بحكم نصوصه وقدرته على التعايش مع الأديان الأخرى فى مناخ من «البر والقسط» كما نص القرآن الكريم، وهو ما بدا واضحا حين يطالب بعض إخواننا المسيحيين بتطبيق نصوص الشريعة الإسلامية والتى تجيز للكنيسة إدارة شئونها، وفقا لقوانينها الكنسية دون تدخل أحد فى شئونها. وثانيا أن يقرر القانون نصوصا فوق دستورية (supra-constitutional) تقرر لكل أتباع الديانات حقوقا متساوية أمام القانون.

ومصر، بحكم تبنيها هذا النمط (على الأقل شكليا)، ليست بدعا من الدول والأمثلة كثيرة، حيث تبنت هذا النمط الدنمارك وأيسلندا والنرويج وفنلندا التى تنص دساتيرها وقوانينها صراحة على أن المسيحية اللوثرية هى ديانتها الرسمية، وهو نفس الحال مع المسيحية الأنجليكانية فى انجلترا والمسيحية الأرثوذوكسية فى اليونان وقبرص والكاثوليكية كديانة رسمية فى كل من الأرجنتين وبوليفيا وكوستاريكا والسلفادور. ولا توجد دولة مسلمة لا يظهر الإسلام أو إشارة له فى دستورها صراحة سوى تركيا بعد التعديل الدستورى فى عام 1928، ولبنان وألبانيا وعدد من الدول الشيوعية السابقة فى وسط آسيا.

ويبدو من العرض السابق أن الدستور المصرى فى صيغته المعاصرة لا يخرج بالضرورة عن الإطار الليبرالى حتى وإن ظلت المادة الثانية على وضعها الحالى شريطة التطبيق الأمين لنصى المادة الخامسة والمادة أربعين من الدستور. فالمادة الخامسة تقرأ: «ولا تجوز مباشرة أى نشاط سياسى أو قيام أحزاب سياسية على أى مرجعية أو أساس دينى أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل».
والمادة الأربعون تقرأ:

«المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة».

إذن الدستور الحالى لا يقف بذاته عائقا ضد مساحة كبيرة من حرية الفكر والحركة لإخواننا المسيحيين، لكن المعضلة هو مدى استعداد القطاع الأكبر من إخواننا المسيحيين لأن يقتربوا أكثر من مشاكل مصر بروح وطنية تستوعب مطالبهم كمجموعة متميزة من أبناء الوطن ولكن تضيف إليها مطالب بالمزيد من الحقوق السياسية للمصريين أجمع. ولا أملُ أبدا من تكرار عبارة مكرم باشا عبيد: «نحن مسلمون وطنا ونصارى دينا، اللهم اجعلنا نحن المسلمين لك، وللوطن أنصارا.. اللهم اجعلنا نحن نصارى لك، وللوطن مسلمين»، آمين.

الجمعة، 25 فبراير 2011

الفساد فى وزارة الخارجية

بقلم د.حسن نافعة ٢٥/ ٢/ ٢٠١١

للدبلوماسية المصرية تاريخ طويل من الأداء المتميز، جعلها تبدو فى نظر الكثيرين واحدة من كبريات المدارس الدبلوماسية فى العالم. غير أن هذا الأداء تراجع كثيراً فى الآونة الأخيرة، خاصة خلال فترة تولى السيد أحمد أبوالغيط منصب وزير الخارجية.

لذا لم يكن غريباً تراجع دور ومكانة مصر على الساحتين الإقليمية والدولية، بسبب الأداء غير المهنى للدبلوماسية المصرية فى الآونة الأخيرة، الذى أدى إلى إضعاف الموقف الفلسطينى، بتكريس الانقسام بين حماس والسلطة،

ومنح إسرائيل الفرصة كى تصول وتجول فى المنطقة، وإلى تعميق الخلافات بين الدول العربية، بالدخول فى منافسات عقيمة وغير مستحبة مع دول مثل قطر وسوريا والجزائر، وإلى إهمال السودان والتقاعس عن مساعدته لتجنب الانفصال، وإلى نهج سياسات عقيمة مع دول حوض وادى النيل، عرّضت مصالح مصر المائية، وبالتالى أمنها الوطنى، للخطر.

ربما لا يكون من الإنصاف تحميل أبوالغيط كامل المسؤولية عن كل ما أصاب السياسة الخارجية المصرية من تدهور، فمن المسلم به أن وزير الخارجية فى النظام المصرى هو منفذ لهذه السياسة، وليس صانعا لها. ومع ذلك يبدو أن هناك إجماعاً فى مختلف الأوساط السياسية والدبلوماسية على أن أداء وزير الخارجية الحالى يعد الأسوأ فى تاريخ الدبلوماسية المصرية.

وقد لمست ذلك بنفسى عبر شهادة عدد كبير من زملائى أو من تلاميذى من الدبلوماسيين العاملين فى ديوان الوزارة، أو المنتشرين فى مختلف أنحاء العالم، وبعضهم أصبح سفيراً الآن.

فمعظمهم يعتقد أن أحمد أبوالغيط يفتقد الرؤية والفكر الاستراتيجى، ويغلب على أدائه طابع المظهرية، وتتسم تصريحاته بالعنترية والعناد والتكبر والاهتمام بتوافه الأمور وإهمال عظائمها.

غير أن أكثر ما أزعجنى فى هذه الشهادات وهو ما دفعنى للكتابة اليوم فى هذا الموضوع، تأكيدهم فى رسائل مكتوبة تؤكد، فى حالة صحة ما جاء بها، تفشى الفساد فى وزارة الخارجية بدرجة كبيرة، أدت إلى إحباط الكثيرين وافتقادهم الحماس فى العمل والإخلاص فى الأداء.

فالبعض يتحدث صراحة وعلنا عما يسمى «عصابة الأربعة الكبار»، وعن قرارات النقل والإيفاد للخارج لمدد قصيرة، والتى يستفيد منها المحاسيب ويحصلون من ورائها على مبالغ طائلة.

بل إن بعض هذه الرسائل يشير إلى أن ملحقاً إدارياً فى الوزارة حصل مؤخرا على حوالى عشرين ألف دولار أمريكى كبدل سفر، صرف عن مهمة صورية فى الخارج، لم يقض منها هذا المحظوظ سوى يومى السفر والعودة فقط!

لكن الأخطر من ذلك أن حركات النقل والتسكين للعائدين من الخارج لم تعد تحكمها فى عهد الوزير معايير موضوعية وتتم وفق أهواء شخصية دون مراعاة للصالح العام، حيث يحصل الأحباب والمحاسيب على أفضل المواقع، بغض النظر عن الأقدمية أو الكفاءة أو الخبرة، ويستدلون على ذلك بحركة النقل الأخيرة للسفراء، وهى حركة مشكوك حتى فى صحتها على الصعيدين القانونى والأخلاقى.

فقبل تنحى الرئيس بيوم واحد، وقع الرئيس السابق على حركة نقل وتعيينات قبل موعدها المعتاد، ومارس الوزير هوايته المفضلة، فأبعد السفراء القدامى الأكفاء إلى أماكن بعيدة، وعين المحاسيب، حتى ولو كانوا صغار السن محدودى الخبرة، فى عواصم أوروبية مهمة.

ويرى بعض الخبثاء أنه يتعمد ذلك ليضمن بقائه فى الوزارة لأطول فترة ممكنة، وليجعل من إمكانية العثور على بديل له مسألة صعبة، إن لم تكن مستحيلة.

وصلتنى مؤخرا رسائل عديدة عن فساد مالى وإدارى كبير فى وزارة الخارجية. ولأن محتوى هذه الرسائل معروف لدى الأجهزة الرقابية يطالب أصحابها بضرورة الاهتمام بها وتشكيل لجنة مختصة تكلف بثلاث مهام محددة:

١- مراجعة مستندات الصرف، خاصة عن العامين الأخيرين، لكشف التجاوزات المالية.

٢- التحقيق فيما تردد عن قيام بعض المسؤولين فى الوزارة بحرق مستندات ووثائق معينة بعد اندلاع ثورة ٢٥ يناير وتنحى الرئيس السابق.

٣- فحص قوائم الانتدابات والإعارات خلال السنوات الأخيرة، لكشف أوجه التحايل على لائحة العمل المطبقة بشأن إلحاق بعض العناصر بالبلاد المتميزة.

فقد تردد أن الوزير كان يقوم بإعارة عناصر من ذوى الحظوة والمقربين إلى هيئة الاستعلامات، مستغلاً تعيين رئيسها من كوادر وزارة الخارجية.

ثم يتم إيفاد هؤلاء المعارين كرؤساء أو أعضاء بالمكاتب الخارجية الإعلامية فى الدول المتقدمة (جنيف، طوكيو، برلين) وغيرها نظير حصول رئيس الهيئة، الذى ترقى إلى درجة سفير قبل شهر واحد، على منصب سفير مصر فى ألمانيا الاتحادية، بدلاً من أن يرسل إلى هذه الدولة المهمة أحد السفراء القدامى الأكفاء. وقد تكرر اللجوء إلى هذه الأساليب الملتوية عند تعيين السفراء المصريين فى دول أوروبية مهمة أخرى مثل النمسا واليونان والدنمارك وهولندا وغيرها.

يرى كثيرون أن التراجع فى أداء وزارة الخارجية يعود، ضمن أسباب أخرى كثيرة، إلى الأسلوب الذى اتبعه الوزير الحالى فى قيادة العمل داخل الوزارة، والذى شابه فساد كبير وتغليب الاعتبارات والمصالح الشخصية والشللية على المصلحة العامة.

لذا كانت الدهشة كبيرة حين لم تشمل التعديلات الأخيرة فى وزارة الفريق أحمد شفيق تعيين وزير جديد للخارجية، وكأن السلك الدبلوماسى المصرى قد خلا من الكفاءات. لماذا لم يفكر أحد فى الاستعانة بكفاءات نادرة وشديدة التميز من أمثال الدكتور نبيل العربى، أو السفير نبيل فهمى أو ما شابههما. أظن أن السبب يعود إلى أن عقلية ما قبل ثورة ٢٥ يناير لاتزال هى التى تحكم وتتحكم!

استقلال القضاء بين مرعى وعبدالمجيد

بقلم محمود مسلم ٢٥/ ٢/ ٢٠١١

لو لم تحقق ثورة ٢٥ يناير سوى الاستقلال الحقيقى للقضاء فسيظل الشعب المصرى يدين بالفضل لشباب الثوار على مدى التاريخ.. لأن استقلال القضاء وحده سيحقق الأهداف الرئيسية للثورة وهى العدالة والحرية والخبز.. ومما لا شك فيه أن الثورة فتحت الملفات المغلقة أو المحفوظة أو تلك التى سكنت الأدراج منذ قديم الأزل.

النيابة العامة التى يقودها المستشار عبدالمجيد محمود قررت، خلال أيام قليلة جداً، إحالة أوراق عدد من كبار المسؤولين إلى محكمة الجنايات، بينما البلاغات التى قدمها نواب مجلس الشعب، وعلى رأسهم القدير علاء عبدالمنعم، يتم بحثها فى النيابة منذ عامين دون أن تصدر قراراً فيها وهو ما يثير الكثير من علامات الاستفهام،

خاصة أن عبدالمنعم قدم مستندات كثيرة تدين إبراهيم سليمان مباشرة، ونشرتها «المصرى اليوم»، بل إن التحقيقات أثبتت قيام الوزير السابق بإفساد عدد من المسؤولين، بل كما كتبت من قبل، فإن كل مصيبة جرت فى مصر يجب أن تفتش فيها عن اسم إبراهيم سليمان.. وإذا كانت هناك حماية سياسية لسليمان منعت إعلان نتائج التحقيقات فإن هذه المظلة قد تبخرت.. إلا إذا كانت هناك مظلات أخرى لا نعرفها..

وبالتالى يجب أن يخرج النائب العام فوراً لإعلان نتائج قضية إبراهيم سليمان لأن رائحتها قد فاحت، خاصة أن المستشار أحمد الشلقانى، رئيس جهاز الكسب غير المشروع السابق، قد اعترف، فى حواره الخطير مع الزميل الصحفى المتميز يسرى البدرى بـ«المصرى اليوم»، بأن الرقابة الإدارية قد أعدت تقريراً حول إبراهيم سليمان صورته فيه «نبياً»، ثم قدمت تقريراً آخر مغايراً تماماً للتقرير الأول، يتضمن ثروات غير مشروعة وهذا قمة التناقض، إلا أنه لم تتم إحالة سليمان للمحاكمة أيضاً.

إلى هنا انتهى كلام الشلقانى حول إبراهيم سليمان، لكن الرجل أفصح عن معلومات مرعبة أخرى حول المستشار ممدوح مرعى، وزير العدل، فى الحوار ذاته، حيث اتهمه الشلقانى بالتدخل فى شؤون الجهاز، وأنه طلب منه عدم حبس عبدالرحمن حافظ ورئيس إحدى شركات الإسكان، كما رفض الوزير قيام جهاز الكسب غير المشروع بالطعن على قرار براءة حافظ.. ولكن الأخطر والذى كشفه «الشلقانى» أن مرعى قرر إيقاف تقديم إقرارات الذمة المالية بعد شكوى طارق وهشام طلعت مصطفى له.

■ ■ لا أعرف لماذا لا يُفتح تحقيق فيما قاله «الشلقانى» حتى تظل صورة القضاء المصرى ناصعة البياض؟.. ولماذا كانت تتأخر تقارير جهاز الرقابة الإدارية أحياناً، وتُزوّر فى أحيان أخرى؟.. ولماذا لم يتم الرد على ما أثير فى حق وزير العدل، خاصة أن الحكومة قد تمسكت به فى تشكيلها الجديد؟

المجد للجرذان

بقلم نادين البدير ٢٥/ ٢/ ٢٠١١

سلاح ممل. عقيم. متداول عربيا لكنه لم يعد يخيف. ظهر جلياً فى صراخ القذافى. سلاح التخويف من أنفسنا الأمارة بالشر. مررنا بفترات طويلة متحملين المهانة والفقر والذل وفقدان الحريات لأن السلاح كان مصوباً نحو أرضنا وعِرضنا. خفنا من البديل. من فزاعة اسمها الإخوان والمتشددون والطالبانيون الجدد والقبائلية والمناطقية والعشائرية والطائفية والشيعية والقاعدة والعلمانية والليبرالية والمطاحن الأهلية وقائمة لا تنتهى من أعداء الداخل المتربصين الذين سيقودون المنطقة لدمار لا ينتهى.

نخاف البديل. نخاف المجهول. ولأن الإنسان عدو ما يجهل فقد تمادوا (بتجهيلنا) وتمادوا بقطع مدادنا من الطاقة المعرفية الكافية. حتى إنهم رسموا لنا حد المعرفة وحد الجهل مثلما رسموا حد الحرية. امتد حاجز التعتيم والمنع والقمع حتى شمل جهلنا بأنفسنا. ورضينا بأى ظلم يقيد انفلاتنا خوفاً من إشهار شرورنا المتحمسة للانقضاض علينا.

هل سنتقاتل إذا ما انقلب الأمر؟ هل وصلت كراهيتنا لأقصاها؟ أما زلنا خائفين؟ مع انتهاء ثورة مصر لم نعد نخاف أو نخجل من كسر حواجز الطاعة الروحانية التى تربطنا بالسلطة، ومع ثورة ليبيا لم نعد نخاف من الوحش النائم فى جحورنا. إن كان هناك وحش. هكذا شيعت الأنظمة التى تبرع بالترهيب من المجهول الأعظم لضمان تعلق الشعب بالحكومة الأم. القذافى يخوفنا من اشتعال حرب أهلية ضروس. فكيف نسمى معركته ضد الشعب الليبى؟

وما تعليقه على رصاصه الطائش لكن معلوم الهدف؟ وكيف ينظر إلى قنابله الموجهة للداخل؟ وطائراته تنسف الأماكن وصواريخه تتأهب. أهى طريقته لحماية البنيان المرصوص للدولة؟ أم لحماية العرش والخلود للمعمر القذافى؟ هل استيقظ العربى وعرف مفهوم الحرب الأهلية الحقيقية وعدوه اللدود بها؟

الآن وبعد كل هذه المجازر الدموية المعلنة وغير المعلنة. هل تكون القبائلية أو الإسلامية أو العلمانية أشد فتكاً من مجزرة الطاغية ومعتقلاته واغتيالاته واستخباراته السرية وتعذيبه وقمعه وديكتاتوريته؟مم يخيفنا القذافى؟ نحن لم نعد نخاف. مم يخيفوننا؟ نحن لا نملك ما نخسره.ماذا سيخسر الليبيون عند خروج الرئيس؟ سيخسرون الأغلال والقيود وقمع الحريات ومصادرة المال العام. سيكسبون الشىء الكبير من احترام النفس ومن الكرامة.

ونحن فى وقت عربى صارت فيه كرامتنا أغلى من لقمة العيش وحريتنا أعز من خبزنا.لم تعد الخسائر تعنى شيئاً مهما كانت طالما أن المكسب هو العودة لقائمة الإنسانية من جديد والخروج من إطار الحيوانية الذى حشرنا به الزعيم لمدى طويل. ماذا سيخسر الليبيون عند خروج الرئيس؟خطب طويلة، نصفها سخرية وترهل ونصفها تباه بروح ثورية غير موجودة. بشعارات مستحيل أن يفكر فى تحقيقها. سيخسرون حكايات كاذبة عن العروبة والقومية ودعوات مضحكة للوحدة العربية. ومحاولات تليدة لتأليه وتمجيد الرئيس. ماذا لو كانت نهاية عهده بداية لعهد جديد تولى به مسألة التعليم حقها، والصحة والرعاية والخدمات واحترام الحريات والحقوق والعدالة فى توزيع الثروات والقضاء على الفساد؟ القذافى يخيفنا من إمارة إسلامية.

لعبة الأنظمة المعتادة على الأوتار العربية الحساسة. لعبة عمرها عقود. لكن المحتجين والثائرين والغساضبين يقررون كسر قواعد اللعبة وإنهاءها. يقررون أن خروج الظالم لا يعنى نهاية وطن. خروج الطاغية يعنى حلول العدالة. والعدالة تعنى حكم القانون وتطبيقه على الجميع ومنح الجميع فرصة المشاركة فى الحكم وفقاً للدستور. تماماً كما فى تركيا التى ما كان الحزب الإسلامى ليصل بها لسدة الحكم لولا القانون وروح العلمانية السائدة التى تحفظ حقوق الجميع أياً كانت انتماءات الحزب الحاكم. طاولة اللعب انقلبت.

سلاح التخويف صار مصوباً بالعكس. الشعب: منتشر فى الشارع لا يخاف شيئاً، يسير فى اتجاه المجهول ويقسم مئات الأيمان على خوض المجهول الذى هابه لعقود. يسير فى اتجاه حياة جديدة بنظام جديد وقاعدة جديدة وفكر جديد. الرئيس: مختبئ وراء المرتزقة خائف مرتعد من انفلات الشعب من قبضته، لم يعد باستطاعته التحكم. لم يعد باستطاعته فعل شىء غير الصراخ. الكثير من العويل كمشهد من يمارس (الردح) بحارة شعبية قديمة. يصرخ الرئيس بمجون. لا يجد بداً من الجهر بأمور كان يفعلها مستتراً فى السجون والمعتقلات. اليوم يصدح جهراً باللعب على المكشوف. بإبادة المحتجين، وبزحف مقدس عظيم. والزحف المقدس مصطلح اخترعه القذافى كبقية مخترعاته ومقتنياته المستمدة من الأيديولوجيات والسماوات. الزاحفون المقدسون. الخطة المقدسة.

القتل المقدس. التشويه المقدس. كل الفعائل الشنيعة مقدسة. كتابه المقدس الأخضر يبيح له القتل مثلما أباح له الاضطهاد والتلويث والتعذيب وإرجاع الأمة إلى الوراء وغمسها فى حالة من التخلف والجهل.فى النهاية يكشف عن رأى الطغيان بأى معارضة واحتجاج ويقول.. هؤلاء مجموعة من الفئران والجرذان.لا تخيفونا بأى سلاح جديد.

لا تخترعوا المجموعات أو تختلقوا الوحوش وحذار من حركات أيديولوجية مُسَيَّسة لخدمة الطاغية، خسرتم اللعبة بامتياز. فالأحرار لا يؤمنون بالمجهول المخيف. الأحرار هوايتهم تجربة المخيف. الأحرار لا يخافون. نشوتهم فى دخول المخاطر والتحديات. سلاح التخويف ممل. عقيم. قديم.من تسميهم الجرذان الآن يرقصون رقصة اسمها الحرية والديمقراطية.وكلنا جرذان. المجد (للجرذان). وتحيا ليبيا الجديدة.

المجد للجرذان

بقلم نادين البدير ٢٥/ ٢/ ٢٠١١

سلاح ممل. عقيم. متداول عربيا لكنه لم يعد يخيف. ظهر جلياً فى صراخ القذافى. سلاح التخويف من أنفسنا الأمارة بالشر. مررنا بفترات طويلة متحملين المهانة والفقر والذل وفقدان الحريات لأن السلاح كان مصوباً نحو أرضنا وعِرضنا. خفنا من البديل. من فزاعة اسمها الإخوان والمتشددون والطالبانيون الجدد والقبائلية والمناطقية والعشائرية والطائفية والشيعية والقاعدة والعلمانية والليبرالية والمطاحن الأهلية وقائمة لا تنتهى من أعداء الداخل المتربصين الذين سيقودون المنطقة لدمار لا ينتهى.

نخاف البديل. نخاف المجهول. ولأن الإنسان عدو ما يجهل فقد تمادوا (بتجهيلنا) وتمادوا بقطع مدادنا من الطاقة المعرفية الكافية. حتى إنهم رسموا لنا حد المعرفة وحد الجهل مثلما رسموا حد الحرية. امتد حاجز التعتيم والمنع والقمع حتى شمل جهلنا بأنفسنا. ورضينا بأى ظلم يقيد انفلاتنا خوفاً من إشهار شرورنا المتحمسة للانقضاض علينا.

هل سنتقاتل إذا ما انقلب الأمر؟ هل وصلت كراهيتنا لأقصاها؟ أما زلنا خائفين؟ مع انتهاء ثورة مصر لم نعد نخاف أو نخجل من كسر حواجز الطاعة الروحانية التى تربطنا بالسلطة، ومع ثورة ليبيا لم نعد نخاف من الوحش النائم فى جحورنا. إن كان هناك وحش. هكذا شيعت الأنظمة التى تبرع بالترهيب من المجهول الأعظم لضمان تعلق الشعب بالحكومة الأم. القذافى يخوفنا من اشتعال حرب أهلية ضروس. فكيف نسمى معركته ضد الشعب الليبى؟

وما تعليقه على رصاصه الطائش لكن معلوم الهدف؟ وكيف ينظر إلى قنابله الموجهة للداخل؟ وطائراته تنسف الأماكن وصواريخه تتأهب. أهى طريقته لحماية البنيان المرصوص للدولة؟ أم لحماية العرش والخلود للمعمر القذافى؟ هل استيقظ العربى وعرف مفهوم الحرب الأهلية الحقيقية وعدوه اللدود بها؟

الآن وبعد كل هذه المجازر الدموية المعلنة وغير المعلنة. هل تكون القبائلية أو الإسلامية أو العلمانية أشد فتكاً من مجزرة الطاغية ومعتقلاته واغتيالاته واستخباراته السرية وتعذيبه وقمعه وديكتاتوريته؟مم يخيفنا القذافى؟ نحن لم نعد نخاف. مم يخيفوننا؟ نحن لا نملك ما نخسره.ماذا سيخسر الليبيون عند خروج الرئيس؟ سيخسرون الأغلال والقيود وقمع الحريات ومصادرة المال العام. سيكسبون الشىء الكبير من احترام النفس ومن الكرامة.

ونحن فى وقت عربى صارت فيه كرامتنا أغلى من لقمة العيش وحريتنا أعز من خبزنا.لم تعد الخسائر تعنى شيئاً مهما كانت طالما أن المكسب هو العودة لقائمة الإنسانية من جديد والخروج من إطار الحيوانية الذى حشرنا به الزعيم لمدى طويل. ماذا سيخسر الليبيون عند خروج الرئيس؟خطب طويلة، نصفها سخرية وترهل ونصفها تباه بروح ثورية غير موجودة. بشعارات مستحيل أن يفكر فى تحقيقها. سيخسرون حكايات كاذبة عن العروبة والقومية ودعوات مضحكة للوحدة العربية. ومحاولات تليدة لتأليه وتمجيد الرئيس. ماذا لو كانت نهاية عهده بداية لعهد جديد تولى به مسألة التعليم حقها، والصحة والرعاية والخدمات واحترام الحريات والحقوق والعدالة فى توزيع الثروات والقضاء على الفساد؟ القذافى يخيفنا من إمارة إسلامية.

لعبة الأنظمة المعتادة على الأوتار العربية الحساسة. لعبة عمرها عقود. لكن المحتجين والثائرين والغساضبين يقررون كسر قواعد اللعبة وإنهاءها. يقررون أن خروج الظالم لا يعنى نهاية وطن. خروج الطاغية يعنى حلول العدالة. والعدالة تعنى حكم القانون وتطبيقه على الجميع ومنح الجميع فرصة المشاركة فى الحكم وفقاً للدستور. تماماً كما فى تركيا التى ما كان الحزب الإسلامى ليصل بها لسدة الحكم لولا القانون وروح العلمانية السائدة التى تحفظ حقوق الجميع أياً كانت انتماءات الحزب الحاكم. طاولة اللعب انقلبت.

سلاح التخويف صار مصوباً بالعكس. الشعب: منتشر فى الشارع لا يخاف شيئاً، يسير فى اتجاه المجهول ويقسم مئات الأيمان على خوض المجهول الذى هابه لعقود. يسير فى اتجاه حياة جديدة بنظام جديد وقاعدة جديدة وفكر جديد. الرئيس: مختبئ وراء المرتزقة خائف مرتعد من انفلات الشعب من قبضته، لم يعد باستطاعته التحكم. لم يعد باستطاعته فعل شىء غير الصراخ. الكثير من العويل كمشهد من يمارس (الردح) بحارة شعبية قديمة. يصرخ الرئيس بمجون. لا يجد بداً من الجهر بأمور كان يفعلها مستتراً فى السجون والمعتقلات. اليوم يصدح جهراً باللعب على المكشوف. بإبادة المحتجين، وبزحف مقدس عظيم. والزحف المقدس مصطلح اخترعه القذافى كبقية مخترعاته ومقتنياته المستمدة من الأيديولوجيات والسماوات. الزاحفون المقدسون. الخطة المقدسة.

القتل المقدس. التشويه المقدس. كل الفعائل الشنيعة مقدسة. كتابه المقدس الأخضر يبيح له القتل مثلما أباح له الاضطهاد والتلويث والتعذيب وإرجاع الأمة إلى الوراء وغمسها فى حالة من التخلف والجهل.فى النهاية يكشف عن رأى الطغيان بأى معارضة واحتجاج ويقول.. هؤلاء مجموعة من الفئران والجرذان.لا تخيفونا بأى سلاح جديد.

لا تخترعوا المجموعات أو تختلقوا الوحوش وحذار من حركات أيديولوجية مُسَيَّسة لخدمة الطاغية، خسرتم اللعبة بامتياز. فالأحرار لا يؤمنون بالمجهول المخيف. الأحرار هوايتهم تجربة المخيف. الأحرار لا يخافون. نشوتهم فى دخول المخاطر والتحديات. سلاح التخويف ممل. عقيم. قديم.من تسميهم الجرذان الآن يرقصون رقصة اسمها الحرية والديمقراطية.وكلنا جرذان. المجد (للجرذان). وتحيا ليبيا الجديدة.

Egyptian revolution caricature by Walid Taher




ضد التيار: النظام السياسى لثورة 25 يناير - أحمد يوسف أحمد - مقالات وأعمدة - جريدة الشروق

ورثت مصر عن العهد السابق نظاما سياسيا لابد من نسفه إذا أريد لثورة يناير أن تفضى إلى حياة ديمقراطية سليمة، ولذلك كان من الطبيعى أن تنشغل الجماعة السياسية المصرية بجدل واسع حول طبيعة النظام السياسى المنشود، ومن الواضح أن الاتجاه الغالب ــ إن لم يكن الوحيد ــ هو أننا نريد جمهورية برلمانية لا رئاسية، والحجة الأساسية هنا هى أننا لا نريد فرعونا جديدا.

ولمجرد التذكرة فإن النظام البرلمانى هو ذلك الذى تتداخل فيه السلطتان التشريعية والتنفيذية، بحيث تجرى الانتخابات التشريعية بداية، ويكلف رئيس الحزب الفائز بالأغلبية ــ أو ائتلاف يضم أغلبية داخل المجلس إذا لم يوجد حزب أغلبية ــ بتشكيل الوزارة التى تضم أعضاء منتخبين فى السلطة التشريعية، ولابد لها أن تحظى بثقة هذه السلطة فى برنامج عملها، وأن تبقى على هذه الثقة فى أدائها، لأنها تسقط بزوال هذه الثقة فى استجواب على سبيل المثال، ومن ناحية ثانية يستطيع رئيس الوزراء أن يحل السلطة التشريعية بالدعوة إلى انتخابات مبكرة. وفى هذه المعادلة يصبح رئيس الدولة ــ ملكا كان أو رئيس جمهورية ــ رمزا بلا أى سلطات فعلية، يكتسب منصبه إما بالوراثة فى الملكيات البرلمانية وإما باختيار السلطة التشريعية له، ويصبح بقاؤه فى منصبه ــ إن كان رئيس جمهورية ــ رهنا باستمرار المعادلة السياسية التى أفضت إلى انتخابه رئيسا للجمهورية.

أما فى النظام الرئاسى فإن رئيس الجمهورية ينتخب مباشرة من الشعب، وتكون السلطة التنفيذية منوطة به، وأعضاؤها ليسوا أعضاء فى السلطة التشريعية، ولا يستطيع الرئيس أن يحل السلطة التشريعية، كما لا تستطيع هذه السلطة أن تسحب الثقة منه اللهم إلا إذا أدين بتهمة تحول دون الاستمرار فى أداء منصبه.

والسطور التالية تسير ضد التيار العام للحوار، بمعنى تفضيل صيغة النظام الرئاسى لمصر فى المرحلة الراهنة دون مصادرة على إمكانية الانتقال إلى النظام البرلمانى لاحقا. سيقولون إن هذه الصيغة تعيد إنتاج الديكتاتورية التى عانينا من ويلاتها عقودا، وردى أنه من العبث تصور أن مصر كانت تعيش فى العقود السابقة فى ظل نظام رئاسى، وأن إمعان النظر فى دستور مصر المعطل حاليا يظهر أننا كنا إزاء صيغة «ديكتاتورية» لا رئاسية، ومن لديه شك فى هذا فليقارن دستورنا المعطل بالدستور الأمريكى الذى يعتبر الصيغة الأصلية للنظام الرئاسى، وسوف أكتفى لضيق الحيز المكانى بإجراء هذه المقارنة وفقا لأبعاد خمسة.

يلاحظ أولا أن رئيس الجمهورية فى الدستور المصرى المعطل ورد بصفتين: مرة كرئيس للدولة (الباب الخامس ــ الفصل الأول) وثانية كرئيس للسلطة التنفيذية (الفرع الأول من الفصل الثالث)، وهو بصفته الأولى ليس مجرد سلطة من سلطات الدولة، وإنما هو سلطة فوقها، وتنص المادة 73 من الدستور على أنه «يرعى الحدود بين السلطات لضمان تأدية دورها فى العمل الوطنى...» أما فى الدستور الأمريكى (المادة الثانية ــ الفقرة الأولى، بند1) فرئيس الجمهورية تناط به السلطة التنفيذية وحسب.

ثم يلاحظ ثانيا أن الدستور المصرى المعطل (مادة 139) يجيز لرئيس الجمهورية أن يعين له نائبا أو أكثر، ويحدد اختصاصاتهم، ويعفيهم من مناصبهم. أما فى الدستور الأمريكى فإن النائب ينتخب مع الرئيس وللمدة نفسها، (مادة 2 ــ فقرة أولى، بند1)، ويؤول إلى هذا النائب منصب الرئاسة فى حالة عزل الرئيس من منصبه أو وفاته أو استقالته أو عجزه عن القيام بسلطات المنصب المذكور ومهامه (مادة 2 ــ فقرة أولى، بند 6).

نأتى ثالثا إلى مدة الرئاسة، وهى فى الدستور الأمريكى (المادة الثانية ــ الفقرة الأولى، بند 1) أربع سنوات أجاز الدستور (وفقا للتعديل الثانى والعشرين الذى أدخل عليه فى 27 فبراير1951) أن تتكرر مرة واحدة فقط بحيث تكون أقصى مدة يقضيها الرئيس فى منصبه هى ثمانى سنوات. أما فى دستورنا المعطل فإن المادة 77 تحدد مدة الرئاسة بست سنوات، وتجيز المادة إعادة انتخاب الرئيس «لمدد أخرى». ومن هنا يأتى «الفرعون» الذى وصلت سنوات حكمه إلى ثلاثين سنة، وليس من طبيعة النظام الرئاسى البرىء من هذه الممارسة الشائنة.

وفيما يتعلق باختصاصات الرئيس يشارك الكونجرس الأمريكى الرئيس فى تعيين كبار الموظفين العموميين (وصولا إلى الوزراء) والقضاة، ومن حقه الاعتراض عليهم (المادة 2 ــ فقرة 2، بند 2). أما فى الدستور المصرى المعطل ووفقا للمادة 141 فإن رئيس الجمهورية يعين رئيس مجلس الوزراء ويعفيه من منصبه، كما يعين نواب رئيس مجلس الوزراء والوزراء ونوابهم ويعفيهم من مناصبهم بعد أخذ رأى رئيس مجلس الوزراء. وثمة مسألة لا تقل أهمية فى اختصاصات الرئيس تتعلق بإدارة العلاقات الخارجية، فعقد المعاهدات وفقا للدستور الأمريكى (المادة الثانية ــ الفقرة الثانية، بند2) من سلطات الرئيس بشرط موافقة مجلس الشيوخ، أما فى الدستور المصرى المعطل فيفهم من المادة 151 أن إبرام المعاهدات هو سلطة منفردة لرئيس الجمهورية الذى «يبلغها إلى مجلس الشعب مشفوعة بما يناسب من البيان»، وإن كان هذا الدستور يستثنى من ذلك المعاهدات «التى يترتب عليها تعديل فى أراضى الدولة، أو التى تتعلق بحقوق السيادة، أو التى تحمل خزانة الدولة شيئا من النفقات غير الواردة فى الموازنة»، إذ أوجب فى هذه الحالات موافقة مجلس الشعب عليها. وأخيرا وليس آخرا فإن لرئيس الجمهورية وفقا للمادة 136 من الدستور المصرى المعطل الحق فى حل مجلس الشعب فيما لا يستطيع الرئيس فى النظام الأمريكى المساس بالكونجرس من قريب أو من بعيد.

لم يكن نظامنا السياسى قبل ثورة يناير إذن رئاسيا بأى حال من الأحوال، وإنما كان ببساطة نظاما ديكتاتوريا، ويبقى السؤال، مع التسليم بهذا التحليل: ما هو العيب بالنظام البرلمانى؟ الواقع أن مصر فى هذه المرحلة الانتقالية (لا أقصد الشهور الستة المحددة من المجلس العسكرى الأعلى) التى تنتقل فيها من عهد إلى عهد لن تشهد فى الانتخابات النيابية القريبة تبلورا واضحا لقوى سياسية كبرى تستطيع أن تقود مصر وفقا للصيغة البرلمانية إلى المستقبل المنشود فى إطار من الاستقرار، فمن المتوقع ألا تحصل أى قوة سياسية على الأغلبية المطلقة، كما أن الحياة النيابية المصرية تعرف منذ بدايتها ظاهرة المستقلين الذين لا ينتمون إلى أى جهة حزبية، وقد يسببون ارتباكا فى بناء الائتلافات المطلوبة من أجل حكم مستقر، وإذا قدر للحزب الوطنى أن يعيش ويجرؤ على دخول الانتخابات النيابية القادمة فسوف يكون أداؤه هزيلا، ولن ينجو من هذا المصير عديد من الأحزاب الورقية التى لا يسمع عنها أحد.

باختصار سوف تكون مصر معرضة حال تم الأخذ فورا بالصيغة البرلمانية إلى فترة عدم استقرار فى الحكم ناجم عن عدم وجود حزب أغلبية، وصعوبة بناء ائتلافات سياسية كما هو الحال فى لبنان والعراق على سبيل المثال، ومن هنا أهمية وجود رئيس قوى انتخبه الشعب يعمل فى ظل ضوابط ديمقراطية صارمة، وبالمناسبة فإن النظم البرلمانية معرضة بدورها لتفريخ «الفراعين»، ولنرى مثلا ما الذى فعله رئيس الوزراء «البرلمانى» فى العراق فى الانتخابات التشريعية الأخيرة كى يحافظ على صدارته للمشهد السياسى. وتبقى الضمانة الحقيقية لقطع دابر «الفراعين» فى السياسة المصرية مزيجا من ضوابط دستورية لمدة الرئاسة واختصاصاتها، ويقظة جماهير ثورة يناير، وثقافة سياسية ديمقراطية تحول دون انحراف الحكام بعيدا عن الديمقراطية. والله أعلم.

قوس قزح مصرى بديع

بقلم:
نيفين مسعد
24 فبراير 2011

ينتفخ صدرك فخرا ويتضخم إحساسك بذاتك وأنت تخطو أولى خطواتك إلى داخل ميدان التحرير مع أنك لم تفعل شيئا إلا أنك جئت تقول للملايين المرابطة فى إصرار إنك معها قالبا بعد أن ظللت معها طويلا بقلبك فقط. تستقبلك وجوه مرحبة تحيى قدومك إلى معقلها فى ميدان التحرير والشهداء:

أهلا أهلا بالأحرار مرحب مرحب بالثوار

تغشى جسدك قشعريرة مع أن قرص الشمس يتوسط السماء ،وترن فى أذنيك الجملة الشهيرة فى فيلم «رد قلبى»: «إنت من الأحرار يا على» فينسدل داخلك ستار من الرضا والحماسة. تصبح وغيرك مجرد نقطة فى بحر من البشر من كل جنس ولون وعمر يصنعون قوس قزح مصرى لا أروع منه يُسِقطون الحواجز بين المحافظات والفوارق بين الطبقات ويكسبون معنى عميقا لما شاع عن أن من لم يمر بميدان التحرير فى هذه الأيام لم يعرف مصر على حقيقتها.

أطفال دون العام أو تجاوزوه بقليل يصحبهم الأهل ليستنشقوا هواءً نظيفا غير الهواء الذى سمم صدور الجميع على مدى ثلاثين عاما بدخان قش الأرز المحروق وعوادم السيارات المتهالكة وفساد الذمم والضمائر. يسير الأهل وصغارهم فى ركاب جيل تخطى الستين وأحيانا السبعين، مستقبله وراء ظهره باليقين لكنه أراد أن تكتحل عيناه لمرة واحدة ببواكير ثورة تنفض عنه صدأ الركود والتبلد وخرافة الاستقرار أولا.

تعدد درجات السلم العمرى للمشاركين يعد واحدا من أهم معجزات الثورة، فكثير من أبناء الجيل السبعينى لم يقدر لهم أن يتظاهروا من قبل لأنه لم تكن للتظاهر ثمار، لكنهم فعلوها اليوم بما تبقى لهم من قوة لتنهال رمال بلون الذهب تردم الفجوة العميقة التى كانت تفصل بين الأجيال ويلتحم الجميع هادرين: الشعب يريد إسقاط النظام. موجة أخرى من قشعريرة البدن تُداخلك فتستسلم لها وادعا وتمضى قدما إلى قلب الميدان.
مشهد يعجز أى قلم عن وصفه، وساحة فيها شئ من كل شئ، قداس الأحد وصلاة الجماعة، قمصان الشهداء مزهوة بدمائهم الزكية وحفلة زار يستعين منظموها بالجن لصرف الرئيس، رجل بسيط الهيئة يحمل قفصا بداخله حمامة ترمز إلى الشعب المصرى أسير حكم مبارك ورايات ترفرف خفاقة إيذانا ببدء عصر الحرية، خيام منصوبة يضطجع فيها رجال عقدوا العزم على أن يسبقهم الرئيس فى الرحيل ووفود تأتى وتروح تشد الأزر وتخدم الساهرين فى تقسيم مدهش للعمل، ركن للفن التشكيلى أو لشعر يجسد أحداث الثورة وآخر لأبناء كفر مصيلحة يعلنون أنهم أول من اكتوى بظلم الرئيس.

فى إحدى تموجات البشر تلتقى أصحابا وجيران وتلامذة يلقى أحدهم عليك التحية ويُحَملك مسئولية استمرار وجوده فى الميدان عندما يقول إنه أدرك أنه على حق لأنك أنت نفسك فى الميدان، فترحب بتحمل المسئولية. فى موجة بشرية أخرى تجد مُخرجا شهيرا أو ممثلا ذائعا لا يلتف الناس حوله ولا يخفى عينيه خلف نظارة سوداء ضخمة، ليست هناك مساحة لصنع دائرة تحيط النجوم ولا عيون تتطفل عليهم، ففى أوقات الجد تأخذ الأشياء أحجامها الحقيقية وتُرى كما هى بغير زيادة أو نقصان.

تعلن إذاعة الثورة عن كلمة للمنسق العام لجبهة التغيير وتدعو أمهات الشهداء لاعتلاء المنصة ثم تنطلق أنشودة شادية « ياحبيبتى يا مصر» فيتوحد المزاج العام فى الميدان. كم مرة سمعت هذه الأغنية؟ عشرات المرات بل مئاتها دون أن تهتز لك شعرة لكنها اليوم ترجك رجا وتحولك مع الجمع الهادر إلى حرف فى شطر فى بيت فى الأنشودة وتظلك وإياهم سحابة من الألوان الثلاثة الأحمر والأبيض والأسود.

كثيرون لم يتوحدوا من قبل مع الأنشودة الشهيرة لأنها كانت تُقِزم الانتماء فتجعله كرة تتقاذفها الأقدام، الآن الأمر يختلف فالمعركة ليست على كأس الأمم الأفريقية أو حتى على كأس العالم لكنها على مستقبل الأمة المصرية، وليس كمثل هذا هدف. تدفع عن طيب خاطر أول ثمن يجول فى ذهن بائع الأعلام وتشترى منه دون مساومة، فاللحظة ليست لحظة مساومة بل هى لحظة عطاء، تحمل العلم المصرى ربما لأول مرة فيتسق داخلك مع خارجك ويزيد تمدد السحابة ثلاثية الألوان فوق الجموع المحتشدة.

تتدفق الدماء الصابحة فى شرايينك انبهارا بالتجربة، فقليل من البشر قُدِر لهم أن يعاصروا لحظة ميلاد ثورة، الآن أنت أحد هذه القلة المحظوظة تعيش ساعات المخاض بأعصابك وتركيزك وبثقة بين بين فى أن تنتصر الثورة، فالقوى المضادة لا تؤمن بقواعد الصراع ولا بأى قواعد فى المطلق اللهم إلا قاعدة المصلحة الذاتية. يشق أحد المعتصمين طريقه بصعوبة محمولا على الأعناق يهتف « ثورة ثورة حتى النصر» فتلوح بقبضتك فى الهواء وتشارك فى الهتاف والأمل.

تبارح ميدان التحرير وروحك معلقة بغصن إحدى الأشجار المغروسة فى قلبه، تعتذر بلطف لمن يعرض عليك زجاجة ماء فهناك من هم أولى بها ثم أن هذه أيام ارتواء لا عطش، تعود أدراجك سيرا على الأقدام فتقطع شارع قصر العينى وعلى بعد أمتار منك أفواج تيمم وجوهها شطر الميدان بعد انتهاء ساعات العمل، تتمنى من أعماق قلبك لو كان الرائع صلاح جاهين بيننا ليبدع أزجالا تضيف للمعتصمين حماسة فوق حماستهم إن كان ثمة مزيد. تفتح ذراعيك تحتضن الهواء والبشر والحرية قبل أن تُفاجأ بأنك تستدير دورة كاملة لتنضم للحشود الزاحفة إلى ميدان التحرير وتذوب.

ثورة حتى النصر

بقلم:
أشرف البربري

24 فبراير 2011

رغم أن ما حققته ثورة 25 يناير عظيم للغاية بمقياس الماضى، فإنها لا تكاد تكون حققت شيئا كبيرا بمقياس المستقبل.

فالماضى الذى ضرب فيه الفساد والاستبداد والسلبية والإهمال جذوره، يجعل من ثورة الشعب المصرى التى أطاحت بأحد أقدم رؤساء إفريقيا والعالم خلال 18 يوما وأجبرت النظام على تحقيق ما لم يكن يحلم به مصرى يؤكد أن إنجازات الثورة هائلة.

لكن المستقبل الذى يحتاج إلى تثبيت السلطة المطلقة للشعب والحق المطلق لأى مواطن فى التعبير السلمى عن رأيه وضمان احترام هذا الرأى والتعامل معه بجدية من جانب أكبر رأس فى البلاد ووضع أسس دولة ديمقراطية مدنية حقيقية السيادة فيها للقانون والدستور يؤكد أن الثورة لم تحقق من أهدافها إلا النذر اليسير.

لذلك لا يجب الاستماع كثيرا إلى الأصوات التى تطالب الشعب بالهدوء والاكتفاء بما تحقق وترك الفرصة للقائمين على الأمر لكى ينفذوا المطالب الشعبية المشروعة. فأفضل ضمانة لتحقيق كل الأهداف هى مواصلة الضغط الشعبى على المسئولين بمختلف فئاتهم حتى يدركوا تماما أنهم ليسوا مطلقى اليد فى البلاد وأن هناك شعبا رقيبا لن يقبل بالالتفاف على الثورة وأهدافها أيا كانت المبررات.

ليس هذا فحسب بل إن المظاهرات المليونية الأسبوعية هى أمر مطلوب فى حد ذاتها من أجل ترسيخ حق الشعب فى التظاهر السلمى وقتما يشاء دون انتظار إذن من أى جهة كانت. فلا يجب تقييد الحق فى التظاهر تحت أى دعوى حتى لو كانت حالة الطوارائ، لأن التظاهر هو السلاح الوحيد الموجود فى يد الشعب الآن لكى يحقق توازن القوة مع نظام الحكم، فى ظل غياب أى مؤسسات للتعبير عن الإرادة الشعبية فى الوقت الراهن.

أما هؤلاء الذين يعتبرون التظاهر فى ميدان التحرير بالقاهرة أو فى أى شارع بعموم مصر تعطيلا لمصالح الناس، فعليهم أن يتذكروا كم مرة تم حبسهم داخل شوارع مغلقة بالساعات لكى يمر مسئول كبير أو صغير. وكم مرة تم إغلاق أحياء وربما مدن بأكملها لأن الرئيس أو زوجته أو نجله يتفضل بزيارة المدينة.

المظاهرات السلمية لا تعطل مصالح أحد ولكنها تحمى مصالح الشعب. والوصول بالثورة المصرية التى يتحدث عنها العالم بانبهار يحتم على الجميع أن يظلوا فى حالة تأهب دائم وأن يظل القائمون على الأمر تحت ضغط شعبى مستمر لأن تلاشى هذا الضغط يمكن أن يدفع من فى قلبه مرض إلى محاولة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. لذلك على الجميع أن يرفع شعار «ثورة حتى النصر».

الأربعاء، 23 فبراير 2011

أخلاق الملائكة لا تجوز

بقلم د. درية شرف الدين ٢٢/ ٢/ ٢٠١١

دهشة لا تنقطع ولا تنتهى، وتزداد كل يوم تجاه هذا الكم الهائل من المخالفات المالية والإدارية للعديد من رموز العهد السابق، والكثير منها يصل إلى حد الجريمة والخيانة حتى بات الكثيرون يتساءلون: هل كنا فعلا نعيش وسط هذا الجو الموبوء بالخطأ والخطايا؟

وكيف استطعنا مواصلة الحياة سنوات وراء سنوات ونحن نُنهب ونُسلب ونُظلم ونتألم ونعجز عن المواجهة؟

هل كان كل من يرفع صوته- فى حدود– ومن يكتب ويرفض ويطلب يد العون على مواجهة الفساد، ويستصرخ السلطات، ويقدم المستندات والشواهد، كمن يصرخ فى البرية لا أحد يسمع ولا أحد ينوى المواجهة أو الحساب، حتى استفحل الأمر وخضعت مصر لحالة من مص الدماء الدائم والمنتظم لكل ثرواتها تحت الأرض وفوق الأرض،

والناتج عشرات ثم مئات الدراكولات– نسبة إلى دراكولا مصاص الدماء– الذين تضخمت مطامعهم وغنائمهم، التى كشفت عنها التحقيقات الآن حتى بات رقم المليار هو سيد الموقف، وهو العملة العادية المتداولة بين الكبار مع أنه يساوى ألف مليون جنيه مما دفع البعض للتساؤل فى سخرية، ماذا سيفعل أصحاب المليارات بكل هذه الثروة وفى أى الأوجه سيصرفونها؟

ولماذا لم يتوقفوا بعد المليار الأول على اعتبار أنه كفاية جداً، لكن يبدو أن جشع المال لا حد له ولا نهاية فما بالك إذا ما تزاوج المال مع السلطة مع المنصب مع القرب من البيت الملكى.

البعض يؤكد أن مصر دولة غنية وليست فقيرة كما كان يتردد، بدليل أنها رغم كل هذه السرقات مازالت تعيش، ومازال أبناؤها رغم الفقر يجدون ما يأكلون، وأتذكر ردود بعض المسؤولين السابقين عندما كانوا يواجهون الاعتصامات التى يبيت أصحابها على أرصفة مجلسى الشعب والشورى،

وعندما كانوا يواجهون تظاهرات العمال وبسطاء المواطنين الذين يطلبون زيادة الرواتب بأربعين وخمسين ومائة جنيه شهريا، وكان الرد دائماً من أين نأتى بهذه الزيادة، نحن دولة فقيرة ومواردنا محدودة لسنا دول الخليج، مفيش فلوس، وكان الناس يصدقون ويصمتون ويتألمون فى صمت بينما يستمر مسلسل النهب للأموال والأراضى والوظائف والمناصب والعطايا لصالح قلة مندسة بالفعل اندست بين جوانب البلاد سنوات طويلة تنهب خيراتها وتستولى على مواردها.

الآن السؤال: هل نمسك بقضايا الفساد والسرقة حتى نسترد كل أو بعض ما ضاع منا، وحتى يكون الماضى عبرة لما هو قادم؟ أم نطوى صفحة الماضى ونتفرغ لبناء مستقبل لشعب ووطن، كاد أن يضيع منا لولا شباب الخامس والعشرين من يناير؟

والإجابة: ولماذا لا نمسك بالاثنين معاً، يد تقبض وتحاسب ويد تشيد وتبنى، لماذا هذا فقط أو ذاك فقط والإجابة بعد الاستعانة بكل الأصدقاء وليس بصديق واحد هى: خطأ أن ننسى ونغفر أو نتحلى بأخلاق الملائكة فى مواجهة من اختاروا أن يكونوا شياطين.

«ثورة إلا ربع»

بقلم علاء الغطريفى ٢١/ ٢/ ٢٠١١

للباحثين عن النقاء الثورى: لابد أن تجدوا مستقرا لتتمكنوا من استنشاق هواء الثورة النقى، فالرئتان لا تقبلان «أكسجين» يحمل ذرات شفيق وفهمى وعائشة عبدالهادى وهانى هلال وآخرين، ولا تقبلان أيضا نسمات بحرية قادمة من شرم الشيخ، حيث يرقد الرئيس المخلوع الذى يدعوننا كل صباح إلى ألا نمسه أو نشهر به رغم أنه استأثر بالأكسجين القادم من شواطئ سيناء والساحل الشمالى والقاهرة لمدة ثلاثين عاما، وترك لنا دخان مصانع بطانته التى اختارت لنا أقذر الصناعات الملوثة لتثرى على حساب صحتنا قبل جيوبنا.. الرئيس المخلوع ليس له منا سوى التجاهل، فمن تيتم بقرار منه ومن أفقر بسياسات شلة المحروس نجله ومن تشرد ليأكل حصى الشارع ليسوا إلا مواطنين من رعية كان مسؤولا عنها، فحولها إلى رعايا.. مبارك ليس نبياً حتى لا يمس وليس ملاكاً منزلاً توقف به التاريخ عند حرب ٧٣، فأرجوكم رفقا بنا.

مبارك كما تعودناه يحتكر كل شىء حتى الأفكار، فقد أنسانى ما أردت كتابته عن الثورة المنقوصة، بالرغم من أن بقاءه الشاهد الأول على ثورتنا المنقوصة، فالثورة المصرية إحدى الثورات الكبيرة مثل الثورة البلشفية والصينية والفرنسية، لكنها مثل القمر الذى لم يكتمل، والشواهد كثيرة.. مبارك يأكل ويشرب وينام وملياراتنا تدفئ شتاءه وتمنحه طمأنينة وتدفع أمله ليصل إلى المئوية مثل ناديى الزمالك والأهلى، كاهنه صفوت الشريف مازال حرا طليقا لم يقترب منه أحد، «هامان» عصره ورئيس برلمانه المزور «فتحى سرور» يشارك سرا فى اختيار أعضاء اللجنة المشكلة لتعديل الدستور، وتابعه الأمين مازال يعيش فى قصر يملكه الشعب، وأجهزة أمنية تصنع مسرحا للالتفاف على الثورة بشائعات وتظاهرات فئوية وإفراجات شرطية على طريقة «اضرب الظالمين بالظالمين» شوية جهاد على شوية سلفيين على شوية تكفير وهجرة ليكتمل عقد التطرف لمجابهة الإخوان..

العدالة الانتقائية تستلهم روح مبارك فى كباش الفداء، بضعة أسماء من قبيل التهدئة ورسائل الطمأنة للشارع، فلول النظام القديم تتجمع بدافع البقاء والحفاظ على المصالح بطرق مبتكرة منها احتفالية نظمها بطل موقعة الجمل على أرض البغال والحمير والجمال تحت شعار «بنحبك يا مصر» مع «دى. جى» وأعلام ضخمة لزوم المرحلة الجديدة، ولم يختلف عنه آخر طلب من رئيس حزب قاطع عروض مسرحيات الانتخابات المزورة أن يأتى إليه بثلاثة آلاف عضو هم أنصاره لينضموا إلى الحزب، أحد أتباع أحمد عز فى نقابة المحامين المدعو عمر هريدى بدأ البحث عن صيغة جديدة بلافتات فى محافظته الجنوبية عن الاستقرار وحب البلد.

الحوار مع الثوار «مونولوج» وليس «ديالوج» يعنى من الآخر «فوقى فى اتجاه واحد»، حقن التنويم الدستورى مازلنا نأخذها فى الوريد وأحيانا فى «العضل» كما عودنا مبارك فى أواخر أيامه، استثمارات حسين سالم تسير على قدم وساق، وهو يلهو بالثلوج على جبال الألب، وعلى فكرة أدوات التزلج دفعنا ثمنها أنا وأنت، صحيفة خاصة تمجد بطولات أحد أعضاء المجلس العسكرى الذى لا يحتاج مديحا أو نفاقا لأنه يدرك مسؤوليته التاريخية، رؤساء تحرير الصحف الحكومية مستمرون فى مناصبهم يحاولون تبييض ساحتهم الملوثة ويحضرون جميع الجلسات الرسمية كأنها مكافأة على الخوض فى الأعراض والتشويه لرموز وطنية.

انتبهوا أيها الثوار.. فالورود تحمل أشواكا والأفاعى خرجت من الجحور، والأبواب والنوافذ إذا جاءت بالهواء مرة، فقد تأتى بالحشرات والزواحف مرات. انتبهوا أيها الثوار.. فمبارك أمامكم وخلفكم ومن حولكم وعن يمينكم وعن يساركم وفى البيانات وفى التصريحات -خاصة تهويمات أحمد شفيق - وفى التليفزيون الرسمى وفى وجوه مذيعين فى محطات خاصة.. فهل هذه ثورة كاملة؟ معذرة إنها «ثورة إلا ربع».

كلمة أخيرة: إلى محمد أبوتريكة.. كفاك تمثيلا!!

الثلاثاء، 22 فبراير 2011

The future of a democratic Egypt

By Condoleezza Rice
Wednesday, February 16, 2011

As I watched Hosni Mubarak address the Egyptian people last week, I thought to myself, "It didn't have to be this way."

In June 2005, as secretary of state, I arrived at the American University in Cairo to deliver a speech at a time of growing momentum for democratic change in the region. Following in the vein of President George W. Bush's second inaugural address, I said that the United States would stand with people who seek freedom. This was an admission that the United States had, in the Middle East more than any other region, sought stability at the expense of democracy, and had achieved neither. It was an affirmation of our belief that the desire for liberty is universal - not Western, but human - and that only fulfillment of that desire leads to true stability.

For a time it seemed that Egypt's leadership was responding - not so much to us but to their own people, who clamored for change. Egyptians had just witnessed the retreat of Syrian troops in Lebanon and the election of a new government; the purple-fingered free elections in Iraq; and the emergence of new leadership in Palestine. A few months later, freer if not fully free presidential elections followed raucous civic debate in Egypt's cafes and online. Though Mubarak's party won overwhelmingly, it seemed a kind of Rubicon had been crossed.

But shortly thereafter Mubarak reversed course. Parliamentary elections were a mockery, the hated "emergency law" remained in place and opposition figures such as Ayman Nour were imprisoned again. Egyptians seethed - anger that would eventually explode into Tahrir Square. The lesson to others in the region should be to accelerate long-delayed political and economic reforms.

Now the Mubarak regime is gone. There are understandable fears that these events will not turn out so well. The Muslim Brotherhood represents the most organized political force in Egypt. Mubarak always said that the choice was between him and the Brotherhood, and he pursued policies that fulfilled that prophecy. While many decent, more secular political leaders were harassed and jailed by the regime, the Brotherhood organized in the mosques and provided social services the regime could not. It will take time to level the playing field.

The United States knows democracy to be a long process - untidy, disruptive and even chaotic at times. I do not mean to understate the challenge to American interests posed by an uncertain future in Egypt. For all his failings, Mubarak maintained a cold peace with Israel, which became a pillar of Egyptian foreign policy. He supported moderate Palestinian leadership and helped keep Hamas at bay. But he could never do so fully because he was afraid of "the street." Authoritarians don't know or respect their people, and they fear them. The United States has taken a good deal of public blame from friends who secretly supported our policies - fueling hatred against us while shielding themselves.

We cannot determine the foreign policy preferences of Egypt's next government. But we can influence them through our ties to the military, links to civil society, and a promise of economic assistance and free trade to help improve the lot of the Egyptian people.

The most important step now is to express confidence in the future of a democratic Egypt. Egyptians are not Iranians, and it is not 1979. Egypt's institutions are stronger and its secularism deeper. The Brotherhood is likely to compete for the writ of the people in free and fair elections. They should be forced to defend their vision for Egypt. Do they seek the imposition of sharia law? Do they intend a future of suicide bombings and violent resistance to the existence of Israel? Will they use Iran as a political model? Al-Qaeda? Where will Egypt find jobs for its people? Do they expect to improve the lives of Egyptians cut off from the international community through policies designed to destabilize the Middle East?

Much has been made of Hamas's 2006 electoral "victory" and the strength of Hezbollah in Lebanon. Many factors set these cases apart. But even in these examples, extremists have struggle when faced with the challenges of governance.

What comes next is up to Egyptians. Many are young and full of revolutionary fervor. Democratic politics will be challenged by tenets of radical political Islam. This struggle is playing out across the region - in Iraq, Lebanon and especially Turkey, where decades of secularism have given way to the accommodation of religious people in the public square. In Egypt, Christians and followers of other religions will also have to find a place and a voice.

The next months, indeed years, are bound to be turbulent. Yet that turbulence is preferable to the false stability of autocracy, in which malignant forces find footing in the freedom gap that silences democratic voices.

This is not 1979, but it is not 1989 either. The fall of communism unleashed patriots who had long regarded the United States as a "beacon of freedom." Our history with the peoples of the Middle East is very different. Still, the United States should support the forces of democracy, not because they will be friendlier to us but because they will be friendlier to their own people.

Democratic governments, including our closest allies, do not always agree with us. Yet they share our most fundamental belief - that people must be governed by consent. It is as true today as it was when I said in 2005 that the fear of free choices can no longer justify the denial of liberty. We have only one choice: to trust that in the long arc of history those shared beliefs will matter more than the immediate disruptions that lie ahead and that, ultimately, our interests and ideals will be well served.

The writer was secretary of state from 2005 to 2009.

الاثنين، 21 فبراير 2011

المتسلقون يسقطون

بقلم على السيد ٢٠/ ٢/ ٢٠١١

حقك أن تغتسل حين ترى شلالاً من الماء النقى يتدفق بالقرب منك. حقك أن تتطهر من دنس العبودية والذل عندما تقترب من رجال يمنحونك سيف الشجاعة. حقك أن تنفلت من عقال الخوف والجبن وترفع صوتك عاليا وقت أفول زمن التسلط. تطهر واغتسل بماء الثورة، لكن لا ترفع هامتك وأنت واقف على أشلاء الشهداء، لا ترتد عباءة الأنبياء، ولا عمامة الوعاظ والقديسين، وأنت وسط مناضلين جربوا البطش والسجن، ولم تُخِفْهم عصا مخبر ولم تقتل أرواحهم كهرباء أمن الدولة.

كثيرون خلعوا رداء الحزب الوطنى، ورفعوا راية النضال بعد دقائق من سقوط النظام، وراحوا يتنقلون من فضائية إلى أخرى، سطروا على صفحات الجرائد عشرات المقالات، دون أن يغيروا ملامحهم الكاذبة ودون أن يمسحوا ما علق برؤوسهم من فساد لا تمحوه توبة عابرة.

اترك حسام بدراوى الذى كان أول من جاهر بتحضير جمال مبارك لولاية مصر، وانس مصطفى الفقى، صاحب نظرية رضا الجيش عن جمال رئيسا، ولا تهتم برجال الأعمال الذين استقالوا من الحزب والبرلمان، وتأمل من كانوا جوقة للنظام يعزفون سيمفونية جماعية، وباتوا اليوم يعزفون سيمفونية متناقضة وأكثر نشازا.

انتبه إلى هؤلاء الذين تحولوا إلى ثوار يناضلون على جثة نظام مات فى مقاعده، وخذ حذرك من أفعالهم، لأنهم كانوا حجارة داسها النظام السابق ليعبر الطريق، ويبقى جاثما على صدور الناس سنوات طوالاً.

لا تخدعك دموعهم، فالتماسيح تدمع، لكنها لا تتوقف عن نهش الأجساد كلما سنحت الفرصة، وكلما استكانت الفريسة، أو وهنت ونسيت مكامن الخطر.

احترم من لم يتلون وحافظ على ولائه، ودعه لأنك تحتاج إليه لتثبت له أن نبل اللحظة يحتم عليك ألا تهين مخالفيك، وألا تنكل بهم كما كان يفعل نظامهم، واترك له حرية «الاختلاف» لأنك الآن تملك سطوة الشعب.

لا تصدق من يقول كلاما كان يقوله لغيرك، ولا تسمع لمن نافق من ظلم وتجبر، وعاش هنيئا فى كنفه.

كذِّب كل ما تسمع وصدِّق نصف ما ترى، كما تقول الحكمة الصينية، فحين يكثر الكلام تتوه الحقيقة، ويتراجع المنطق، وعندها يحل الخراب وتصبح الفوضى بديلا لنظام ساقط.

استمع للعقلاء والشرفاء وانتبه، فهم ليسوا من طالبى السلطة ولا من المشتاقين للمناصب، وليسوا من هواة الوقوف أمام كاميرات الفضائيات إلا لإيضاح أمر مهم، أو شرح ما صعب على الناس.

انتبه إلى الذين خرجوا من جحورهم كأنهم ثعابين حبسوا فى مغارة، ولما سقط حائط خرجوا يلتفون على أغصان الشجر ويطلون من نوافذ البيوت، ويمشون إلى جوارك وخلف ضحكتهم يختبئ السم الزاعق.

ثق أن فى مصر جيشاً ذا بأس شديد على الأعداء، رحيماً بأبناء وطنه، وأنه حتى اللحظة يصون بأمانة كل ما كسبته، ويسارع الزمن كى يسلم الأمانة إلى من هم أهل لها، ليتفرغ لمهامه الجسيمة.

لا تضعوا جيشكم موضع شك، فالتجربة أثبتت أنه كان أهلا لما ألقى على كاهله من مشاق، وأنه انحاز لشعبه ولمطالبه العادلة من أول لحظة، ولم يكن طرفا فى مساومات سياسية، ولم يدخل دائرة البطش والتعذيب كما يدعى بعض المنظمات الأجنبية، فتلك تهمة لا تليق بجيش سحق الصهاينة فى أشرف معاركه، ومن العيب أن يصدقها مصرى واحد.

دفاع ثانٍ عن الجمهورية الرئاسية

بقلم د. عمرو الشوبكى ٢٠/ ٢/ ٢٠١١

تجدد الجدل فى مصر حول مستقبل نظامنا الجمهورى، وطالب البعض بضرورة أن يصبح نظاماً برلمانياً، وتمسك البعض الآخر بالجمهورية الرئاسية الديمقراطية.

والحقيقة أن ربط الديمقراطية بالنظام البرلمانى خطأ فادح، واعتبار أن مواجهة الاستبداد لا تكون إلا بالنظام البرلمانى خطأ أفدح، لأننا ننسى أن النظام الرئاسى فى معظم دول العالم هو نظام ديمقراطى، باستثناء العالم العربى، وأن الغالبية العظمى من بلدان العالم الثالث، التى عرفت متأخرة الديمقراطية، تبنت النظام الرئاسى وعلى رأسها بلدان أمريكا اللاتينية التى تبنت جميعها، وبلا استثناء، نظاماً رئاسياً ديمقراطياً.

والنظام الرئاسى الديمقراطى يقوم على إعطاء صلاحيات واسعة، ولكن غير مطلقة، لرئيس الجمهورية تخضع للمراقبة والمساءلة من قبل الشعب، كما أن فترة الرئاسة محدد]ة بمدتين غير قابلتين للتمديد، كما أن هناك نظماً رئاسية تعطى بعض الصلاحيات لرئيس الوزراء مثل فرنسا وتُعرف بالنظم المختلطة رغم أنها فى الأصل جمهورية رئاسية.

والسؤال: لماذا النظام الرئاسى أفضل لمصر من النظام البرلمانى؟ الحقيقة أنه فى بلد نامٍ مثل مصر يعانى مشكلات فقر وبطالة، وشهد فى سنواته الثلاثين الماضية فساداً و انهيارات حقيقية فى الصحة والتعليم والخدمات العامة، يحتاج إلى رئيس لديه برنامج طموح لنهضة هذا البلد ومواجهة مشكلاته، وهو أمر حققه رئيس البرازيل السابق لولا دا سيلفا الذى نقل البرازيل خطوات إلى الأمام من خلال برنامجه الرئاسى وليس من خلال برنامج حكومى.

والحقيقة أن مشكلة النظام البرلمانى فى بلد مثل مصر (معروف مشكلاتها الحزبية)، أنه يجعل همّ رئيس الوزراء اليومى أن ينجو من تصويت سحب الثقة فى البرلمان، ومع الوقت تضيع مشاريعه فى مواجهة المشكلات الجسيمة التى يعانى منها هذا الوطن، أمام حرصه على عدم إغضاب الكتلة البرلمانية لهذا الحزب أو ذاك، حتى يبقى فى الحكم.

والمؤكد أن الثقافة السياسية السائدة فى مصر لم ترتح قبل ثورة يوليو لوجود رئيس وزراء منتخب ينازع «جلالة الملك» فى صلاحياته، ومالت دائما إلى الاعتماد على شخص قوى ومحل ثقة وفوق الخلافات الحزبية الضيقة، ويدافع عن هيبة الدولة، وحين فقد الملك هذه الأشياء وفشل رؤساء الوزراء فى ملئها قامت ثورة يوليو وأسس جمال عبدالناصر لنظام رئاسى غير ديمقراطى.

وقد أنشأ هذا النظام بيروقراطية عريضة للدولة المصرية تجاوزت الآن ٦ ملايين عامل وموظف فى مؤسسات الدولة المختلفة، ومؤسسة عسكرية قوية ظلت هى الحامى لسلامة هذا الوطن منذ ثورة يوليو وحتى ثورة ٢٥ يناير، ولا أعتقد أن رئيس وزراء، ابن التوازنات الحزبية الضيقة، قادر على قيادة هذه المؤسسات. نعم النظام البرلمانى يصلح فى أوروبا الشرقية التى تسلمت نظمها الديمقراطية دولا تعمل وبها مستويات لا بأس بها من التنمية والتقدم، ولا يصلح لبلدان مثل أمريكا اللاتينية عرفت انهيارات اقتصادية وأزمات سياسية واجتماعية كبرى.

إن الجمهورية البرلمانية تصلح فى السويد كما صلحت فى أوروبا الشرقية، ولكنها ليست مناسبة لمصر كما لم تكن مناسبة لكل دول أمريكا اللاتينية ومعها فرنسا وأمريكا التى تبنت جميعا النظام الرئاسى، فمصر بحاجة لنظام رئاسى ديمقراطى يتحرر فيه الرئيس من الحسابات اليومية للكتل البرلمانية، ويتفرغ لنهضة هذا الوطن، وتكون المدة التى يبقى فيها فى الحكم بمثابة خطوة جبارة نحو التقدم والنهضة.

صناعة الأشباح

لأحد, 20-02-2011 - 1:48 | إبراهيم عيسى من أول السطر


لاتصنعوا أشباحا ثم تحاولوا أن تطاردوها،

الرئيس مبارك انتهي ، ما هو موجود الآن رئيس مخلوع وشخص هرم يشعر بالإحباط والألم والغضب والفراغ فيبذل جهدا في اتصالات عبثية عصبية مع رجال يتحملونه بضيق صدر أو يرسل طلبات مستحيلة لوزراء يعلقون بمنتهي النفور والتهكم علي صاحبها فور وضع سماعة التليفون ،

الرئيس المخلوع يمر بمرحلة يمر بها أي مريض تعرض لعملية بتر لعضو من أعضائه وهي التي يتعامل فيها كأنه لم يفقد جزءا من جسده إنكارا للحقيقة أو هروبا من الواقع أو اعتيادا علي ماض.

الآن تنتشر تحليلات بعضها من عقلاء تحذر مما يتآمر به مبارك علي الثورة والرجل رئيس مخلوع ومريض مكتئب وكأن المطلوب أن نتصور أنه سيعود للحكم أو يجلس علي مقعد الرئاسة من جديد وهذا عبث ممن يروجه أكثر مما يكون عبثا ممن يفكر فيه هذا لو كان يفكر فيه او يفكر أصلا.

هل خلق هذا الشبح مقصود منه إعادة شحن وتعبئة لرجال ونظام مبارك البائد مثلا؟
هل المطلوب أن ينتهي إلي تردد أو ارتباك في هذه الصلابة الثورية الشعبية التي أزاحت الديكتاتور؟

أخشي أن التهديد بأن مبارك موجود خلف الحائط إنما يخدش هذا النصر الحاسم والنهائي الذي حققه الشعب برحيل الديكتاتور ثم أنه يعطلنا عن اسقاط الديكتاتورية فحتي الآن نجح المصريون في التخلص من الديكتاتور ولم يعد لهم من مهمة إلا استكمال اسقاط الديكتاتورية كنظام حكم لاتزال أدواته ووسائله كما هي وإن تلونت وإن تمسكنت.

المؤكد أن مبارك ونجله الموهوم جمال مبارك وزوجته الرئيسة التنفيذية السابقة قد انتهوا تماما وكأي أسرة حاكمة سابقة فهي لن تتوقف عن أحلام كالأوهام تدفع بها كوابيس واقعها وتدافع بها عن اكتئابها ولعلي لا أسابق الزمن حين أقول أن صحة البعض منهم البدنية والنفسية لن تتحمل أسابيع أو شهورا قادمة.

الشعب أسقط الرئيس حتي لو ظل ظله في شرم الشيخ يبكي أطلال استبداده ومهمتنا الأهم الآن هي إحياء الهدف السادس للثورة القديمة (لعلكم تتذكرونها؟) إقامة حياة ديمقراطية سليمة

وهي طبعا لن تقوم بمن يصنع الأشباح ليخاف منها أو يخوف بها ،ليطردها أو يطاردها.

أما شبح الاخوان المسلمين الذي يراه البعض محلقا محدقا بالثورة فهو إعادة سقيمة بليدة لفيلم الفزاعة الشهير الذي كان يروجه مبارك والمدهش أن الاستناد علي صورة الشيخ يوسف القرضاوي في الميدان يتجاهل اغفالا او استغفالا أننا كنا في صلاة جمعة وهذا شيخ كبير وشهير يقف كخطيب صلاة وليس كزعيم مظاهرة ثم أن ثورة يناير حطمت أسطورة أن للاخوان تلك الشعبية الكاسحة في الشارع وبات واضحا إلا للذي في قلبه عمي أن الاخوان فصيل سياسي مهم ومنظم ولكنه لا هو الأكبر ولا الأهم ولا الأنجح إطلاقا

شبح ان الثورة ستسقط في يد الاخوان يتم ترويجه لإجهاض الثورة أولتفضيل الاستمرار تحت كنف الكنيف السياسي الذي كان ولعله لايزال يحكم لا أن نسعي لتدمير هذا البناء الخرب الذي يجثم علي وطننا منذ ثلاثين عاما

طبعا الاخوان يحاولون توسيع رقعة تواجدهم وتعظيم مكاسبهم بل والانتقام من أيام السجن والذل والمدهش أن هذا حقهم تماما في ظل ديمقراطية لا تقوم علي الإزاحة أو الاستبعاد لكنهم لن يصلوا إلي الحكم لأن الثابت بثورة يناير أن الشعب لايريدهم ولا يفضلهم ولا يسير وراءهم والمطلوب التوقف عن استنزافنا بالجري وراء شبح سيطرة الاخوان علي الثورة والبدء الفوري في منافستهم والهجوم علي مشروعهم السياسي والصراع علي الأرض من دائرة إلي أخري ومن صندوق إلي صندوق وليس هذا الاعتراف الهرائي بأنهم سيكسبون ويسيطرون ، التخوف من نفوذ الاخوان مشروع لكن الذعر والجنان والتوهم بأنهم قادمون حتما وراكبون فعلا فهذا هزل من البعض وهزال من البعض الآخر ،

العجيب أن الذي يخلق شبح الاخوان هو نفسه الذي يحارب حقيقة أن الشعب يخلق قيادته.

الأحد، 20 فبراير 2011

الفيل المصري بدأ ثورته

رأي القدس

2011-01-25

كان السؤال المطروح دائماً في الاوساط السياسية والاعلامية في الوطن العربي والعالم هو عن الدولة التي ستشهد انتفاضة على غرار ما حدث في تونس، واحتلت مصر، ومن بعدها الاردن واليمن قائمة الدول المرشحة بسبب تدهور الاوضاع المعيشية فيها، ومطالبة شعوبها بالاصلاحات.
المظاهرات الصاخبة التي اجتاحت اكثر من خمس عشرة مدينة في مصر يوم امس، وشارك فيها عشرات الآلاف معظمهم من الشباب، ربما تكون بدايات الانتفاضة المتوقعة، بل والمنتظرة.
المصريون بدأوا يستلهمون النموذج التونسي وهذا واضح بجلاء في الشعارات التي رددها المتظاهرون، مثل 'يا مبارك.. يا مبارك.. الطيارة في انتظارك' او 'يا زين العابدين الدور على مين'.
الاوضاع المعيشية في مصر اسوأ بمقدار ثلاثة اضعاف من نظيرتها في تونس، فبينما يصل متوسط الدخل السنوي للفرد حوالى 3000 دولار في تونس، نجد ان متوسط الدخل السنوي للفرد في مصر لا يزيد عن 800 دولار في افضل الحالات. وهناك اكثر من ستين مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر، حسب معايير الامم المتحدة اي اقل من دولارين في اليوم.
ولعل غياب الاصلاحات السياسية وتغول قوات الامن في قمع المواطنين، واتساع الفجوة بين الاغنياء والفقراء، كلها عوامل تجعل الانفجار اكثر الحاحاً في مصر، بالمقارنة مع غيرها من الدول العربية الاخرى.
الشعب المصري بات يشعر بالاهانة والاذلال من قبل نظامه الحاكم الذي يتعاطى معه بطريقة دونية، وانعكس هذا الاحساس بالاهانة بشكل جلي من خلال المقاطعة شبه الكاملة لانتخابات مجلس الشعب الاخيرة (البرلمان) التي فاز الحزب الوطني الحاكم بالغالبية الساحقة من مقاعدها.
النظام لم يستفد من دروس المقاطعة او اللامبالاة الشعبية تجاه الانتخابات، ويحاول امتصاصها من خلال الحرص على شفافية الانتخابات ونزاهتها، بل ذهب الى اكثر من ذلك باستهتاره واحتقاره للشعب عندما مارس عمليات تزوير بدائية وساذجة للانتخابات وبما يؤدي الى اسقاط جميع مرشحي الحزبين الكبيرين في البلاد 'الاخوان المسلمين' وحزب الوفد.
الشعب المصري مثل نظيره التونسي لا يريد الخبز فقط، وانما الخبز المجبول بالكرامة والحريات والاصلاحات السياسية، ولا نعتقد ان النظام مستعد لتلبية هذه المطالب، ويتضح ذلك من مكابرته واصراره على التعاطي مع هذه المظاهرات الاحتجاجية بالطريقة نفسها التي تعاطى فيها مع سابقاتها، اي القمع.
فقد كان لافتاً وجود اكثر من ثلاثين الفاً من رجال الامن في احياء القاهرة الرئيسية لقمع المظاهرات، اي ان عددهم كان اكبر من عدد المتظاهرين في بعض الاحيان، ولكن من الصعب القول بان ما كان يصلح في الماضي يمكن ان يصلح مع مظاهرات الامس.
عجلة التغيير بدأت في الدوران في مصر.. صحيح ان حركتها بطيئة، ولكن تأثيرها ربما يكون اقوى واكبر. فالشعب المصري في ضخامة الفيل، والفيل عندما يثور يحطم كل من يقف في طريقه دون رحمة او شفقة.
التغيير في مصر يعني التغيير في المنطقة باسرها، وهذا ما دفع السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية الى مطالبة جميع الاطراف الى ضبط النفس.
دعوة السيدة كلينتون هذه جاءت متأخرة كثيراً، او هكذا نعتقد، فالاحتقان في مصر ضخم، والايام المقبلة حافلة بالكثير الذي قد لا يسر امريكا وحلفاءها الاسرائيليين وعرب الاعتدال في المنطقة.

الخميس، 17 فبراير 2011

نشيد الحرية - كامل الشناوي

كنت في صمتك مرغم
كنت في حبك مكره
فتكلـم ، وتألم
وتعلم كيف تكره
****
عرضك الغالي . . على الظالم هان
ومشى العار إليه وإليك
أرضك الحرة غطاها الهوان
وطغى الظلم عليها وعليك
قدّم الآجال قرباناً لعرضك
اجعل العمر سياجاً حول أرضك
غضبةً للعرض... للأرض...لنا
غضبةً تبعث فينا مجدنا
وإذا ما هتف الهـول بنـا
فليقل كل فتى...إني هنا
****
أنا يا مصر فتاك
بدمي أحمي حماك

و دمي ملء ثراك

****

أنا ومضٌ وبريق
أنا صخرٌ...أنا جمر
لفـح أنفاسي حريق
ودمي نـار و ثأر
****
بلدي...لا عشت إن لم أفتدِ
يومَك الحرَّ بيومي وغدي

نازفاً من دم أعـدائك

ما نزفوه
من أبي أو ولـدي
آخذاً حريتي من غاصبيها
سالبيها
و بروحي أفتديها
هات أذنيك معي
واسمع معي
صيحة اليقظة
تجتاح الجموع
صيحةً شدت ظهور الركّع
ومحت أصداؤها عار الخضوع
****
أنا يا مصر فتاك
بدمي أحمي حماك
ودمي ملء ثراك
****
أنتَ إن لم تتحررْ

بيدي يا بلدي
فسـأمضى أتحررْ
من قيود الجسدِ
لا أبالي الهولَ بل أعشقهُ
لا أباليه وإن متُ صريعا
إنه لو لم يكن... أخلُقُهُ
لأرى فيـه ضحايانا جميعا

في دماهم أمل النيل توحدْ

في دماهم دم عيسى ومحمدْ

فاحترم بالثأر
ذكرى شهدائك
بذلوا أرواحهم بذل السخي
وانتقم..إن هنـا أزكى دمائك
وهنا أمي، و أختي، و أخي ! !
****
أنا يا مصر فتاك
بدمي أحمي حماك
ودمي ملء ثراك

الأربعاء، 16 فبراير 2011

Robert Fisk: As Mubarak clings on... What now for Egypt? The fury of a people whose hopes were raised and then dashed

Friday, 11 February 2011

To the horror of Egyptians and the world, President Hosni Mubarak – haggard and apparently disoriented – appeared on state television last night to refuse every demand of his opponents by staying in power for at least another five months. The Egyptian army, which had already initiated a virtual coup d'état, was nonplussed by the President's speech which had been widely advertised – by both his friends and his enemies – as a farewell address after 30 years of dictatorship. The vast crowds in Tahrir Square were almost insane with anger and resentment.


Mubarak tried – unbelievably – to placate his infuriated people with a promise to investigate the killings of his opponents in what he called "the unfortunate, tragic events", apparently unaware of the mass fury directed at his dictatorship for his three decades of corruption, brutality and repression.

The old man had originally appeared ready to give up, faced at last with the rage of millions of Egyptians and the power of history, sealed off from his ministers like a bacillus, only grudgingly permitted by his own army from saying goodbye to the people who hated him.

Yet the very moment that Hosni Mubarak embarked on what was supposed to be his final speech, he made it clear that he intended to cling to power. To the end, the President's Information Minister insisted he would not leave. There were those who, to the very last moment, feared that Mubarak's departure would be cosmetic – even though his presidency had evaporated in the face of his army's decision to take power earlier in the evening.

History may later decide that the army's lack of faith in Mubarak effectively lost his presidency after three decades of dictatorship, secret police torture and government corruption. Confronted by even greater demonstrations on the streets of Egypt today, even the army could not guarantee the safety of the nation. Yet for Mubarak's opponents, today will not be a day of joy and rejoicing and victory but a potential bloodbath.

But was this a victory for Mubarak or a military coup d'état? Can Egypt ever be free? For the army generals to insist upon his departure was as dramatic as it was dangerous. Are they, a state within a state, now truly the guardians of the nation, defenders of the people – or will they continue to support a man who must be judged now as close to insanity? The chains which bound the military to the corruption of Mubarak's regime were real. Are they to stand by democracy – or cement a new Mubarak regime?

Even as Mubarak was still speaking, the millions in Tahrir Square roared their anger and fury and disbelief. Of course, the millions of courageous Egyptians who fought the whole apparatus of state security run by Mubarak should have been the victors. But as yesterday afternoon's events proved all too clearly, it was the senior generals – who enjoy the luxury of hotel chains, shopping malls, real estate and banking concessions from the same corrupt regime – who permitted Mubarak to survive. At an ominous meeting of the Supreme Council of the Egyptian Armed Forces, Defence Minister Mohamed Tantawi – one of Mubarak's closest friends – agreed to meet the demands of the millions of democracy protesters, without stating that the regime would itself be dissolved. Mubarak himself, commander-in-chief of the army, was not permitted to attend.

But this is a Middle Eastern epic, one of those incremental moments when the Arab people – forgotten, chastised, infantilised, repressed, often beaten, tortured too many times, occasionally hanged – will still strive to give the great wheel of history a shove, and shake off the burden of their lives. Last night, however, dictatorship had still won. Democracy had lost.

All day, the power of the people had grown as the prestige of the President and his hollow party collapsed. The vast crowds in Tahrir Square began yesterday to move out over all of central Cairo, even moving behind the steel gates of the People's Assembly, setting up their tents in front of the pseudo-Greek parliament building in a demand for new and fair elections. Today, they were planning to enter the parliament itself, taking over the symbol of Mubarak's fake "democracy". Fierce arguments among the army hierarchy – and apparently between Vice-President Omar Suleiman and Mubarak himself – continued while strikes and industrial stoppages spread across Egypt. Well over seven million protesters were estimated to be on the streets of Egypt yesterday – the largest political demonstration in the country's modern history, greater even than the six million who attended the funeral of Gamal Abdul Nasser, the first Egyptian dictator whose rule continued through Anwar Sadat's vain presidency and the three dead decades of Mubarak.

It was too early, last night, for the crowds in Tahrir Square to understand the legal complexities of Mubarak's speech. But it was patronising, self-serving and immensely dangerous. The Egyptian constitution insists that presidential power must pass to the speaker of parliament, a colourless Mubarak crony called Fatih Srour, and elections – fair ones, if this can be imagined – held within 60 days. But many believe that Suleiman may choose to rule by some new emergency law and then push Mubarak out of power, staking out a timetable for new and fraudulent elections and yet another terrible epoch of dictatorship. The truth, however, is that

the millions of Egyptians who have tried to unseat their Great Dictator regard their constitution – and the judiciary and the entire edifice of government institutions – with the same contempt as they do Mubarak. They want a new constitution, new laws to limit the powers and tenure of presidents, new and early elections which will reflect the "will of the people" rather than the will of the president or the transition president, or of generals and brigadiers and state security thugs.

Last night, a military officer guarding the tens of thousands celebrating in Cairo threw down his rifle and joined the demonstrators, yet another sign of the ordinary Egyptian soldier's growing sympathy for the democracy demonstrators. We had witnessed many similar sentiments from the army over the past two weeks. But the critical moment came on the evening of 30 January when, it is now clear, Mubarak ordered the Egyptian Third Army to crush the demonstrators in Tahrir Square with their tanks after flying F-16 fighter bombers at low level over the protesters.

Many of the senior tank commanders could be seen tearing off their headsets – over which they had received the fatal orders – to use their mobile phones. They were, it now transpires, calling their own military families for advice. Fathers who had spent their lives serving the Egyptian army told their sons to disobey, that they must never kill their own people.

Thus when General Hassan al-Rawani told the massive crowds yesterday evening that "everything you want will be realised – all your demands will be met", the people cried back: "The army and the people stand together – the army and the people are united. The army and the people belong to one hand."

Last night, the Cairo court prevented three ministers – so far unnamed, although they almost certainly inc-lude the Minister of Interior – from leaving Egypt.

