الأربعاء، 7 ديسمبر 2011

أين الشعب؟! - وائل عبد الفتاح

هل فقد الشعب عظمته لأنه لم يذهب إلى صناديق الانتخابات فى جولة الإعادة؟ هل تبخر وعْىُ الشعب فجأة وعاد إلى النوم؟ إنه إذن «عرس الديمقراطية»، هكذا خرجت الإكليشيهات من مخازن قديمة لتصف مشهدا جديدا بالكامل، شعبا يدخل مسرح السياسة من بوابة كسرتها الثورة، ونصف ثوار يملكون ميكروفونات يصرخون فيها: إن الثورة لم تقم إلا من أجل تحرير الصندوق. تصوُّر يختصر الثورة فى قفزة للحكم ينجح فيها الأكثر تنظيما أو قدرة على حشد الناس حول معركة خاطئة فيبدو الذهاب إلى الانتخابات كما لو كان استفتاء على الله أو اختبارا لمدى تدينك. هل تدافع عن إسلامك؟ هل هبط السلفيون والإخوان على بلد كافر ليصوروا أن فوزهم هو «الإسلام»؟ وكأن الإسلام سيدخل مصر مع فوز الإخوان وحزب النور.. أو كأن مصر كانت تنتظر المبشَّرين بالجنة.. وبصكوك تضع خاتم الإسلام الحقيقى. الإسلامى والليبرالى برنامج سياسى واقتصادى واحد تقريبا.. الاختلاف فقط عند الحرية الشخصية. بمعنى أن التصويت يتم فقط على مدى احترامك لحريتك وحرية جارك المختلف عنك. كلاهما: الإسلامى والليبرالى، يقدم حلوله من كتالوج اقتصاد السوق.. ويتعامل مع الفقراء على أنهم يستحقون «الخير» كما فى برنامج الإخوان، أو «القضاء على العشوائيات» كما فى برنامج «المصريين الأحرار». لا أحد يقدم سياسات اجتماعية مختلفة، تقوم على أفكار جديدة تنظر إلى السياسة من موقع طبقات فقيرة أو أخرى تقاوم السقوط فى مستنقع الفقر. السوق وحده سيد على الجميع، وهذا ما لا يراه الناخب المغيَّب فى دوامة تخص حياته الشخصية ومستقبله فى هذه البلاد.. الإسلاميون يوعدون المسلمين بتسيد البلاد على أن يكونوا حنونين مع جيرانهم المسيحيين. والليبراليون من نوع «المصريين الأحرار» يبحثون عن سوق أكثر حنانا وانفتاحا وعطفا على الفقراء. ومن السهل هنا أن يلعب المتطرف فى الإسلامى والليبرالى على غريزة الخوف ووهم القوة. المتطرف الإسلامى يلعب على فكرة شعور الجمهور الكبير بالعار والذنب.. لأنه خارج كتالوج الإسلام الحقيقى وهى أوهام، انقسم بسببها المسلمون منذ حادثة الفتنة الكبرى، حيث تظهر كل فترة جماعة ترى فى نفسها فرقة ناجية تحارب كل الفرق الأخرى من أجل أن تنشر إسلامها الكامل، ثم تظهر فرقة أخرى تعلن أن إسلامها حقيقى أكثر، وهكذا دورات تستهلك القدرات الحيوية لشعوب مهزومة فى معركة الحداثة وتشعر بغربة مع العالم. المتطرف الليبرالى يرى الدفاع عن حريته الشخصية هو الأسمى، بينما تغيب حريات سياسية مثل حرية تنظيم الأحزاب والنقابات وتقوية حقوق الدفاع عن طبقات، لا يمكنها الوصول إلى البرلمان، لأنها لا تملك مالا أو مجموعات ثرية تدفع مقابل تعبيرها عن مصالح هذه الطبقات التى تريد أن تعيش فى نعيم، بعيدا عن صداع الحقوق والعدالة الاجتماعية. الغريب أن الحرب الدينية هى الأكثر رواجا فى انتخابات شعب، يعانى من أزمات اجتماعية طاحنة ويدفع ملايين منه سنويا إلى ما تحت خط الفقر! أين الشعب؟ الانتخابات تم تلخيصها فى إعلانات عن جيوش للخلاص الدينى وتوظيف الفقراء للدفاع ضد مصالحهم والجميع تحدث باسم شعب، لا يمكن التعامل معه على أنه كتلة واحدة، هناك شعب دافع عن إرادته ونفس الشعب باع هذه الإرادة بأنبوبة بوتاجاز أو بخمسين جنيها. الشعب حاول النظر إلى المستقبل والشعب نفسه نظر إلى الماضى بقوة! كلٌّ حسب مقاس نظارته، فمنهم من استعاد مبارك ومنهم من استعاد زمن الدولة العباسية. الشعب فكرة استهلكتها السلطة فى تشكيل كيان غامض يسهل قيادته، وبالمعنى السياسى لا يمكن الحديث عن «شعب» إلا فى لحظات استثنائية، تتجمع فيها إرادات -ولو متصارعة- من أجل هدف واحد. لكن الشعب هو طبقات وشرائح ومصالح متعارضة، والأصل فى السياسة الصراع بينها، وليس توحيدها فى صفوف وحشود لتقول كلمة واحدة. التوحيد، والتوحُّد، والحشد، كلمات لها سحر فى لحظات الثورة، ولا يمكن استمرارها، لأن هذا أول الطريق إلى ديكتاتورية جديدة، تحصل على توكيل من الشعب لتعيده إلى النوم مبكرا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق