الأربعاء، 11 أبريل 2012

الشاطر والجنرال انقلاب على الثورة - عبد الله السنّاوي

الشروق 9/4/2012

عودة اللواء «عمر سليمان» لمسارح السياسة تعنى بالضبط أن ثورة يناير عند أخطر مزالقها. بيان ترشحه للمنصب الرئاسى فيه مجافاة للحقائق وسخرية بالتاريخ. فالرجل يتعهد باستكمال أهداف الثورة التى أطاحت بالرئيس السابق الذى كان نائبا له وخليفة مؤكدا.. وهى ثورة وصفها بنفسه أنها «مؤامرة» فى شهادته أمام جهات التحقيق فى قضية «مبارك».

إنها الذروة فى سيناريو إعادة إنتاج نظام «مبارك» بالوجوه والسياسات ذاتها باسم الثورة هذه المرة.

عند تلك المزالق يقف «خيرت الشاطر» الرجل القوى فى جماعة الإخوان المسلمين تصاحبه أشباح انقلاب على الدولة الحديثة يعصف بالتطلع إلى «مجتمع ديمقراطى حر»، وهو من أهداف الثورة، لكنه ينسب نفسه للثورة دون أهدافها. «سليمان» و«الشاطر» تتجاوز التقاطعات بينهما مسألة الترشح الرئاسى، فالأخير مرشح قانونا للخروج من السباق، ولكن أقرب رجاله فى حزب «الحرية والعدالة» الدكتور «محمد مرسى» جاهز على دكة الاحتياط. المسألة تدخل فى مستقبل الدولة المصرية: عسكرية أم دينية؟

الرجلان خرجا من الأقبية السرية، فـ«الشاطر» تولى لسنوات طويلة الملف الأمنى للجماعة مع ملفات أخرى مالية وتنظيمية. الأمنى عنده يسبق السياسى.. وكان يوصف قبل الثورة بـ«وزير داخلية الإخوان». أدار تفاهمات الجماعة مع الأجهزة الأمنية، وأخطرها صفقة انتخابات (٢٠٠٥) التى حصلت الجماعة بمقتضاها على حصة فى البرلمان مقابل تعهدات قطعتها على نفسها. كان مهندس الصفقة والمشرف العام عليها اللواء «سليمان» نفسه. والأخير هو رجل الأقبية السرية فى مصر لعقدين كاملين، ترأس جهاز المخابرات العامة، ودوره تكشفه وثائق «ويكيليكس»، وهذه مسألة تدخل مباشرة فى حجم التجريف الاستراتيجى للأمن القومى المصرى على عهد الرئيس السابق.

إنه الصندوق الأسود الحقيقى لمبارك وعهده.

كلاهما «الشاطر» و«الجنرال» له صلات وتفاهمات مع العسكرى والأمريكى. فالأول، المحاور الرئيسى لجماعة الإخوان المسلمين مع المجلس العسكرى والإدارة الأمريكية معا، وعنده حرية حركة وسلطة قرار.. مضى فى السباق الرئاسى أم خرج بقوة القانون الكلمة الغالبة له وحده.. دخل فى تجاذبات واختبارات قوة مع العسكرى لتحديد الأحجام فى تفاهمات نقل السلطة وتقاسمها أفضت فى نهايتها إلى أزمة تنذر بصدام.. والثانى، علاقاته أوثق بالمجلس العسكرى باعتبارات زمالة السلاح، واتصالاته أعمق بالإدارات الأمريكية المتعاقبة، ومعها الحكومات الإسرائيلية جميعها، فهو مرشحها الأصلى لخلافة «مبارك»، إنه رجل مجرب ويطمئن إليه دون حاجة إلى وافد مستجد باسم الجماعة ونفوذها فى الشارع يبدى استعداده للعب الدور ذاته.

بدا «خيرت الشاطر» معتدلا وعمليا فى حواراته مع العسكرى، وهو الانطباع ذاته الذى تولد عند محاوريه الأمريكيين. وصفه محاوره الرئيسى فى المجلس العسكرى بأنه «رجل مرتب يعرف ماذا يريد».. ولكنه هو نفسه لم يدرك إلا متأخرا حقيقة ما كان يطلب ويريد «الشاطر».

لم تكن فكرة ترشح «الشاطر» للرئاسة سابقة التصميم والتجهيز، ولكنها خضعت لحسابات تغيرت وتفاهمات انقلبت إلى صفعات متبادلة.

البداية: رئاسة الحكومة بعد فوز حزب «الحرية والعدالة» الذراع السياسية للجماعة بأكثرية أعضاء مجلس الشعب. لم تكن هناك ممانعة من العسكرى فى أن يتولى «الشاطر» تشكيلها.. ولكن كانت هناك معضلة قانونية تحول دون إسنادها إليه تستدعى عفوا شاملا من المشير عن أحكام عسكرية صدرت بحقه. ثبت فيما بعد أن العفو لا يرد الاعتبار، ولا يخوله الترشح للرئاسة أو تولى أى منصب عام فى الدولة قبل ست سنوات على الأقل!

فى ذلك الوقت كانت مسألة الرئاسة بدأت تقلق العسكرى، الوقت يداهمه ولا يرى أمامه من المرشحين المحتملين للرئاسة من هو مستعد لتزكيته أو الرهان عليه.. ورغم حظوظ «عمرو موسى» المرتفعة فى الاستطلاعات الأولية التى أجراها بنفسه، إلا أن هناك فجوة مستحكمة معه حالت دون الرهان عليه، وبدأ التفكير فى «مرشح توافقى» بين العسكرى والجماعة، ومالت المشاورات إلى اسم «منصور حسن». طلبت الجماعة ثمنا مقدما بالعفو عن «خيرت الشاطر» وإسناد منصب رئيس الحكومة إليه. كانت حكومة «الجنزورى» قد استهلكت سمعتها وأخفقت فى اختراق معضلتى «الأمن» و«الاقتصاد»، والبرلمان بدوره استهلك فى الوقت ذاته الرهانات عليه، بدا عاجزا عن إقناع الرأى العام بكفاءة النواب الذين انتخبهم. تصاعدت المشاحنات مع «الجنزورى» لإفساح الطريق أمام حكومة جديدة يترأسها «الشاطر» وتحللا من تبعات الفشل الفادح فى الأداء البرلمانى. كانت معركة الحكومة أقرب إلى قنابل دخان تخفى حقائق ما يجرى فى الأقبية السرية، ومحاولات ضغط متصلة على العسكرى لسرعة اتخاذ قرار إقالة «الجنزورى». فى هذا الوقت صدر قرار العفو على أمل صفقة تقاسم سلطة قبل أن تعلن الجماعة التزامها بـ«منصور حسن» مقابل إسناد الحكومة إلى «خيرت الشاطر».. ولكن الثانى استحال عليه تمرير الصفقة داخل الجماعة.

بعد تعثر التفاهمات تحكمت فى الجماعة نزعتين متداخلتين: شهوات السلطة والتأهب للإمساك بمفاصل الدولة وسلطاتها مجتمعة رئيسا وحكومة وبرلمانا وتأسيسية الدستور تصاحبها مخاوف وهواجس الإطاحة بها من المواقع التى اكتسبتها فى «الشعب والشورى والتأسيسية»، وخسارة تطلعاتها لتشكيل الحكومة بالتبعية، إذا صدر حكم من المحكمة الدستورية ببطلان القانون الذى أجريت على أساسه انتخابات مجلسى «الشعب» و«الشورى».

إنه إذن زواج شهوات السلطة بمخاوف خسارة كل شىء. هذا التزاوج بالذات وراء تفاهمات جديدة مع الإدارة الأمريكية تولى الإشراف عليها «الشاطر» بنفسه، أرسل وفودا إلى الولايات المتحدة تطمئن وتؤكد أن الجماعة لن تمس معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، أو التزامات الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، أو تدخل تعديلات جوهرية على النظام الاقتصادى الموروث عن الرئيس السابق.

من هذه الزاوية بدا «الشاطر» أقرب فى توجهاته إلى استنساخ التجربة الإيرانية فى الداخل والتجربة الباكستانية فى العلاقة مع الولايات المتحدة «أحمدى نجاد» على طراز مختلف: «دولة الفقيه» دون مشروعها الوطنى. تقييد للحريات العامة، والإعلامية بالذات، دون عدالة اجتماعية تصل عوائدها إلى الفقراء والمعوزين من سكان العشوائيات والمناطق المحرومة الذين صوتوا لـ«الحرية والعدالة» فى الانتخابات النيابية.

شهوات السلطة أدت نتائجها إلى سحب رصيد المصداقية من الجماعة التى تنكرت لوعودها واحدا إثر آخر، والفراق فى لحظة تحديد مصائر مع قوى سياسية طالما دعمت الجماعة ودافعت عنها ضد تنكيل النظام السابق.

الأخطر أن شهوات السلطة أفضت إلى هرولة مخجلة على الأعتاب الأمريكية تذكر بالنظام السابق ورحلات حجه السنوية إلى البيت الأبيض. وهذا ينذر بدور مختلف للجماعة يناقض أدوارها فى العقود الأخيرة فى دعم المقاومات العربية ورفض التطبيع مع إسرائيل، وهو انقلاب استراتيجى قد يستخدم للعدوان على إيران وإعادة هندسة المنطقة وسط منازعة بين سنة وشيعة.

لا فارق هنا بين «الشاطر» و«الجنرال» باستثناء أن الأخير سجله يشفع له عند الإدارة الأمريكية أكثر من مستجِد يعرض خدماته.

فكرة ترشح رجل المخابرات القوى للمنصب الرئاسى ظلت حتى ساعاتها الأخيرة قلقة وحساباتها معقدة. الفكرة تخامره ولكنه يخشى عواقبها، فالعودة إلى مسارح السياسة تكلفه فتح ملفات مغلقة لم يتسن للثورة أن تفتح صندوقها الأسود لتعرف ماذا حدث بمصر على مدى عقود ودور الجنرال فى الانكشاف الاستراتيجى للأمن القومى الذى بات مستباحا لحدود يصعب تخيلها. نصحه صديق قديم عمل تحت قيادته فى القوات المسلحة قبل ترشحه بيومين: «أرجوك استبعد الفكرة تماما».. سأله الجنرال، وهو يعرف مدى اقترابه الإنسانى من المشير: «هل هذه رسالة؟». أجابه على الفور: «هذه نصيحة صديق». فى نفس اليوم التقى «سليمان» بالمشير. العسكرى بدا متحمسا لنائب «مبارك».. فهو رجل عسكرى من جيل المشير، لديهما ميراث من الصراعات. الفتور بينهما امتد لسنوات طويلة حتى عادت الصلات قرب نهاية عصر «مبارك»، اتفقا على نقطة واحدة: «رفض التوريث»، غير أنه أثناء الثورة تبدت تقديرات مختلفة، فـ«سليمان» قرر أن يقف فى صف «مبارك» إلى النهاية، بينما المؤسسة العسكرية نزعت الحماية عنه. فى لحظات النهاية عندما أدرك «مبارك» الحقائق الجديدة قال للمشير: «شيل الشيلة». هذه العبارة بنصها كررها المشير فى الأيام الأخيرة فى سياق آخر: «لماذا يتهموننى كأننى خنت أو سرقت، لماذا تعرضنا لاغتيال معنوى وكنت أتوقع أن نعامل كأبطال صانوا الثورة وحافظوا عليها.. الآن يوشك كل شىء على النهاية، سوف نغادر السلطة فى (٣٠) يونية، ولا يوم واحد زيادة، ولتأتى الانتخابات بمن يشيل الشيلة».

العسكرى لا يتصور أن يكون «الشاطر» رئيسا للجمهورية، لا هو ولا أى إخوانى آخر ولا يتمنى «عمرو موسى»، ولكنه قد يكون كـ«العلقم الذى يضطرون لشربه»، وهذا التعبير بنصه استخدم بعد شهور قليلة من الثورة فى اجتماع ضيق بين عسكريين وإعلاميين. يفضل «عمر سليمان»، باعتقاد أن الأخير يستطيع السيطرة على جهاز الدولة وتحجيم الإخوان المسلمين، دون أن تكون هناك حساسية من أن يؤدى المشير أمامه التحية العسكرية، فـ«سليمان» أقدم بدفعة، ومسألة الأقدميات لها احترامها عند العسكريين.

هذا التصور يفضى بالضرورة إلى فوضى واسعة لا استقرار دولة، فمن شروط استقرار الدول مسألة الشرعية، والثورة مصدرها، وانتخابه نذير بقمع حريات واعتقالات واسعة فى صفوف الشباب، وهو عقاب جماعى للذين تقدموا صفوفها. انتخاب الجنرال يفسح المجال واسعا للكلام حول التزوير والتآمر على الثورة، وتلك مقدمات موجة ثورية عاتية هذه المرة.

الخميس، 5 أبريل 2012

إعادة إنتاج الديكتاتور - أحمد الصاوي

الشروق 4/4/2012

عندما تشاهد المرشح الرئاسى عبدالمنعم أبوالفتوح فى حديقة الأزهر وسط نخبة مصرية متنوعة ومتباينة فى اتجاهاتها وقناعاتها وأديانها ومظهرها، وتشاهد المرشح الرئاسى خيرت الشاطر وسط أعضاء مجلس شورى جماعة الإخوان أو بين أعضاء مكتب الإرشاد، أو بين بعض رموز السلفيين، ربما تدرك فارقا جوهريا بين الرجلين اللذين خرجا من ذات الرحم.

أيضا عندما تبحث فى أرشيف الرجلين، ستجد من النوادر القليلة جدا أن تجد للشاطر صورة مع «الآخر» سواء كان هذا الآخر سياسيا من أطياف وتيارات سياسية أخرى، أو دينيا، أو حتى ثقافيا، فيما كان أبوالفتوح طوال تاريخه منذ غادر مرحلة المواجهات الحماسية الطلابية فى الجامعات، جسرا متواصلا مع الجميع حتى لو بحكم ممارسة العمل التطوعى والسياسى المرهون بتوافق تيارات مختلفة.

خيرت الشاطر إذن هو ابن التنظيم ورجله، لكن أبو الفتوح هو ابن المشروع، والفارق بين التنظيم والمشروع كبير، لأن الأول جهاز مؤسسى احتكارى وديكتاتورى بطبعه، وبفعل تكوينه فى مرحلة الحظر والسرية، لكن المشروع فكرة عابرة للتنظيمات والأيديولوجيات تهتم بالمقاصد قبل أن تهتم بغيره.

هذا مجرد تحليل فلا تبحث فى هذه السطور عن انحياز لأحد أو حسم لكاتب هذه السطور لاختياراته الشخصية، فالشاطر مشروع رئيس لتنظيم، لكن أبو الفتوح مشروع رئيس لوطن، والفارق أن الثانى جرى اختباره داخل المجتمع العام بمكوناته، فيما عاش الأول عمره كله ممثلا لجناح أكثر هيمنة داخل تنظيم محكم، لا يكترث كثيرا بالآخر، يبحث عنه كتابع وليس شريكا فيما تحركه ثقافة أنه الأرشد والأصدق، ومن سواه إما مغرضون أو قليلو الفهم.

بين مرشحى الرئاسة من يحمل «جينات» الديكتاتور، وبينهم من يحمل «جينات» الرئيس الذى من الممكن مقاومة ديكتاتوريته إن ظهرت، ومدرسة التنظيم داخل جماعة الإخوان المسلمين لا يمكن أن تنتج إلا ديكتاتورا بامتياز، وهى ديكتاتورية تمسك فى يديها بالعهد «البيعة على السمع والطاعة»، والتمويل «حسابات التنظيم واستثماراته» لذلك تنعكس هذه الثقافة على أداء الأغلبية فى تعاملها مع المجتمع وشركائها السياسيين، كما يظهر من التباين فى الخطاب بين «غزلان» على سبيل المثال، ومحمد البلتاجى، فأبناء التنظيم صداميون لا يقبلون الاختلاف ويهاجمونه، أما أبناء المشروع فأكثر قدرة على الانفتاح والتواصل.

أعود بك إلى مشهد حديقة الأزهر، فالمؤكد أن أبو الفتوح تخفف من عبء التنظيم والتصنيف، لذا تبدو حركته أكثر مرونة وحيوية وأكثر قدرة على التعبير عن قطاع كبير من مكونات المجتمع، وهو تعبير ينطلق من مساحة أقرب لـ«يسار الوسط المحافظ» ليصل إلى كل الخريطة السياسية والاجتماعية والدينية حتى لو بنسب استقطاب متفاوتة، بمعنى أنه فكرة تروج نفسها، وهذا الشكل من الأفكار غير متوافر لدى مرشحين آخرين باستثناء حمدين صباحى وخالد على، أما الآخرون فهم مجرد أشخاص ذوى شهرة قرروا خوض المنافسة وتم بناء برنامج أو مشروع عليهم وليس العكس، أو تنظيم دفع بأحد أبنائه ليكون مرشحها يخص التنظيم ولا يخص أحدا خارجه، وهو شكل من أشكال إعادة إنتاج الاستبداد، لكنه هذه المرة استبداد بملامح خيرت الشاطر، وبديكتاتورية التنظيم، وبذات أنماط التفكير المنحازة إلى رأس المال ورجال الأعمال.

http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=03042012&id=91733cec-e3da-485a-83c4-520722dbbc1a

الأحد، 1 أبريل 2012

اغنية ارحل من ميدان التحرير - Protesters in Tahrir Square Song ERHAL

د.محمد يسري سلامة يكتب: قنبلة الإخوان

الدستور الأصلي

دعونا نفترض بدايةً صدق جميع ما جاء في كلام الإخوان: أنهم قدموا خيرت الشاطر مرشحًا رئاسيًا ردًّا على تحجيم البرلمان وسلطاته، وعلى التهديد بحلِّه والتلويح ببطلانه، وعرقلة اللجنة التأسيسية وتعثرها المتعمد، وترشح بعض (الفلول) للمنصب، بما ينذر بإعادة إنتاج النظام (القديم).

وأما تحجيم البرلمان وصلاحياته فهذا لا يكون الرد عليه عبر ترشيح أحدهم للرئاسة، بل يكون عبر البرلمان نفسه، كأن يتقدم نوابهم باستقالةٍ جماعيةٍ مثلاً، أو تعليق لأنشطة البرلمان، أو غير ذلك من أشكال الاحتجاج التي لم نر شيئًا منها في مواجهة العسكري، سوى بيانٍ سابقٍ من الإخوان -وليس من البرلمان- يطالب بإقالة حكومة الجنزوري ليقوموا هم بتشكيل الحكومة من جديد. ثم إن صلاحيات البرلمان وسلطاته محددة في الإعلان الدستوري الذي أيدوه ودعموه وحشدوا الناس من أجله، ثم عادوا للشكوى منه والتذمر. هذه واحدة، أما الثانية فإذا كنتم قد اتفقتم مع العسكري على قانون الانتخابات البرلمانية، ثم اتضح بعد ذلك أنه غير دستوري؛ فمن المعروف أن القانون لا يحمي المغفلين، وأن المرء لا ينبغي أن يلوم أحدًا على أنه نصب له فخًّا ثم وقع هو فيه من دون أن يدري. وأما تعثر اللجنة التأسيسية وعرقلة عملها مع حرصهم على التوافق كما ذكروا، فلماذا لم نر هذا الحرص منذ البداية في تشكيل اللجنة؟ ولماذا أعرضتم عن اختيار العناصر المناسبة لمثل هذا العمل؟ ومن المعروف أيضًا أن الداء ليس أبدا بدواء، فإذا كنتم قد اتُّهمتم من أطراف كثيرة بمحاولة السيطرة والاستحواذ على كتابة الدستور، فكيف تداوون ذلك بمحاولة السيطرة والاستحواذ على منصب الرئاسة نفسه، مع ما سيثيره ذلك من مضاعفة مشاعر العداء والخصومة تجاهكم؟ وأما الرابعة فإذا كان قد أزعجكم ما تردد من ترشح عمر سليمان أو غيره للرئاسة، إن كان هذا صحيحًا، فمن المعلوم أن الوعود التي تُعطى في الغرف المغلقة لا قيمة لها مع الأسف في عالم السياسة، فإن كان أحدهم قد وعدكم بأن هذا الأمر لم يحدث ثم حدث، أو سيحدث، فهذا لا يعني أحدًا في شيء لأن أحدًا لم يكن موجودًا معكم في الغرف المغلقة من الأساس. ثم إنكم لم تخبرونا عن كيفية منع هؤلاء من الترشح، في ظل قانون العزل السياسي المعيب والقاصر الذي تم تمريره على مرأى منكم ومسمع من دون أن تحركوا ساكنًا، أو شارعًا، ثم لم يطبق مرةً واحدةً لمجرد ذر الرماد في العيون على ما فيه من عيب وقصور؟

إن شعبية الإخوان بين الأوساط التي يعتمد عليها الإخوان هي اليوم في أدنى مستوياتها لأسبابٍ شتى، منها الأداء السيء للبرلمان وفشله في تقديم شيءٍ يُذكر (هذا بالنسبة إلى جمهور الشعب)، ومنها الانبطاح المستمر أمام النظام وتقديم العون له في مواقف كثيرة (وهذا بالنسبة إلى الثوار)، ومنها رواج الانطباع العام بأنهم مجرد طامعين وطالبي سلطة (وهذا بالنسبة إلى جموع غفيرة من الشعب أيضًا)، ومنها أن كثيرًا من عناصر الوطني (سابقا) التي تحلَّقت حول الإخوان أثناء الانتخابات أدركت أن النظام لم يغير نظرته تجاههم وتشككه فيهم، وعليه فإن المستقبل قد لا يكون لهم، وعليه فإن عليهم البحث عن بدائل وطرقٍ أخرى (وهذا ما حذرناكم منه من قبل). فإذا كنتم تعلمون هذه الأشياء، وتدركون مسبقًا أن مرشحكم لن ينجح ومع ذلك ترشحونه فهذا يشكك في مصداقيتكم لصالح النظرية الأخرى التي تقضي بأن الغرض من هذا كله هو تفتيت الأصوات وإضعاف فرصة مرشحين آخرين وعلى رأسهم حازم أبو إسماعيل وأبو الفتوح. وإذا كنتم لا تدركون ذلك وتظنون أن تجربة الانتخابات البرلمانية ستتكرر بنفس الزخم بمساعدة بعض قيادات السلفيين -التي فقدت الكثير من وزنها ومصداقيتها أيضًا- فأنتم واهمون جدا أو متورطون جدا بحيث لا يمكنكم أن تروا الحقائق كما هي. وإذا كنتم تريدون اصطفاف الناس وراءكم من أجل مواجهة العسكري وإنجاح (الثورة) كما تقولون فلن يكون هذا سهلا ميسورا، لأننا لم نعهد منكم مواجهته من قبل، ولأنكم أضعفتم الثورة التي تقولون أنكم تريدون إنقاذها بمواقفكم واختياراتكم المعروفة. ثم إن هذا لا يكون بمنطق: (إما أنا أو العسكر)، وكأنه لا يوجد طريق ثالث ورابع، ولأن العسكر سيردون عليكم بمنطقكم نفسه: (إما نحن أو الإخوان)، وهذا المنطق الأخير سيلاقي رواجًا وقبولاً لدي جماهير غفيرة، وتكونون بذلك قد أسديتم خدمةً جليلةً لمرشحٍ آخر قد يكون موجودًا بالفعل، وقد يظهر عما قريب.

أقول إنني أفترض فيما سبق كله صدق النية وحُسن الطوية، وأن هذا صدامٌ حقيقي بين الإخوان والعسكري، أو ضغطٌ من الإخوان على العسكري، ومع هذا فالإخوان يتعاملون بصفتهم الممثل الشرعي والوحيد للشعب المصري بأكمله، ولسان حالهم يقول: إذا كان صدامٌ فأنا الذي أصطدم ولا أحد سواي، وإذا كان ضغطٌ فأنا الذي أضغط، وما عليكم سوى الوقوف معي في ذلك، وإذا حان وقت المقايضة والمساومة فأنا الذي أقايض وأساوم وأعظِّم مكاسبي أو أحافظ عليها، وإذا قلت إن طريق التغيير هو البرلمان وليس الثورة فالأمر كذلك، وإذا قلت إن طريق البرلمان مسدود ووصولي للرئاسة هو الحل فالأمر كذلك أيضًا، وإذا قلت إن العسكري حسنٌ فهو حسن، وإذا قلت إنه عكس ذلك كان كذلك. وهو نمطٌ من التفكير ليس مقبولاً ولا مهضومًا. كما إنهم يدعون الجميع إلى تجاوز الخلافات العميقة التي تسببوا فيها من أجل المصلحة العليا للبلاد كما يرونها، ومن أجل نجاح الثورة كما يفهمونها، بينما هم ليسوا مستعدين للتغاضي عن الخلافات الصغيرة بينهم وبين أبو الفتوح على سبيل المثال من أجل كبرياء الجماعة أو نظامها ولا شيء غير ذلك.

دعونا نترك كل ما سبق على أنه أمرٌ واقعٌ من الصعب تغييره على الأقلّ في اللحظة الراهنة، لنقول إن الموقف الآن بالنسبة للإخوان يعد أخطر بكثيرٍ مما مضى، وأن موقفهم هذا وإن كان لا يخلو من المؤاخذات السالف ذكرها فليس أسوأ منه سوى موقف كثيرٍ من القوى السياسية التي تسارع للاصطفاف مع العسكري على حساب أي شيءٍ وكل شيء، فلا ينبغي لنا أن نتعجل ونستبق الأحداث، وإنا لمنتظرون، لا علينا إلا ذلك.

هذا ما يتعلق بالإخوان، وأما السلفيون فموقفهم أكثر صعوبةً وتعقيدًا، وللحديث بقية.


http://dostorasly.com//news/view.aspx?cdate=01042012&id=6fa0b506-6458-4bfa-ae26-1c208bdce3d3