الجمعة، 9 مارس 2012

أمومة بلا ثدي! - أيمن زعقوق


حزّ في نفسي –بعد ما يزيد عن عام على ثورة يناير- أن أسمع من أحد أقرب أصدقائي –يعمل ويعيش في أوروبا – رأيا مفاده أن المصريين شعب جبان ومستكين. ولن ادخل في جدال حول هذه النقطة ولكني أتمنى أن اعرف كيف يؤمن بهذه الفكرة في ضوء ما يلي:

يقدر عدد المصريين الذين شاركوا في فعاليات الثورة خلال الثمانية عشر يوما بحوالي 12-17 مليون مواطن تقريبا، كلهم طبعا من المقيمين بمصر، ويزيد هذا العدد أضعافا إذا أضفنا عدد من لم يشاركوا في التظاهر ولكن ساهموا في اللجان الشعبية التي شُكلت لحماية البيوت و الممتلكات بعد انسحاب الشرطة. قارن هذه النسبة (عدد المصريين الكلي حوالي 85 مليون) بحركة الحقوق المدنية في أمريكا التي قلبت المجتمع الأمريكي رأسا على عقب بعد أن شارك بها 250 ألف من أصل ما يربو عن 200 مليون أمريكي، ثم اجبني أما زلت ترى أن اغلبنا كمصريين ينطبق عليه الجبن والاستكانة؟

يقترب عدد المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر (وليس كل الفقراء) من حوالي نصف التعداد الكلي، اغلب هؤلاء يعملون باليومية، أي أن اليوم الذي لا عمل فيه لا أكل فيه..ليس له فقط بل لزوجته  و أطفاله. السؤال: ماذا كنتُ افعل أنا (و أنا طبيب و مدرس بالجامعة) أيام الثورة؟ انزل اللجان الشعبية (مثل الغالبية الساحقة للرجال) و أشارك في المليونيات؟ اعمل بضع ساعات بمستشفً ميداني؟ استنشق بعض الغاز؟ ألتقط بعض الصور لأضعها على الفيسبوك إثباتا لمشاركتي؟!..متى؟ أيام أجازاتي..! هل تركتُ عيادة أو نوبتجية للنزول للتحرير؟ ..أبدا!! رغم أن مرتبي سارٍ ولن تكون خسارتي المادية شيئا يُذكر إن تخليت عن العمل بضع مرات!

طيب، وماذا فعل المصريون بالخارج ومنهم أخي الطبيب بأمريكا؟ كانوا قلقين..لا أحد ينكر، دعوا لمصر..لا أحد ينكر..ولكن هل يعطيهم هذا ميزة على المصريين المقيمين في مصر؟ هل مات احدهم في مظاهرة أو أصيب باعتداء غاشم؟ هل فكر احدهم (واغلبهم مرتاحين ماديا بل ولديهم وظائف محترمة في مصر) أن يترك عمله ويعود لمشاركة مواطنيه في قول "لا" للسلطان الجائر؟ بلاش..هل فكر احدهم في أن يقضي عطلته السنوية بالكامل في مصر للمشاركة في الأحداث، بدلا من التنقل بين دول الخارج وضخ الأموال في اقتصاد هذه الدول المرتاحة أصلا؟
كانوا بالخارج يؤمنون مستقبل أولادهم المادي وملايين الفقراء من المصريين بالداخل يؤمنون لهم مستقبل أولادهم الإنساني و السياسي!! ثم ماذا؟ نصمهم بالجبن والاستكانة! 

سؤال آخر لصديقي هذا ومن يحذو حذوه: وماذا قدمت أنت ليصبح هذا الوطن أفضل؟ أجهدت أحبالك الصوتية في كفاحك الحنجوري؟ أرهقت أصابعك الرقيقة في النضال الكمبيوتري؟ آلمك ظهرك و رقبتك قليلا وأنت جالس أمام شاشة التلفزيون أو الكمبيوتر تتابع الأحداث وتشاهد تحليلات الاستديوهات المكيفة؟؟ هل نمت في فراش غير دافئ؟ هل بِتّ بمعدة خاوية (غير الرجيم طبعا)؟ هل طلب منك طفلك شيئا وقلت له لا استطيع؟ هل فرغ حسابك البنكي يوما؟ ثم كيف كان نضالك قبل الثورة وما هي خسائرك الفادحة طيلة "تاريخك النضالي" المشرف؟؟

كم طبيبا و محاميا و مهندسا مات أو أصيب في أحداث الثورة و ما تلاها؟ عشرة بالمائة مثلا؟ عشرون بالمائة؟ ثلاثون؟ والباقي: من تصفهم بالجبن والاستكانة : شباب فقراء غير أو نصف متعلمين لا يملكون كمبيوترا ولا حسابا على الفيسبوك أو تويتر، سمعت احدهم بأذني هاتين أيام أحداث محمد محمود يقول لي انتم المتعلمون لا تتقدموا..دعونا نحن نخاطر وابقوا انتم لأنكم ستبنون مصر! ثم يخرج مجاهد حنجوري فيسبوكي عظيم ليعلمهم كيف تكون الشجاعة؟!! ياللعجب!

هذا حقا ما يسمى في المثل الشعبي "أمومة بلا ثدي"!!

هناك تعليق واحد:

  1. دعونا نحن نخاطر و ابقوا انتم لانكم ستبنون مصر .....والله لقد ابكتنى هذه الكلمات .......كم أشتاق لك أيها الميدان ........أحمد يوسف

    ردحذف