السبت، 6 نوفمبر 2010

‌الوفاة في المحبس


الوفاة في المحبس


من المتفق عليه علميا انه يجب فحص كل حالات الوفاة في المحبس فحصا دقيقا و متأنيا لاستبعاد وجود أي إضرار متعمد بالسجين بأي شكل من الأشكال و إخلاء ساحة القائمين على هذا المحبس.

وسائل الإيذاء المؤدي إلى الوفاة في المحبس

1) الإيذاء المتعمد (Act of Commission): و ذلك بتوقيع عنف بدني أو نفسي شديد على السجين.

2) الإيذاء بالإهمال (Act of Omission): و ذلك بإهمال توفير الاحتياجات الضرورية لحياة السجين كالشراب و الطعام والرعاية الصحية.

تشخيص أسباب الوفاة في المحبس

‌أ. يتعين على طبيب مصلحة الطب الشرعي في بعض الأحيان أن يزور المحبس و يعاينه لاستبعاد وجود مظاهر للتعذيب و للتأكد من وجود الإمكانيات و اللوازم الأساسية لحياة السجين.

‌ب. يتعين على طبيب مصلحة الطب الشرعي كذلك فحص سجل المتوفى الصحي و مراجعة أوراق علاجه و الفحوصات التي أجريت له قبل وفاته، و معرفة الظروف المحيطة بتلك الوفاة.

‌ج. الدلائل الطبية الشرعية في الوفاة:

1-الدلائل الخارجية (الظاهرية)

أ‌. لون الجلد و الشفتين و الأذنين و رؤوس الأصابع (الأظافر).

ب‌. تغيرات ما بعد الوفاة (التغيرات الرّمية).

ت‌. الآثار المادية تحت الأظافر: خصوصا إذا ما صوحبت الوفاة بالعنف، و بالتالي يجب ألا يفوت الطبيب الشرعي و سلطات التحقيق فحص أظافر المتوفى وما تحتها بحثا عن جزء من بشرة جلد أو دماء أو قماش أو شعر وغيره تخص المعتدي ويمكن أن تساعد في إثبات أو نفي حدوث اعتداء عليه قبل وفاته.

ث‌. الإصابات الموضعية الظاهرة و التي قد تدل على تعرض المتوفى للعنف قبل وفاته.


2-الدلائل الداخلية (التشريحية):

أ‌. تغيرات الأحشاء الداخلية: وقد ذكر تقرير مصلحة الطب الشرعي وجود احتقان بالسحايا و الرئتين والغشاء المبطن للمعدة مع المظهر اليرقاني للكبد(!) و التغيرات الباثولوجية الكلوية المذكورة بالصفة التشريحية للمتوفى المذكور.

ب‌. لون و درجة الرسوب الدموي في الأحشاء الداخلية.

ت‌. تغيرات القلب و الأوعية الدموية: كتضخم القلب و الترسبات الدهنية و تصلب و ضيق الشرايين التاجية، و وجود مناطق احتشاء قلبي (موت جزء من عضلة القلب بسبب نقص الأكسجين).

ث‌. الإصابات الموضعية الداخلية التي قد تدل أيضا على تعرض المتوفى للعنف قبل وفاته.

‌د. الفحوصات المعملية للعينات المأخوذة من الجثة:

1-الفحص المجهري (الميكروسكوبي) للأنسجة:

من المتفق عليه علميا انه يتحتم عند تشريح أية جثة في القضايا الجنائية أن يأخذ الطبيب الشرعي عينات حشوية من الأعضاء الداخلية للجثة و يرسلها إلى المعمل الباثولوجي لفحصها مجهرياً للبحث عن التغيرات الباثولوجية النسيجية وذلك لتأكيد سبب الوفاة المتوصل إليه بالكشف الظاهري و الصفة التشريحية من ناحية، و لاستبعاد وجود مرض طبيعي ذاتي قد يكون سببا أساسيا أو عاملا مساعدا على حدوث الوفاة من ناحية أخرى وهو ما قد يغير توصيف الواقعة من الأساس؛ بل لقد أوصى العديد من الجهات العلمية و القانونية في العالم بأن يكون الفحص المعملي الباثولوجي للأنسجة المأخوذة من المتوفى جزءا أساسيا في تشريح كل الجثث، و أن يشمل ذلك على الأقل عينات مأخوذة من القلب و الرئتين و الكليتين و الكبد و الطحال و البنكرياس و الغدة الدرقية والغدتين الكظريتين (فوق الكلويتين) والعضلات و المخ و السحايا.

من الصعب إثبات السبب الحقيقي للوفاة بالاعتماد على فحوصات قبل الوفاة و الفحص الظاهري والعين المجردة فقط، فعلى سبيل المثال أثبتت الأبحاث أن الاحتشاء القلبي يكون واضحا في 13,5% فقط من حالات الوفاة المنسوبة إلى قصور الدورة التاجية، و وجود انسداد في الشرايين التاجية بنسبة كبيرة لا يعني أن ذلك هو سبب الوفاة، و بناء على ذلك قرر العلماء انه لابد – إلى جانب الفحص الظاهري – من اللجوء إلى الفحص المجهري للأنسجة باستخدام تقنيات متعددة، والتي لا تشخص فقط وجود التغير المرضي بل و تحدد زمن حدوثه بقدر كبير من الدقة. وتشمل هذه التقنيات:

أ‌. الفحص المجهري العادي باستخدام صبغة HE

ب‌. الفحص النسيجي الكيميائي

ت‌. الفحص النسيجي الكيميائي للإنزيمات

ث‌. الفحص النسيجي الكيميائي المناعي

ج‌. الفحص الفلوري

2-مسح السموم: و تكمن أهمية إجراء هذا البحث في الكشف عن الأدوية و المخدرات التي قد تتسبب في الموت، و بالتالي لا بد من التحصل على عينات نسيجية و عينات من الدم و البول و محتويات الجهاز الهضمي لتحليلها.

3-التحليل البكتيري: و يجرى لعينات من الأنسجة و الدم و البول و البراز و إفرازات الرئتين، حيث يمكن الكشف عن عدوى معينة تكون سببا أو عاملا مساعدا في حدوث الوفاة.

4-فحص أمراض الدم.

5-الفحص المناعي.

6-تحليل كيمياء الدم والسائل الزجاجي والسائل الشوكي و البول: ويعني ذلك قياس تركيز الأملاح والإنزيمات ونواتج الأيض والتي يمكن أن تعطي فكرة واضحة عن حالة الجسم واضطراباته قبيل الوفاة، فمثلا:

أ‌. إذا كان مستوى الصوديوم في السائل الزجاجي للعين في أي وقت بعد الوفاة أكثر من 155 مليمول/لتر و الكلور أكثر من 135 مليمول/لتر و البولينا أكثر من 40 مليمول/لتر يكون المتوفى قد عانى من الجفاف قبل موته.

ب‌. إذا زاد مستوى البولينا في السائل الزجاجي عن 150 مليمول/لتر في أي وقت بعد الوفاة يشخص الفشل الكلوي.

ت‌. إذا زادت نسبة الجلوكوز في السائل الزجاجي عن 11,1 مليمول/لتر في أي وقت بعد الوفاة يشخص مرض البول السكري، في حين إذا قلت النسبة عن 1,4 مليمول/لتر يشخص هبوط السكر قبل الوفاة عن مستوياته الطبيعية.

ث‌. وجود نسبة عالية من البيليروبين في الدم بعد الوفاة تشخص وجود يرقان قبلها. و كذلك فإن ارتفاع مستوى البيليروبين في الدم و مستوى مادة اليروبيلينوجين (نواتج أيض البيليروبين) في البول و انخفاض نسبة بروتينات البلازما و انخفاض الزلال في الدم كلها تشخص وجود تدهور عنيف في الكبد قبل الوفاة. بل إن وجود نسب مرتفعة من مادة الجلوتامين في السائل النخاعي بعد الوفاة تتفق مع حدوث غيبوبة كبدية للمتوفى قبيل موته.


المصادر:

- Hirsch CS and Adams VI (1993): Sudden and Unexpected Death from Natural Causes in Adults. In: Medicolegal Investigations of Death, edited by Spitz WU, 3rd edition. Charles C Thomas Publisher, Springfield. pp 137-174

- Saukko P and Knight B (2004): The Forensic Autopsy. In: Knight’s Forensic Pathology, 3rd edition. Arnold, London. pp 1-51

- Saukko P and Knight B (2004): The Pathophysiology of Death. In: Knight’s Forensic Pathology, 3rd edition. Arnold, London. pp 52-97

- Saukko P and Knight B (2004): Abuse of Human Rights: Deaths in Custody. In: Knight’s Forensic Pathology, 3rd edition. Arnold, London. pp 301-311

- Saukko P and Knight B (2004): The Pathology of Sudden Death. In: Knight’s Forensic Pathology, 3rd edition. Arnold, London. pp 492-526

- Finkbeiner WE, Ursell PC, and Davis RL (2009): Supplemental Laboratory Studies. In: Autopsy Pathology: a Manual and Atlas, 2nd edition. Saunders Elsevier, Philadelphia. pp 116-117.

نبذة عن بعض التغيرات الرمية

نبذة عن بعض التغيرات الرمية

الرسوب الدموي

الرسوب الدموي هو تلون الجسم باللون الأحمر البنفسجي عادة في الأماكن المنخفضة من الجسم بسبب تجمع الدم في الأوعية الدموية الصغيرة في تلك الأماكن نتيجة الجاذبية الأرضية. تبدأ عملية الرسوب الدموي مباشرة بعد توقف القلب عن العمل، ولكنها تبدأ في الظهور على الجسم عادة بعد نحو نصف ساعة إلى ساعتين بعد الوفاة على هيئة بقع ‏تلون منتشر في الأماكن المنخفضة من الجسم. تتسع هذه البقع وتتطور تدريجيا و تتحد حتى تشكل تلونا يشمل أغلب الأماكن المنخفضة من الجسم بحدود 8-12 ساعة بعد الوفاة. و في حدود هذا الوقت يقال من الناحية الطبية إن الرسوب الدموي أصبح ثابتا، و يقصد هنا أن الرسوب الدموي لا يعود إلى التشكل أو الظهور مرة أخرى فيما لو تغير وضع الجثة من الوضع الذي كانت عليه إلى أي وضع آخر. و غالبا يصبح الرسوب الدموي في حالة الثبات عندما يفقد الدم حالة السيولة بسبب تكسر كريات الدم الحمراء وتسربها من الأوعية الدموية إلى الأنسجة المحيطة بها، و يحدث هذا الثبات غالبا من الناحية الطبية بحدود 8-12 ساعة بعد الوفاة.

عادةً ما يكون لون الرسوب الدموي في الوفيات الطبيعية أحمرا بنفسجيا، و أي تغيير في اللون عن ذلك يجب أن يثير لدى سلطات التحقيق و الخبراء المختصين الشبهة في سبب الوفاة. فمثلا اللون الوردي عادةً ما يظهر في الوفاة الناجمة عن التسمم بغاز أول أكسيد الكربون، و اللون الأحمر الزاهي يمكن أن يشاهد في وفيات التسمم بالسيانيد أو الموت بسبب الصقيع، و اللون الباهت يشاهد في وفيات النزف الدموي أو الصدمة العصبية. أما بالنسبة للون الأزرق أو البنفسجي الداكن فيمكن أن يشاهد في وفيات الاختناق، ولكن هناك العديد من الوفيات الطبيعية التي يمكن أن يتلون الرسوب فيها بذات اللون؛ كالوفيات الناجمة عن قصور الشرايين التاجية وغيرها، كما أن لون الرسوب الدموي يمكن أن يتغير بمرور الوقت بعد الوفاة.


التيبس الرمي


التيبس الرمي هو تصلب عضلات الجسم الإرادية و اللاإرادية بعد الوفاة، نتيجة اختفاء مركب الأدينوسين ثلاثي الفوسفات من العضلات. و يبدأ حدوث التيبس الرمي في جميع عضلات الجسم عادة في الوقت نفسه، إلا أن ظهوره ومشاهدته تكون في العضلات الصغيرة أولا، ثم يتدرج ظهوره إلى أكبر العضلات ثم التي تليها حتى يشمل جميع عضلات الجسم، لذلك نرى أن التيبس يظهر في عضلات الوجه أولا ثم عضلات العنق ثم يمتد إلى عضلات الصدر والبطن فالأطراف العلوية ثم الأطراف السفلية، والتيبس قد يصيب عضلات حدقة العين ويسبب ضيقا أو صغرا في فتحتها بعد أن كانت متسعة لحظة الوفاة بسبب ارتخاء عضلاتها، لذلك يجب ألا يعنى الطبيب بسعة فتحة حدقة العين بعد الوفاة، لأنها مسألة تتعلق بأمور عديدة منها ارتخاء العضلات أو تيبسها.

يبدأ ظهور التيبس الرمي على الجثة عادة بعد مرور ما بين 2-4 ساعات على الوفاة ويكتمل ظهوره ليشمل جميع أنحاء الجسم خلال فترة زمنية تقدر بنحو ما بين 6-12 ساعة بعد الوفاة. وغالبا يبدأ التيبس بالزوال في الوضع الطبيعي عند حلول التعفن والتحلل في الجثة، إلا أنه قد يزول أحيانا من جزء من الجسم قبل حلول التعفن أو التحلل إذا حرك هذا الجزء من الجثة بعنف، حيث يفك التيبس عن هذا الجزء ولا يعود هذا الجزء من الجثة إلى التيبس مرة أخرى، وعادة من الناحية الطبية يظهر التيبس في الأجزاء المتماثلة من الجسم في الفترة الزمنية نفسها، حيث عادة يظهر التيبس في الأطراف العلوية (اليمنى و اليسرى) في الفترة الزمنية نفسها كما يظهر التيبس في الأطراف السفلية في الفترة الزمنية نفسها أيضا.

العوامل المؤثرة في التيبس

إن سرعة ظهور التيبس الرمي أو تأخر ظهور و مدى انتشاره و بقائه على الجسم ‏تتأثر غالبا بالعديد من العوامل الداخلية والخارجية التي يجب مراعاتها عند تقرير الفترة الزمنية للتيبس، ومن أهم تلك العوامل:

1) درجة حرارة الجو: حيث يسرع التيبس في الظهور على الجثة في الجو ذي درجات الحرارة العالية. و يبطئ أو يتأخر في الظهور كلما انخفضت درجة الحرارة، حتى إنه قد يتوقف عن الحدوث أو الظهور في درجة الصفر المئوي، ويظهر مكانه قسوة في العضلات سببها تجمد سوائل الجسم والعضلات التي تدعى من الناحية الطبية التيبس البرودي أو الانجماد.

2) درجة حرارة الجثة: حيث يسرع ظهور التيبس في الوفيات التي صاحبها ارتفاع في درجة حرارة الجسم كما في الحالات الالتهابية المختلفة.

3) الجهد الجسماني: يظهر التيبس الرمي سريعا ومبكرا عادة في الأشخاص الذين بذلوا جهدا جسمانيا شديدا قبل الوفاة أو في الوفاة العنيفة المصحوبة بجهد جسماني، وكذلك في الوفيات التي يصاحبها حدوث تشنجات عضلية شديدة كما في وفيات التسمم بالستركنين أو حالات الصدع أو حالات الكزاز حيث إن التشنجات العضلية المصاحبة للوفاة ‏تسرع غالبا في تلف مادة الأدينوسين ثلاثي الفوسفات.

4) النمو الجسماني والحالة العضلية للجسم: عادة يظهر التيبس الرمي أسرع في الأجسام ذات البنية العضلية الضعيفة أو الأجسام النحيلة، لذلك نجده يظهر مبكرا ويزول بسرعة في أجسام الكهول والأطفال، ويبطئ ظهوره في الأجسام ذات البنية العضلية الشديدة والقوية والبدينة.

5) الحروق (حروق التفحم): الحروق الشديدة عادة تحجب ظهور التيبس الرمي في الجثة، ويحدث في عضلات الجثة تجلط للبروتين في العضلات، ويسبب هذا التجلط الحراري لبروتين العضلات قساوة وتصلبا وانكماشا في عضلات الجسم وخاصة عضلات الأطراف العلوية والسفلية، وتظهر الجثة غالبا بهيئة الملاكم نتيجة ثني المفاصل بسبب شد العضلات بسبب الحروق الشديدة وانكماشها، و تسمى هذه الظاهرة في حالة حدوثها بالتيبس الحراري الذي غالبا يبقى حتى تبدأ الجثة في التحلل.


المصادر:

المعايطة، منصور عمر (2007): تغيرات الجثة بعد الوفاة و دلالاتها الطبية والجنائية، في: الطب الشرعي في خدمة الأمن والقضاء. جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض. صفحة 77-100

وسائل الإثبات القضائي في المنازعات الطبية

وسائل الإثبات القضائي في المنازعات الطبية

لا شك أن تحقيق العدالة في جميع المنازعات و القضايا الطبية يحتاج إلى طرق إثبات قادرة على التمييز بين الحق و الباطل ليتمكن أصحاب الحقوق في النهاية من إثبات حقوقهم أمام القضاء، و الإثبات قانونا هو تأكيد لحق متنازع فيه أو مسألة غير مؤكدة بحيث ترتب أثرا قانونيا بالدليل الذي أباحه القانون لإثبات ذلك الحق أو تلك المسألة، و يعد إقامة الدليل الركيزة الأساسية في عملية الإثبات بشكل عام و في قضايا المسؤولية الطبية و الجرائم الطبية على وجه الخصوص. و مع أن إثبات المسؤولية الطبية يعد من أصعب المسائل لكونها متشابكة العناصر،إلا أن هناك طرقا و وسائل مهمة يمكن اتباعها في مثل تلك الجرائم و القضايا، تشمل بشكل رئيسي استخدام الأدلة المادية و اللجوء إلى الخبرة الطبية.

جمع الأدلة:

يعرف الدليل المادي من الناحية العلمية على انه حالة قانونية تنشأ من استنباط أمر مجهول نتيجة فحص علمي أو فني لأثر مادي تخلف عن فعل جرمي و له من الخواص ما يسمح بتحقيق هويته أو ذاتيته، و هو احد أنواع الأدلة الجنائية.

أنواع الأدلة:

1- الدليل القانوني (الشرعي): و هو مجموع الأدلة التي حددها المشرع و عين قوة كل منها في الإثبات.

2- الدليل المادي: و هو الدليل الذي ينبعث من عناصر مادية ناطقة بنفسها، و ينشأ عن ضبط الأثر أو المتخلفات المادية في مكان الفعل أو الجريمة بعد المعاينة والفحص الفني بواسطة الخبير المختص، و هذا النوع من الأدلة هو الذي يثبت الصلة بين المتهم و الجريمة أو ينفيها.

3- الدليل القولي (المعنوي أو الشفهي): و هي الأدلة التي تنبعث عناصر شخصية تتمثل فيما يصدر عن الغير من أقوال تؤثر في اقتناع القاضي بطريقة مباشرة، و من أمثلة تلك الأدلة الاعتراف و أقوال الشهود.

4- الدليل الفني: و يقصد بهذا النوع من الأدلة ذلك الدليل الذي ينبعث من رأي الخبير حول تقدير دليل مادي أو قولي قائم في الدعوى، و هو عادة يتمثل في الخبرة التي يقدمها المختص في مسائل فنية لا تستطيع المحاكم بحكم تكوين أعضائها الوصول إلى نتائج حاسمة بشأنها.

الخبرة الطبية:

الخبرة هي إحدى طرق الإثبات التي نص عليها القانون في كثير من دول العالم و أباحها لطرفي الدعوى، فإذا كان الفصل في الدعوى موقوفا على تحقيق أمور تستلزم معرفة فنية فإن للعدالة الموقرة بصفتها الخبير الأعلى و بمثابة ظل الله في الأرض أن تقرر إجراء تحقيق فني بواسطة خبير أو عدة خبراء، ومن هنا يتبين لنا أن الخبرة الطبية هي إحدى طرق الإثبات المشروعة قانونا في الجرائم الطبية و قضايا المسؤولية الطبية. ويرى فقهاء القانون انه إذا كانت الخبرة الفنية ضرورية في أي من الأمور العلمية و الفنية على وجه العموم فإنها في مجال القضايا و الجرائم الطبية اشد ضرورة على وجه الخصوص، باعتبار أن محلها هو الجسد البشري، و استنادا إلى أن حياة الإنسان و سلامته النفسية و الجسدية تقع في أعلى مراتب الاهتمام.

المصدر:

- المسئولية المدنية و الجنائية في الأخطاء الطبية. تأليف د/ منصور المعايطة. الرياض 145-2004م، إصدار مركز الدراسات والبحوث بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية.

‌المسئولية الطبية

مسئولية الأطباء عن أخطائهم

ترى بعض الهيئات أنه لا يجب مساءلة الطبيب جنائياَ و لكن يسأل مدنياَ لأن الخطأ يختلف عن التعدي، و لكن استقر الحال على أن يساءل الأطباء عن أخطائهم من الناحية المدنية و الجنائية.

مساءلة الطبيب مدنياَ:

وهذه تعنى إخضاعه لقواعد القانون العام عند خطئه إذا أخل بواجبات المهنة و ترتب على ذلك ضرر بالمريض.

مساءلة الطبيب جنائياَ:

يطبق على الأطباء المواد الخاصة بالمسئولية الجنائية في القانون العام عن القتل و الجرح الخطأ على الأطباء إذا ترتب على خطئهم ضرراَ بالمريض.

والحاصل مما تقدم أن مدار المسؤولية الطبية يتعلق بوقوع الضرر أو سبب الضرر على المريض من الطبيب أو مَن في حكمه في سياق العلاقة المهنية الطبية بينهما. وهذه المسؤولية تندرج تحت قسمين اثنين يمكن أن تصنف فيهما كل أنواع المسؤولية الطبية، فأقسام المسؤولية الطبية هي :

1. المسؤولية الطبية السلوكية والأخلاقية: وهي تشمل الصدق والنصيحة وحفظ السر وحفظ العورة والوفاء بالعقد، وتنشأ المساءلة على الخطأ الطبي في هذا القسم جراء الإخلال بواحد أو أكثر من هذه المبادئ مما يؤدي إلى وقوع الضرر أو التسبب فيه، فيوجب هذا الإخلال مساءلة الطبيب وترتب آثار هذه المسؤولية إن ثبت الموجب ولم يظهر له عذر مبيح.

2. المسؤولية الطبية المهنية: وهذا القسم يتعلق بالنواحي العملية لنفس مهنة الطب، وتتعلق المسؤولية في هذا القسم بإخلال الطبيب بواحد أو أكثر من المبادئ المتفق عليها في عرف المهنة بصورة تؤدي إلى وقوع الضرر على المريض أو التسبب في ذلك. فالعقد المهني بين الطبيب والمريض يلزم الطبيب بالأصول المهنية المعتبرة بحيث لا بد من أن يكون حاذقاً عالماً بطبه (وهذا هو الجانب النظري) ماهراً فيه (وهذا هو الجانب العملي)، ومطبقاً لهذا العلم والحذق والمهارة على أفضل وجه ممكن، فإذا أخل الطبيب بجانب العلم أو المهارة أو الالتزام بهما ونجم عن ذلك وقوع الضرر أو التسبب فيه وقعت المسؤولية الطبية.

موجبات المسؤولية الطبية المهنية:

تتعلق موجبات المسؤولية في هذا القسم بنفس المهنة الطبية، وتدور حول ثلاثة محاور هي الجهل والخطأ والتعدي، وتحتاج هذه الموجبات إلى كثير من الضبط والتفصيل، وهذا ما نشير إليه في هذا الموضع.

الموجب الأول: عدم اتباع الأصول العلمية للمهنة

إن لأصول مهنة الطب جانبين؛ علمي نظري، وعملي تطبيقي، ولكل من الجانبين نوعان من العلوم:

1. العلوم الطبية الثابتة: وهي ما لا ينفك علم الطب عنه من المسلَّمات كعلم التشريح ووظائف الأعضاء وكمعرفة أن الجسم بحاجة إلى إمداد مستمر بالأكسجين، وأن النزف غير المسيطر عليه يؤدي إلى الموت، فهذه ثوابت عامة معلومة ضرورة، ومن الثوابت الخاصة ما يتعلق مثلاً بعلم الجراحة من ثوابت ككيفية إعمال المبضع في الجسد وكيفية السيطرة على النزف أثناء العمل الجراحي فهذه لا تتغير بتغير نوع الجراحة ولا تتغير بتغير العصر، فهذه العلوم العامة والخاصة الثابتة تعتبر علوماً مستقرة يؤاخذ كل من يخرج عنها، فهي أشبه بالقواعد و القطعيات الطبية.

2. العلوم الطبية المستجدة: وهي ما تتفتق عنه البحوث العلمية الطبية يومياً من كشف أو نظرية أو علاج جديد ونحوه، وهذه هي التي يصعب ضبطها، ولا بد للطبيب من مراعاة أمرين اثنين في هذه العلوم حتى يخرج من العهدة فيها، وهذان الأمران هما (1) أن تصدر هذه العلوم عن جهة علمية معتبرة، (2) أن يشهد لها أهل الخبرة بالصلاح للتطبيق والممارسة. فإذا اجتمع هذان الوصفان لزم الطبيب أمرٌ ثالث من جهته هو ، وهو تأهله لتطبيق هذه العلوم المستجدة، كأن تكون تقنية جراحية جديدة فلا يبادر إلى تطبيقها دون إشراف أو حضور دورة تدريبية تؤهله للقيام بها، وهذا كله مقرر عند أهل الطب. فإذا راعى الطبيب هذه الأمور، وكان العمل الذي يمارسه معتبراً عند أهل الفن وكان هو مؤهلاً له والتزم بالأصول المتبعة فيه فقد خرج من العهدة.

مما سبق يتبين لنا أن خلاصة الأمر في ثبوت موجب المسؤولية هنا يتعلق بأحد الأمرين التاليين أو بهما معاً:

1. مخالفة الأصل العلمي المعتبر

2. مخالفة التطبيق العملي المعتبر

الموجب الثاني: الجهل

إن ممارسة الطب مع الجهل موجبة للضمان سواء أكان الجهل كلياً كأن يقوم ممرض أو عامي بممارسة الطب والتطبيب، أم كان جهلاً جزئياً كأن يقوم طبيب باطني بإجراء جراحة في العيون.

الموجب الثالث: الاعتداء

يُتصور وقوع الاعتداء في سياق الممارسة الطبية من جهتين أحدهما الجناية العمد العدوان وهذا نادر ولكنه يقع، والثاني من جهة التطبيب بدون إذن المريض أو وليه أو من له ولاية عامة أو خاصة، وفيما يلي تفصيل ذلك:

1. الاعتداء قصداً: وهذا كما ذكرنا نادر، غير أنه يقع إما بدافع الجناية العمد وإما بدافع مبررات عقلية منحرفة، كما وقع في بعض البلاد من قيام بعض العاملين الطبيين بقتل بعض المرضى المصابين بحالات معضلة بدعوى إراحتهم من المرض ونحوه، فهنا إذا ثبت القصد والاعتداء آل الأمر إلى الجناية العمد العدوان ويتعامل معها القضاء من هذا المنطلق.

2. التطبيب بدون إذن: وهذا أكثر حدوثاً في سياق المهنة، وصورة المسألة أن يقوم الطبيب بعمل تشخيصي أو علاجي بدون أخذ إذن المريض، فإذا ترتب على هذا الفعل وقوع الضرر وثبت أن الطبيب لم يكن مأذوناً له بالتصرف ضمن إلا في حالات استثنائية، وهذه الحالات الاستثنائية هي حالات الطوارئ التي لا يسمح فيها الوقت باستئذان المريض ويغلب على الظن هلاك المريض أو تلف عضو منه بالتأخر في التطبيب، والحقيقة إن دعوى عدم وجود الإذن هنا فيها نظر لأن الطبيب لديه في العادة إذن عام من السلطات المختصة بتقديم العلاج الإسعافي في هذه الحالات، بل قد يجب عليه ذلك، وعليه يبقى النظر في الحالات غير الإسعافية وهنا يترجح وجوب أخذ إذن المريض أو وليه قبل المباشرة في أي عمل طبي، ولكن تجدر الإشارة إلى أن مسائل الإذن الطبي فيها تفصيل بحيث لا يمكن الحكم فيها بحكم واحد، والذي نقرره في هذا الموضع هو أن الأصل يقتضي أخذ الإذن والموافقة قبل الإقدام على التطبيب، وأن الأصل يقتضي ضمان الضرر الناجم عن التطبيب بدون إذن، ويبقى النظر في الحالات التي ترجح فيها المصلحة الخاصة أو العامة عدم اعتبار هذا الإذن.

الموجب الرابع: الخطأ

الخطأ هو "ما ليس للإنسان فيه قصد"، وهو مسقطٌ لحق الله تعالى من جهة الإثم، ولكنه لا يُسقط حق العباد في الضمان، بدليل قوله تعالى:"وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم"، وإذا نظرنا إلى مفهوم الخطأ الطبي حسب تعريف المعهد الطبي الأمريكي نجده ينص على أن الخطأ الطبي هو "الفشل في إتمام عمل مقصود على الوجه المقصود، أو استعمال عمل خاطئ لتحقيق هدف ما"، وهذا يتفق مع ما قررناه إذ أن الطبيب لا يقصد فوات هدف العلاجي كما لا يقصد استعمال العمل الخاطئ لتحقيق هدفه العلاجي، ولكن يجب التمييز هنا بين أمرين هما:

1. الخطأ الذي هو من جنس العمل الطبي: كأن يخطئ في التشخيص ونحوه، فهنا ينظر إلى العرف الطبي فإذا كان الخطأ ضمن الحدود المعتبرة من جهة أن هذا التشخيص أو العلاج ظني في الغالب فهنا لا مؤاخذة من جهة مخالفة أصول المهنة، ويؤول الخطأ إلى النوع الثاني الذي نذكره، وإن كان الخطأ غير مقبول في العرف الطبي كأن يخطئ في التشخيص لأنه لم يستعمل اختباراً مطلوباً في عرف المهنة، فهنا يؤول الخطأ في الحقيقة إلى الموجب الأول وهو عدم اتباع أصول المهنة، وكلاهما موجب للمسؤولية لكن الفرق في الآثار المترتبة على المسؤولية من جهة الضمان فقط أو الضمان مع التعزير.

2. الخطأ الذي ليس من جنس العمل الطبي: كأن تزل يد الطبيب أثناء الفحص أو الجراحة فيضر بالمريض وهذا من جنس الجناية الخطأ لا علاقة له بخصوص المهنة، والحكم فيه هو الحكم في جناية الخطأ من حيث ثبوت الضمان وسقوط الإثم ولا يستوجب تعزيراً.

صور الخطأ:

1. الرعونة (سوء العلاج) وتنطبق على الطبيب ناقص الخبرة إذا اتضح أن ما وقع منه يدل على جهل حقيقي بواجباته في حالة العلم القائمة.

2. الإهمال والتفريط أو عدم الانتباه والتوخي ويحدث فيه الخطأ بطريق سلبي نتيجة الترك أو الامتناع مما يتسبب في إحداث ضرر للمريض.

3. ومن صور الخطأ كذلك عدم الاحتياط والتحرز ويقصد به الخطأ كأن يجرى علاجا باستعمال أجهزة يعلم أنها معيبة أو يجرى العملية وفى يده عجز وقتي يحول دون أن يؤديها كما ينبغي. و في حالة الرعونة وعدم الاحتياط والإهمال وعدم الانتباه يجب إثبات وقوع خطأ من الطبيب حتى يمكن مساءلته.

4. الإخلال بالعقد والتقصير في تحقيق المستهدف من الخدمة الطبية.

5. إصابة المريض عن طريق القيام بفحوصات خطيرة أو استخدام مواد علاجية تؤدي إلى الإصابة.

معيار الخطأ:

يقارن تصرف الطبيب بتصرف طبيب من وسط المتهم ومهنته ومركزه ودرجة تعليمه وخبرته، ويدخل في تقدير خطأ الطبيب خطورة الحالة وما تستلزمه من إسعافات في ظروف غير مواتية على اعتبار أن ذلك من الظروف الخارجية. كذلك يؤخذ في الاعتبار ظروف الزمان والمكان الذي يجرى فيه العلاج مثل ما يجرى في قرية بعيدة عن وسائل الفحص والعلاج الحديثة. هذا و يساءل الطبيب عن خطئه يسيرا كان أو جسيما ، ماديا كان أو فنيا.

رابطة السببية:

لكي تتحقق المسئولية الطبية يجب أن تتوافر رابطة السببية بين الخطأ والضرر الذي حصل وأن تكون الصلة بينهما صلة السبب بالنتيجة ولا يجوز إهمال البحث عن هذه الصلة. فإذا كان ما أصاب المريض مما يتحتم وقوعه، ولو لم يقع الخطأ فلا مسئولية على الطبيب، وفى حالة الشك في نسبة الخطأ إلى الطبيب فلا مناص من إخلائه من المسئولية.

تقدير ركن السببية:

في مصر يتطلب القانون قيام السببية المباشرة وتأخذ غالبية الأحكام بأنه يجب أن يكون خطأ الطبيب عند تعدد الأسباب هو السبب الرئيسي للضرر بحيث لا يمكن حصول الضرر بغيره.

استقر القضاء على أن مجرد الخطأ في التشخيص ووصف العلاج ومباشرته لا يثير مسئولية إلا إذا كان هذا الخطأ منطويا على جهل ومخالفة للأصول العلمية الثابتة التي يتحتم على كل طبيب الإلمام بها بشرط أن يكون الطبيب قد بذل الجهود الصادقة اليقظة التي يبذلها الطبيب المماثل في الظروف القائمة.

المصادر:

- الطب الشرعي بين الإدعاء والدفاع الجزء الثاني ص: 1057

- الخطأ الطبي مفهومه وآثاره تأليف د.وسيم فتح الله. نسخة تم الحصول عليها من موقع http://www.saaid.net/tabeeb/65.htm

- جوريسبيديا موسوعة القانون الحرة الجامعية في مارس 2008م (الموسوعه المتخصصة في العلوم القانونية و السياسية لجميع دول العالم).

- المسئولية المدنية و الجنائية في الأخطاء الطبية. تأليف د/ منصور المعايطة. الرياض 145-2004م، إصدار مركز الدراسات والبحوث بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية.

- British Medical Association Professional Division. (1988). Rights and Responsibilities of Doctors. BMA, Tavistock Square, London WCIH 9JP.

- Ronald w Scott (1999). Health Care Malpractice. A primer of Legal Issues for Professionals. 2nd edition. Mc Graw Hill, Health Professions Division. New York, St Louis, London, Tokyo, Toronto.