But neither the army nor Vice-President Suleiman are likely to be able to face the far greater demonstrations planned for today, a fact that was conveyed to 83-year-old Mubarak by Tantawi himself, standing next to Suleiman. Tantawi and another general – believed to be the commander of the Cairo military area – called Washington, according to a senior Egyptian officer, to pass on the news to Robert Gates at the Pentagon. It must have been a sobering moment. For days, the White House had been grimly observing the mass demonstrations in Cairo, fearful that they would turn into a mythical Islamist monster, frightened that Mubarak might leave, even more terrified he might not.

The events of the past 12 hours have not, alas, been a victory for the West. American and European leaders who rejoiced at the fall of communist dictatorships have sat glumly regarding the extraordinary and wildly hopeful events in Cairo – a victory of morality over corruption and cruelty – with the same enthusiasm as many East European dictators watched the fall of their Warsaw Pact nations. Calls for stability and an "orderly" transition of power were, in fact, appeals for Mubarak to stay in power – as he is still trying to do – rather than a ringing endorsement of the demands of the overwhelming pro-democracy movement that should have struck him down.

Timeline...

11.00 As demonstrators mass in Cairo's Tahrir Square, the Foreign Minister warns of a military coup if protests continue

15.15 The Egyptian Prime Minister, Ahmed Shafiq, tells the BBC Arabic Service that Mubarak may step down

15.20 The secretary general of the ruling NDP party, Hossan Badrawy, says he expects Mubarak to make an announcement that will satisfy protesters' demands

15.30 An Egyptian army commander tells protesters in Tahrir Square that: "Everything you want will be realised"

15.45 Egypt's military council releases a statement saying it is in continuous session and the army will take necessary measures to "safeguard the homeland", in the clearest sign that Mubarak will be on his way out soon

16.04 The Information Minister, Anas el-Fekky, says Mubarak is in fact not stepping down and remains Egypt's President

16.15 Al Arabiya television station carries an unconfirmed report that Mubarak has travelled to the Red Sea resort of Sharm el-Sheikh with his army chief of staff

17.11 A senior member of the Muslim Brotherhood, the biggest opposition group, says he fears the army is staging a coup

20.50 Defying expectations Mubarak speaks on state TV, giving no indication that he will step down soon


Pharaoh Without a Mummy

By THOMAS L. FRIEDMAN
Published: February 15, 2011

Cairo

One thing I can tell you about Egypt: It is not Las Vegas. What happens in Egypt does not stay in Egypt.

For the last 30 years, that has been the bad news. Egypt was in a state of drift and decline and, as a result, so was the Arab world at large. Egypt has now been awakened by its youth in a unique way — not to fight Israel, or America, but in a quest for personal empowerment, dignity and freedom. In this part of the world, people have very sensitive antennae for legitimacy and authenticity because they have been fed so many lies by their leaders. Because Egypt’s democracy revolution is so homegrown because the young people who led it suffered more dead to liberate Egypt than the entire Egyptian Army has suffered since the 1973 war to defend it, this movement here has enormous Arab street cred — and that is why, if it succeeds (and the odds are still long), other young Arabs and Muslims will emulate it.

Indeed, if it can move Egypt to democracy, this movement, combined with social media, will be more subversive to autocratic regimes than Nasserism, Islamism or Baathism combined. What emerged from below in Egypt is, for now, the first pan-Arab movement that is not focused on expelling someone, or excluding someone, but on universal values with the goal of overcoming the backwardness produced by all previous ideologies and leaders.

I understand why Israel is worried; a stable relationship with Hosni Mubarak has given way to a totally uncertain relationship with Egypt’s people. But Egypt’s stability under Mubarak was at the expense of those people, and they finally had had enough. There will be ugliness aplenty in the days ahead as Egyptians are free to vent. There is still a lot of pent-up fear and anger boiling here. But at least other authentic voices, with a different, more hopeful song, are also emerging.

Every Israeli and Saudi should watch this video made by the youth in Tahrir — www.memritv.org/clip/en/2804.htm — about their quest to bring their country “back from the dead.”

The Arab tyrants, precisely because they were illegitimate, were the ones who fed their people hatred of Israel as a diversion. If Israel could finalize a deal with the Palestinians, it will find that a more democratic Arab world is a more stable partner. Not because everyone will suddenly love Israel (they won’t). But because the voices that would continue calling for conflict would have legitimate competition, and democratically elected leaders will have to be much more responsive to their people’s priorities, which are for more schools not wars.

That is why the most valuable thing America could do now is to help Egypt’s democracy movement consolidate itself. And the best way to do that would be to speak its language. It would be to announce that the U.S. intends to divert $100 million of the $1.3 billion in military aid to Egypt this year to build 10 world-class science and technology high schools — from Aswan to Alexandria — in honor of all Egyptians who brought about this democratic transformation.

“Nothing would have a bigger impact here,” said Ahmed Zewail, the Egyptian-American Nobel Prize laureate in chemistry. Nothing would have a bigger impact on youth across the Middle East.

After all, the Egyptian Army has no external predators today. Egypt’s only predators today are poverty and illiteracy. Forty percent of Egyptians live on $2 a day and some 30 percent are illiterate.

On my way back from Tahrir Square on Saturday, I ran into five young Egyptians who were trying to wipe off “Leave Now, Mubarak” graffiti spray-painted on a stone wall. You don’t see students removing graffiti very often, so I asked them why. “Because he is not our president anymore,” said a youth with the rubber gloves and solvent. They just didn’t want to see his name anymore — even as the object of an insult.

As I kept walking to my hotel, I realized why. When I looked down at the Nile embankment — and this was central Cairo — all I saw was garbage strewn about, a crumbling sidewalk and weeds sprouting everywhere. I thought: If this were Sydney, Singapore or Istanbul, the government would have built a beautiful walkway along the banks of the Nile where Egyptians and visitors could stroll with families in the afternoon. Not here.

And that in my view was Mubarak’s greatest crime against his people. He had no vision, no high aspiration, no will for great educational attainment. He just had this wildly exaggerated sense of Egypt’s greatness based on the past. That is why I feel sorry for those Egyptians now clamoring to get back money they claim the Mubaraks stole. That is surely a crime, if true, but Mubarak is guilty of a much bigger, more profound, theft: all the wealth Egypt did not generate these past 30 years because of the poverty of his vision and the incompetence of his cronies.

“He is a pharaoh without a mummy,” the Egyptian playwright Ali Salem said to me of Mubarak. He left little trace. “Every Egyptian citizen is carrying inside them 100 short stories of pain and novels of grievance. Everyone has to pay for their children to take private lessons after school because the schools are so bad. Can you imagine? You prevent yourself from eating to pay for private lessons?” At least these rebellious youth, he added, “don’t know the rules, so they are not afraid of anything. They can do what our generation did not dare to think of.”

الثلاثاء، 15 فبراير 2011

كل تأخيرة مفيهاش خيرة

بقلم فاطمة ناعوت ١٤/ ٢/ ٢٠١١

لم يشأ الرئيسُ أن يخذلنَا من جديد، بعد خذلانات عدّة، ويخذل مصرَ بشهداءَ جدد تبكيهم، وهى توارى دماءهم الطاهرةَ ثراها الطاهر. أكتبُ إليكم مساءَ الجمعة بعدما مزّقتُ مقالى الغاضب الذى كتبتُه صباحاً. إنه يومُ الجمعة ١١/٢/٢٠١١.

لم أعد أذكر ماذا سمّاه الثوّار: يومُ الغضب، يومُ الرحيل.. فالقدرُ أحرقَ النكتةَ التى أشاعها المصريون بأن الرئيس لا ينوى الرحيل إلا «يومَ القيامة».

أكتبُ بعدما أعلن السيد عمر سليمان تنحّى الرئيس صدوعاً لإرادة الشعب، الذى عيل صبره ثلاثين عاماً. تحمّل خلالها الجوعَ والمرضَ وبطش نظام بوليسى ظالم. «كل تأخيرة وفيها خيرة»، تلك حكمةُ المصريين الصبورين الواقفين على سبعين قرناً من التاريخ تحمّلوا خلالها صروفَ الزمان ونزواتِ الحكّام قرناً بعد قرن. يُمهلونهم، ويتمهّلون عليهم، لينظروا من أمرهم رَشداً ليدركوا أنهم لا يشبهون أى زعماء آخرين يعتلون العروشَ فى طول الدنيا وعرضها.

فمصرُ، لا تشبه أى دولة أخرى. مصرُ صاحبةُ كلمة التنوير الأولى فى كتاب التاريخ. الكلمةُ التى خُطَّت على ترابنا فيما كانت الأممُ فى بقاع الأرض ترفلُ فى الجهالة والهمجية، كانت مصرُ تبنى مجدَها الرفيع فى تأنٍّ ورقى. تنتظرُ مصرُ أن يدرك حاكمُها هولَ مكانته، على رأس أعرق دولة فى تاريخ البشرية، فيكون على قدر تلك المكانة الخطِرة.

فإن أدرك ذلك، رفعه الشعبُ فوق الأعناق ومكّنوه من القلوب. وإن أخفق، أمهلوه فرصةً تلوَ فرصة. فإن ثبتَ إخفاقُه أنزلوه عن عرشها. أقولُ للرئيس السابق: شكراً أن تنحّيتَ وإن متأخراً.

شكراً لأنك تعلّمت درس «ديجول» النبيل. لكن التأخير حرمك من وداع جميل يليقُ باسم مصر، كان المصريون سيمنحونه لك لو أحسنت اختيار اللحظة. «كل تأخيرة مفيهاش خيرة». فقط لو كنتَ حقنتَ دماء أولادنا، ولم تُهدر ما تبقى فى صدورنا من قليل صبر!

لو كنتَ أنصتَّ للمنحنى المتصاعد فى صوت الشعب الذى بدأ هادئاً يوم ٢٥ يناير يطالبُ بالإصلاح، ثم تعالى، بعد صمتكَ، إلى المطالبة بإسقاط النظام، ثم تعالى إلى المطالبة بالإطاحة، ثم تعالى إلى المطالبة بالمحاكمة، ثم تعالى إلى المطالبة بالثأر والتحرك نحو القصر الرئاسى بالعروبة!

لو كنتَ لاحظتَ المنحنى المعاكس للصوت الذى بدأ راقياً، ثم راح ينحو للأسفل فى اطّراد مع نفاد الصبر، الذى طال! إذ ليس من معنى لأن يجلس ملايين المصريين، أمس الخميس، أمام الشاشات يترقبون البيان الثالث الذى ظنّه المصريون بيان التنحّى، فيعمّ الفرحُ بوشك انزياح الغُمّة وهبوب رياح الحرية! بعدما أعلن أنس الفقى، (اللى لما يسعد تجيله وزارتين فى ليلة)، أن البيان سيُذاع فى العاشرة مساء، وينتظر الناس، والثوانى طوالٌ، ليكتشف الناسُ أن أفراحهم هباءٌ، وأن العنادَ سيدُ الموقف!

ظللنا لأسبوعين نناشدُ الرئيسَ حقنَ دماء شعبه. لكنها العِزّةُ التى تأخذُ الأوطانَ إلى حيث لا تريد الشعوبُ. وكدتُ أيأس، لحظةَ رأيتُ أن الدماءَ النبيلة لا تساوى سوى أن يخرج الرئيسُ على الشاشة، فى رابطة عنق سوداء، لم يخلعها منذ موت حفيده، (الذى حزن عليه كل المصريين العام الماضى)، ليقول إنه حزينٌ على الشهداء وإن ألمَه عليهم يشبه ألمَ آبائهم وأمهاتهم! الكلامُ سهلٌ لأن للثكلاوات حزناً آخر، وجعاً مختلفاً. ٣٠٠ شهيد= كلمة مواساة! يا بلاش!

لكن، الحمد لله، تجنّبتْ مصرُ صفحةً غير جميلة لا تليق بتاريخها. صفحةً لا تشاء مصرُ أن يضمّها كتابُها الناصع. مصرُ التى علّمت الدنيا الحضارةَ والمدنية، غدتِ اليومَ نموذجاً مُلهماً لكل الشعوب المقموعة التى تنشد الديمقراطيةَ والحرية والعدالة، مثلما غدت إنذاراً ووعيداً لكل الحكّام الطغاة، الذين يتأملون الآن، دون شك، التجربةَ المصريةَ وأياديهم على قلوبهم. تحيةً لشعبِ مصرَ الجميل، ولقوّاتها المسلحة الشريفة. والآن، نتوقُ بكل قلوبنا إلى دولة برلمانية حرّة. اسمُها: جمهورية مصر.