25/11/2009
لا يعنينا الانحطاط المهنى والأخلاقى والسياسى لعدد من الصحفيين الجزائريين ولا بذاءاتهم ضد المصريين جرياً وراء زيادة توزيع صحفهم، أو تعبيراً عن تيار نعلم بوجوده يعتبر الجزائر حتى الآن امتداداً لفرنسا ويكره عروبتها، ويحمِّل مصر مسؤولية اجتذابها نحو المشرق العربى وقيادة تعريب التعليم ومساندة قادتها الذين آمنوا بعروبتها فى خطة التعريب،
كما لا يعنينا مجموعة البلطجية الذين هاجموا ودمروا ونهبوا شركاتنا ومكتب شركة الطيران وبيوت العاملين المصريين وإدخال الرعب فى قلوبهم، لأنهم لا يعبرون عن حوالى أربعين مليون جزائرى، ولدينا مثلهم فى مصر، على صفحات صحفنا كلما اندلعت أزمة بيننا وبين دولة عربية، ومن يستغلون أى اضطرابات لنهب وسرقة وحرق ممتلكات دولتهم وإخوانهم، وما حدث فى الانتفاضة الشعبية فى ١٩٥٨ ويناير عام ١٩٧٧ لا يزال ماثلاً فى الأذهان،
ولولا السرعة التى تدخل بها الأمن لتحولت المظاهرة التى أرادت الاتجاه لسفارة الجزائر إلى كارثة مروعة إذا شارك فيها عاطلون ولصوص، والتحول لنهب المتاجر والمنازل وتدميرها، ومع ذلك تم تحطيم واجهات محال ومحطة بنزين وإتلاف عدد كبير من سيارات الشرطة وإصابة خمسة وثلاثين ضابطاً وجندياً.
لا يعنينا هذا لأن كل شىء سينتهى وستظل العلاقة بين الشعبين والبلدين كما هى، إن لم تزدد قوة بأن تعطيها الأزمة دفعة للأمام بمناقشة مكشوفة لما داخل صدور البعض، خاصة أن الاعتداءات التى تعرض لها المصريون فى الجزائر والسودان لم يسقط فيها قتيل واحد أو حتى إصابة خطيرة، ونفس الأمر مع الاشتباكات التى حدثت فى حى المهندسين بين مصريين وجزائريين فلا جزائرى قُتل أو أصيب إصابة خطيرة،
وعلينا أن نتذكر أن الاشتباكات الدموية التى حدثت بين مصريين وكويتيين فى منطقة خيطان، وأدت لأعمال تخريب، ومثلها حدث فى ليبيا بين مصريين وليبيين، وكلها تخللتها أعمال قتل وترتبت عليها محاكمات انتهت إلى لا شىء، ومشاكل أخرى تكررت فى حى المهندسين عندنا أدت إلى مقتل أكثر من عشرة لاجئين سودانيين معظمهم من الجنوب، ومعارك فى العاصمة الخرطوم بين سودانيين ومصريين وتدخل الشرطة ضد المصريين، ومشاكل مع السعودية بسبب عقود العمل ومحاكمة مصريين بتهم مختلفة، ومشكلة مع ألمانيا بسبب مقتل مروة الشربينى أعقبتها مظاهرات واحتجاجات، ومع إسرائيل التى قتلت جنوداً وضباطاً لنا،
وجاء أولمرت رئيس وزرائها السابق واجتمع مع الرئيس مبارك فى شرم الشيخ، ومع ذلك بعنا لها الغاز بأسعار مدعومة، ولم نغلق سفارتها ونطرد رعاياها وننسحب من اتفاقية الكويز، رغم الكراهية الشعبية الكاسحة لها ورفض التطبيع معها حتى من جانب قطاعات رسمية من الدولة.
والذى أريد التنبيه إليه هو أن سياسات الدولة ومصالحها العليا وعلاقاتها الأخوية الخاصة مع دول معينة، هى العربية، أهم وأبقى من أى موجات غضب عارضة بشرط الحفاظ على كرامة مواطنينا وبشرط احترامهم أيضاً لقوانين الدولة التى يعملون فيها وهى عملية تبدأ من مصر بأن تطبق قوانينها دون استثناء على غير المصريين إذا خالفوها، فلا تترك مواطنى دول الخليج وأمريكا ودول أوروبا، وتتعسف فى تطبيقها مع مواطنى الدول العربية الفقيرة فى المطارات وداخل البلاد.
أما الذى يهمنا فهو البحث عن أخطائنا والمسؤولين عنها، وقد امتلأت الصحف بها وهى تحويل المباراة إلى معركة وطنية، بحيث أصبحت سمعة مصر وكرامتها مرتبطتين بأرجل اللاعبين، وصرف الملايين من الجنيهات لإرسال مشجعين من غير مشجعى الكرة وهم قادرون مالياً على دفع قيمة تذاكرهم، لو كانوا حقاً يرغبون فى التشجيع، ولم نرسل أعداداً من قواتنا فى ملابس مدنية لحمايتهم من بلطجية مشجعى الجزائر، وتحول كتاب وصحفيون إلى معلقين رياضيين، والمعلقون الرياضيون إلى كتاب سياسيين وقادة للرأى العام، واستعنا بأغانى الحروب الوطنية،
وناشدنا السودانيين دعمنا وطلبنا من الشعب أن يدعو: يارب.. قبل ثلاثة أيام من المباراة، فى واحد من أسوأ أعمالنا، لأن هزيمتنا تعنى أنه غير راض عنا، وكان واضحاً أن الحزب الوطنى حولها إلى معركته هو، ليكون النصر فيها له، وتوافرت لدينا الأموال لتوزيعها على اللاعبين تطييباً لخواطرهم، وهم يحصلون على الملايين سنوياً مقابل احترافهم والإعلانات، بينما المستشفيات الحكومية فى نصف المحافظات لا يوجد فى أى منها أجهزة رنين مغناطيسى وأشعة مقطعية، كما اعترف بذلك وزير الصحة للرئيس علناً منذ شهرين.
وعلى كل حال، فالرئيس أعطى إشارة واضحة لأجهزة الدولة بوقف مهزلة تحديد سياسة مصر بواسطة عدد من الهواة بقوله فى خطابه يوم السبت أمام أعضاء مجلسى الشعب والشورى: «تظل دائرة تحركنا العربى أولوية من أولويات سياستنا الخارجية.. ستبقى القضية الفلسطينية أولوية رئيسية فى تحرك سياستنا الخارجية.. أقول بعبارات لا تحتمل اللبس إن إسرائيل تقوض فرص السلام.. ارفعوا حصاركم عن غزة.. كفاكم تعنتاً ومراوغة».
ولم يتطرق إلى ما حدث بكلمة سوى عبارة قال فيها: «رعاية مواطنينا بالخارج مسؤولية الدولة، لا نقبل المساس بهم، أو التطاول عليهم، أو امتهان كرامتهم، إن كرامة المصريين من كرامة مصر، ومصر لا تتهاون مع من يسىء لكرامة أبنائها».
كما استخدم خفة ظله فى الإفلات من الذين طالبوه بالكلام الصريح، والآن نتمنى أن يثبت أنصار النظام الذين طالبوا بترك العروبة ودور مصر القيادى، أنهم أصحاب رأى وموقف بأن يهاجموا كلام مبارك ويرفضوه!! هذه أزمة ستنتهى، ولابد لساويرس والمقاولون العرب ووزارة البترول من استئناف نشاطهم بسرعة وأن يواصل أحمد عز مشروعه لإنشاء مصنع ضخم للحديد والصلب فى الجزائر، وألا نترك أرضاً كسبها الرأسماليون المصريون والقطاع العام فى أى دولة عربية، وعدم الالتفات لجهلة وثقيلى ظل يطالبون بسحب استثماراتنا من الجزائر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق