السبت، 20 أكتوبر 2012

قميص عثمان - نجاد البرعي

المصري اليوم 19/10/2012

يحيى الرفاعى وأحمد مكى قاضيان ذاع صيتهما عندما نظما مؤتمر العدالة الأول فى ثمانينيات القرن الماضى، صدعا بكلمات الحق الطيبات فى وجه الرئيس مبارك، العدل أساس الملك، لا يقوم عليه إلا قضاء مستقل. سلسلة متصلة من القضاة العظام لا تبدأ بـ«ممتاز نصار»، ولم تقف عند «وجدى عبدالصمد». مع «يحيى الرفاعى» و«أحمد مكى» خرجت مجموعة من أفضل القضاة وأنبلهم: زكريا عبدالعزيز، حسام الغريانى، ناجى دربالة، محمود مكى، هشام البسطويسى، يحيى جلال، محمود الخضيرى، زغلول البلشى، هشام جنينة، وغيرهم مئات صدقوا ما عاهدوا الله عليه، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا. مدرسة الرفاعى - مكى ربطت النضال من أجل استقلال القضاء بالنضال من أجل الحرية والديمقراطية، قضيتهم قضية وطن يعانى من الفساد والاستبداد، استقلال القضاء يظل منقوصاً ما ظل المستبدون فى الحكم.

لم يسقط الاستبداد فى يناير ٢٠١١، بدأسقوطه يوم أصدرت دائرة المستشار حسام الغريانى ومعه المستشارون عبدالرحمن هيكل وناجى دربالة وهشام البسطويسى ومحمود مكى فى مايو ٢٠٠٣ حكماً ببطلان انتخابات مجلس الشعب بدائرة الزيتون، الفائز هو السيد زكريا عزمى، رفضوا تدخل رئيس محكمة النقض فى قرارهم دفاعاً عن استقلال القضاء. تضعضعت أركان النظام المستبد فى مايو ٢٠٠٥ عندما وقف أحمد مكى وزكريا عبدالعزيز وحسام الغريانى والمئات من شيوخ القضاة وشبابهم على درج دار القضاء العالى مرتدين أوسمتهم، يلفهم علم ضخم لمصر، بلغ طوله ثلاثين مترا، لم يكونوا يطالبون باستقلال القضاء فحسب ولكن بالحرية والديمقراطية للمصريين كلهم. لم يكن طريقهم مفروشاً بالورود، دفعوا ثمناً لمواقفهم يوم كان غيرهم يلتقط الفتات من يد الجلاد. فى إبريل ٢٠٠٦، أحيل محمود مكى وهشام البسطويسى إلى لجنة الصلاحية تمهيدا لفصلهما، وبعدهما أحيل حسام الغريانى ويحيى جلال وعاصم عبدالجبار وناجى دربالة إلى التحقيق عقاباً لهم على مطالبتهم باستقلال القضاء.

لا يمكن لمن أفنوا زهرة شبابهم دفاعا عن استقلال القضاء أن يكونوا أعوانا للسلطة فى النيل من هذا الاستقلال. الرجال الذين رفضوا عطايا الرئيس مبارك وقت أن كان يعطى بسخاء للتفريط فى استقلال القضاء، لن يقبلوا وهم شيوخ عطايا غيره. ليست مشكلة أحمد مكى أنه خان استقلال القضاء، مشكلته أنه قرر أن يحارب الفساد، اختار يحيى جلال للكسب غير المشروع، وجاء بهشام جنينة للجهاز المركزى للمحاسبات. يوم الحساب اقترب، وأى حصانة ما عادت كافية لحماية الفاسدين. إخوة «يوسف» جاءوا على قميصه بدم كذب علّهم يفلتون بجرائمهم.. ستكون غلطة لن تغتفر لو اعتبر بعضنا الهجوم على «مكى» ورفاقه هجوماً على الإخوان المسلمين ونيلاً من حكمهم، ليسوا سواء. لا تقدموا للفساد فرصة كى يفلت بجرائمه، لو كان لدينا قضاء مستقل ونزيه، حقيقة ما ظهر الفساد فى البر والبحر. الفساد هو المعركة، واستقلال القضاء هو فقط قميص عثمان.

http://today.almasryalyoum.com/article2.aspx?ArticleID=357386&IssueID=2659

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق