السبت، 10 ديسمبر 2011

أنا معايا مناديل يا مجدى - عمر طاهر

هناك أفلام ومسلسلات تُعرض باستمرار على قنوات مختلفة طول الوقت، لكن الواحد لم يشاهدها، الغريب أنه فى أثناء التنقل بين القنوات يتوقف الواحد دائما بالصدفة عند مقطع بعينه من هذا الفيلم أو المسلسل، مقطع واحد بالذات لا يتغير ونادرا ما يتصادف أن يقف عند مقطع آخر من العمل نفسه، الأغرب أن الواحد تعود أن يشاهد هذا المقطع حتى النقطة التى تَعوّد دائما أن يغير بعدها المحطة.. لم يحدث يوما أن حاولت استكشاف ما بعد هذا المقطع بثانية.

الأمر نفسه يتكرر بالنسبة إلى معظم برامج التوك شو التى تستضيف نجوما بعينهم قليلا ما يتغيرون، وأخص بالذكر الحلقات التى يكون ضيوفها من مرشحى الرئاسة، فالمقاطع متكررة إلا فى الحلقات التى تستضيف الدكتور البرادعى، فأنا شخصيا أكتشفه من جديد مع كل إطلالة من لحم ودم، على العكس من إطلالته عبر «تويتر» التى لا تُسمِن ولا تُغنِى من جوع.

علاقتى بالبرادعى تنمو يوما بعد يوم ببطء، لكن بثقة، تحفظاتى عليه ليست من النوع السائد لكنها لها علاقة بإمكانياته كرئيس للجمهورية، أراه دائما فى صيغة أفضل من صيغة الموظف الرسمى ربما تليق به كل التوصيفات من نوع الأب الروحى والمرشد الثورى، فهو يمتلك من الرقىّ والأفكار الإنسانية ما يزيد على حاجة رئيس جمهورية وما يتعارض مع دولة تنهش البيروقراطية والجهل وضيق الأفق فى لحمها.

لذلك اندهشت من الاعتذار الذى قدمه الزميل العزيز الأستاذ مجدى الجلاد فى نهاية حواره مع البرادعى عن الحوار نفسه ومحاولته تبرير الجلسة بأنها اجتهاد منه وأنه لو أخطأ فكل ابن آدم خطّاء، ذلك لأن الحوار كان أكثر من جيد وسمح للبرادعى أن يكشف عن أوجه من حياته ووجهات نظره كنت بحاجة إلى معرفتها، بداية من بعد إنسانى يتمثل فى إطلالة السيدة والدته مرورا برد فعله تجاه الأسئلة والاتهامات الساذجة التى تحيط به طول الوقت.. كنت سعيدا أن سأله الجلاد عن تزغيط البط وحزمة الجرجير وإسلامه وصديقته اليهودية ونظارته الغريبة وعلاقته بـ«تويتر» التى تكاد تجعلهما فى أعيننا توأما ملتصقا.

كان لا بد للبرادعى أن «يقفل هذا الليفيل» بلغة الألعاب الإلكترونية، قبل أن ينتقل إلى مستوى آخر، وكان البرادعى موفقا إذا لم يتورط فى ردود تافهة، ورجع كثيرا من المسائل إلى التعليم والأخلاقيات والرقىّ وحسن الإسلام، وكان موفقا لأنه لم يخجل من علاقته بـ«تويتر» وباغت الجلاد قائلا إن ما يكتبه على «تويتر» ينشره هو على صفحات جريدته فى اليوم التالى، واعتبر «تويتر» أداة للتعبير عن نفسه لا تتقاطع مع النزول إلى الشارع.

لم يجامل البرادعى أو يرواغ ولم يُسمِعنا الإجابات التى نتوقعها من مرشح لرئاسة الجمهورية يغازل الملايين، فدافع عن حق الشيعة فى الاحتفال بمناسباتهم على الرغم من حساسية الموضوع وقدّر للإصلاح فترة لا تشبه التى يقدرها بقية المرشحين جزافا لم يقل عامين وأربعة بل قال عشر سنوات، وقال إن هيبة الدولة من هيبة مواطن واحد وإنها سقطت يوم تم كشف عذرية سميرة إبراهيم، واحترمته عندما اعترف برفضه تشكيل حكومة من ميدان التحرير لأنه اعتبرها خطوة انقلابية البلد ليس بحاجة إليها، وكانت وجهة نظره مسكّنا لألم ما اعترى كل من فى الميدان يومها لأن البرادعى خذلهم فى هذا التوقيت وبعد كل ما بذلوه من جهد.

قال البرادعى كلاما كثيرا يوضح أن الرجل قد نجا من التجريف والتسطيح الذى طال معظم القيادات المطروحة على الساحة التى تأثرت بأذى العيش فى كنف نظام سابق فاسد وتجاهد بضراوة لتستعيد عافيتها الذهنية بعد سنوات سوداء.

شعرت فى وسط جرأة وتفتح البرادعى أنه يتحدث مثل غاندى ومارتن لوثر كنج وكينيدى وكل هذه الشخصيات العظيمة الصادقة التى ماتت مقتولة.

قلت رأيى هذا ففوجئت بردود كثيرة من الأصدقاء كلها تدور فى نقطة واحدة «ماتفوّلش على نقطة النور الوحيدة الواضحة»، لم «أفوّل»، ولكن هذه الفجوة الكبيرة بين أفكار البرادعى وأفكار 90% من المطروحين على الساحة تجعله طول الوقت معرضا للاغتيال المعنوى وتجعله معرضا للإصابة لأنه يجيد الاحتفاظ بالكرة متى وصلت إليه.. وما أكثر الخشونة التى يتعرض لها فى ملاعبنا لاعب من هذه النوعية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق