الاثنين، 17 أكتوبر 2011

عن انتخابات نقابة الأطباء 2011

في البداية أود أن أهنيء عموم أطباء مصر بهذا المشهد المهيب الذي رأيناه يوم الجمعة 14 أكتوبر 2011، المشهد الذي سيظل راسخا في ضمير كل من تقدم و سيتقدم لتمثيل الجنود الصامتين، المتشحين بالبياض، المقاتلين الرحماء، الأطباء المصريين. المشهد الذي يعني أن من سيعمل في الدار المقدسة للحكمة سيكون خادما لإخوانه لا سيدا عليهم يستغل تمثيلهم لمكاسب شخصية أو حزبية، فإن خيب ظنهم أو خان عهدهم أسقطوه مكللا بالعار في مشهد الانتخابات التالي.
لا أجد ما اعبر به عن فخري و اعتزازي بالانتماء لهذه الكوكبة المتميزة والنخبة الطيبة من المجتمع المصري الأصيل، هذه المجموعة التي ترسم – في رأيي – الصورة المثالية للناخب المصري المثقف و الملتزم و المحترم، الذي يحدد هدفا ويسعى وراءه دون أن يكون لعبة في يد المنتفعين من أصحاب المصالح و الأهواء، فلا يتأثر بالإغراءات المادية أو الوعود الشخصية، بل يفكر ويختار للصالح العام.
قد تكون رؤيتي هذه متفائلة بالنسبة للكثيرين الذي قد يرون انه لا يوجد ما يدعو للتفاؤل بهذه الدرجة، لكني سألخص أسباب تفاؤلي في الآتي:
1) المشاركة الكبيرة لأعضاء النقابة في التصويت، صحيح أنها كانت في حدود 20% من الناخبين المسجلين، لكننا يجب ألا ننسى أن العديد من الناخبين غير موجودين في مصر من الأصل، بالإضافة إلى من ذهب للانتخاب و لم يتمكن من التصويت لأسباب إدارية بحتة، مثل المصاريف و التسجيل في النقابة الفرعية، و أتصور أن هؤلاء سيقل عددهم في المشاهد الانتخابية التالية نتيجة ازدياد الوعي من جهة و التطور التكنولوجي من جهة أخرى و الذي قد يسمح بالتصويت الالكتروني، مما سيشجع الجميع على المشاركة الفعالة، أضف إلى ذلك ما سيلمسه الجميع من تحسن تفاعل النقابة مع مشاكلهم و مساندتها لهم، وهو ما سيدفع من نسميهم "حزب الكنبة" للتحرك و المشاركة.
2) الاحترام الكبير و المتبادل بين الناخبين و المرشحين، فلا توجد محاولة للتأثير على رأي الناخب بالصورة الفجة التي شهدناها في استفتاء مارس 2011 أو ما سبقه من الانتخابات المزورة، حتى ما قام به بعض المرشحون أو القوائم من توزيع مياه الشرب المبردة على الناخبين أثناء انتظارهم للتصويت تم بصورة راقية خلت من أي شكل من أشكال الضغط أو التوجيه.
3) نزاهة العملية الانتخابية ليست محل شك، فالتصويت جرى بشكل واضح و تحت رقابة قضائية و مجتمعية و إعلامية، و تم الفرز بشكل علني و في وجود ممثلين عن الجميع. اعلم انه كانت هناك بعض المخالفات، لكنها بشكل عام كانت محدودة و لا تؤثر جذريا في النتائج.
4) التمثيل المعقول للمرأة و المسيحيين في كل القوائم بما فيها قوائم الإخوان، و الذي أتمنى أن يزيد و يتطور في المشاهد التالية.
5) الاهتمام المجتمعي و الإعلامي الكبير بهذا الحدث، والذي يدل على أن المجتمع بشكل عام ينتظر الكثير من هذه الفئة العبقرية من أبنائه.
6) النتيجة: وهي في رأيي ادعى الأسباب للتفاؤل، فبقراءة متأنية و غير منفعلة نجد أن التيار الديني تراجع تمثيله بالفعل عما كان عليه في الأعوام السابقة، حتى و إن لم يعترف ممثلوه بذلك. ليس هذا فحسب، بل إن التيار الديني تراجع في الأقاليم، وكنا نظن أن ذلك لن يحدث إلا في القاهرة و الإسكندرية فقط. فإذا أخذنا بعين الاعتبار سيطرة هذا التيار على النقابة طيلة العقود الثلاثة الماضية فإننا لابد أن نجد أن حصوله على نسبة 60% أو اقل من مجموع المقاعد هو مؤشر جيد على تحرك المياه الراكدة و ضخ الدماء الجديدة في شرايين النقابة. لا يعني هذا أن يكون الأطباء ضد الإخوان المسلمين مثلا، لكن الاحتكام في الانتخابات لا يجب أن يكون للدين، وإنما للانجاز السابق و البرنامج التالي.
هل يعني ما سبق أن الانتخابات وما سبقها و ما تلاها كانت ملائكية مائة بالمائة؟ بالطبع لا، هناك بعض الهفوات و السقطات لاحظتها و ألخصها في الآتي:
1) الاختيار في الأغلب تم بناء على استبعاد تيار معين (ديني أو ليبرالي) أو بناء على معرفة شخصية، ولم يكن على أساس البرنامج.
2) محاولات الحشد الديني من الطرفين، صحيح أنها لم تكن بحجم أو تأثير ما شوهد في استفتاء مارس، لكنها للأسف كانت موجودة.
3) عدم وجود الحيدة الكاملة من اللجنة النقابية المشرفة على الانتخابات، تمثل ذلك في عدم وضع برامج كافة القوائم و المرشحين على موقع النقابة، وإنما وضعت برامج الاتجاه الديني فقط. كذلك سُمح لممثلي التيار الديني بممارسة الدعاية الانتخابية داخل بعض مقار الانتخاب (و لكن ليس داخل اللجان) دون السماح بذلك للآخرين.
4) عدم احترام البعض للنتائج النهائية، فهاهو طارق الغزالي حرب يدعي منع ثلاثة آلاف مسيحي من التصويت، وهو ادعاء كاذب من ناحية و مدمر للوطن و للسلم الاجتماعي من ناحية أخرى، فإن كان ادعاؤه صحيحا وجب عليه التقدم به للجهات المختصة دون إفشائه في الإعلام، وإما إن كان ادعاؤه كاذبا – وهو ما اعتقده – فعلى الجهات المختصة محاسبته و عقابه.
وفقنا الله جميعا لما فيه مصلحة مصر.
أيمن زعقوق
17 أكتوبر 2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق