الثلاثاء، 26 يونيو 2012

البيرة يا مرسى - وائل قنديل

الشروق - 26/6/2012

كما أن هناك متنطعين فى الدين، يوجد أيضا متنطعون فى السياسة، وكما يوجد تافهون وسطحيون فى الخطاب الإسلامى، هناك بالقدر نفسه أتفه منهم فى التعبير عن قيم الديمقراطية والليبرالية.

وكما واجهنا بكل أشكال الإدانة والتقزز هؤلاء الذين جلدوا واحدة من أشرف بنات مصر فى أحداث مجلس الوزراء بسؤالهم الخبيث «إيه اللى وداها وليه لابسة العباية بكباسين» فإن الواجب يقتضى التعبير عن الامتعاض والاستنكار لمسلك هؤلاء الذين اختزلوا مبادئ وأهداف الثورة فى مسيرة للقصر الرئاسى وتداعوا عبر مواقع التواصل الاجتماعى للخروج فيما أطلقه عليه «مسيرة ستيلا» رافعين أمام الرئيس الجديد شعار «البيرة خط أحمر».

إن أحدا لا يطالب بتقليص الحريات فى مصر، غير أن المشكلة أن البعض يختصر قيمة الحرية فى مظاهر شديدة الابتذال والسطحية، ويقيسها بمعايير مثيرة للضحك المرير، كأن يقال مثلا فى أسباب معارضة مرسى إنه لو جاء سيتم منع المايوه البكينى فى الشواطئ، وحظر الخمور فى المحلات والفنادق.. وكأن ثورة ٢٥ يناير قامت فقط من أجل تحقيق مثل هذه المطالب المضحكة.

وما يثير الدهشة أن هؤلاء الذين يخوضون معركة البيرة والمايوه ببسالة لم يحزنهم أو يثير غضبهم ــ على سبيل المثال ــ ما أقدمت عليه صحيفة الأهرام الأسبوع الماضى من جريمة فى حق حرية الإبداع، حين عبثت بواحدة من أشهر اللوحات فى تاريخ الفن التشكيلى المصرى وهى لوحة الفنان الراحل عبدالهادى الجزار «الكورس الشعبى» وغطت أجزاء منها وهو ما اعتبرته جبهة حرية الإبداع اعتداء مشينا على الفن والثقافة.

كما أننا لم نر هذه الروح القتالية الوثابة من المدافعين عن حرية البيرة والمايوه عندما كان الثوار الرائعون يدعون لمسيرات ووقفات دفاعا عن حريات المعتقلين أمام النيابة العسكرية، وفى المناسبات القليلة ــ عن تقصير منى ــ التى شاركت فيها استجابة لدعوات من مجموعة « لا للمحاكمات العسكرية» كانت أعداد الحاضرين منخفضة إلى حد يشعرك بالخجل والأسى، وكأن حرية التعاطى مقدمة على حرية الرأى والتعبير، فى نظر هؤلاء الغيورين على مستقبل « ستيلا والبيكينى» فى عصر الرئيس الجديد، وهو ما يجعل من غير المستبعد أن نصحو يوما على مؤتمر موسع فى أحد الفنادق الفاخرة بالقاهرة لبحث هذه القضية الجوهرية المفصلية فى حياة الشعب المصرى.

وإذا كان هؤلاء «الأحرار» قد وجدوا أن البيرة هى قضية مصر المحورية فى هذه اللحظة التاريخية فإن أحدا لا يصادر حقهم فى ترتيب أولوياتهم كما يشاءون، مع الوضع فى الاعتبار أنهم لا يمثلون سوى نقطة فى محيط هادر كان يهتف فى ميادين مصر أمس فور إعلان النتيجة «الشهدا يا مرسى»

إن معارضة الرئيس واجب ومراقبة أدائه فريضة، والكل له بالمرصاد إن اقترب من الحريات العامة والحقوق الأساسية للمواطن بسوء، لكن أن يجرى ابتذال المعارضة على هذا النحو الفج فهذا مؤشر خطر على أن جحا وولده أصبحا مصدر إلهام المعارضة الجديدة فى مصر، تلك التى من فرط شراستها تعتبر أن سمير جعجع مجرم صبرا وشاتيلا وصنيعة الاحتلال الصهيونى فى لبنان ملهمها وسيدها!

http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=26062012&id=4a6adf85-ed8c-4534-9f19-dde7cbde9303

لماذا فاز محمد مرسى؟! - علاء الأسواني

المصري اليوم - 25/6/2012

عزيزى القارئ

كم مرة قلت أو استمعت لمن يقول إن الشعب المصرى لا يصلح للديمقراطية؟! كم مرة قلت أو استمعت لمن يقول إن المصرى يحتاج لمن يثقفه ويعلمه حتى يمارس حقوقه السياسية؟!

أنا استمعت إلى هذه الآراء عشرات المرات داخل مصر وخارجها، وفى كل مرة كنت أشرح لأصحاب هذه الآراء أن تاريخ مصر الحديث يؤكد أن الشعب المصرى تصرف دائما بوعى سياسى صحيح. كنت أقول لهؤلاء أنتم تتحدثون عن الشعب باعتباره فكرة أو تعبيراً نظرياً، بينما الشعب واقع حى. الشعب يعنى ملايين الأشخاص الذين قد يختلفون فى الخلفية الاجتماعية أو الثقافية، لكنهم فى لحظة ما يملكون شعورا واحدا وعقلا جمعيا يمكنهم من اتخاذ موقف موحد عادة ما يكون صحيحا. الشعب هو الذى صنع الثورات المصرية جميعا.

مازلت أذكر يوم 25 يناير عندما وصل آلاف المتظاهرين من إمبابة لينضموا إلى ميدان التحرير. هؤلاء البسطاء الفقراء هم الذين دافعوا عن المتظاهرين ضد اعتداءات جنود الأمن المركزى، ولولاهم ما نجحت الثورة. الشعب البطل الحقيقى فيما حدث يوم الأحد الماضى 24 يونيو. ذلك التاريخ الذى يشكل نقطة فارقة فى تاريخ مصر والعالم العربى كله. على مدى 16 شهرا نفذ المجلس العسكرى مخططا معداً بعناية من أجل إجهاض الثورة المصرية: انفلات أمنى وحوادث طائفية وترويع للمصريين، أقباطا ومسلمين، وأزمات معيشية مصطنعة، بالإضافة إلى حملات منظمة لتشويه الثورة ومذابح متوالية للثوار، سقط فيها شهداء كثيرون وتم انتهاك أعراض بنات مصر على أيدى أفراد الجيش والشرطة.

كان المخطط يستهدف الضغط على المواطن المصرى لدرجة تجعله يتعلق بأى شخص يستطيع أن يعيد الأمن.. وهكذا تم الدفع بأحمد شفيق وحمايته من 35 قضية فساد موثقة ومن قانون العزل السياسى.. وعندما أسفرت النتائج عن خوض شفيق ومرسى جولة الإعادة، كانت المؤشرات كلها تؤكد فوز شفيق. فقد خسر الإخوان تعاطف معظم الثوريين، نتيجة لتخاذلهم عن نصرة الثورة من أجل مصالحهم، كما أن قطاعا كبيرا من الأقباط أصابهم الفزع من الإخوان فقرروا التصويت لشفيق، بالإضافة إلى فلول النظام القديم الذين أغدقوا ملايينهم المنهوبة على شفيق، لأنه فرصتهم الأخير للعودة للسلطة. أضف إلى ذلك جهاز الدولة بالكامل، الذى ساند شفيق بكل قوته، بدءاً من كبار ضباط الداخلية وأمن الدولة إلى الوزارات والهيئات والإعلام الحكومى، الذى عاد إلى سيرته الأولى فى التضليل والكذب، والإعلام الخاص المملوك لرجال أعمال تفانى معظمهم فى الترويج لشفيق، حرصا على مصالحهم الضخمة.

قرر كثيرون - وأنا منهم - مقاطعة الانتخابات، اعتراضا على وجود شفيق بدلا من عزله ومحاكمته. فى ظل هذه الظروف كان فوز شفيق حتميا، لكن مفاجأة كبرى حدثت.. كانت طاقة الإخوان الانتخابية لا تزيد على 5 ملايين ناخب «الذين صوتوا لمرسى فى الجولة الأولى»، ولكن عندما جاءت الإعادة نزل 8 ملايين مصرى وقرروا التصويت لصالح مرسى، ليس لأنهم ينتمون للإخوان المسلمين، لكن لأنهم أدركوا أن النظام القديم لو عاد إلى الحكم، ممثلا فى شفيق تلميذ مبارك المخلص، فإن الثورة المصرية تكون قد انتهت.

إن تصويت الملايين لمرشح الإخوان كان مفاجأة شعبنا الواعى التى قلبت كل الموازين وأحبطت مخطط إجهاض الثورة. وقد وقع المجلس العسكرى فى ورطة، فأصدر إعلانا دستوريا مكملا يقلص صلاحيات الرئيس قبل إعلان النتيجة بساعات. تم تأجيل إعلان النتيجة النهائية للانتخابات إلى يوم الخميس، ثم إلى يوم الأحد، وهنا أدرك الشعب مرة أخرى أن شيئا ما يحاك فى الكواليس، فنزل الملايين إلى الشوارع - من المنتمين للإخوان وغيرهم - ليشكل احتشادهم عنصر الضغط على من يريد أن يزيف إرادة الناخبين.

سوف يكشف التاريخ يوما ما تفاصيل ما حدث فى اللجنة العليا للانتخابات قبل إعلان النتيجة، وقد تناثرت روايات كلها تؤكد حقيقة واحدة: بالرغم من أن النظام القضائى فى مصر غير مستقل وتابع للسلطة التنفيذية فإن لدينا قضاة مستقلين عندهم من الضمير والشجاعة ما يدفعهم لقول الحق مهما يكن الثمن.

لقد شكل المستشار زكريا عبدالعزيز مع مجموعة من القضاة جماعة «قضاة من أجل مصر»، وقاموا بمراقبة الانتخابات، وأكدوا فوز محمد مرسى بفارق عن شفيق يقترب من مليون صوت.. المستشار زكريا - كما أعرفه - لا يوافق على أفكار الإخوان ولا سياساتهم، لكنه قاض جليل لا يعرف إلا الحق. لقد كان تقرير القضاة المستقلين مبادرة نزيهة وشجاعة أحرجت الذين ألفوا تزوير إرادة الشعب.

الثورة المصرية حققت نصرا عظيما بإسقاط شفيق وفوز محمد مرسى، الذى - بغض النظر عن اختلافنا السياسى معه - هو أول رئيس جمهورية مدنى منتخب فى تاريخ مصر الحديث. هذا الانتصار لإرادة الشعب لن يؤثر فى مصر فقط وإنما سوف يدفع عجلة التغيير فى البلاد العربية التى تتطلع إلى التخلص من حكام مستبدين، فاسدين، جاثمين على أنفاس شعوبهم منذ عقود.

واجبنا أن نهنئ الرئيس مرسى، لكن واجبنا أيضا أن نذكره بعدة حقائق:

أولا: إن الرئيس الجديد لم ينجح بأصوات الإخوان فقط ولم تكن أصوات الإخوان وحدها قادرة على إنجاحه. لقد نجح بأصوات ملايين المصريين، الذين رأوا فى دعمه الوسيلة الوحيدة لمنع عودة نظام مبارك، وبالتالى فإن الرئيس مرسى مسؤول أمام المصريين جميعا، ونحن نطالبه بأن يقطع علاقته التنظيمية بالإخوان المسلمين تماما وفورا، وكما وعد يجب أن يشكل حكومة ائتلافية تضم وزراء الثورة من مختلف الاتجاهات السياسية.

ثانيا: على مدى عام ونصف العام، امتنع المجلس العسكرى عن تحقيق أهداف الثورة ورفض أى تغيير فى بنية نظام مبارك. الآن بعد فوز الرئيس المنتخب لا يمكن تأجيل التغيير: نتوقع من الرئيس مرسى أن يساعد على إقرار قانون السلطة القضائية حتى يستقل القضاء عن السلطة التنفيذية، نتوقع منه إلغاء الإعلان الدستورى المكمل، الذى يضع المجلس العسكرى فوق كل سلطات الدولة، لابد من محاكمة جميع المتهمين بالفساد - وأولهم أحمد شفيق - لابد من تطهير جهاز الشرطة من الفاسدين والجلادين وقتلة المتظاهرين.. لابد من إغلاق مباحث أمن الدولة ومنع قمع أجهزة الأمن للمواطنين.. لابد من منع محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية والإفراج عن 12 ألف مدنى محبوسين فى السجن الحربى وإعادة محاكماتهم أمام قاضيهم الطبيعى.. لابد من تحديد الحدين الأدنى والأقصى للأجور والقضاء على الفقر والبطالة.. لقد قامت هذه الثورة من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. سيكتسب الرئيس مصداقيته أو يخسرها بقدر إخلاصه لمبادئ الثورة.

ثالثا: لم يكن لمحمد مرسى أن يصل إلى منصب الرئيس لولا 1200 شاب مصرى ضحوا بحياتهم أثناء الثورة، وألف مصرى مازالوا مفقودين «غالبا تم قتلهم ودفنهم فى أماكن مجهولة»، بالإضافة إلى آلاف المصابين، كثيرون منهم فقدوا عيونهم بالخرطوش.. هؤلاء أصحاب الفضل على مصر، بعد ربنا سبحانه وتعالى، ولولا تضحياتهم لما كان لنا أن نعيش هذه اللحظة. إن واجب الرئيس مرسى أن يبدأ فورا فى تحقيق القصاص العادل من قتلة الشهداء ورعاية أسرهم وعلاج المصابين على أعلى مستوى داخل مصر أو خارجها على نفقة الدولة. لا يجوز للرئيس الجديد أن يترك مصابى الثورة لرعاية فاعلى الخير. لا يجوز أن يترك قتلة الشهداء أحرارا محتفظين بوظائفهم وكأنهم لم يسفكوا دماء بريئة لشباب كل ذنبه أنه انتفض من أجل كرامة المصريين.

رابعا: أمام الرئيس طريقان لا ثالث لهما: إما أن يحقق أهداف الثورة للمصريين جميعا، وإما أن يحقق مصالح جماعة الإخوان المسلمين عن طريق اتفاقات سرية مع المجلس العسكرى.. أرجو ألا يكرر الإخوان أخطاءهم التاريخية، فقد كانوا للأسف، منذ إنشاء الجماعة عام 1928، يعتبرون أن مصلحة الجماعة هى ذاتها مصلحة الوطن، مما أوقعهم دائما فى تحالفات مع السلطة أضرت كثيرا بالحركة الوطنية.. كان آخرها تحالفهم مع المجلس العسكرى بعد الثورة، الذى أضاع علينا فرصة كتابة دستور جديد وأوقعنا فى هذه المحنة. إن مهمة مرسى لن تكون سهلة لأنه سيواجه نظام مبارك، الذى مازال مسيطرا على الدولة، وأتوقع أن يقاوم التغيير بشدة. فى معركته الضارية مع نظام مبارك سيحتاج الرئيس إلى دعم المصريين جميعا، ولن يحصل عليه إلا إذا ناضل من أجل مصر وليس من أجل الإخوان المسلمين.

خامسا: تعهد الرئيس مرسى دائما بالحفاظ على «مدنية الدولة»، وهذا التعبير يمكن تفسيره بطرق مختلفة. المقصود بمدنية الدولة فى رأيى تحقيق ركائز أربع:

الركيزة الأولى: حقوق المواطنة.. المواطن المصرى يجب أن يحصل على حقوقه كاملة بغض النظر عن دينه. كل حقوق الأقباط التى أهدرت أيام مبارك يجب أن يحصلوا عليها فى عهد الرئيس الجديد، كما يقضى الإسلام الحقيقى. الركيزة الثانية: حماية الحريات الشخصية المستقرة فى مصر منذ قرون. من مظاهر حضارة مصر أنك وحدك تحدد أسلوب حياتك فى حدود القانون، أما لو تم الاعتداء على الحريات الشخصية من أجل تنفيذ برنامج أخلاقى يحيل المواطنين إلى رعايا مقموعين تحت الوصاية، كما يحدث فى السودان والسعودية، فستكون هذه عودة إلى عصور الظلام وكارثة على مصر كلها.. الركيزة الثالثة: حماية حرية الفكر والإبداع، وهنا نحذر الرئيس من الاستماع إلى أصوات المتشددين المعادين للثقافة والفن. لقد كانت مصر دائما قلعة الفن والفكر فى الشرق.

لن نقبل أبدا بأن يخضع الإبداع لرقابة المتزمتين، لأن ذلك سيؤدى إلى ضياع تراثنا الفنى والقضاء على الإبداع المصرى، الذى نفخر به جميعا.. الفكر لا يواجه إلا بالفكر والإبداع، لا سلطان لأحد عليه إلا بالقانون. هذه هى القاعدة الذهبية لحماية الثقافة المصرية.. الركيزة الرابعة: أى محاولة لتطبيق الحدود طبقا للشريعة الآن ستؤدى إلى تمزق المجتمع المصرى، والدكتور مرسى يعرف جيدا أنه لا يمكن تطبيق العقوبات فى الشريعة قبل القضاء على الفقر والجهل والمرض. لا يجوز قطع أيدى السارقين قبل أن نوفر لهم حياة كريمة. هذه قاعدة إنسانية قبل أن تكون فقهية.

إن الشعب المصرى، الذى انتخب محمد مرسى، ينتظر منه الكثير، وسوف يسانده بقوة مادام يعمل لصالح مصر ويحقق أهداف الثورة.

الديمقراطية هى الحل.

http://www.almasryalyoum.com/node/945676

الاثنين، 25 يونيو 2012

رئيس مدني لمصر..أخيرا

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. كنت بالأمس متواجدا في ميدان التحرير وقت إعلان فوز مرسي بالرئاسة، بالطبع كانت لحظة لاتنسى، كان الميدان بآلافه المحتشدة وقت تلاوة بيان لجنة الانتخابات مترقبا و صامتا كأن على رؤوسهم الطير، لينفجر فجأة فرحٌ جماعيٌ وتقافزٌ وسجودٌ وبكاءٌ وتكبيرٌ وتهليلٌ وحمدٌ وأهازيج ورقصٌ عند إعلان حصول شفيق على 48% من الأصوات .. ووجدت الأحضان والقبلات والدموع تنهال عليّ ممن عرفت ومن لم أعرف، وأُطلقت الألعاب النارية في وضح النهار ثم بدأت السماء تمطر حلوى و مشروبات ومياه مثلجة للجميع من الجميع، يا إلهي ما أعذب هذه الروح، ما أدفأ هذه اللحظات الخالدة.

صديقي – رفيق – الذي كان معي بالميدان أشار لي أن أتبعه (حيث إننا لم نكن قادرين على سماع بعضنا لشدة صخب الاحتفال) لنسلم على شخص ما، فوجدت شابا في أواخر العشرينيات يغطي عينه اليسرى بعصابة جلدية سوداء، والناس متحلقون حوله يفعلون شيئا واحدا بنفس الطريقة: يحتضنونه ثم يقبلون رأسه مباركين وشاكرين، وعندما سألت صاحبي عن السبب أخبرني أنه من مصابي الثورة، ففعلت مثلما فعلوا ووجدته يبكي بحرارة يرتج لها جسده الهزيل شاكرا وحامدا، قلت له أنت عريسنا اليوم .. أنت رئيسنا و ملهمنا فإذا بمن حولي يرددون بما قلت.

بعد انكسار الحرارة وقبيل المغرب انفتحت شلالات البشر على الميدان، حتى لم يعد هناك موطئ لقدم، وامتد الاحتفال إلى أنفاق المترو في محطة أنور السادات، الكل يحتفل من الجنسين ومن كل الأعمار، ورغم الزحام غير المسبوق والتدافع الضاغط لم أسمع تذمرا أو مشادة أو غضبا، روح الفرح والبهجة تغمر الجميع. ربنا ولك الحمد.

وبعد أن تذهب السكرة و تأتي الفكرة يبقى أن أذكّر الرئيس الجديد وجماعة الإخوان المسلمين وحزبها ببعض النقاط:
1-     الفرحة العارمة التي عمّت الكثير من البيوت والشوارع والميادين لم يكن سببها بالدرجة الأولى نجاح محمد مرسي، وإنما خروج منصب الرئيس من قبضة العسكر المستبدة، وانتصار وعي الشعب ورغبته في التغيير و وفائه لشهداء ثورته ومصابيها على نظام مبارك القابض على مفاصل الدولة وجيشها وقضائها وإعلامها، وعلى المنتفعين من رجال الأعمال وأصحاب المصالح وملاك الإعلام الخاص والمنقلبين على الثورة الذين ملأوا الدنيا عويلا وصراخا تخويفا من الدولة الدينية المزعومة، وحاولوا إقناع الناس أن الاستبداد العسكري خير لهم وانفع، مستغلين في ذلك أخطاءً حقيقية وفادحةً وقع فيها ممثلو التيار الديني بعد دخولهم البرلمان!
2-     الكتلة التصويتية الحقيقية للإخوان المسلمين ظهرت في المرحلة الأولى لانتخابات الرئاسة، وكانت في حدود 5,6 مليون ناخب، تمثل المنتمين للجماعة والمخلصين لها، الذين سيؤيدونها مهما ارتكبت من أخطاء وخطايا، أما الملايين الثمانية التي أضيفت لمرسي في جولة الإعادة وتسببت في تفوقه على منافسه ووصوله لكرسي الرئاسة فكانت من خارج المنتمين للإخوان من الكتل الثورية الأخرى ومن عموم الرافضين لعودة النظام المستبد السابق، وأغلبهم – وأنا منهم – لم يصوتوا لمرسي حبا له أو اقتناعا ببرنامجه، وإنما حرصا على التخلص من الحكم العسكري ونظامه الفاسد.
3-     لم ألحظ أي تواجد مسيحي في ميدان التحرير أثناء الاحتفال بخروج شفيق ونجاح مرسي.
4-     بدأ الإعلام نقدا مكثفا – موضوعيا وغير موضوعي – لخطاب مرسي الرسمي الأول بعد إعلان النتيجة، رغم محاولة الرئيس الواضحة لطمأنة الجميع ولم شمل الفرقاء.

كل هذه الملاحظات تستوجب من الرئيس الجديد والإخوان المسلمين أن يكونوا أكثر حنكة وذكاءً وانفتاحا على باقي القوى الوطنية، وان يبنوا قراراتهم على التوافق لا الاستقواء، كما يتوجب عليهم الوفاء بماقطعوه من وعود سياسية في الفترة السابقة على إعلان النتيجة، وان يتجنبوا الوقوع في أخطاء مثل تلك التي ارتكبوها في الشهور القليلة الفائتة، و عليهم أن يدركوا أنهم بمفردهم غير قادرين على تحقيق أي تقدم أو نجاح.

الشعب المصري غير مستعد لخيبة أمل أخرى.

السبت، 2 يونيو 2012

حانت لحظة الحقيقة - أيمن الجندي

المصري اليوم - 2/6/2012

أهم من أن تكسب الانتخابات أن تكسب نفسك! لذلك أحلم أن يراجع الإخوان المسلمين مواقفهم. لو كنتُ مكانهم لقلتُها بملء الفم: «شكرا لك يا أحمد شفيق، لأنك وضعتنى أمام حقيقتى، وأخرجت المكنون من مشاعر الناس نحوى».

كيف أصبح الفارق بين مرسى وشفيق مائتى ألف صوت فقط؟. وصلتنى خطابات كثيرة، واستمعت إلى آراء كثيرة. اختلفتْ آراء الناس واتفقتْ! لكن المُجمع عليه من الناس العاديين أن الإخوان المسلمين «مصلحجية»، يتوددون إليك إذا كانوا فى حاجة إلى صوتك! لكنهم بعدها يتجاهلونك، ويستأثرون بالمغانم لأنفسهم، ويضربون مثلا بالانتخابات البرلمانية الأخيرة، وكيف استأثر أعضاؤهم بالوظائف المرموقة!

لو كان الإخوان المسلمين يظنون أن معظم مؤيدى شفيق من الفلول، فهم فى مشكلة! لأننى أعلم يقينا أن كثيرا منهم كانوا من مؤيدى الثورة. فقط هم يخشون إذا أمسك الإخوان بكل مفاصل الحكم، أن تصبح المناصب القيادية حكرا عليهم.

هذه لحظة الحقيقة. اليوم أدرك الإخوان أنهم فى أشد الحاجة إلى أصوات الشعب المصري. فهل أدركوا أيضا أننا لسنا أداة استخدام! ولن يقبل الشعب أن يظل «مفعولا به» إلى الأبد!؟

كان انحيازهم لبعضهم البعض مقبولا على المستوى الإنسانى فى فترة المحنة! ولكن تغيرت الظروف!. إذا كان الشاعر الوثنى يقولها فى شمم: «أغشى الوغى وأعف عند المغنم»، فماذا عن أهل التوحيد المتطلعين إلى ثواب الآخرة؟

أنا لا ألومهم على أنهم ينتمون لبعضهم البعض أكثر مما ينتمون إلينا. ولكن الحب شىء والمحاباة شىء آخر. لو وقر فى قلوبنا تواضعهم، وفى عقولنا عدالتهم، لكانت نحورنا اليوم فداءهم.

وأنا استمعت إلى تعهدات الدكتور مرسى. ولكن المسألة ليست فى تعهدات يقدمونها، وإنما فى تغيير حقيقى فى طريقة تفكيرهم. أقولها بحكمة رجل شارف الخمسين، توجد لحظات فارقة فى حياة الإنسان، يُقرّ فيها أنه مخطئ، وأنه يجب أن يتغير، وأن الكون لن يُغيّر نواميسه لمجرد إرضائه، وأن الناس ليسوا أباك وأمك!.

ربّ إنسان عاش ومات دون أن يواجه نفسه مرة واحدة. لا تكونوا مثل مبارك الذى ظل لآخر لحظة يعتقد أنه الوحيد الذى على حق، وحتى اللحظة ما زال يعاند.

أعظهم، وأعظ نفسى، أن يتأملوا فى هذا الكلام مليا، وألّا يغضبوا. فالإنسان مفطور على الانحياز لنفسه والغضب لذاته والاعتقاد فى سلامة مواقفه وصحة أفكاره.

أعرف جيدا أنهم ضحايا الغرف المغلقة على خلّانٍ لهم يشاركونهم نفس المشرب! وضحايا ثقافة الحصار التى وضعهم فيها النظام السابق، وضحايا الردود النفسية الدفاعية التى حتّمت عليهم الإعلاء من قيمة أنفسهم، ولكن تبقى الحقيقة التالية: الانحياز للنفس لا ينطوى على أى بطولة، وأبسط الناس قادرون على ذلك!

أما المتعطشون إلى البطولة، المتطلعون إلى العظمة، فهم وحدهم القادرون على فتح نوافذ الحقيقة واستنشاق الهواء النقى. المرضى يهابون فتح النوافذ، ويستسهلون استنشاق الهواء الراكد. أما من يفتح الشباك، فى عنفوان العواصف، فتلك علامة الصحة المتوثبة، ودليل مؤكد على قدوم العافية.

يفوز الإخوان المسلمين أو لا يفوزون، ليست تلك هى القضية. وإنما أن يراجعوا أنفسهم، ويعترفوا بأخطائهم، فما يزيدهم الاعتذار إلا عزاً.

http://www.almasryalyoum.com/node/886051