الاثنين، 5 ديسمبر 2011

عاش الناخب المصرى.. رؤية فى نتائج المرحلة الأولى - خالد البري

اعتقدت أن الأحزاب الإسلامجية ستحصل مجتمعة على ٤٠ فى المئة من الأصوات، بينما تتقاسم الستين فى المئة الأخرى أحزاب الديكور القديمة والأحزاب الجديدة من جهة، والفلول فى المقاعد الفردية أو القوائم من جهة ثانية. خطأ. الناخب المصرى أثبت أنه أكثر وعيا منى، وأسقط الفلول إسقاطا فى الجولة الأولى من الانتخابات. وأعلن باختياره الحر تبرؤه من النظام القديم.

لكنه فى الوقت نفسه أعطى نصيب الأسد من الأصوات التى سحبها من الفلول للأحزاب الإسلامجية. فلماذا؟

تخيلى نفسك ناخبة غير مسيسة، لا تنتمين إلى حزب معين، ولا تتبنين أيديولوجية معينة، قمت بواجبك «الثورى» ولم تصوتى للفلول، والآن تريدين أن تعطى صوتك لحزب من بين البدائل المتبقية، فلمن ستعطين صوتك؟

إنما مَثَل الانتخابات كمَثَل حفل نهائى لاختيار المسؤول النموذجى فى الحى. أحد المرشحَين جاء مبكرا، أخذ الحمام، جَهُز، ارتدى البدلة والكرافيت. بينما جاء الثانى متأخرا، فرغ بالكاد من الحمام وكان يجفف نفسه حين دق جرس الخروج إلى المنصة لمواجهة الجمهور. لو كانت الأحزاب الجديدة أعقل وأكفأ رجل فى الدنيا فإن مجرد رؤيته خارجا إلى الجمهور بالمنشفة سبب كافٍ لعدم التصويت له. ومن المنطقى جدا أن يختار الناخبون «المتأرجحون» المتسابق الثانى، الجاهز.

أريد أن أقول إن الأصوات التى حصل عليها حزب الحرية والعدالة من غير جمهوره هى أصوات كانت فى زمن آخر ستذهب إلى أبناء العائلات، المرتبطين عادة بالحزب الذى يستطيع رعاية مصالحهم، أو ستقف على الحياد ولا تصوت لأنها لا تناصر اتجاها سياسيا بعينه. لا أقول هذا انتقاصا من حزب الحرية والعدالة، بالعكس، بل مدح فى نجاحه فى إقناع الناخب المتأرجح (رمانة الميزان فى الانتخابات فى الدنيا كلها) بأنه الحزب القادر على القيام بالمهمة فى هذه المرحلة الصعبة.

هؤلاء اختاروا حزب الحرية والعدالة أيضا لأنهم يسمعون اسمه، وبالتالى يعرفونه. فهو الحزب الموجود فى قلب الأحداث، المذكور مدحا وذما فى كل قضية (والدعاية السيئة هى دعاية جيدة، كما تقول القاعدة التسويقية)، المطروح فى كل حى شعبى من خلال أنشطة جماعته الدعوية، المرضى عنه من شيوخ المساجد بحكم الأمر الواقع، فإن لم يدعُ له فلن يدعو عليه. صورة متكاملة لـ«العريس المناسب» حتى لو لم يكن الزواج مبنيا على الحب. و«الحب ييجى بعد الانتخاب»، ما دام الرجل محترما ويقدر يصونك. سيكون لزاما على أى حزب يريد أن ينافس الحرية والعدالة فى الانتخابات القادمة أن يقنع هؤلاء الناخبين من غير جمهور الحزب بأنه سيقدم أداء أحسن.

طيب، هل كان هذا خيانة لمبادئ الثورة وللشباب الذين قاموا بها؟ أبدا. هذا وفاء لمبادئ الحياة اليومية، الشغل الشاغل للناخب فى أى مكان.

لو اعتبرنا الثورة ظاهرة استثنائية، كمطر غزير فى الصحراء، فلا بد أن نشير إلى أن أثر ظاهرة كتلك يكون محدودا جدا إن لم يكن فى الصحراء المعنية أناس يتولون أمرها، ويستفيدون من هذا الماء الهدية. هذا ما حدث فى مصر. حين نزل الغوث لم نكن مستعدين لـ«اليوم التالى»، وارتبكنا، لا لعيب موروث فينا، وإنما لأن هذا هو النتيجة المنطقية الوحيدة لعهود من الاستبداد والفشل السياسى. كان الأقل ارتباكا من بيننا الإسلامجيون المنظمون. ومن هنا كان منطقيا جدا أن يختارهم الناخب، الذى كان من الوعى بحيث يبدِّى الحرية والعدالة السياسى، البراجماتى، على حزب النور السلفى، بنسبة كبيرة. لكن الناخب أعطى حزب النور السلفى الكاره للديمقرطية عشرين فى المئة. هل يُعقل هذا؟ هذه نسبة متكررة للمتشددين فى بلاد أكثر منا تقدما ووعيا. حصل عليها جان مارى لوبان فى فرنسا، وحصل على أكثر منها جورج هايدر فى النمسا. وكلاهما يقود حزبا فاشيا متعصبا كارها للأجانب. أضف إلى ذلك تنسيقه مع حزب الحرية والعدالة، وهى خطوة سياسية قد يدفع حزب الحرية والعدالة ثمنها مستقبلا، وسننتظر المرحلة الثانية من الانتخابات لنعلم إن كان قد تنبه لخطرها.

نتائج الانتخابات لم تكن على هوى الثوار، لكن يجب أن يتجردوا ويقرؤوا اختيارات الناخبين بطريقة إيجابية لكى يستفيدوا منها، ولو كنت مكانهم لتفاءلت وعقدت الهمة: شعب يكره الفلول (هزمهم فى الصناديق)، لا يثق بالأحزاب القديمة، ويصوت للحزب الأكثر تنظيما، وتتجرأ نسبة لا بأس بها منه وتصوت لأحزاب جديدة تماما، كرما منه، وتشجيعا لها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق