الاثنين، 5 ديسمبر 2011

إعلام العباسية! - طارق الشناوي

لا أوافق على ما انتهى إليه تحليل الزملاء فى جريدة «التحرير» قبل يومين من أن وزير الإعلام أسامة هيكل باقٍ لأن د.الجنزورى لم يعثر على من يقبل هذا المنصب بدلا منه.. لا شك أن ثورة الغضب التى اجتاحت ماسبيرو الآن إلى درجة التهديد بوقف البث سوف تجعل الإصرار على هيكل ضربا من العناد، إلا أننا يجب أن نضع فى معادلة القوى أن المجلس العسكرى يدافع حتى اللحظات الأخيرة عن رجاله المخلصين، وهيكل على رأس هؤلاء.

هل صحيح أن المجلس لا يجد بديلا لهيكل ينفذ تعليماته؟ من المؤكد أن هناك من يستطيع أن يلعب بكفاءة هذا الدور.. أن تكون خادما لمن بيده الأمر هى القاعدة التى زرعها نظام مبارك فى نفوس كل من تولى منصبا قياديا، ولا يزال كثيرون يطبقون تلك القاعدة.. إيجاد بديل لهيكل تنطبق عليه المواصفات ليس مشكلة لأن المجلس العسكرى لن يقبل أبدا التنازل عن الوزارة، فهى أحد أسلحته التى يسعى من خلالها للسيطرة على الرأى العام، ولا عن الرجل الذى يضمنون ولاءه لهم، وبقاؤه فى السلطة هو مكافأة يستحقها من وجهة نظرهم، كما أنه يحمل رسالة اطمئنان لكل خادم قادم آخر!

أسامة هيكل تتوفر فيه الصفات المطلوبة لرجل المرحلة القادمة التى تعنى التنفيذ الحرفى للأوامر التى تبث رسميا للجمهور كما كان يحدث قبل ثورة يناير، ورغم ذلك فأنا أطالب ببقاء إعلام الدولة على شرط أن يصبح إعلاما للدولة بكل أطيافها لا للسلطة الحاكمة.. الإعلام أيام مبارك كان هو المعبر عنه وأسرته، زوجته وابنه جمال لم يفسحوا الباب لعلاء إلا فقط فى واقعة الجزائر عندما أراد أن يهاجمهم وفقا لخطة تصاعدية تبدأ بعلاء وتنتقل إلى كل قطاعات الدولة.. كان الإعلام الرسمى يؤهل نفسه بكل ما أوتى من قوة لمعركة التوريث والكل كان ينتظر ساعة الصفر والإعلام الخاص فى القسط الأكبر منه كان جزءا من التمثيلية.. إعلام هيكل هو ابن شرعى لإعلام صفوت وأنس مع اختلاف فقط فى طبيعة المرحلة.

فى الفترة الوجيزة التى حمل فيها هيكل حقيبة الإعلام شاهدنا ماسبيرو وهو يقدم شهادات ملطخة بدماء الشهداء وعلى رأسها حادثة ماسبيرو التى كان ينبغى أن يقدم فيها الوزير للتحقيق باعتباره مسؤولا أدبيا عن التحريض العلنى الذى مارسه هذا الجهاز ضد أقباط مصر، ولكن ما حدث هو أن هيكل شكل لجنة برأت ساحة إعلام الدولة، وهو ما حدث مرة أخرى مؤخرا قبل ساعات قليلة من إعلان التعديل الوزارى حيث فوجئنا بلجنة أخرى تشهد لصالح العروسة وتعلن أن إعلام الدولة كان منصفا فى تغطية المرحلة الأولى للانتخابات.

أسامة هيكل المتهم بالتحريض على تأليب الرأى العام ضد الأقباط فى مذبحة ماسبيرو يوم 9 أكتوبر يقدم بعد شهر ونصف وبنفس العناصر إعلاما محايدا يقف على نفس المسافة من كل الاتجاهات ويستحق أن يصبح منهجا للقنوات الخاصة.

ثورة 25 يناير وشباب ميدان التحرير تُفتح عليهم النيران من عدد من القنوات الخاصة ولكن يظل دور الإعلام الرسمى لا يمكن التنازل عنه من أجل كسر روح الثورة.. السلطة العسكرية اختارت رجلها فى الإعلام، سيدافعون عن بقائه على رأس الجهاز رغم الفشل الإدارى والفنى الذى صاحبه، فلقد شكّل لجنة للنهوض بالأغنية واكتشفنا أن نصف أعضائها من الملحنين والشعراء اعتقدوا أن المطلوب هو النهوض بمستواهم الاقتصادى فتقدم عدد منهم بأغانيهم للجنة التى يرأسها عدد منهم فاحتجّ بعضهم على سلوك بعض وتقدموا باستقالاتهم!

ما الذى فعله بالدراما؟ لا شىء، المنوعات لا شىء، الأخبار لا شىء، ورغم ذلك هو باقٍ.. مع الأسف سوف يستطيع الوزير أن يعثر على مؤازرة جزء من الصحافة بكل أطيافها، عدد من الزملاء يستطيع أن يكتسبهم إلى جانبه لتجد أن هناك من يبارك ويؤيد قراراته، إلا أن الغليان لن يتوقف فى ماسبيرو.. الإعلام الذى خان المواطن المصرى فى قضاياه الوطنية، الذى راهن على حكم العسكر هو جزء من تلك المنظومة التى تخنق رقبة الثورة!

الرسالة الإعلامية التى يقدمها هيكل هى بالضبط الإعلام الذى يشبه السلطة العسكرية التى تهيمن الآن على مصير الوطن.. إنه إعلام العباسية!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق