الأربعاء، 23 مارس 2011

تهديدات للديمقراطية الإسرائيلية - ليتي كوتين بوجريبين

8/3/2011

المهزلة مؤلمة بقدر ما هي واضحة: في الوقت الذي تنتشر فيه الديمقراطية في العالم العربي فإنها تنكمش في إسرائيل "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط!"
عندما كنت في القدس الشهر الماضي، كان اغلب الإسرائيليين اليهود، لأسباب مفهومة، موجهين أنظارهم كأشعة الليزر إلى ميدان التحرير. كانوا قلقين عما سيحصل إذا لم يحترم قادة مصر الشباب اتفاقية السادات-بيجين للسلام الموقعة في 1979؛ كيف ستكون علاقة الحكومة المصرية الجديدة مع حماس؟ هل ستتسيب الحدود بين غزة وسيناء؟ هل ستتقد شعلة الحرية في شوارع إيران أو الأردن أو سوريا أو لبنان أو الضفة الغربية؟
وبغض النظر عن واقعية هذه المخاوف، فإن التهديدات الخارجية المحتملة لإسرائيل يجب ألا تحجب رؤية التهديدات الداخلية. و يتوجب على اليهود الأمريكيين صرف مزيد من الانتباه لمحاولات الجناح اليميني والقوى الدينية المتطرفة كبت حرية التعبير و تقييد المجتمع المدني.
وقد نجت الديمقراطية بصعوبة في 21 فبراير حين أعطى رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو الضوء الأخضر لممثلي حزب الليكود في الكنيست ليصوتوا كما يحلوا لهم على اقتراحين مكارثيين سيؤديان إلى تشكيل لجنة استجواب تتقصى نشاطات و تمويل منظمات حقوق الإنسان و الحريات المدنية الإسرائيلية.
لكن الحكومة الإسرائيلية أقرت بالفعل قانونا يلزم المواطنين الجدد بالتعهد بالولاء لدولة إسرائيل كدولة "يهودية ديمقراطية". و في الواقع تهدد الشرطة الصحفيين و تتحرش بالمتظاهرين وتلقي القبض على الناس بدون سبب، كما قامت أجهزة الدولة باستدعاء الناشطين السياسيين لتحذيرهم. يضاف إلى ذلك مجموعة من المبادرات القمعية التي سترى النور من خلال تشريعات يعدها الكنيست. وللأسف فإن استطلاعات الرأي العام تبين أن الكثير من هذه الانتهاكات للديمقراطية تحظى بموافقة الأغلبية (حينما طُلب من الإسرائيليين اليهود ترتيب القيم الثلاث وفق أولوياتهم: الحرية، السلام، بقاء الأغلبية في إسرائيل يهودية؛ اختار معظمهم البند الثالث).
يقول أستاذ القانون بالجامعة العبرية موردخاي كريمنتزر أن مجموعتيه (معهد ديمقراطية إسرائيل ورابطة الحقوق المدنية في إسرائيل) تتابعان بقلق مشروعات القوانين التالية:
 مشروع القانون الأول سيسمح للكنيست (الذي يحكم السيطرة الآن عليه الأحزاب الدينية واليمينية) أن ينقض قرارات محكمة إسرائيل العليا (والتي تدخلت مرتين في 2010 لتضمن حرية التظاهر للمعترضين من جانبي الطيف السياسي).
 مشروع آخر سيعطي الحق للتجمعات السكانية المكونة من مائتي ساكن أو اقل برفض التأجير أو البيع لأي شخص "لا يلائمهم"، و هو ما يعتبر على ارض الواقع رخصة للتمييز ضد المواطنين من عرب إسرائيل و اليهود العلمانيين و الشواذ و الأمهات العزباوات و أي شخص لا يعتبرونه صهيونيا، و أي شخص آخر لا يروق لهم. (بحسب الأستاذ كريمنتزر، تقدم ابراهام فوكسمان مدير التحالف الوطني ضد تشويه السمعة بالتماسين شخصيين ضد هذا المشروع إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي رفض مهاجمة المشروع على الملأ).
 مشروع مثير للجدل سيسمح للجامعات بفصل الأساتذة الذين يعارضون تعريف إسرائيل على أنها "دولة يهودية"، كما يسمح بمعاقبة من يدعم مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، حتى و إن كان يقصد مقاطعة منتجات المستوطنات فقط.
لا يكمن الخطر في القضاء على الانتخابات الحرة في إسرائيل، لكنه يتمثل في استغلال الوسائل الديمقراطية لتجسيد الممارسات المناهضة للديمقراطية. وعلى الرغم من أن كل الديمقراطيات معرضة للمخاطر، إلا أن هناك عدة تطورات ساهمت في فورة النشاط اليميني في إسرائيل. بعد خطاب نتنياهو في جامعة بار إيلان عام 2009، اعتبره الكثيرون خائنا لفكر الليكود القومي المتصلب لأنه أعلن لأول مرة دعمه لحل الدولتين.
ويعتبر جلّ الإسرائيليين أن إسرائيل تعرضت للغدر بصدور تقرير جولدستون عن الأمم المتحدة المدين لسلوك إسرائيل خلال حربها على قطاع غزة 2008/2009؛ و كذلك بتنامي حركة المقاطعة و سحب الاستثمارات و فرض العقوبات، والتي تهدف إلى نبذ إسرائيل على غرار جنوب إفريقيا قبل نيلسون مانديلا، ويستشهدون بهما بشكل متكرر عند تبرير الإجراءات لقانونية المتخذة ضد جماعات حقوق الإنسان و الجماعات غير الحكومية الأخرى و التي تمول مشاريعا تنتقد المجتمع الإسرائيلي. ليس مصادفة أن العاصفة الكاملة التي أثارها تقرير جولدستون و حركة المقاطعة قد رفعت من الجاذبية الشعبية لوزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان، أستاذ كره الأجانب والخطابة المعادية للعرب. وعلى الرغم من انه يتسبب في إحراج حكومته بشكل متكرر، إلا أن دعمه شعبيا لم يزل ينتشر و يقوى. و يرى النقاد المخضرمون انه سيحظى بفرصة طيبة ليصبح رئيس الوزراء الإسرائيلي القادم إن بُرئتْ ساحته من تهم الفساد.
وقد صاحب كل ذلك ظهور المزيج المتقلب من النقد الدولي التي ينظر إليه على أنه شكل من أشكال معاداة السامية أو ما يسمى "حملة نزع الشرعية عن الدولة اليهودية"، مما أثار الذعر الإسرائيلي و غذى عقلية الحصار التي تقتات على الوطنية المفرطة.
وحين لا تكون ورقة "امن إسرائيل" رابحة في مواجهة الديمقراطية، فإن ورقة "الدين" ستفي بالمطلوب. فقد حرّم بعد حاخامات إسرائيل على اليهود تأجير ممتلكاتهم لغير اليهود. و يواصل رئيس الحاخامية إعاقة التحولات المجتمعية المحتملة مستندا إلى المعايير الدينية المتشددة، مما يخلق مشكلة لمئات الألوف من الروس الذين يودون الانضمام إلى المجتمع اليهودي.
ومن بين عشرات الإحصائيات التي انهالت على مجموعتنا الدراسية المنبثقة من "أمريكيون من أجل السلام الآن"، لا يزال الرقم 40 يلح على تفكيري: أربعون في المائة من الإسرائيليين يعتبرون من اليمينيين أو يمينيي الوسط. أربعون في المائة من الضباط في جيش الدفاع الإسرائيلي من اليهود المتعصبين (الأرثوذكس). أربعون من أصل 120 عضو بالكنيست هم إما حاخامات أو جنرالات سابقون. وهذه الأرقام (المتزايدة غير المتناقصة) لا تبشر بالمبادئ المنصوص عليها في إعلان استقلال إسرائيل الذي أسس لدولة ديمقراطية يهودية "تدعم المساواة الكاملة اجتماعيا وسياسيا لكل مواطنيها، دون تمييز ضد عرق أو عقيدة أو جنس؛ و تضمن الحرية الكاملة للضمير و العبادة و التعليم و الثقافة".
وهناك إحصائية أخيرة تدق نواقيس الخطر: ثمانون بالمائة من الفلسطينيين و الإسرائيليين لم يعرفوا من قبل سوى الاحتلال. 44 سنة من القهر الإسرائيلي تطل على الفلسطينيين: نقاط تفتيش و قانون عسكري و إلغاء سياسي و إذلال مستمر و حرمان اقتصادي. بالنسبة للإسرائيليين يبدو الثمن أقل وضوحا لكنه لا يقل فداحة: بوصلة أخلاقية مختلة، تردٍ للسلوك المدني، وخيانة لمثل الأمة الديمقراطية.
لقد تأخر الوقت لاعتبار حقوق الفرد أولوية مُلِحةً مثل الأمن القومي، كما تأخرت الحكومة في إنقاذ مؤسسات إسرائيل الديمقراطية بنفس الحماس الذي تحمي به حدودها.
ليتي كوتين بوجريبين
معلق على الشئون الإسرائيلية، مؤسسة و رئيسة تحرير مجلة "ميس"، مؤلفة لتسعة كتب منها "ديبورا، جولدا، وأنا: أن تكون أنثى ويهودية في أمريكا". الرئيسة السابقة لمنظمة "أمريكيون من أجل السلام الآن".

هذا المقال مأخوذ مترجم عن موقع "ذا جيويش ويك"، على الرابط التالي:
http://www.thejewishweek.com/editorial_opinion/opinion/threats_israeli_democracy

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق