السبت، 19 مارس 2011

موجز قبيل الاستفتاء - أيمن زعقوق

اكتب هذه السطور قبل أقل من ساعتين على فتح باب الاستفتاء على التعديلات المقترحة في دستور 71، وبعد أيام من القراءة و الاستماع الكثيفين. اكتب كمواطن غير متخصص في الشؤون السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو التاريخية، اكتب كشخص عادي شاهد وسمع في الإعلام، و لاحظ في المجتمع. بعد التفكير و الاستخارة قررت أن أختار خانة "غير موافق"...سأقول "لا" بشكل قاطع و نهائي. ولقد وددت أن اعرض مبررات هذا الاختيار علّ ذلك يساعد البعض في حسم موقفهم رفضا أو تأييدا. 

 أولا: الخوف ليس من استعداد الإخوان المسلمين لخوض الانتخابات أكثر من باقي القوى السياسية. فالإخوان – رغم رفضي لتوجهاتهم و أساليبهم النفعية – دفعوا ثمنا باهظا على مدار ثمانين عاما من الممارسة السياسية المحترفة و الصلبة، لتكوين تربة جماهيرية خصبة تمكنهم من قطف ثمرة الديمقراطية حال نضوجها. فهم إذن يحصلون حقهم الذي عملوا له بكد و اجتهاد ولا يغتصبون حقوق القوى السياسية الأخرى التي تنازلت – مختارةً غالبا و مجبرة نادرا – عن هذه الحقوق في صفقات رخيصة تلبي المطامع الفردية لرؤوس هذه القوى و تجمل صورة النظام المستبد، فخانت أتباعها و فقدت مصداقيتها. ثم إن تأجيل الانتخابات البرلمانية كما سيعطي للقوى الليبرالية فرصة لتنظيم صفوفها و بلورة اتجاهاتها؛ سيمنح التيارات الدينية الأكثر تشددا فرصة هي الأخرى لتكوين أحزاب متطرفة سيكون لها بلا شك تواجد اكبر مما هو متوقع إذا ما أجريت الانتخابات البرلمانية في المدى القريب.

 ثانيا: أرفض التعديلات بسبب وجود عناصر من الحزب الوطني كانوا أعضاءً سابقين في برلمانات التزوير، لا يزالون يتمتعون بشعبية حقيقية بين مواطني دوائرهم، بنوها – كذبا – بميزانية دافعي الضرائب التي استخدموها بغير حق في تقديم خدمات تافهة و قصيرة الأمد لدوائرهم. واستغلوا حاجة المواطن و فقره ومعاناته وعدم قدرته على التمييز بين وظيفة عضو المجلس المحلي و وظيفة نائب البرلمان الذي يفترض أن يراقب أداء الحكومة و يحاسبها و يسن التشريعات ويعمل لصالح الوطن ككل. هؤلاء "الحزب-وطنيون" قادرون على خوض الانتخابات التشريعية و الفوز بمقاعدهم مرة أخرى في البرلمان. و الرد القائل بأنهم – إن نجحوا – سيكونون قلة لا وزن لها مردود عليه بأنهم قد يكونون قليلين عدديا في البرلمان القادم، لكننا يجب ألا ننسى أن لهم أعوانا كثرا في المحليات و في الجهاز الإداري للدولة سيساعدونهم في تلميع صورهم و ترميم القاعدة الشعبية لكيانهم السياسي الذي سيبزغ مجددا بالتأكيد تحت اسم غير "الحزب الوطني الديمقراطي"، وهذه الميزة يفتقدها باقي ممثلو القوى السياسية، مما يعطيهم الفرصة لزيادة عددهم في البرلمانات اللاحقة.

 ثالثا: أرفض التعديلات الدستورية بسبب نقص الوعي السياسي عند الكثيرين. فلا يختلف اثنان أن عموم الشعب المصري تعرض لعملية "تجهيل" متعمد طيلة العقود المنصرمة، الهدف منها كان وأد أي وعي سياسي يمكن أن يشكل تهديدا للنظام، وهي العملية التي نجحت إلى حد كبير في خلق قطاع من المواطنين "جاهل" و "سطحي" يسمع أكثر مما يقرأ، وفي الحالتين لا يستطيع نقد ما يتلقاه، وبالتالي يتخذ قراره رفضا أو تأييدا لموقف شخصية عامة أو مجموعة سياسية (مثلا من يؤيدون لأن الإخوان أيدوا، و على النقيض من يرفضون لأن الإخوان أيدوا أيضا!!)؛ بل إن هذا المواطن قد يتنصل من مسؤوليته برفض المشاركة من الأصل. لذلك فإن مزيدا من الوقت يلزم "لإعادة تأهيل الجماهير" و تدريبها على اتخاذ القرار، وهو ما أظن انه بدأ بالفعل في خطوة الاستفتاء على التعديلات الدستورية. فإجراء الانتخابات البرلمانية المتعجلة سيتم على أساس من الاختيار الحر الديمقراطي الخاطئ!!، بالتالي سينتج برلمانا مشوها و مشوشا لا يؤدي المهام المنوطة به في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الوطن. و يكفي للتدليل على ذلك أن شخصا كأحمد فتحي سرور الذي هو أحد أعمدة النظام الدكتاتوري السابق لا يزال أقوى المرشحين للنجاح في دائرته التاريخية "السيدة زينب" (والتي أقطن بها بالمناسبة) نظرا لشعبيته و علاقاته الوثيقة بكبار التجار و رجال الحي الذين يطوق رقابهم جميعا بخدماته و مساعداته و توصياته! أضف إلى ذلك أن أهالي الدائرة حتى الآن لا يرون من هو أجدر منه بتمثيلهم داخل البرلمان، كما يرون انه أعطى "تفوقا و زعامة" نسبية لدائرتهم على باقي دوائر البرلمان بترؤسه البرلمان لأطول فترة في تاريخه.

 رابعا: أرفض التعديلات الدستورية حتى لا يتولى أمرنا رئيس بسلطات دستور 71 الإلهية، والتي تكسبه القدرة على ممارسة الضغوط على البرلمان و بالتالي على اللجنة التأسيسية للدستور، وقد يرد البعض على هذه النقطة بما يلي:
1. إن اللجنة التأسيسية لوضع دستور جديد ستكون قد شُكِلتْ قبل انتخاب الرئيس، و هو قول مردود عليه بأنها ستكون قد شُكِلتْ لكنها لن تكون قد أنهت عملها؛ وكما هو معلوم فإن للرئيس – وفقا لدستور 71 – سلطة حل البرلمان و الدعوة إلى انتخابات برلمانية جديدة، وهو ما يدفعنا للتساؤل: ماذا لو استخدم الرئيس هذه الصلاحية إذا لم توافق مسودة الدستور الجديد هواه؟ و ما هو وضع اللجنة التأسيسية التي شكلها المجلس المنحل؟ وكما يقول المثل الشعبي "أدور على ابني ليه و هو على حِجْرِي؟!"
2. الرئيس الجديد سيأخذ في حسبانه الرقابة الشعبية، و ميدان التحرير موجود، وهو قول مردود عليه بأن خداع الجماهير و إفزاعها بدعاوى الفوضى و الانهيار الاقتصادي سيساعد الجالس على الكرسي في تمرير طلباته و تعديل الدستور الجديد وفقا لأطماعه بحجة أن مصر دولة مركزية وتحتاج في الفترة الراهنة إلى رئيس قوي أكثر من احتياجها لنظام برلماني قوي. أضف إلى ذلك أن هذه الحجة كارثية إن وقعت فعلا، فالاقتصاد المصري لن يتحمل أسبوعين آخرين في ميدان التحرير على غرار ما جرى من 25 يناير إلى 11 فبراير 2011، أضف إلى ذلك أن اغلب الشعب المصري لن يرحب بتعطيل الحياة و فقدان الأمن كما حدث، وبالتالي لن تكون رقابة ميدان التحرير على الرئيس مدعومة شعبيا، وهو ما يعطي للرئيس الجديد تفوقا على الشعب.
3. الرئيس الجديد سينتخب وفقا لاختيار حر نزيه، وسيكون شخصية محترمة يثق الشعب في زهدها في المنصب و صلاحياته، وبالتالي لن يقف عائقا أمام إرادة المصريين و حريتهم. و هذا القول مردود عليه بأنه إذا لم يكن لمرشح الرئاسة أطماع في المنصب فلم رشح نفسه من الأساس؟ ثم إننا يجب ألا ننسى كيف يغير كرسي الحكم و صلاحياته الواسعة الشخص الجالس فوقه، ولن تجد دكتاتورا واحدا لم يبدأ حكمه بقوله إنه "خادم للأمة يحكم لفترة وجيزة ولن يرشح نفسه لمدد أخرى و أن الكفن مالوش جيوب!!" و لا أدل على ذلك مما قاله شخص محترم مثل "محمد البرادعي" بأن السلطات المطلقة في دستور 71 كفيلة أن تحول أي رئيس إلى دكتاتور و إن كان ملاكا! فلماذا إذن يضع المصريون مصيرهم طواعية "تحت ضرس" أي شخص وهو في أيديهم؟

 خامسا: أرفض التعديلات الدستورية لأن في رفضها استقرار اقتصادي و أمني أسرع. فالبدء في وضع دستور جديد دون تأخير يأتي بحكومة وبرلمان مستقرين يطمئن إليهما رأس المال خير من وجود برلمان مؤقت و رئيس مؤقت و حكومة مؤقتة لا يدرك المستثمر إن كان تغييرها سيغير اتجاه الدولة نحو استثماراته و مشاريعه. كما أن بناء نظام ديمقراطي مستقر يضمن حرية التعبير و تداول السلطة والعدالة الاجتماعية سيقلل الاحتقان المجتمعي و بالتالي سيقلل العنف بكل أشكاله.

 سادسا: ليس صحيحا أن "نعم" ستمنع استبعاد المادة الثانية من الدستور كما يردد المستغلون ومن ورائهم التافهون من أتباع التيارات الدينية التي تتلاعب بعواطف الناس و معتقداتهم، فتغيير الدستور قادم لا محالة إن قلنا نعم و إن قلنا لا، و المجتمع لابد سيتعرض لهذا الجدل الآن أو بعد حين لأن التعديلات الدستورية محل الجدال تلزم البرلمان المنتخب بوضع دستور جديد، وهو أمر لا خيار فيه. لذلك لابد من مواجهة هذا الجدل بالحكمة و الحجة والإقناع دون خوف أو تردد أو تأجيل كما كان يفعل النظام السابق بتجاهل المشكلات الملحة ودفن الرؤوس في الرمال.

 سابعا: سأقول لا للتعديلات الدستورية و أنا اعلم أن الجيش لن يستمر في حكم مصر لأن العالم كله يرفض حكم العسكر، كما أن ظروف ثورة يناير مختلفة عن ظروف ثورة يوليو. وإذا استعجل الجيش العودة إلى ثكناته فليسلم السلطة لمجلس رئاسي مدني يطمئن له عموم الشعب.

لكل ذلك قررت أن اختار "لا أوافق" على التعديلات الدستورية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق