الأحد، 1 أبريل 2012

د.محمد يسري سلامة يكتب: قنبلة الإخوان

الدستور الأصلي

دعونا نفترض بدايةً صدق جميع ما جاء في كلام الإخوان: أنهم قدموا خيرت الشاطر مرشحًا رئاسيًا ردًّا على تحجيم البرلمان وسلطاته، وعلى التهديد بحلِّه والتلويح ببطلانه، وعرقلة اللجنة التأسيسية وتعثرها المتعمد، وترشح بعض (الفلول) للمنصب، بما ينذر بإعادة إنتاج النظام (القديم).

وأما تحجيم البرلمان وصلاحياته فهذا لا يكون الرد عليه عبر ترشيح أحدهم للرئاسة، بل يكون عبر البرلمان نفسه، كأن يتقدم نوابهم باستقالةٍ جماعيةٍ مثلاً، أو تعليق لأنشطة البرلمان، أو غير ذلك من أشكال الاحتجاج التي لم نر شيئًا منها في مواجهة العسكري، سوى بيانٍ سابقٍ من الإخوان -وليس من البرلمان- يطالب بإقالة حكومة الجنزوري ليقوموا هم بتشكيل الحكومة من جديد. ثم إن صلاحيات البرلمان وسلطاته محددة في الإعلان الدستوري الذي أيدوه ودعموه وحشدوا الناس من أجله، ثم عادوا للشكوى منه والتذمر. هذه واحدة، أما الثانية فإذا كنتم قد اتفقتم مع العسكري على قانون الانتخابات البرلمانية، ثم اتضح بعد ذلك أنه غير دستوري؛ فمن المعروف أن القانون لا يحمي المغفلين، وأن المرء لا ينبغي أن يلوم أحدًا على أنه نصب له فخًّا ثم وقع هو فيه من دون أن يدري. وأما تعثر اللجنة التأسيسية وعرقلة عملها مع حرصهم على التوافق كما ذكروا، فلماذا لم نر هذا الحرص منذ البداية في تشكيل اللجنة؟ ولماذا أعرضتم عن اختيار العناصر المناسبة لمثل هذا العمل؟ ومن المعروف أيضًا أن الداء ليس أبدا بدواء، فإذا كنتم قد اتُّهمتم من أطراف كثيرة بمحاولة السيطرة والاستحواذ على كتابة الدستور، فكيف تداوون ذلك بمحاولة السيطرة والاستحواذ على منصب الرئاسة نفسه، مع ما سيثيره ذلك من مضاعفة مشاعر العداء والخصومة تجاهكم؟ وأما الرابعة فإذا كان قد أزعجكم ما تردد من ترشح عمر سليمان أو غيره للرئاسة، إن كان هذا صحيحًا، فمن المعلوم أن الوعود التي تُعطى في الغرف المغلقة لا قيمة لها مع الأسف في عالم السياسة، فإن كان أحدهم قد وعدكم بأن هذا الأمر لم يحدث ثم حدث، أو سيحدث، فهذا لا يعني أحدًا في شيء لأن أحدًا لم يكن موجودًا معكم في الغرف المغلقة من الأساس. ثم إنكم لم تخبرونا عن كيفية منع هؤلاء من الترشح، في ظل قانون العزل السياسي المعيب والقاصر الذي تم تمريره على مرأى منكم ومسمع من دون أن تحركوا ساكنًا، أو شارعًا، ثم لم يطبق مرةً واحدةً لمجرد ذر الرماد في العيون على ما فيه من عيب وقصور؟

إن شعبية الإخوان بين الأوساط التي يعتمد عليها الإخوان هي اليوم في أدنى مستوياتها لأسبابٍ شتى، منها الأداء السيء للبرلمان وفشله في تقديم شيءٍ يُذكر (هذا بالنسبة إلى جمهور الشعب)، ومنها الانبطاح المستمر أمام النظام وتقديم العون له في مواقف كثيرة (وهذا بالنسبة إلى الثوار)، ومنها رواج الانطباع العام بأنهم مجرد طامعين وطالبي سلطة (وهذا بالنسبة إلى جموع غفيرة من الشعب أيضًا)، ومنها أن كثيرًا من عناصر الوطني (سابقا) التي تحلَّقت حول الإخوان أثناء الانتخابات أدركت أن النظام لم يغير نظرته تجاههم وتشككه فيهم، وعليه فإن المستقبل قد لا يكون لهم، وعليه فإن عليهم البحث عن بدائل وطرقٍ أخرى (وهذا ما حذرناكم منه من قبل). فإذا كنتم تعلمون هذه الأشياء، وتدركون مسبقًا أن مرشحكم لن ينجح ومع ذلك ترشحونه فهذا يشكك في مصداقيتكم لصالح النظرية الأخرى التي تقضي بأن الغرض من هذا كله هو تفتيت الأصوات وإضعاف فرصة مرشحين آخرين وعلى رأسهم حازم أبو إسماعيل وأبو الفتوح. وإذا كنتم لا تدركون ذلك وتظنون أن تجربة الانتخابات البرلمانية ستتكرر بنفس الزخم بمساعدة بعض قيادات السلفيين -التي فقدت الكثير من وزنها ومصداقيتها أيضًا- فأنتم واهمون جدا أو متورطون جدا بحيث لا يمكنكم أن تروا الحقائق كما هي. وإذا كنتم تريدون اصطفاف الناس وراءكم من أجل مواجهة العسكري وإنجاح (الثورة) كما تقولون فلن يكون هذا سهلا ميسورا، لأننا لم نعهد منكم مواجهته من قبل، ولأنكم أضعفتم الثورة التي تقولون أنكم تريدون إنقاذها بمواقفكم واختياراتكم المعروفة. ثم إن هذا لا يكون بمنطق: (إما أنا أو العسكر)، وكأنه لا يوجد طريق ثالث ورابع، ولأن العسكر سيردون عليكم بمنطقكم نفسه: (إما نحن أو الإخوان)، وهذا المنطق الأخير سيلاقي رواجًا وقبولاً لدي جماهير غفيرة، وتكونون بذلك قد أسديتم خدمةً جليلةً لمرشحٍ آخر قد يكون موجودًا بالفعل، وقد يظهر عما قريب.

أقول إنني أفترض فيما سبق كله صدق النية وحُسن الطوية، وأن هذا صدامٌ حقيقي بين الإخوان والعسكري، أو ضغطٌ من الإخوان على العسكري، ومع هذا فالإخوان يتعاملون بصفتهم الممثل الشرعي والوحيد للشعب المصري بأكمله، ولسان حالهم يقول: إذا كان صدامٌ فأنا الذي أصطدم ولا أحد سواي، وإذا كان ضغطٌ فأنا الذي أضغط، وما عليكم سوى الوقوف معي في ذلك، وإذا حان وقت المقايضة والمساومة فأنا الذي أقايض وأساوم وأعظِّم مكاسبي أو أحافظ عليها، وإذا قلت إن طريق التغيير هو البرلمان وليس الثورة فالأمر كذلك، وإذا قلت إن طريق البرلمان مسدود ووصولي للرئاسة هو الحل فالأمر كذلك أيضًا، وإذا قلت إن العسكري حسنٌ فهو حسن، وإذا قلت إنه عكس ذلك كان كذلك. وهو نمطٌ من التفكير ليس مقبولاً ولا مهضومًا. كما إنهم يدعون الجميع إلى تجاوز الخلافات العميقة التي تسببوا فيها من أجل المصلحة العليا للبلاد كما يرونها، ومن أجل نجاح الثورة كما يفهمونها، بينما هم ليسوا مستعدين للتغاضي عن الخلافات الصغيرة بينهم وبين أبو الفتوح على سبيل المثال من أجل كبرياء الجماعة أو نظامها ولا شيء غير ذلك.

دعونا نترك كل ما سبق على أنه أمرٌ واقعٌ من الصعب تغييره على الأقلّ في اللحظة الراهنة، لنقول إن الموقف الآن بالنسبة للإخوان يعد أخطر بكثيرٍ مما مضى، وأن موقفهم هذا وإن كان لا يخلو من المؤاخذات السالف ذكرها فليس أسوأ منه سوى موقف كثيرٍ من القوى السياسية التي تسارع للاصطفاف مع العسكري على حساب أي شيءٍ وكل شيء، فلا ينبغي لنا أن نتعجل ونستبق الأحداث، وإنا لمنتظرون، لا علينا إلا ذلك.

هذا ما يتعلق بالإخوان، وأما السلفيون فموقفهم أكثر صعوبةً وتعقيدًا، وللحديث بقية.


http://dostorasly.com//news/view.aspx?cdate=01042012&id=6fa0b506-6458-4bfa-ae26-1c208bdce3d3

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق