الجمعة، 23 ديسمبر 2011

الشردوحة والمعلم بِسة - محمد فتحي يونس

جريدة التحرير - 23/12/2011

الشردوحة نتاج تزاوج وصفين يجمعان بين العهر والردح. تتوافر فى صاحبتهما قدرة غريبة على ممارسة الانحطاط. وفرض سياج اجتماعى لحماية تصرفاتها والجرأة عليها. يتكون السياج من الصوت العالى كسلاح يغطى على جوهر الفضيلة، أو بذاءة اللسان كقاعدة ضربات وقائية ضد مهاجمى الرذيلة.

انتبه الوجدان الشعبى إلى وجود الشردوحة وقوة تأثيرها، فكانت الأمثال الموثقة للظاهرة، ومنها «الشردوحة ست جيرانها»، فى إشارة إلى قوة السطوة، بسبب أسحلتها الفتاكة المضادة لدعاة الفضيلة، أو المقاومين للرذيلة، وهناك أيضا مثل يحذر من الصدام معها يقول: «تكلم الفاجرة تلهيك وتجيب اللى فيها فيك».. قد لا تكون الشردوحة محترفة البغاء الرخيص، بل أحيانا تغوص فى الانحراف الأخلاقى بلا مقابل مادى، وإنما إشباعا لرغبة، تحميها سطوة مثلما كانت شفاعات فى رائعة صلاح أبو سيف «شباب امرأة».

والشردوحة شخصية مشبعة بالعنف، تملك تاريخا طويلا من التعرض للمآسى، يزيدها صلابة ظاهرية وقسوة أحيانا، وفوق ذلك قدرة على التصالح الظاهرى مع النفس أيضا.

تملك الشردوحة ما تقدمه لغيرها.. فإلى جانب الغواية والمتع الحرام ربما تتمتع ببعض القيم المقبولة فى محيطها، كفرض الحماية على مريديها، أو الوقوف بجوارهم وقت الأزمة.

فى السياسة والإعلام لا تحتاج إلى قوة ملاحظة، كى تكتشف كم شردوحة الآن حولك، يقف أحدهم مهاجما ثورة يناير فى أوج اشتعالها، متحدثا بحرارة عن المؤامرة الخارجية لهزيمة مبارك بطل الحرب والسلام، وحديث عن دور الماسونية فى تفتيت الوطن، وكيف سيغير جمال مبارك تاريخ مصر، وكيف يضبط صفوت الشريف هارمونى الإعلام المصرى الرائد، وهو خلال ساعات بعد إزاحة المخلوع صب لعناته عليه، ويقول إنه عاد بمصر سنوات للوراء، بينما يتحول قائد الإعلام المصرى إلى مجرد «قواد».. مبررا تقبيل يده أمام الجميع بأنه «نوع من الذكاء الاجتماعى».. حتى يتجنب انتقام رجل الاستخبارات القديم الذى اعتاد تصوير الناس وفضحهم.

ومثلما تملك الشردوحة ما تقدمه لدافع الثمن تملك أيضا إمتاع «جيرانها»، فتستعمل لغتهم وتظهر ببساطة أولاد البلد، وهو أسلوب دعائى معروف يحمل اسم «التحدث بلغة البسطاء» يضمن التأثير، ومع فاصل من النكت والتمثيل الكوميدى، تحافظ الشردوحة السياسية على تأثيرها فى محيط جمهور بسيط محبط من تعالى النخبة، بل يغفر لها ما رآه من انحراف ظاهر فى الماضى.. وإزاء فترة إعادة الإحياء تعثر على السادة الجدد، فتمارس السطوة نفسها بأدواتها القديمة مع الزبائن الجدد.

الشردوحة الآن تحاصر مهاجميها بتهم الخيانة أو ملفات التلويث، مستندة على حدة أنصال أدواتها التقليدية وقوة سيدها الجديد، وبطشه.

«بسة» هو الشخصية الأخرى التى تملك تأثيرا يقارب تأثير الشردوحة بأدوات مغايرة.. تنبه إليه كاهن الرواية التليفزيونية الراحل العظيم أسامة أنور عكاشة، انتقل من مرحلة جامع للسبارس، إلى التجارة مع المحتل فى مدن القناة، وخلال انفتاح السبعينيات وجد ضالته فى التسقيع وتجارة العملة ازدادت الثروة، ثم ارتدى غطاء الدين فى العقد التالى للحصول على الملايين من «نصباية» توظيف الأموال، قهر «بسة» ومعه رفيقه «الخمس» منتقديه بسلاحى المال والدين، لا يجرؤ الكثيرون على التصدى لهما، فستخور قواهم أمام تهم الكفر، ولن يقاوموا المال بسهولة.

«بسة» تكاثر اليوم وكون إمبراطورية امتدت إلى الميديا، وصل تأثيره إلى جماهير عطشى للإيمان واليقين فى لحظات التوتر.. تحولوا إلى أنصار لهم جناح سياسى قوى.

إحدى نسخ بسة الجديدة، بدأ حياته مستثمرا فى محطة للفيديو كليب منحط الذوق.. ومع بزوغ المحطات السلفية أراد الاستفادة من كعكة التمويل، و«بهاريز» السوق الدينى الجديد.. لكن شراسة الأمن كانت عائقا محتملا، ويمكن الإطاحة بمشروعه وتسميم بقرته التى تحلب ذهبا فى أى لحظة، جمع الحسنيين، حافظ على محطة الراقصات، وبدأ استثمارا خجولا فى كنز المشايخ، كان الموقف متناقضا ويهز وقار الأباطرة الجدد، كيف تدخل الراقصات من باب مجاور للمشايخ فى ذات المبنى، سرعان ما أسالت المكاسب الجديدة لعابه فغامر، وتخلص من الراقصات، كسب الرهان، ربما نظر لنفسه كتائب يستثمر فى الحق، واعتبره المشايخ يبدأ عصر النور بعد ظلمات المعازف وجاهلية اللحم الأبيض، أطلق اللحية، وجمع نجوما وصنع آخرين، المرتبات باهظة عشرة آلاف دولار على الأقل، التفاصيل المالية كشفها شيخ سلفى اسمه الرضوانى فى فيديو على «يوتيوب». «بسة» استفاد من تراث الشراديح.. فتضاعفت القوى.. جمع داعية آخر بنى شهرته فى بلاط السلطة على سباب المعارضين وقت الثورة فى التليفزيون الحكومى.. حوّل بوصلته للحكام الجدد، وواصل حفلات السب.. مختلطة بجرعات التكفير وحديث المؤامرة.. أقام حروبا ومعارك تكفيرية فى الخلاف السياسى بين فصائل المجتمع، رافعا سيف الأخلاق وهو أول من لا يتحلى بها.. تعرت فتاة وسحلت وانتهك عرضها.. سارع بإكمال حفلة الهتك، معتبرا إياها تستحق مع ما تعرضت له، وقال إن من يدافع عنها نصابون.

اجتمع الشردوحة وبسة.. تضاعف التأثير وتضاعف الدخل.. وضمنا حماية السادة الجدد.

كم شردوحة وبسة الآن فى صفوف الثورة المضادة؟

http://tahrirnews.com/مقالات/الشردوحة-والمعلم-بِسة/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق